«إبرم طاقيتك» واشتر السلاح

مئات الميليشيات المسلحة في السودان من دارفور إلى الجنوب مرورا بالشمال فكردفان.. تشتري أسلحة من الشرق والغرب.. وحتى إسرائيل

TT

يتفق خبراء عسكريون في السودان على أن انتشار السلاح في السودان بات امرا مقلقا، لكنهم ينعشون الذاكرة بان امتلاك السلاح شيء ازلي في هذا القطر الشاسع، مليون ميل مربع. وأنه ممارسة تتناغم مع كل ما هو تقليد ومعتقد وموروث محلي، خاصة في الريف السوداني المترامي الاطراف ذي الطبيعة الخشنة. كما أنه أداة من أدوات الزينة عند الرجل. وعلى هذا النسق تدرجت عادة حمل السلاح في السودان من العصا، الى السكين الى الفأس الى الحراب، الى مجمل السلاح المسمى بالابيض، بما لا يلفت الانتباه في بعض المناطق. وأخيرا السلاح الناري، من بنادق الى رشاشات الى قاذفات يدوية، وانواع مختلفة تحتفي مجالس الريف في بؤر التوتر في السودان، بتداول اخبارها.

ظل حجم السلاح الناري في تزايد مستمر من عام الى اخر، حتى «صارت كمياته مهولة في كل انحاء السودان عدا السودان شمال الخرطوم، وحتى الحدود مع مصر» كما قال لـ«الشرق الاوسط» الفريق ادم حامد، الخبير العسكري ومسؤول قطاع شرق السودان في حزب المؤتمر الوطني الحاكم. ويقول حامد ان ظهور الحركات المسلحة في دارفور ساهم في انتشار السلاح، حيث لجأ السكان الى حمل السلاح لحماية انفسهم.

ويروي أنه أول ما تفتحت عيناه في الاربعينات من القرن الماضي وجد في منزلهم في ريف دارفور بندقية من طراز «جمالي» معلقة على جدار المنزل، وعندما سأل والده عن المكان، الذي جلب منه البندقية، قال له إنه اشتراها من مدينة مصوع الاريترية من تاجر حبشي كان يبيع الاسلحة التي تتسرب من الهاربين من الجيشين البريطاني في السودان، والايطالي في اثيوبيا واريتريا، حين كانا يتحاربان في القرن الافريقي، ابان الحرب العالمية الثانية، وذكر له انه سافر لمدة ثلاثة اشهر لجلب هذا السلاح ليحمي به ماشيته من الابل والجمال والاغنام من النهابين المعروفين في السودان بـ«الهمباتة». ولم تنس ذاكرة الخبراء العسكريين أن كبير مساعدي الرئيس عمر البشير مني اركو مناوي، الذي يرأس حركة تحرير السودان الموقعة على اتفاق السلام في دارفور مع الحكومة السودانية في عام 2005، في ما عرف باتفاق ابوجا، كان قد قدر بعد أول زيارة رسمية له الى دارفور بعد توليه منصبه في القصر الرئاسي، بان اي مواطن في دارفور يحمل 5 قطع سلاح بانواع مختلفة، ما دفع المحللين انفسهم الى القول انه اذا كان سكان دارفور في الولايات الثلاث وهي: شمال، وجنوب، وغرب يبلغون نحو 10 ملايين نسمة، فهذا يعني ان الاقليم «عائم على بحر من السلاح». بينما قدر حامد أن نصف الشعب السوداني البالغ 40 مليون نسمة يمتلك سلاحا. وفي هذا الخصوص، وصف الفريق شرطة عبد الرحمن مختار المعروف برجل المصالحات في دارفور لـ«الشرق الاوسط» الاقليم بأنه «ترسانة سلاح». وذهب قيادي في الحركات المسلحة سألته «الشرق الاوسط» حول القضية الى القول: «إن من لم يمتلك السلاح لا يستطيع العيش في دارفور»، في حين رأى والي ولاية غرب دارفور ان السلاح في الاقليم منتشر وان الامر يشكل القضية الاولى بالنسبة له في الولاية، في تصريحات لـ«الشرق الاوسط» حول الظاهرة. ويعطي عبدالله علي مسار مستشار البشير صورة اكثر وضوحا حول الظاهرة، حين قال لـ«الشرق الاوسط»: إنه لا يوجد شخص في دارفور لا يمتلك بندقية، إما خوفا على نفسه او على ممتلكاته او طرف في صراع دارفور».

