فرجينيا.. الحبل أم لون الرجل؟

تحولها الأقليات والأزمة الاقتصادية إلى ولاية زرقاء تدريجياً.. «الشرق الأوسط» تستطلع التغيرات

TT

قال ادوارد راندل حاكم ولاية بنسلفانيا في معرض تفسير تحوله من دعم هيلاري كلينتون الى مساندة المرشح الديمقراطي باراك اوباما «لو كنت تسبح في نهر ثم فجأة جرفتك الامواج، وجاء رجل شهم وذكي ورمى لك بحبل لتنقذ نفسك من الغرق، هل ستنظر الى لون الرجل أم انك ستمسك بالحبل وتنجو». يقول بلتر مينساه، وهو جمهوري يقيم في منطقة «شانتيلي» شمال فرجينيا «كنت دائماً أصوت مع الحزب الجمهوري، لكن هذه المرة سأصوِّتُ الى جانب المرشح الديمقراطي، وفي اعتقادي إنه سينقذ اميركا من الغرق». ورداً على سؤال لـ«الشرق الاوسط» قال مينساه الذي يعمل بمكتب بريدي في منطقة روزلين، وينتمي الى الطبقة المتوسطة التي يتحدث عنها اوباما كثيراً «شاهدت الليلة الماضية (الثلاثاء الماضي) المناظرة التلفزيونية بين باراك اوباما وجون ماكين، ووجدت ان اوباما كان أكثر وضوحاً من ماكين حول الأزمة المالية والضرائب، ماكين لم يتحدث ولو مرة واحدة عن الطبقة الوسطى، وهو ليس له برنامج واضح عن التعليم، ابني فرانك سيدخل هذه السنة الجامعة وسيحتاجُ الى قرض لمواصلة تعليمه، إذا فاز أوباما سأجد حلاً لهذه المشكلة التي تحظى لديَّ بالاولوية، لذلك سأصوت لصالحه». تعد ولاية فرجينيا، من أهم الولايات التي يطلق عليها وصف «الولايات المتأرجحة»، اي تلك الولايات التي ليست زرقاءَ بحيث تكون موالية للديمقراطيين، او حمراء موالية للجمهوريين، بل هي تصوت في كل مرة مع حزب، وكانت صوتت مع كلينتون وفي عام 2004 صوتت مع الرئيس الحالي جورج بوش، وفي هذه الانتخابات تعد هي وولاية اوهايو وبنسلفانيا ولايات الحسم، وخاصة فرجينيا، من يفوز بها سينتقل الى الضفة الاخرى من نهر بوتاماك الذي يفصل فرجينيا عن واشنطن.

يمثل الولاية في الهيئات الناخبة 13 مندوباً، وهو ما يضعها في مرتبة متوسطة، ذلك ان عدد المندوبين في الهيئات الناخبة يتراوحون ما بين ثلاثة مناديب في عدد من الولايات، و55 مندوباً، وهو أكبر عدد يمثلون ولاية كاليفورنيا، ويحتاج اي رئيس الى ضمان فوزه بأزيد من 270 مندوباً. في آخر انتخابات رئاسية، صوتت فرجينيا لصالح الجمهوريين سواء على مستوى الرئاسة او الكونغرس، لذلك بذلت حملة اوباما جهداً استثنائياً للفوز بهذه الولاية، وذلك في ثلاثة اتجاهات. اولاً، حث اكبر عدد من الناخبين للتسجيل ضمن لوائح الناخبين، واتبعت في هذا المجال اسلوب الاتصال مباشرة بالاشخاص المفترضين من باب الى باب، مع التركيز على الناخبين الشباب.

ثانياً، فتح أكبر عدد من المكاتب في مدن الولاية وإغراق هذه المدن بالدعاية للمرشح الديمقراطي. ثالثاً، إجراء اتصالات مع جميع الناخبين الذين يفترض ان يصوتوا لصالح المرشح الجمهوري، وكذلك مع المستقلين والتحاور معهم لإقناعم ببرنامج اوباما.

