خلافات فلسطينية على.. كرة القدم

الاتحاد الفلسطيني لم يحصل على اعتراف حكومة حماس.. وصراع على الأندية وتهديدات للاعبين

TT

حين انتخب مدير جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية لأكثر من ثماني سنوات جبريل الرجوب في مايو (ايار) 2008 رئيساً لاتحاد كرة القدم الفلسطيني، قال لـ«الشرق الاوسط» انه في مهمة وطنية، و«أن الأمن والرياضة يتقاسمان الأخلاق والقيم». وأنه ترشح بناءً على طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن). وربما يوضح هذا الى اي مدى هناك تشابك بين الرياضة والسياسة في فلسطين، خصوصا ان الفلسطينيين على أبواب افتتاح اول ملعب وطني فلسطيني معترف به دوليا في تاريخ فلسطين، لكن عندما يأتي رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر الى الاراضي الفلسطينية يوم الاحد المقبل لافتتاح الملعب الوطني الفلسطيني، هل سيجد في انتظاره توافقا بين حماس وفتح على كرة القدم. فحماس تتهم فتح بأنها تستفرد بالتمويل لانديتها، ولا تسمح للاعبي غزة بالانضمام للمنتخب الوطني الفلسطيني، وهي كلها اتهامات تنفيها فتح. وقبل تولي الرجوب منصبه، الذي لم ينافسه عليه احد، سوى أحد اعضاء تنظيمه، حركة فتح، الذي تكفلت الحركة باقناعه بالانسحاب، كان الاتحاد معينا من قبل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ولم تجر الانتخابات ولا مرة واحدة. وكانت قيادة الاتحاد السابق متهمة من قبل الرياضيين في فلسطين، بانها فشلت بالنهوض بالرياضة الفلسطينية، المتعثرة اصلا، بسبب الاحتلال. ومع استمرار الاوضاع الأمنية الصعبة والمواجهة المفتوحة بين حماس في غزة وفتح في الضفة، وتعثر الاستثمارات في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وصعوبة الحياة اليومية بسبب الحصار الاسرائيلي عانت أحوال كرة القدم والمنتخب الوطني الفلسطيني والاندية الرياضية من صعوبات مادية.. وسياسية. فالذين تمنوا ذات يوم بأن يتحولوا الى لاعبين محترفين، باتوا اليوم يحلمون فقط بلعب الكرة بشكل منتظم، وبعضهم اعتزل الكرة تماماً. ويقول محمد فرج الذي كان يوصف بأنه لاعب يملك مهارات ممتازة، ويلعب في احد اندية بيت لحم لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نلعب عدة شهور ونتوقف سنوات بسبب الوضع الامني، لا يمكن لك أن تحافظ على لياقتك البدنية، والتواصل كان مستحيلا، كل شيء كان اهمَّ من الرياضة». ولا يفكر فرج في ان يعود الى الملاعب حتى مع كل ما يقال حول التغيير. وقال «الرياضة ما بطعمي ولادي»، معتبرا انها «ترف زائد في فلسطين». ويعول الرياضيون الفلسطينيون، على شخصية اللواء الرجوب القوية التي اكتسبها في مواجهة خصومه اثناء عمله مديراً للأمن الوقائي، للنهوض بالرياضة الفلسطينية. وكان الرجوب قد تعهد بالتفرغ الكامل لهذه المهمة، قائلا «سأوظف كل إمكاناتي وطاقاتي وخبراتي وعلاقاتي لخدمة هذه الرسالة». ويقول الصحافي الرياضي يحيى نافع لـ«الشرق الأوسط»: ان الرجوب احدث تغييرا جذريا في فترة قصيرة. واضاف «الدوري انتظم بدون توقف، وأصبح هناك نظام صارم له لاختيار فرق الدرجة الممتازة والأولى. وتراجعت الاعتداءات على الحكام، ويتم الآن اختيار تركيبة جديدة للمنتخب الفلسطيني وهناك خطط للمستقبل». وكان الرياضيون الفلسطينيون يشكون من «انفلات» اداري في الاتحاد القديم. ونقل عن الرجوب، قوله في احد الاجتماعات الرياضية «ان بعض الفرق الكروية كانت تنتقل الى الدرجة الممتازة بقرار رئاسي». ويلعب الآن في الضفة الغربية 20 فريقا، في دوري الشاعر الراحل محمود درويش لاختيار 10 منها للدرجة الممتازة، على ان تستكمل التصنيفات خلال العام المقبل. وبرغم ما يسجله الرياضيون في الضفة الغربية للاتحاد الجديد من خطوات، إلا انه لم يحصل بعد على اعتراف حكومة حماس، بسبب ان الانتخابات لم تجر اصلا في غزة.