ويروي القادمون من غرب دارفور وعاصمتها مدينة الجنينة أن على مقربة من المدينة نشأ سوق أطلق عليه اسم «ابرم طاقيتك» لبيع السلاح، من المسدس الى الكلاشنيكوف الى المدفع المعروف في دارفور باسم «منقستو» الى المفرقعات والقنابل اليدوية، خاصة صنف القرنيت في وضح النهار احيانا، وتحت جنح الظلام احيانا اخرى. ويقول القادمون من غرب دارفور، ان السوق تعرض كثيرا للحملات المضادة من قبل السلطات، وبدا اخيرا على هيئة سوق للشواء فقط، ولكن لا يستبعدون أن هذا النشاط ما زال مستمرا في الخفاء، غير ان المسؤولين الحكوميين في غرب دارفور لا يرغبون في الحديث عن هذا السوق، وأغلبهم ينفي وجوده. ويعتبرون ان «الحديث عن سوق ابرم طاقيتك للسلاح احاديث في المدينة»، حسب والي غرب دارفور، الذي قال لـ«الشرق الاوسط»: «لقد قمنا بجولة حول المدينة ولم نجد شيئا من ذلك القبيل»، لكن الهمس في السوق يقدم افادات اخرى، حسب عز الدين، أحد عناصر الميليشيات التي تعمل في غرب دارفور، حيث قال لـ«الشرق الاوسط»: ليست أية بندقية محمولة على اكتاف اصحابها في السوق غير شرعية، ولكن أية بندقية موضوعة رأسا على عقب في السوق فهي معروضة للبيع». اما في جنوب السودان، فان «اغلب السكان بيدهم السلاح منذ سنوات بعيدة»، حسب بيور أسود مدير الامداد في الجيش الشعبي الذي تحدث لـ«الشرق الاوسط»، معتبرا الوضع مقلقا. مثلما أن السلاح في يد الكل في اقليم كردفان، ولا تخلو اية سيارة من طراز لاندكروزر متوقفة او على الطريق من السلاح على متنها، وفقا لتأكيد عبد الرسول النور القيادي في حزب الامة المعارض، الذي عمل في الثمانينات من القرن الماضي واليا لاقليم كردفان.

