وزير أوباما العربي

راي لحود وزير النقل في الإدارة الجديدة جده لحام ووالده طباخ وكان حلمه أن يصبح مدرسا

راي لحود (إ.ب.أ)
TT

فاجأ تعيين راي لحود وزيراً للنقل في حكومة باراك اوباما، الكثيرين. لم يكن هناك من يتوقع هذا التعيين. كان اوباما يريد جمهورياً آخر الى جانب روبرت غيتس، وزير الدفاع، للوفاء بوعده بضم أكثر من جمهوري الى ادارته الديمقراطية. لكن اسم لحود لم يكن وارداً على الاطلاق.

ملامح الرجل الذي يميل الى البدانة، تدل بوضوح على أصوله العربية. الا انه هو نفسه لا يحتفي كثيراً بهذه الاصول. لم يحدث ان تبنى اي قضية لها علاقة بالعالم العربي، لكنه دافع عن قضايا تهم العرب الاميركيين. راي لحود عربي اسماً وتراثا، ولكنه اميركي حتى النخاع. يضع دائماً ابتسامة متكلفة على وجهه. شعره اختلط بياضه بسواده. حاجباه كثيفان. عيناه تحدقان في الآخر. هو رجل تعليم، تعود على الحديث المسهب المفصل واحياناً الممل، كما هو حال بعض المدرسين. يتقن فن الجدل. متمرد على حزبه. كرس حياته النيابية لخلق وئام بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. واصبح أكثر شهرة عندما ترأس لجنة داخل مجلس النواب كانت تهدف الى عزل الرئيس السابق بيل كلينتون، بعد ان ثبت تورطه عام 1998 في علاقة جنسية مع مونيكا لوينسكي، الموظفة المتدربة في البيت الابيض ايامذاك. ليس لدى لحود اي إلمام بقضايا النقل التي سيحمل حقيبتها في الحكومة الفيدرالية. ولا تواجه مدينته بيوريا في ولاية الينوي، التي ولد فيها عام 1945، اي مشاكل في مجال النقل. وعندما اتصل رام ايمانيول، رئيس موظفي البيت الابيض المعين، بلحود لابلاغه بان الرئيس المنتخب باراك اوباما قرر تعيينه وزيراً، لم يكن هو نفسه يعرف أي حقيبة ستسند اليه في اكبر حكومة اقليات عبر التاريخ الاميركي. لم يراكم لحود خبرات تذكر في مجال النقل، وعمل لفترة قصيرة في «لجنة النقل والبنيات التحتية» في مجلس النواب، وحتى عندما كان عضواً في لجنة الاعتمادات في مجلس النواب لم يعمل على تمويل ميزانية النقل. لذلك يعتقد ان قلة خبراته في مجال النقل، ستجعل دوره قليل التأثير داخل الحكومة، في حين سيلعب الدور الرئيسي لتوجيه قطاع النقل جيمس اوبرستر، رئيس لجنة النقل والبنيات التحتية في مجلس النواب. واشاد اوبرستر باعتدال مزاج لحود السياسي وكفاءته الادارية، لكن عندما سئل حول دور بارز لعبه لحود عندما كان عضواً في لجنة النقل، قال: «لا اتذكر انه قدم اي مشروع قانون لتلك اللجنة، كان فقط يلعب دورا توفيقياً». لذلك يبدو ان باراك اوباما اختار راي لحود لاعتبارات يفهمها هو فقط، وليس نتيجة لخبرات متراكمة، كما هو شأن الاعضاء الآخرين في إدارته.

يتميز اوباما باشياء كثيرة منها الكتمان. فخلال الربيع الماضي عندما كانت الحملة الانتخابية على أشدها، والسباق نحو الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي تحول الى معركة حامية الوطيس، التقى اوباما لحود خلال تجمع انتخابي في مدينة بيوريا، وقال له، «سيد لحود إنك على رأس القائمة». لم يكن أحد يخمن في ذلك الوقت ان اوباما يتحدث عن مرحلة ليست في الحسبان. الانتخابات التمهيدية لم تكن قد حسمت بعد، والحسابات بين التصويت الشعبي وموقف المندوبين الكبار متضاربة، ثم هناك مؤتمر الحزب الديمقرطي في الصيف وماذا سيقرر، والتنافس مع المرشح الجمهوري... والاحتمالات كلها كانت مفتوحة. وضع اوباما كل ذلك جانباً وراح يتحدث عن تشكيلة الادارة المقبلة، وعن ضم جمهوريين الى هذه الادارة... وكان لحود على رأس القائمة.