وقال جمال ابو حشيش، رئيس «نادي الصداقة» وهو احد أكبر اندية القطاع، وامين سر الاتحاد سابقا لـ«الشرق الأوسط» ان «الانتخابات لم تجر بغزة بسبب الصراعات السياسية»، متهما فتح «بانها تريد السيطرة على اتحاد الكرة، والاندية الرياضية كذلك». ومثلما كانت الفصائل الفلسطينية، تنافس، وتحرص على إحكام قبضتها على الجامعات والنقابات والمؤسسات في الضفة وغزة، فانها سعت ايضا إلى احكام قبضتها على الرياضة والاندية الرياضية. وقبيل تأسيس السلطة الفلسطينية، كانت حركة حماس قد بدأت بتشكيل فرق رياضية تحمل اسماء المساجد في المدن. وظلت هذه الفرق تلعب بشكل ودي، كما هو حال الاندية التي كانت تسيطر عليها حركة فتح وأحيانا الجبهة الشعبية. وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، أخذت هذه الاندية تكبر وتشكل فرقاً تلعب في الدوريات الرسمية، وتراجع دور فرق المساجد. بينما ذهبت حماس لتشكيل اندية رياضية لكنها ظلت لا تتجاوز اصابع اليد، بدعوى ان السلطة لا تمنح الحركة ترخيصاً لتأسيس اندية جديدة. وقال ابو حشيش، «رخصوا 5 اندية في غزة لحماس مقابل 37 لفتح، وهكذا صنعوا في الضفة الغربية، رخصوا 3 أندية لحماس مقابل 300 لفتح». وبحسب ابو حشيش، فان فتح ترفض الاعتراف بأندية جديدة رخصتها حكومة حماس في القطاع. وقال «الطرف الآخر لم يعجبه ان ترخص حماس 20 ناديا، بدهو يظلو مسيطرين». وفي الوقت الذي يتطلع فيه ابو حشيش، لإجراء انتخابات في القطاع، فانه يعتبر حتى ذلك الوقت، انه لا يوجد اتحاد قائم بغزة. لكنه لا يشكك في شرعية الرجوب. وقال «الرجوب هو الرئيس، لكن هناك فراغا دستوريا في الاتحاد بغزة ونائب الرجوب، ابراهيم ابو سليم، لن يستطيع العمل وحده وقراراته غير ملزمة للاندية لحين اجراء الانتخابات». ويتهم أبو حشيش، السلطة الفلسطينية، بإرهاب لاعبي حماس في الضفة الغربية. وقال، «انا على تواصل مع الإخوان هناك. عندما يرون لاعباً متميزاً من حماس يهددونه بضرورة اللعب مع اندية محددة فتحاوية، وإلا فانه سيعتقل». ونفى ناصر العباسي، الناطق الرسمي باسم اتحاد كرة القدم، ما ساقه ابو حشيش. وقال «ان السلطة لا تتدخل اصلا في سياسة الاتحاد، وشعارنا انه لا للتجاذبات السياسية في الرياضة»، متهماً حماس بأنها استطاعت ان تعرقل إجراء الانتخابات بغزة. وتتهم فتح حماس باغلاق اندية تابعة لها. ورد ابو حشيش بقوله «بعضها لم يجر انتخابات وبعضها متهم بالتلاعب المالي». وقال العباسي «لا توجد رياضة في غزة، وبدون إجراء انتخابات والسماح للاتحاد بالعمل، فلن تكون هناك رياضة». وتحتفظ سجلات وزارة الشباب والرياضة بملفات لعشرات الاندية الرياضية، لكن قليلا منها ينشط، ومعظمها محسوبة على فتح. ولذا تحاول حماس خلق واقع جديد في القطاع. وتغلق اندية وتمنع نشاطها وترخص اخرى. كما هي فتح التي حافظت على انديتها في الضفة ودفعت بالرجوب لرئاسة الاتحاد وضيقت على اندية تابعة لحماس. ووسط هذه الخلافات والاتهامات، يستعد الفلسطينيون لاستقبال رئيس الفيفا بلاتر في السادس والعشرين من الشهر الجاري (الأحد)، والذي سيفتتح أول ملعب دولي لكرة القدم في الاراضي الفلسطينية، تعترف به الفيفا. وينظر الفلسطينيون الى زيارة بلاتر على انها تاريخية، وتشكل انعطافا مهما في تاريخ الكرة الفلسطينية. واستعدادا لاستقبال الضيف الكبير، شكلت السلطة لجنة وطنية لاستقبال بلاتر. وقال العباسي «ان زيارته تاريخية، وتأتي بعد مرور 80 عاما على تأسيس اتحاد الكرة الفلسطيني». وأضاف أن بلاتر يمثل رأس الهرم الرياضي لـ198 دولة، وزيارته مفخرة للرياضة الفلسطينية واعتراف عالمي بها». وسيحضر بلاتر أول مباراة للمنتخب الفلسطيني، على أرضه، في مواجهة المنتخب الأردني. وقال العباسي «هذا اول لقاء دولي على الارض الفلسطينية».