ولا يتردد المحللون في الخرطوم في القول بأن ظاهرة انتشار السلاح في السودان صارت أحد دلائل تعقد الامور فيه، مع انتقال توظيفه من أداة للحماية الشخصية والممتلكات الخاصة الى وسيلة لممارسة أعمال النهب الفردي والجماعي، ليس ضد السكان المحليين فحسب، وانما ضد الاجانب ومشروعات التنمية المشتركة بين السودان والدول الاجنبية، مشيرين في هذا الخصوص الى حوادث اختطاف السياح الاجانب من صعيد مصر في سبتمبر (ايلول) الماضي، واختطاف الصينيين التسعة الذين يعملون لصالح شركة صينية تعمل في مجال النفط في منطقة ابيي الغنية بالنفط قبل اسبوعين، فضلا عن اختطاف اثنين من الصينيين تم الافراج عنهما، واربعة من الهنود العاملين في مجال النفط افرج عن ثلاثة، وما زال الرابع في عداد المفقودين. ويشير عبد الرسول النور القيادي البارز بقبيلة المسيرية، التي تقطن اقليم كردفان الى «أن هنالك مجموعات تمارس الإرهاب وتحاول الحصول على مطالب غير مشروعة بأساليب ابتزازية»، موضحا لـ«الشرق الاوسط»: أن الظاهرة أصبحت مدمرة للانسان وللتنمية والبيئة... وكل شيء». ولا يختلف المحللون العسكريون في الاسباب التي اسهمت في انتشار السلاح في السودان بهذا الشكل المقلق، وأهمها أن حمل السلاح يشكل عادة من عادات بعض القبائل في غرب وجنوب السودان. ويقول محمد الانصاري، الذي يتزعم حركة مسلحة نشأت منتصف العام الحالي باسم حركة تحرير ابيي لـ«الشرق الاوسط» ان «حمل السلاح جزء من حياة الناس في البادية. كان اجدادنا يحملون العصي ثم الحراب، والان نحن نحمل البندقية لحماية انفسنا ومواشينا، لاننا نقع في منطقة التماس بين الشمال والجنوب. فاذا لم نحمل السلاح سوف نفقد كل شيء، حتى انفسنا». لكن الخبراء يرون أن السبب الجوهري لانتشار السلاح الان هو الصراعات السودانية الداخلية بين الحكومة المركزية والحركات المسلحة المطلبية، في ما يعرف بـ«صراع المركز والهامش» حول اقتسام السلطة والثروة في البلاد، على شاكلة الصراع المسلح بين الشمال والجنوب على فترات متقطعة منذ بداية استقلال السودان عام 1956، والصراعات المماثلة الاخرى في العقد الاخير، مثل نشوء الحركات المسلحة في اقليم دارفور، وانتقال عدوى التمرد على الخرطوم الى شرق السودان، فضلا عن انتعاش الصراعات القبلية، بسبب ضيق المراعي في كردفان ودارفور. وترصد تقارير رسمية حصلت عليها «الشرق الاوسط»، عدد الميليشيات في جنوب السودان الى جانب الحركة الشعبية بـ 45 ميليشيا، منها نحو 30 تتبع للقبائل المعروفة في جنوب السودان. وتقول هذه التقارير الرسمية إن هذه الميليشيات هي الان إما تنتمي الى الجيش السوداني او الى الحركة الشعبية لتحرير السودان، حسب منصوص اتفاق السلام بين الشمال والجنوب في عام 2005. وقال ضابط مخابرات يتبع الحركة الشعبية، لـ«الشرق الاوسط»، فضل حجب اسمه لحساسية منصبه، إن اغلب هذه الميليشيات، التي انضمت للحركة، تحتفظ بدرجة كبيرة من الاستقلالية، بما يمكنها من الاحتفاظ باسلحتها، وبالتالي الخصوصية في مصادر الحصول على السلاح. وأضاف أن من أشهر الميليشيات التابعة للحركة: «لادو نوير في منطقة جونقلى، وبور جاكين في منطقة بور، وماي وود في اعالي النيل، ودينكا بور، وقوات دفاع الاستوائية، وميليشيات المنداري، والانواك. وهناك ميليشيات تتبع قوات القائد باولينو ماتيب، الذي انضم للحركة الشعبية وتم تعيينه نائبا لقائد جيش الحركة الشعبية، والحركة الشعبية المتحدة التي تتبع وزير الخارجية السابق الدكتور لام اكول». ويؤكد الضابط الاستخباراتي بالحركة الشعبية، أن هذه القوات تعتبر بمثابة مراكز ينتشر منها السلاح الى باقي الجنوب، وربما الى مناطق اخرى في السودان، لان عمليات الدمج التي تمت من قبل الحركة الشعبية لقوات الميليشيات ركزت على القيادات، فيما لا يزال الجنود في وضع غير معروف. لكنه يرى أن الوضع أفضل بالنسبة للقوات التي تتبع الدكتور لام اكول وباولينو ماتيب. ويشير أكثر من خبير عسكري الى ان الميليشات الجنوبية المسلحة التي تتبع القوات الحكومية كانت بمثابة سبب اضافي ساعد في وجود السلاح غير المشروع وسط البلاد، خاصة في العاصمة الخرطوم، التي اشار وزير الداخلية السوداني السابق البروفسور بشير طه، في تصريحات له امام البرلمان، الى انها تحتضن نحو 40 حركة تحمل السلاح، رغم ان والي الخرطوم رد عليه في ما بعد بأن الوضع ليس بذلك السوء، ورجح ان الوزير ربما اراد بقوله هذا رفع حجم ميزانية وزارة الداخلية.

