وزير في مواجهة مواطن

للمرة الأولى يجلس سائق تاكسي مع مسؤول حكومي في مصر.. ولكن نتائج التجربة قد لا توازي جرأتها

TT

«آه غضبان...»، هكذا بدأ العم رأفت عبد الفضيل حديثه في برنامج «البيت بيتك» الذي يذاع من التلفزيون الرسمي المصري، عند رده على سؤال عن رأيه في الحكومة. العم رأفت الذي يعمل سائق تاكسي، يمكن اعتباره نموذجا يعبر عن حال الكثير من المصريين، سواء في المستوى المعيشي، حيث دخله لا يزيد عن 750 جنيها في الشهر (ما يعادل 140 دولارا أميركيا)، أو حتى في سخطه على حكومة بلاده، التي تعد من أكثر الحكومات، منذ تاريخ ثورة يوليو (تموز) 1952، إثارة للجدل وتعرضا للهجوم، سواء من الصحافة ووسائل الإعلام، أو حتى في شكل هبات شعبية زادت في الأعوام الأخيرة. والعام الذي يلملم أوراقه شهد الكثير من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، سواء على قرارات حكومية أو مطالبة بتحسين أوضاعهم.

تجربة قام بها القائمون على برنامج «البيت بيتك»، حيث استضافوا في حلقة الأحد الماضي العم رأفت في مواجهة وزير الاستثمار المصري محمود محيي الدين، حيث استطاع الأول أن يحرج الثاني في أكثر من نقطة، وان استطاع الوزير أن يهرب من الكثير من الأسئلة الموجهة إليه من قبل المواطن أو الاتصالات الهاتفية، التي انهالت على البرنامج تهاجم هذا القانون أو ذلك القرار.

البعض رأى التجربة في حد ذاتها جديدة. فإن يستمع وزير إلى مواطن عادي من الشعب، أمر لم يحدث من قبل على الهواء مباشرة، وأمام الملايين من المشاهدين، خاصة أن برنامج «البيت بيتك» له شعبية واسعة في البلاد ويحرص كثير من المصريين على متابعته.

لكن على الجانب الآخر، فإن آخرين يرون أن المسألة برمتها كانت معركة غير متكافئة. فالمواطن العادي مهما بلغت درجة ثقافته وقدرته على الحديث، لن يتمكن من مواجهة وزير وإحراجه، خاصة أن الأخير حاصل على دكتوراه في الاقتصاد والسياسة، فضلا عما يملكه من قدرات على المناورة تمكنه حتى من الهروب من أسئلة الصحافيين في المؤتمرات الصحافية.

