أوباما.. بلا دراما

يشبه جورج بوش الابن في صفتين.. وتحول في أيام من السناتور إلى الرئيس

تحول أوباما من السناتور إلى الرئيس في أيام (أ.ف.ب)
TT

قال ديفيد اكسيلرود، كبير مستشاري الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما خلال الحملة الانتخابية والذي سيكون كبير مستشارين في البيت الابيض بعد انتقال اوباما اليه يوم 20 يناير (كانون الثاني) المقبل: «يبدأ باراك باختيار شخص يثق فيه. ثم يكلفه بمهمة معينة، يتحمل مسؤوليتها. ثم يسأله، من وقت لآخر، عما فعل. ثم يحاسبه حسابا عسيرا».

فيما كتبت كارين بوهان، صحافية اميركية تعمل مع وكالة «رويتزر»: «سيكون اوباما اكثر حذرا وتأنيا، بالمقارنة مع بوش الذي يعتمد على غريزته».. وقالت ان الرجلين لا يختلفان فقط في الأسلوب، ولكن، طبعا، في السياسة. ولو جمتعهما أشياء فهي أشياء اخرى، مثل: أولا: الالتزام بالمواعيد (خاصة بالمقارنة مع الرئيس السابق بيل كلينتون).   ثانيا: ممارسة الرياضة يوميا (لم يفعل ذلك بيل كلينتون، ولا جورج بوش الأب، ولا رونالد ريغان قبله).

وحتى الذين نافسوا اوباما خلال الحملة الانتخابية، مثل السناتور هيلاري كلينتون التي نافسته في الانتخابات التهميدية داخل الحزب الديمقراطي، ومثل السناتور ماكين الذي نافسه في الانتخابات الرئاسية، اعترفا بميزات لاوباما منها: هدوء غير عادي. ثقة عالية في النفس. جدية ربما اكثر من المعقول. وأخيرا انضباط وانتظام. واكبر دليل على الانضباط هي الطريقة التي ادار بها حملته الانتخابية، حيث، قبل سنة واحدة فقط، بدأ من لاشيء، حتى وصل الى البيت الابيض.

ويقول أعضاء بفريق اوباما تدليلا على هدوء أعصابه، انهم نادرا ان لم يكن أبدا، ما سمعوه يرفع صوته، غير أن له أساليب في إظهار عدم رضاه عن قرار ما. وقال ديفيد اكسيلرود كبير واضعي الاستراتيجيات بحملة اوباما: «أسلوبه في الادارة هو اختيار أشخاص يثق بهم ومنحهم الكثير من السلطات وتحميلهم المسؤولية... يريد أن يعلم ما هي الخطط لتنفيذ هذه الأهداف ومحاسبة المرء على هذا». واكسيلرود الذي يشتهر ببراعته في صياغة الرسائل السياسية واحد من حفنة من كبار المساعدين الذين وضع اوباما ثقته فيهم. ومن بين أعضاء هذه الدائرة من المساعدين ديفيد بلوف مدير حملة اوباما شديد التنظيم الذي راقب انفاق الحملة بحماس، وفاليري غاريت وهي محامية وسيدة أعمال منغمسة في الحياة السياسية في شيكاغو.

وعند حاجته للمشورة بشأن العلاقات مع الصحافة يلجأ اوباما لروبرت غيبس الجنوبي قوي الشكيمة الذي يتسم بأسلوب مهذب والذي فرض سيطرة محكمة على وصول وسائل الاعلام للرئيس المنتخب. ومن المرجح أن يلعب كثيرون من هؤلاء المستشارين أدوارا بارزة في ادارة اوباما. لكن السؤال الذي يطرحه الجميع الان هو: كيف سيحكم اوباما؟ فإدارة حملة انتخابية تاريخية لا تعني ادارة البيت الابيض بطريقة ناجحة. الكثير من الخبراء يقولون ان اوباما سيدير البيت الابيض محاطا بعدد هائل من المستشارين والمساعدين والخبراء. وهو بدأ ذلك بالفعل عندما اختار حوله حتى الان عددا كبيرا جدا من كبار الاسماء في إدارة جورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وحتى جورج بوش الابن، إذ قرر ان يبقي وزير الدفاع الحالي روبرت غيتس في منصبه، وهو ما يبدو مرجحا جدا. ووسط كل هذا العدد من المستشارين سيحتاج اوباما الى اعصابه والى هدوئه، وهي صفات يتمتع بها بالفعل، لدرجة ان مساعديه يصفونه: «اوباما بلا دراما». أي أنه يميل الى مواجهة المشاكل بدون أن يضيف اليها دراما، فعلى سبيل المثال، خلال الأزمة المالية التي هزت اميركا، كانت ردود افعال ماكين فيها الكثير من الدراما، إذ دعا الى توقيف الحملة الانتخابية والعودة لواشنطن وهي تصرفات سببت انتقادات شديدة له. فقد اتسم رد فعل ماكين بإيماءات مبالغ فيها مثل التعهد بتعليق حملته لمساعدة الكونغرس على التفاوض من أجل الاموال اللازمة لخطة للانقاذ المالي ونادى باقالة رئيس لجنة السندات والصرف. وعلى النقيض من ذلك، أجرى اوباما مكالمات جماعية سرا مع خبراء مثل بول فولكر رئيس بنك الاحتياطي الاتحادي السابق ووزير الخزانة السابق لورانس سومرز والمستثمر وورين بافيت، بينما كان يتابع أحداث السوق على جهاز البلاكبيري الخاص به.