ويشير الدكتور سراج الدين عبد الغفار عمر في بحث منشور الى ان عدد الميليشيات الجنوبية المسلحة الموالية للحكومة ابان حرب الجنوب تبلغ نحو 29 فصيلا تنتمي الى قبائل النوير والدينكا والفرتيت وقبائل الاستوائية والشلك، ويبلغ عدد قواتها نحو 34159 جنديا، وقد انضمت جل هذه الميليشات بعد السلام الى الجيش السوداني وقليل منها انسلخ وانضم للحركة الشعبية. ويقول بيور اسود مسؤول الامداد في الحركة الشعبية، ان الحركة استوعبت حتى الان نحو اكثر من 60 الفا من عناصر الميليشيات في الجنوب، واغلب الذين جاءوا تركوا اسلحتهم في المنازل وبعضهم قاموا ببيعها. ويقطع اسود ان كل قبائل الجنوب البالغة نحو 60 قبيلة كبيرة لديها ميليشيات مسلحة تتفاوت من حيث الحجم والتنظيم والاعداد. واكثر القبائل تسليحا هي القبائل المتاخمة للحدود مع دول الجوار، مثل زائير واوغندا وكينيا واثيوبيا، وتلك القبائل المتاخمة لحدود الجنوب مع الشمال، وذلك لتوفير الحماية لها ولممتلكاتها من المواشي على وجه التحديد. وعلى صعيد كردفان فان أغلب الميليشيات الموجودة هناك موالية للحكومة السودانية، ناصرتها في حربها ضد الحركة الشعبية خلال العشرين عاما الماضية، لدرجة ان «البعض منهم امتهن الحرب»، حسب عبد الرسول النور، الذي يعتقد ان الصراع بين الحكومة والحركة الشعبية في مناطق بحر العرب وجبال النوبة من الاسباب الاساسية لانتشار السلاح في كردفان، الى جانب حياة السكان الرعوية في مناطق التماس مع الجنوب، وما يتصل ذلك بضرورة تحرك الرعاة شمالا وجنوبا في مناطق وعرة وفيها حزازات محلية قديمة. ولكن هناك سببا اخر يتمثل في «ظهور حركات مطلبية في المنطقة، تنادي بضرورة تنمية المنطقة وتوفير الخدمات الاساسية فيها»، حسب مسؤول حركة تحرير ابيي الانصاري، الذي يرى أن قضايا مثل توفير الأمن والعدل والمساواة والتعليم والصحة لها دور كبير في حمل السلاح وانتشاره». ويرصد الخبراء نشوء حركات مسلحة وغير مسلحة في اقليم كردفان في الفترة الاخيرة، لها اجندات مطلبية مثل (شهامة، وهي سياسية، ومجموعة حسن حاماد، التي انضمت للحركة الشعبية، ومجموعة بحر، ومجموعة حرومة، وبابو، وفضيل وتحرير ابيي)، ومجموعات اخرى يقول عبد الرسول النور انها سبب في انتشار السلاح في كردفان لا يمكن اغفاله. ويشير قيادي من أبناء قبيلة النوبة المنضويين تحت الحركة الشعبية، الى ان هناك نحو 20 الفا من ابناء النوبة رفضوا الانتشار جنوب حدود الشمال والجنوب، حسب اتفاق السلام، وهم الان يحملون اسلحتهم ويتحركون افرادا وجماعات في مناطق جبال النوبة، يساعدون بشكل او باخر في انتشار وجود السلاح في المنطقة، وعليه يعتقد موسى محمدين القيادي في قبيلة المسيرية، بان اقليم كردفان وصل فيه انتشار السلاح لدرجة انك يمكن ان تجد شخصا يتجول في مناطق بحر العرب على الحدود مع الجنوب وهو يحمل مدفعا طراز قرنوف على حماره. وطبقا لاحصاء دبلوماسي غربي في الخرطوم تحدث لـ«الشرق الاوسط» حول الموضوع، فان الحركات المسلحة في اقليم دارفور عددها يتراوح بين 20 الى 25 حركة، في اعقاب حالة التشظي، التي لازمتها بعد توقيع اتفاق ابوجا بين الحكومة، وحركة تحرير السودان برئاسة مني اركو مناوي كبير مساعدي الرئيس البشير في عام 2005، اكبرها «حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور، وحركة العدل والمساواة بزعامة خليل ابراهيم، وحركة تحرير السودان الوحدة». ويقول قيادي في حركة مناوي ان «الحركات اصبحت مثل الرمال المتحركة في دارفور، في كل يوم تصبح في وضع بعد ان تنشق او تنضم»، فيما يلفت محمد حامد دربين، الناطق العسكري باسم حركة مناوي، في حديث لـ«الشرق الاوسط»، الى ان هناك ميليشات في دارفور تتعاون مع الحكومة تحمل كميات من الاسلحة، الى جانب الاسلحة الموجودة في ايدي ميليشيات الجنجويد التي ينسب لها الكثير من اعمال العنف في دارفور. كما تشير تقارير غير رسمية الى ظهور مجموعات مسلحة جديدة في الاقليم، تنتمي الى قبائل عربية، مثل «الجندي المظلوم، وحركة نصرة الحق، والسافنا، وتحرير الحدود». وقد قام والي ولاية جنوب دارفور الشهر قبل الماضي باجراء مفاوضات مع مجموعة مسلحة ظهرت في مناطق تلس على بعد 400 كيلومتر جنوب غرب عاصمة الولاية نيالا، انتهت بتوقيع اتفاق بين الطرفين، وهنا يلفت محللون الانتباه الى ان «ما يعقد عملية السيطرة على أسلحة الحركات المتمردة في السودان ومراقبتها قابلية هذه الحركات للتفريخ بسهولة».