كان هناك اعتبار واحد جعل اوباما يختار لحود، الأداء الذي اتسم بحياد كامل في الكونغرس (مجلس النواب) والنزعة التوفيقية. ظلت مواقف لحود تحسب بميزان يزن بيض النمل في محاولاته خلق روح تعاون بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس.

ويقول جيمس زغبي، رئيس «المعهد العربي الاميركي» في واشنطن، لـ«الشرق الاوسط»، ان السبب الرئيسي في اختيار اوباما للحود وزيراً، هو دوره في الكونغرس. ويرى ان «مداخلاته ومبادراته التشريعية، اتسمت بالانفتاح والتحرر، وهو شخص ظل محترما من طرف الديمقراطيين والجمهوريين، كما كان وراء نشر ثقافة سياسية محترمة في الكونغرس». ويضيف، «انا انتمي للحزب الديمقراطي، لكن عندما اصبحت حملة باراك اوباما تتحدث عن رغبته في ادخال جمهوريين الحكومة، كان رأيي الذي ابلغته للحملة، ان راي لحود من المؤهلين للموقع».

يؤكد الزغبي ان «الاميركيين العرب يفخرون بالخدمات التي قدمها راي لحود، حيث كان احد الاصوات العاقلة في الكونغرس، ولم يكن من الذين يترددون في ايجاد أرضية مشتركة بين نواب الحزبين».

يعتقد الزغبي، ان لحود سيبني من خلال موقعه الحكومي علاقات وثيقة مع العرب الاميركيين، كما سيسهل أنشطة المجتمعات الاميركية العربية في الحياة العامة. ورداً على سؤال حول ما إذا كان «المعهد العربي الاميركي» الذي يرأسه الزغبي، تربطه علاقة مع لحود، قال، «نعم لدينا علاقة معه ومنذ فترة طويلة، تعود الى بداية التسعينات. هو كان من النواب المساندين لانشطتنا، وخاصة عندما انخرطنا في حملة ضد التمييز والعنصرية التي تستهدف العرب، ولحود من الذين لعبوا دوراً نشيطاً وفعالاً. كما ان ابنه سام لحود عمل معنا في المعهد، وهو شخص رائع قام بنشاط رائع. وحتى عندما انتقل الى وزارة الخارجية كان من الدبلوماسيين المرموقين».

وكان المعهد العربي الاميركي قد منح هذه السنة جائزة «نجيب حلبي» السنوية لراي لحود، وهي جائزة تمنح سنوياً لاحد العرب الاميركيين الذين يقدمون خدمات تدعو الى الحفاظ على التراث المشترك للثقافة العربية في اميركا.

هناك قضيتان تهمان العرب الاميركيين وقف فيهما راي لحود موقفاً مسانداً، الاولى عندما ناهض المعاملة المتشددة التي تلقاها العرب الاميركيون في المطارات خلال التسعينات، حيث كانوا يجبرون احياناً على خلع جميع ملابسهم، ويتم تفتيشهم في مناطق حساسة تحسباً من عمليات اختطاف الطائرات. كما ناهض أيضا إجراء كانت اتخذته إدارة الرئيس بيل كلينتون لمنع الاميركيين من السفر الى لبنان، في فترة مضطربة خلال التسعينات.