وركز حديثه في الايام القليلة الاولى من الازمة على إلقاء اللوم على ادارة بوش لأسلوبها الفضفاض في التنظيم ومحاولة الربط بين ماكين وسياسات بوش. وجازف باحتمال أن يجسده ماكين في صورة الشخص المتردد بأن ألغى خططا لكشف النقاب عن اقتراحه الخاص بسوق العقارات وفضل الوقوف وراء دعوة وزير الخزانة هنري بولسون لوضع خطة للانقاذ قيمتها 700 مليار دولار.

وتكمل صفات أوباما صفات مساعديه: اكسيلرود الاستراتيجي، وديفيد بلوف المنظم، وغيبس الاعلامي، وفاليري غاريت المدققة.  وجمع كل هؤلاء وصف واحد: هدوء، وثقة بالنفس.

وكما قال ليو ريبوفو، استاذ التاريخ في جامعة جورج واشنطن: «اوباما سياسي، وعميق التفكير، ومتأمل». وهكذا، فصل الاستاذ الجامعي بين السياسة والسلوك، اي ان الشخص يقدر ان يكون سياسيا وغوغائيا، او سياسيا وعاقلا. (طبعا، يقدر السياسي على ان يكون اخلاقيا، او غير اخلاقي.  لكن، ليس هذا مجال الحديث عن ذلك بالنسبة لاوباما).

وخارجيا يتسم منهج اوباما في السياسة الخارجية بقدر مشابه من الحذر. ولتقييم قضايا مثل الازمة النووية الايرانية يتحدث اوباما مع أشخاص مثل جيمس ستاينبرغ المساعد السابق للرئيس بيل كلينتون ودينيس روس المفاوض السابق في عملية السلام بالشرق الاوسط وعضو مجلس الشيوخ السابق سام نان الذي يعتبر واحدا من أفضل خبراء السياسة الخارجية بالحزب الديمقراطي. كما يطلب المساعدة من اعضاء بفريق العاملين معه مثل مارك ليبيرت جندي الاحتياط بالبحرية الذي خدم لسبعة اشهر في العراق.

ويداعب البعض سؤال بشأن ما اذا كان اوباما سيحكم من المنظور الوسطي الذي أكده خلال الحملة أم ان الاغلبية الديمقراطية بالكونجرس التي اكتسبت قوة قد تجعله يميل نحو سياسات اكثر ليبرالية. ووصف ليو ريبوفو استاذ التاريخ بجامعة جورج واشنطن اوباما بأنه سياسي «عميق التفكير ومتأمل»، وقال ان منهجه في الحكم واعد.

لكنه استطرد قائلا ان وعود اوباما النبيلة بمحاولة تجاوز الانقسامات السياسية في الغالب ستصطدم بحقائق قاسية. وتابع أن «اوباما سيجد مثل كل من في البيت الابيض أنه يواجه معارضة قوية وربما حتى شرسة وبالتالي سيكون عليه أن يقرر كيف يتصرف حين يواجه معارضة لا تلين». وكان لافتا ان اوباما استطاع سريعا ان يتحول من السناتور اوباما الى الرئيس اوباما، فخلال اسابيع تحول من الشخص الخجول الى الشخص الذي يتحرك وداخله إحساس أنه سيغير العالم. وربما لا يقدر على تقيم شخصية اوباما انسان مثل ديفيد مينديل، صحافي مع جريدة «شيكاغو تربيون»، وتابع اوباما لاكثر من سنتين، وفي الاسبوع الماضي اصدر كتاب «اوباما: فروم بروميس تو باور» (من الوعود الى السلطة).

وقال فيه ان شخصية اوباما مثل شخصية ليرون، لاعب كرة سلة اسود مشهور. لكن، ليس هذا الوصف من الصحافي، ولكن من اوباما نفسه. قبل اربع سنوات، قبل ان يصير اوباما عضوا في الكونغرس، كان من قادة الحزب الديمقراطي الشباب في شيكاغو. وكان الصحافي يتبعه، ويتنبأ له بمستقبل زاهر. كانت كرة السلة ولاتزال، هواية اوباما المفضلة. ودائما، كان اوباما بطل المنافسة، وقائد الفريق. وكلما سجل هدفا، صرخ: «انا ليرون».