ولعل من بين أهم الشخصيات التي خرجت من صفوف الجمهوريين لتعلن مساندتها للمرشح الديمقراطي اوباما في ولاية فرجينيا، هي ليلبت هاغال زوجة السيناتور الجمهوري تشك هاغال، التي عقدت ندوة صحافية يوم الثلاثاء الماضي رفقة سوزان ازنهاور حفيدة الرئيس الاميركي الجمهوري دويت ازنهاور، اعلنتا من خلالها تأييدهما للمرشح الديمقراطي، وهو ما اعتبر أكبر انجاز تحققه حملة اوباما في فرجينيا، أحد أهم معاقل الاميركيين البيض العنصريين الذين يعرفون باسم «رد نيك» أي اصحاب الرقاب الحمراء. وقالت هاغال في الندوة التي حضرتها «الشرق الاوسط» في معرض تفسير موقفها المثير للاهتمام «هذه المرة الاولى التي اساند فيها مرشحاً ديمقراطياً ومن أهم العوامل التي جعلتني اتخذ هذا الموقف هو ان عالمنا أصبح محفوفاً بالمخاطر». واضافت «نخوض حالياً حربين (العراق وافغانستان).. ولدينا أكبر ازمة مالية منذ فترة الكساد الكبرى». وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة التي تربط هاغال بماكين وزوجته سندي، فإنها فضلت ان تعلن مساندتها للمرشح الديمقراطي، وقالت في هذا الصدد «هذا الموقف ليس ضد ماكين، بل هو موقف مساند لاوباما، لقد اقتنعت بأنه هو الرجل المناسب». ولم يعلن السيناتور الجمهوري تشك هاغال نفسه، وهو أحد أشد المعارضين للحرب في العراق، موقفاً مسانداً لماكين، بيد ان زوجته أبلغت المراسلين في الندوة المشار اليها ان قرارها لا علاقة له بموقف زوجها الذي يمثل ولاية نبراسكا في الكونغرس، وقالت إنها لا تعرف الى جانب من سيقف زوجها في نهاية الامر من بين المرشحين المتنافسين. وقالت للصحافيين عندما الحوا عليها «أسالوه شخصياً». حالة ليلبت هاغال ليست استثنائية في فرجينيا. وفي هذا الصدد، يقول غرام بانرمان الباحث في «معهد الشرق الاوسط» بواشنطن وهو جمهوري ويقطن في فرجينيا، إن زوجته ماغي ستصوت لصالح اوباما، وأضاف «قررت زوجتي التصويت لصالح اوباما بعد ان استمعت اليه، وهو يتحدث خلال تجمع انتخابي في فرجينيا». أما بانرمان نفسه فقال إن الانتماء الحزبي يلزمه التصويت لصالح ماكين. بيد ان هذه الحالات اللافتة للانتباه لم تعد ظاهرة عامة في فرجينيا، خاصة في مناطق الكثافة البيضاء في مدن جنوب الولاية مثل ريتشموند (عاصمة الولاية) وفرجينيا بيتش وتشارلفيل ونورفلوك، في الجنوب ما تزال الكتلة الناخبة محافظة جداً وتصوت مع الجمهوريين. وفي هذا السياق، يقول جاك ادموندز الذي يعمل رئيساً لعمال أحد المطاعم ويسكن في ريتشموند «بالطبع سأصوت مع ماكين». وعندما سألته «الشرق الاوسط» عن سبب ذلك، قال وهو في حالة ضيق شديد، «هل تريديني التصويت لصالح ارهابي، تدرب اخوه اونيانغو في باكستان مع المجاهدين ويريد ان يأتي الى اميركا لينام في البيت الابيض». يشير جاك هنا الى اخ اوباما من الاب الذي تعرف عليه صحافي ايطالي في كوخ في ضواحي العاصمة الكينية نيروبي، وهو بالطبع ليست له علاقة بما يقول جاك. ويسير غريك غاتلين وهو جمهوري يقطن في منطقة فيرفاكس اولد سيتي على نفس خطى جاك «بالطبع سأصوت مع ماكين وساره بالين». وحين سألته لماذا لا يصوت مع اوباما طالما انه يحظى بتأييد توموثي كين حاكم الولاية، الذي نوه به غاتلين قبل ان يعرف موضوع السؤال، قال «هل تريدني التصويت لصالح مسلم». وعندما قلت له إنه ليس مسلماً وهو شخصياً أكد أكثر من مرة انه مسيحي. أجاب غاتلين «باراك اوباما مسلم متخفٍّ نحن نعرف ذلك». ولعل من مفارقات هذه الحملة الانتخابية، أن المنطقة التي ينتمي إليها غاتلين، أي فيرفاكس تداولت اسمها وسائل الاعلام الاميركية في الاسبوع الماضي، عندما أطلق شقيق ماكين مزحة اثارت الاستياء في المقاطعة التي يقطنها حوالي مليون نسمة، الى حد ان صحيفة «واشنطن بوست» قالت إن تلك المزحة سيكون لها أثر سلبي على ماكين خاصة ان المنافسة أضحت شرسة في الولاية. فقد وصف جو ماكين خلال تجمع انتخابي مقاطعتين؛ احداهما فير فاكس بأنهما «شيوعيتان»، وقال إن شمال فرجينيا يعد الآن بمثابة «بلد شيوعي». وقال جو «عشت هنا لمدة عشر سنوات، وقبل ذلك أمضيت ثلث خدمتي العسكرية إما في ارلينغتون او الكسندريا (مقاطعة فيرفاكس). وكنت كأنني أعيش في بلد شيوعي».