يتحدر راي لحود من أصول لبنانية، ومع ذلك فان معرفته باللغة العربية لا تتعدى بضع كلمات. والداه من بلدة أيطو، في شمال لبنان، وهما ينتميان الى الطائفة المارونية المسيحية. هاجر جده، سام لحود بشارة، الى الولايات المتحدة قاصدا ولاية الينوي عام 1895، ودخلها عبر جزيرة ايليس التي كانت مركزا لعبور المهاجرين في نيويورك. نجح سام الذي اعتمد على اسم جده لحود لتصبح كنيته بدلا من بشارة، في الانتقال بمهنته من لبنان الى الولايات المتحدة، حيث افتتح ملحمة خاصة به، الى أن خسرها بعد الكساد الكبير بين عامي 1933 و1935، الأمر الذي جعله ينتقل الى بيوريا ويفتتح مطعما صغيرا حمل اسمه وتخصّص في بيع المأكولات الأميركية. في حديث له الى مجلة «الصياد» اللبنانية عام 2002، قال راي لحود، «ولد والدي ادوارد في كيواني وترعرع في بيوريا حيث ولدت، وورث مطعم جدي وعمل فيه. بعد سنوات عدة، لحق بنا العديد من العائلات من بلدة أيطو وعمل افرادها في البقالة والمطاعم، وكنا نعيش ثلاث او اربع عائلات في بيت واحد. لكن أبناء هذه العائلات حققوا نجاحات في أعمالهم وتخرج منهم عدد كبير من المهندسين والمحامين والأطباء الى ان اسسوا في بيوريا جمعية أيطو». وصف لحود خالته ووالدته ووالده وجدته بالطباخين الماهرين، فيما أكّد أن أخاه الأكبر مايك أفضل طاه للمأكولات اللبنانية، ويحرص على استضافة العائلة في منزله في ليلة عيد الميلاد من كل عام، وهو يملك قاعة كبيرة يحضّر فيها المآدب الاحتفالية للراغبين من الزبائن. أما شقيقه الأصغر ستيف فهو نائب تنفيذي لشركة كبيرة للأدوية في نيويورك.

وقال لحود عن حياته الدراسية والعملية، «بدأت العمل في مطعم خلال دراستي الثانوية، وكان سني 16 عاما، وبعد ذلك عملت في بقالة لتوضيب البضائع. وفي المرحلة الجامعية عملت في محطة للوقود، ولم تكن عائلتي تملك الكثير من المال». واضاف «كان طموحي ان اكون مدرسا، ومارست هذه المهنة التي أعتبرها رائعة لمدة 6 أعوام. لكنني أردت أن أكون جزءا من الحكومة التي منحتني فرصة خدمة الناس».

يقول رئيس بلدية ايطو جميل سليمان لـ«الشرق الأوسط»، إن أفراد عائلة راي لحود لم يعودوا الى مسقط رأسهم منذ هاجر جدّهم الذي كان يعمل لحاما في البلدة. ويضيف، «رغم أن راي لحود لا يتقن اللغة العربية ولم ينشأ في بلدته، الا انه أصرّ على زيارة أحجار منزله التي لا تزال شاهدة في أحد أحياء ايطو، حين أتى الى لبنان منذ حوالي عشر سنوات، وقد عمدت حينها زوجته اللبنانية التي كانت برفقته الى أخذ حجر معها الى الولايات المتحدة كتذكار من بيت العائلة». نال لحود درجته الجامعية في مجال التعليم من جامعة برادلي في الينوي، وعمل في بداية حياته العملية استاذاً في المدارس الثانوية، ثم تحول الى العمل الاداري، حيث تولى إدارة مكتب الشباب في مقاطعة روك ايلاند، كما عمل مساعداً لاثنين من أعضاء الكونغرس عن ولاية الينوي. وفي عام 1982 انخرط في غمار العمل السياسي، حيث كان عضوا لسنة واحدة في مجلس نواب ولاية الينوي، وعلى غرار نواب آخرين من اصول عربية، مثل داريل عيسى وتشارلز بستاني، انضموا منذ بداية عملهم السياسي الى الحزب الجمهوري. وفي عام 1994 عندما حقق الجمهوريون فوزاً ساحقا في الانتخابات، وهو الانتصار الذي اطلق عليه «إغراق الكونغرس بالافيال» (الفيل شعار الحزب الجمهوري)، كان راي لحود أحد الجمهوريين الذين فازوا في تلك الانتخابات.