في الكتاب، وصف الصحافي اوباما وهو يلعب كرة السلة: «طويل ونحيف وانيق ومؤدب وهادئ ولا يتكلم كثيرا الا عندما يسجل هدفا، ويصرخ: «انا ليرون». كان يلعب على مرحلتين: الاولى يتبادل الكرة مع زملائه. والثاني، يسرع بها ليسجل هدفا. لم يكن يسبح في الفضاء، مثل مايكل جاكسون، ولم يكن يقفز عاليا، مثل بطله ليرون، لكنه كان يقود فريقه نحو النصر. عندما كنت انظر اليه وهو يتقدم نحو السلة، كنت اتوقع انه سيسجل هدفا. واعتقد ان احساسه بذلك كان اكبر واهم من توقعاتي».

واضاف الصحافي: «قبل خبرته، وقبل تصميمه على تسجيل الهدف، كانت هناك الثقة بالنفس. لم ار في حياتي شخصا يتقدم نحو السلة بهذه الثقة في نفسه. وفي سنة 2004، عقد الحزب الديمقراطي مؤتمره العام لاختيار مرشح لرئاسة الجمهورية ضد الرئيس بوش (اختار السناتور كيري، لكن بوش انتصر عليه)، تحدث اوباما. لم يكن وصل الى الكونغرس في واشنطن في ذلك الوقت، وكان عضوا في كونغرس ولاية إلينوي، دائرة من دوائر شيكاغو. وكان، ايضا، استاذا في الجامعة. وفي تلك السن المبكرة، جذب الانظار.

وقال الصحافي: «في الليل، خاطب اوباما المؤتمر، وفي النهار لعب كرة السلة. في نفس الثقة بالنفس التي لعب بها، تحدث امام المؤتمر».

وهناك مارتي نيبسيت، من اصدقاء اوباما القدامى. لم يقل ايضا ان اوباما كان مثل «ليرون» لاعب كرة السلة المشهور. لكنه قال شيئا قريبا من ذلك. قال: «شاهدته يوم استضافه تيد كوبيل، في برنامج «نايت لاين» في تلفزيون «اي بي سي». كان يرتدي بدلة انيقة، ويجلس في ثقة، ويتحدث في فصاحة غريبة، انتقل عقلي الى ميدان كرة السلة عندما كنت في المدرسة الثانوية. وتذكرت بطل فريق كرة السلة. ودار في خيالي كيف كان يتبادل الكرة مع زملائه، ثم يتجه نحو السلة، ثم يسجل الهدف. ما هي الصلة بين ذلك وانا اشاهد اوباما في استوديو التلفزيون يجيب على اسئلة كوبيل؟ لا أعرف. لكني اعرف ان الطريقة التي كان يتكلم بها اوباما، في ثقة غير عادية، وهو في سن صغيرة، ذكرني ببطل فريق كرة السلة في مدرستنا الثانوية في ولاية اوهايو قبل عشرين سنة تقريبا».

وهناك شخص اخر يعرف شخصية اوباما بشكل جيد جدا، وهي مادلين دنهام، جدة اوباما. فقبل اربع سنوات، عندما بدأ نجم اوباما يلمع خارج شيكاغو، سافر الى اوهايو نفس صحافي جريدة «شيكاغو ربيون»، وقابلها، وسألها عن شخصية حفيدها. ومما قالت: «هكذا دائما باري (اسمه القديم). هادئ الى درجة انه كان خجولا. ومنتظم في مواعيده الى درجة تدعو للاعجاب. ومهندم في ملابسه الى درجة تثير البنات».

واضافت: «مرة، وكان في المدرسة الثانوية، سألته: باري، ماذا تريد ان تكون عندما تصير كبيرا؟ واجاب: اريد ان يكون العالم احسن يوم ان أفارقه، عنه عندما كان يوم جئت اليه».

ويقول الذين يعرفونه انه ورث القيم الاخلاقية من جدته، مادلين. وورث روح المغامرة من والدته، آن. وورث التفاني في حب الوطن من جده، ستانلي (حارب في الحرب العالمية الثانية). خلال الحملة الانتخابية، اوباما نفسه كرر كثيرا ان جدته، مادلين، كانت «الصخرة التي اعتمد عليها».

لكن، قال كتاب «اوباما: الحلم الى السلطة» ان الناس يجب الا تنسى ان اوباما، اولا واخيرا، سياسي ناجح. وان السياسي الناجح هو الذي يجيد المحاورات والمناورات والصفقات والتنازلات والتقدمات. وقال: «لم يعرف الناس بعد اشياء خفية عن اوباما. اشياء في طبيعته: اولا: اعتقاده انه هو دائما على حق، لدرجة القداسة.

ثانيا: مزاجه الزئبقي، يصعد احيانا ويهبط احيانا. ثالثا: تصرفات باردة وجافة. رابعا: «امبرياس». هذه الاخيرة ليست وصفا طيبا. من «امبريال» (امبراطوري)، وبالنسبة للشخصية تعني حب السيطرة.