وينتشر السلاح في شرق السودان بسبب الصراع بين الحكومة والحركات المسلحة التي انشأتها قوى المعارضة السودانية، التي تحصنت في التسعينات من القرن الماضي في اريتريا، ثم نشوء حركتين مسلحتين في الشرق، «مؤتمر البجة والاسود الحرة» اللتين دخلتا في المعارضة لسنوات طويلة في الشرق على طول الحدود بين السودان وارتيريا، ويقول مسؤولون في مفوضية نزع السلاح في السودان، التي نشأت بموجب اتفاق السلام بين الشمال والجنوب، ان السلاح منتشر في الشرق، رغم ان المفوضية قامت بدمج نحو 1700 من قوات جبهة الشرق المكونة من «مؤتمر البجة والاسود الحرة» بعد توقيع اتفاق السلام مع الحكومة في عام 2006. يقول علي منيب القيادي السابق في جبهة الشرق قبل ان ينسلخ عنها وينضم للحركة الشعبية لتحرير السودان لـ«الشرق الاوسط»، ان السلاح منتشر في الشرق على الحدود مع اريتريا، ومصدره «المسرحون من قوات جبهة الشرق وتجار السلاح عبر البحر الاحمر، ومن يعملون في مجال التهريب عبر البحر». لم يصل، حتى الان، ما يفيد بوجود سلاح في شمال السودان، حيث يسود التوتر بين الحكومة وبين مجموعات قبلية حول انشاء سدين مائيين على نهر النيل، هما سد مروي المصنف بانه من اكبر السدود المائية في افريقيا، تقوم بتشييده شركة صينية، وسد كجبار في مناطق قومية النوبة في شمال السودان في مرحلة الدراسات، غير ان تواتر الاحداث افاد بمحاولات من المحتجين على اقامة سد مروي لتأسيس حركة «تحرير المناصير» في الاطار المطلبي السياسي، كما افادت الانباء بوجود حركة نوبية تنشط في الولايات المتحدة الاميركية باسم «حركة كوش» تناهض مشروعات اقامة السدود في المنطقة، وتتشكك في انها قد تكرر عملية تهجير النوبيين من مناطقهم، كما حدث ابان انشاء السد العالي في مصر في الستينات من القرن الماضي. لكن لا يتوقع الخبير العسكري حامد انتشار السلاح في الشمال، كما يقل الحديث عن انتشار السلاح في وسط البلاد، الذي يضم ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الابيض. وتتفق المصادر على ان منابع الحصول على السلاح في الجنوب، تتمثل في المعارك بين قوات الحكومة والحركات المتمردة على الخرطوم في الجنوب، الى جانب حركة التسليح عبر المناولة من دول الجوار الافريقي واسرائيل، كما قال الخبير الامني السوداني العميد متقاعد حسن بيومي، الى جانب عمليات التسريح التي تتم من وقت لاخر حين تجرى اتفاقات سلام شاملة او جزئية في الجنوب. ويقول بيومي في هذا الخصوص «ان اغلب المسرحين من جيش حركة الانانيا الجنوبية، التي وقعت في عام 1972 اتفاق السلام في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا لم يسلموا اسلحتهم الى الجهات المشرفة على التسريح فصاروا مصدرا مهما من مصادر التسليح في الجنوب، بصورة اغرت اخرين على الخروج الى الغابة والتمرد على الخرطوم من جديد».