وكانت مشاركة المنتخب الفلسطيني، في المنافسات العربية، وحتى التمهيدية لكأس العالم، متعثرة الى حدٍّ كبيرٍ. وأرجع العباسي ذلك لقلة الدعم المالي، الذي قال إنه تحسن الآن. وحتى وقت قريب كان المنتخب الفلسطيني يعيش على الدعم الذي يقدمه رجال اعمال فلسطينيون متغربون. واضاف العباسي «السلطة ابدت اهتماما كبيرا الآن بدعم الرياضة الفلسطينية، وكذلك الفيفا ودول عربية شقيقة». واطلق الفلسطينيون على الملعب الدولي اسم «ملعب الشهيد فيصل الحسيني». ويعتبر الحسيني، احد الشخصيات الفلسطينية المقدسية المؤثرة. وكان صديقا للرئيس الراحل ياسر عرفات. وينتمي الحسيني لحركة فتح. وقال العباسي «ان الملعب يطل على القدس التي قضى من اجل خدمتها الحسيني، والاتحاد اراد تكريم الرجل». وبحسب العباسي، فان «قيادة السلطة دعمت هذا التوجه وباركته». ومن المقرر ان يحضر المباراة الافتتاحية، بين المنتخبين الفلسطيني والأردني الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء سلام فياض، ورئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ورؤساء اتحادات الاردن ومصر والإمارات العربية اضافة الى بلاتر، لكن حضور عباس لم يتأكد. وقال العباسي «نريدهم جميعا بمن فيهم بلاتر بأن يكونوا قرب الجدار، ليطلوا على واقع القدس». ويتسع الملعب لستة آلاف متفرج، وصممت مقاعد المتفرجين باللونين الاصفر والأحمر، وسيقود المنتخب الفلسطيني في مباراته الافتتاحية أمام شقيقه المنتخب الاردني؛ المدرب الاردني؛ عزت حمزة، الذي انتدب من الاتحاد الاردني لكرة القدم للمساهمة والمساعدة في نهضة الكرة الفلسطينية. وستنقل زيارة بلاتر وكذلك المباراة الافتتاحية على الهواء مباشرة من قبل شركة راديو وتلفزيون العرب (آرت) التي تتولى نقل مباريات الدوري الفلسطيني منذ شهرين. إلا ان رياضيي غزة لا ينظرون الى زيارة بلاتر بكل هذه الايجابية. ويعتبرونها تعزز من تجاهل القطاع المحاصر ورياضييه. وقال ابو حشيش، المحسوب على حماس «ان الوضع سيئ، وقد استثنوا لاعبي غزة الاساسيين ولم يستدعوهم للمنتخب الفلسطيني الذي شكل حديثا». وبحسب ابو حشيش، فان هؤلاء، وبينهم صائب جندية ومحمد شبير، يعتبرون من اللاعبين الأساسيين بالمنتخب الفلسطيني. وشاركوا في بطولات آسيوية. وتابع «انهم (يقصد فتح والاتحاد والسلطة)، يريدون ان يرموا غزة كلها بما فيها في البحر». ورد العباسي بقوله إن عدم حضور لاعبي غزة، كان بسبب عرقلة اسرائيل إصدار تصاريح لهم قائلا، «ان المحاولات جارية»، مؤكدا انه لا فرق بين غزة والضفة. واكد العباسي ان 6 لاعبين من قطاع غزة، موجودون اصلا في الضفة الغربية، ويلعبون مع اندية فيها، سيشاركون المنتخب الفلسطيني في مباراته أمام الاردن. وقال اللاعب احمد كشكش الذي قدم من غزة بعد سيطرة حماس عليها، ليلعب في صفوف مركز شباب الامعري في رام الله «لي الشرف ان العب ضمن صفوف المنتخب الوطني، وهذا دليل على ان الرياضة نجحت في ما فشلت فيه السياسة».