في عام 2006، قرر لحود ان يخوض الانتخابات ضد حاكم الولاية الحالي الديمقراطي رود بلاغوفيتش، وقال وقتها انه ادرك الحقيقة، وهي ان قلة خارج مقاطعته يعرفونه، ثم قرر الترشح من جديد لمجلس النواب وفاز باغلبية واضحة. ويفترض ان تنتهي فترة لحود في السادس من يناير (كانون الثاني) وقبل تعيينه وزيراً. وقبل طلب اوباما اليه ان يخدم في ادارته، قال لحود انه ينوي ان يكتب مذكراته في الكونغرس، الا ان قرار اوباما جعله الآن يطوي هذه الفكرة مبدئيا.

أهم عمل ميز فترة لحود في مجلس النواب هو تبينه فكرة الاعتناء الشديد بتراث الرئيس الاميركي ابراهام لنكولن، الذي ارتبط اسمه بتحرير العبيد، حيث خاض الحرب الاهلية ضد ولايات الجنوب التي كانت تمسك بتجارة الرقيق. وكان لحود خلف تشكيل لجنة من الحزبين من اجل تخليد مرور قرنين على ميلاد لنكولن، وظل من أكثر المتحمسين لمشروع إنشاء مكتبة لنكولن في مدينة سبرينغفيلد (ولاية الينوي).

وعلى الرغم من ان ابنه سام عمل بنشاط واضح مع حملة المرشح الجمهوري جون ماكين ضد اوباما وفي ولايته الينوي، فإن الفكرة التي راودت الرئيس المنتخب في ربيع هذا العام ظلت راسخة في ذهنه، «سيد لحود انت على رأس القائمة». وفي 18 من الشهر الحالي أعلن تعيين لحود وزيراً للنقل، وقال له اوباما في بداية المؤتمر الصحافي، الذي اعلن فيه رسمياً ترشيحه للمنصب الوازري، «سيد لحود حان الوقت». لم يفهم أحد دلالات هذه العبارة المقتضبة، وهي على غرار عبارات وشعارات اوباما التي يختزلها في كلمات مثل شعاره الشهير «نعم يمكننا ذلك» او «نعم نستطيع». وجود اوباما ابن المهاجر وراعي الغنم وحفيد الطباخ في البيت الابيض، يشكل في حد ذاته فصلاً مثيراً من فصول التاريخ الاميركي. وان يختار الرجل وزيراً عربياً لأول مرة في حكومته لا شك ايضاً انه حدث مهم، لان العربي الوحيد الذي شغل موقعا مرموقاً في الادارة الاميركية كان جون سنونو، وهو يتحدر من أصول فلسطينية، وشغل منصب رئيس موظفي البيت الابيض في عهد جورج بوش الاب. وعلى الرغم من التعامل المحدود جداً مع قضايا المنطقة، فإن كثيرين من العرب يعتقدون ان راي لحود سيكون له تأثير، ولو في حدود ضيقة على تعامل إدارة اوباما مع قضايا المنطقة. وفي ظنهم أن اي شخص يقبل على العمل العام ويدخل ميدانه يصل إلى هناك ومعه حمولته الثقافية كاملة، فيها المؤثر بالبيئة والتربية والقيم الموجهة، وفيها المكتسب بالعلم والمعرفة والتذوق، بل هناك ايضا الجينات الموروثة وتأثيرها في تفكير الانسان.

عرب اميركا مندمجون تماماً في النسيج الاميركي، وراي لحود أحد هؤلاء. لكن نظراً لأهمية منطقة الشرق الاوسط في العالم، ان تكون متحدراً من هذه المنطقة وتكون ايضاً في قلب صنع القرار في واشنطن، لا شك سيكون أمرا يسترعى أكثر من انتباه. ولأن راي لحود جاء الى وزارة النقل الاميركية وهو يجر خلفه قطاراً من الآمال والخيبات العربية ايضاً سيبقى كما قالت صحيفة «واشنطن بوست» تحت المجهر، حتى لو لم يفعل شيئاً سوى انه اصبح وزيراً في إدارة رجل اسمه باراك اوباما.