وتشير تقاير رسمية الى ان من اهم مصادر توفير السلاح في ايدي الناس في السودان، حروب دول الجوار بين حكوماتها المجاورة، وبين ومعارضيها، وبين المعارضين بعضهم بعضا، وتشير في هذا الخصوص الى ان معارك دارت في عام 1981 بين الحركة الشعبية لتحرير اريتريا بزعامة الرئيس الاريتري الحالي اسياس افورقي وجبهة التحرير الاريترية، انتهت بطرد عناصر الاخيرة من داخل اريتريا الى السودان باسلحتهم، فشكلوا مصدرا اساسيا في ذلك الوقت لتوفير السلاح في الشرق والجنوب على وجه التحديد. ويقول قائد عسكري متقاعد في هذا الخصوص: «كنت في ذلك الوقت قائدا لقوات المدفعية التابعة للجيش السوداني في مدينة كسلا بشرق السودان، وتابعنا كيف نشر هؤلاء السلاح في المنطقة، لدرجة ان سعر البندقية الكلاشنيكوف هبط الى الـ3 جنيهات فقط». ويضيف ان اغلب الناس في الشرق انذاك حصلوا على اسلحة من الهاربين، ولم تستطع السلطات انذاك فعل شيء يذكر، رغم الحملات التي نفذت لمحاربة السلاح غير المشروع. كما يرصد الخبراء ان انهيار جيش الرئيس الاثيوبي السابق منغستو هايلي مريام الذي كان يمتلك واحدة من اكبر ترسانة سلاح في المنطقة ادى الى تسرب اسلحة الى تجار الأسلحة، وكان الجيش الشعبي لتحرير السودان من أكبر المستفيدين من ذلك نتيجة العلاقات الجيدة بين رئيس الحركة الشعبية انذاك الراحل الدكتور جون قرنق ومنغستو.

وباتجاه دارفور فقد تسببت الحرب التشادية الليبية «فرولينا» والتشادية التشادية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وحاليا بين الرئيس التشادي ادريس دبي ومعارضيه، في تسريب كميات كبيرة من الأسلحة لإقليم دارفور، الذي أصبح مسرحاً تدار منه العمليات العسكرية في تشاد، كما يردد المسؤولون في تشاد. ويعتبر الشريط الحدودي مع تشاد الممتد لاكثر من 800 كيلومتر منطقة صراع بين الحركات المسلحة والقوات الحكومية، وهناك نشاط للمعارضة التشادية من داخل الاراضي التشادية على مقربة من الحدود وهذا له افرازاته، من بينها انها تشكل مصدرا لتوفير السلاح، كما يروي ابو القاسم امام والي غرب دارفور لـ«الشرق الاوسط»، موضحا ان المصادر الخارجية لتوفير السلاح في دارفور اكثر نشاطا من المصادر الداخلية، التي ذكر انها نشأت بسبب معالجات خاطئة لقضية دارفور اعتمدتها الحكومة في بدايتها. ويعتقد كثيرون ان كميات كبيرة من اسلحة المعارضة السودانية المنطلقة انذاك من ليبيا لنظام الرئيس السابق نميري في منتصف السبعينات من القرن الماضي قد دفنت في مواقع عديدة في الصحراء الكبرى، بعد فشل محاولة الاستيلاء على سلطة نميري عبر انقلاب عسكري في عام 1976 المعروف بـ«محاولة محمد نور سعد»، واخذت في ما بعد تغذي مواقع عديدة في السودان بالسلاح خاصة دارفور.

وتواجه عملية نزع السلاح صعوبات بالغة، بسبب ضعف الموارد المالية على جهة مفوضية دمج وتسريح المسلحين، حيث تحتاج المفوضية لاكثر من 470 مليون دولار للمهمة في المرحلة الاولى غير ان المانحين لم يوفروا شيئا يذكر من هذا المبلغ، حسب المسؤولين في المفوضية. وبسبب استمرار مصادر تدفق السلاح من الداخل والخارج، يقول مسار مستشار الرئيس السوداني، ان عملية نزع السلاح في دارفور قبل تحقيق السلام وتوفير المقابل مستحيلة. ويتفق مع مسار، في هذا الاتجاه والي غرب دارفور امام، ويقول «التسوية اولا». فيما يشير الفريق الطيب عبد الرحمن مختار في هذا الشأن الى انه شخصيا شارك في اكثر من 7 عمليات لجمع السلاح في دارفور، ولكن كلها لم تلفح في خفض حدة انتشاره، وابرز العمليات هي: «الدرب الاخضر، وجبل مرة، وازوم ، وساري الليل، وانا السودان». وفي الجنوب يعوق عملية نزع السلاح غير المشروع، عدم قدرة الحركة الشعبية على توفير المقابل من ناحية، ومن الناحية الاخرى عدم ثقة المواطنين في الخطوة، لانها لا تتم في وقت واحد وتشمل كل القبائل والميليشيات، حسب مسؤول في المخابرات في الخرطوم. وما لم تبسط الدولة سيطرتها كاملة على الاوضاع، ويتحقق السلام، ويحس المواطن بالأمان في كل مكان في السودان، يصبح اي مشروع لنزع السلاح شيئا غير مفيد.. وربما اضاعة للوقت والجهد. فالحصول عليه في هذه البقعة من العالم سهل جدا.