وعلى الرغم من أن جو اعتذر بعد ذلك عن تلك المزحة، بيد ان الواقعة تم تداولها على نطاق واسع. ويعتقد ان جو ماكين كان يريد الاشارة الى التوقعات التي تفيد بان شمال فرجينيا سيصوت الى جانب اوباما وقد تحسم في نهاية الامر اصوات هذه الولاية المتأرجحة لصالح المرشح الديمقراطي. ولامتصاص هذه الواقعة، قال غايل غيتشو المتحدث باسم حملة ماكين «كانت محاولة غير موفقة من جو ماكين للمزاح، وجون ماكين وسارة بالين يعملان على كسب مساندة الناخبين في شمال فرجينيا، ويدركان ان الفوز في المنطقة سيضمن الفوز بالولاية». وتعمل ماريا اوروشي مدرِّسة في مدرسة ثانوية بمدينة نورفولك، وهي اعتادت التصويت للجمهوريين، وتقول باعتزاز أنها صوتت لصالح بوش عام 2000 ثم لصالحه عام 2004، وعندما استفسرتها لمن ستصوت هذه المرة قالت «بالطبع لصالح ماكين وبالين» وحين سألتها: هل لان بطاقة ماكين تضم سيدة لمنصب نائب الرئيس؟ قالت «أوباما يساري وسجله في الكونغرس يبين ذلك». خلال السنوات الاخيرة، خاصة منذ نهاية الثمانينات انتقلت أعداد كبيرة من الأقليات؛ وبينهم العرب الى شمال فرجينيا خاصة مدن الكسندريا وفولس تشيرش ومقاطعتي فيرفاكس وارلينغتون، ومن بينهم دبلوماسيون وذلك لعدة اسباب منها ارتفاع تكاليف الحياة في واشنطن خاصة السكن، وعدم وجود حياة اجتماعية في العاصمة الاميركية، ونظراً للطبيعة الخلابة لولاية فرجينيا، حيث ما تزال الغزلان والأرانب البرية والبط والأوز تسرح وتمرح في أحراشها ومساحاتها الخضراء، وكذا المستوى الجيد لمدارس الولاية خاصة مقاطعة فيرفاكس التي تعتبر من أفضل المدارس على صعيد الولايات المتحدة، إضافة الى ان تجمع الاقليات العربية في منطقة ما يجعل من السهل توفر المواد الغذائية التي اعتادوا عليها إضافة الى المطاعم والمقاهي، ووجود مراكز تجارية باذخة مثل «تايسون كورنرش بمقاطعة فيرفاكس يجدون فيها جميع احتياجاتهم. وتوجد جاليتان عربيتان منظمتان في فرجينيا؛ السودانية واليمنية. هذه الأقليات هي التي خلخلت الآن التركيبة الديمغرافية في فرجينيا. وتضاف الى الجاليات العربية والأفريقية، الجالية الإثيوبية المنظمة تنظيماً جيداً الى حد ان لها قناة تلفزيونية تبث من الولاية، كذلك الاقليات اللاتينية (هسبانك)، واغلبية ساحقة من جميع هذه الاقليات تقف الى جانب اوباما. تاريخ فرجينيا في بعض فتراته هو تاريخ البريطانيين في اميركا. والولاية نفسها تحمل اسمها نسبة الى ملكة انجلترا اليزابيث الاولى التي كان يطلق عليها «فرجين كوين» أي الملكة العذراء، لانها لم تتزوج قط، وتعرف فرجينيا أيضاً باسم «أم الرؤساء» لان ثمانية رؤساء اميركيين ولدوا على أرض هذه الولاية. وحتى اليوم، فإن الاسم الرسمي للولاية هو «كومنولث اوف فرجينيا» نظراً لارتباطاتها التاريخية مع بريطانيا. وعاشت في الولاية مجموعة من الانجليز المحافظين إبان الحقب الاستعمارية، كانوا يملكون مزارع للتبغ. ومن هنا جاء تعبير «التبغ الفرجيني الفاخر»، وهي تاريخياً ولاية محافظة، وأثناء الحرب الأهلية الأميركية (1861 الى 1865)، وهي الحَرْبُ التي نشبت بين الحكومة الفيدرالية التي عرفت بـ«الاتحاديين» مقابل11 ولاية جنوبية متمسكة بالعبودية، دارت اهم المعارك فوق اراضي فرجينيا. الآن ستدور معركة أخرى فوق فرجينيا، معركة بين ابن مهاجر كيني حفيد طباخ عمل مع الانجليز في نيروبي، هو الديمقراطي باراك حسين اوباما، وجون ماكين سليل الأسرة الارستقراطية العسكرية، الطيار الذي تلقى تدريباته في قاعدة بحرية في فرجينيا، التي ستكون البابَ نحو البيت الابيض.