المواطن والحكومة علاقة ثنائية ملتبسة يشوبها الكثير من الشد والجذب في مصر، خصوصا أن الحكومة خلال العام الحالي كانت محل نقد من جانب الكثيرين. فعلى سبيل المثال هناك حزمة من القوانين صدرت وأفكار طرحت وأزمات مرت، أثرت على كثير من المصريين، سواء أكانت اقتصادية أو غيرها، فهناك قانون المرور الذي بدأ العمل به في شهر أغسطس (آب) الماضي، وقبله بشهور أطلقت قرارات 5 مايو (أيار) التي جاءت حسب كثير من المصريين لتلتهم العلاوة التي أقرها الرئيس مبارك بـ30 بالمائة للمواطنين. وبعدها، وخلال العام نفسه، تم إقرار قانون الضرائب العقارية، وخلال العام حدثت أزمة طاحنة في «رغيف العيش» الذي كان الحصول عليه أصعب من الحصول على مخدر «الحشيش» في البعض من المناطق الشعبية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات بصفة عامة، وقرارات ضخ 15 مليار جنيه لمواجهة الأزمة المالية العالمية، واستجابة وزارة المالية لصرف مستحقات لأرباب المعاشات... كما جاء اقتراح برنامج إدارة أصول الدولة وتوزيع صكوك ملكية على المواطنين، كأكثر الاقتراحات إثارة للجدل، التي رآها البعض محاولة من جانب الحكومة لإصلاح أخطاء الخصخصة. بالعودة إلى العم رأفت، فهو مثله مثل باقي المصريين، استوقفته قرارات مايو وقانون المرور وإدارة الصكوك، الضرائب العقارية، وقانون المرور الذي بدأ تطبيقه في شهر أغسطس الماضي، الذي يرى كثيرون أن تطبيقه لم يحل مشكلة المرور في مصر. ولمن لا يعرف فإن أزمة المرور في العاصمة، ممتدة ومتشعبة. فعلى سبيل المثال قد تستغرق الرحلة من مطار القاهرة إلى وسطها نحو أكثر من ساعتين، في حين أن تلك الرحلة لا تتجاوز أكثر من 15 دقيقة في أيام الجمعة والعطلات. وبدا العم رأفت حزينا جدا وهو يتحدث عن مشكلته مع قانون المرور. فالرجل يقضي نحو 9 ساعات خلف مقود سيارته البيجو موديل السبعينات، التي ستُعدم بموجب القانون الجديد خلال العامين القادمين. وهو بذلك يشاطر في تلك المشكلة الكثير من سائقي التاكسي المصريين حيث كانت السيارة البيجو خلال عقود، التاكسي الرسمي المصري، قبل أن تزاحمها سيارات أخرى، وخاصة تلك التي ظهرت في لون أصفر تحت مسمى تاكسي العاصمة. ويرى العم رأفت أن قانون المرور ساهم في خدمة أصحاب شركات السيارات الأميركية الكاسدة من خلال تسويق تلك السيارات في مصر. لم يملك الوزير أي رد على المواطن البسيط، وبدلا من ذلك راح يتحدث عن أهمية احترام قانون المرور، وان القانون تم وضعه لكي يُطبق على جميع المواطنين بمختلف فئاتهم وليس لنخبة معينة. ولكن الوضع على الأرض مختلف، فمواكب الوزراء والشخصيات المهمة دائما ما تقطع شوارع القاهرة وهي تجوب مسرعة، في وقت ينظر المواطنون البسطاء سواء من خلال سيارتهم أو من خلال حافلات النقل العام إلى تلك السيارات في حسرة وألم وغضب. لكن الوزير المحنك، لم يحمل الشعب مسؤولية عدم شعورهم بانجازات الحكومة، وحدد 3 أسباب وراء غضب المصريين من الحكومة. وقال ان أولها هي ان الحكومة لم تحقق آمال وطموحات وتوقعات الشعب في قضية ما، وثانيها انها لم تنفذ بعض الوعود التي قد وعدت بها لأسباب كثيرة، ومن ثم قامت بترحيلها إلى وقت آخر، وثالثها عدم الشرح الجيد والوافي لنتائج السياسات الإيجابية التي قامت بها الدولة.

وعندما تطرق الحديث إلى النواحي الاقتصادية، كانت الكلمة الأولى للوزير بالطبع، فأدخل الجميع في دوامة أرقام وتحدث عن قرارات كثيرة ساهمت في تراجع الأزمات التي واجهت الحكومة. ففي رده موضوع إدارة الصكوك، حيث أبدى العم رأفت تخوفه من برنامج توزيع صكوك أصول الدولة على المواطنين من أن تؤول تلك الأصول في النهاية إلى الأجانب، واعتبر أن البرنامج بمثابة بيع للبلد، وأنها خطوة في طريق التخلي عن محدودي الدخل، ووقتها رد الوزير ليؤكد أن تلك الصكوك ملك للمصريين فقط، وأن ذلك لا ينفي مسؤولية الدولة، ولا يعتبر تخليا عن دورها تجاه المواطنين، كما أنها ليست بديلاً للدعم أو الخدمات العامة التي تقدمها الدولة للشعب، بل هي خدمة إضافية للمواطن.

وفي نهاية الحلقة كان الوزير والمواطن مثل السمن على العسل، وهو مقولة مصرية للدلالة على عدم وجود مشاكل بين الطرفين، وان كانت العلاقة على أرض الواقع مثل طرفي المقص كلاهما مشدود إلى الآخر، لكن كلا منهما يمضي في اتجاه، وهو ما يؤكده النائب عن الإخوان الدكتور حمدي حسن. فهو يرى أن هناك انفصاما بين الحكومة ورجل الشارع ويقول لـ«الشرق الاوسط»، «هناك انفصام بين الحكومة ورجل الشارع، وأن يكون المواطن في مواجهة الوزير مواجهة غير متكافئة فرجل الشارع بسيط وفي أول وهلة سيخشى من مقام الوزير نفسه، ولديه رهبة الحديث أمام الكاميرا». ويشير إلى أن لدى الوزير الأدوات التي يستطيع أن يجيب فيها عن الأسئلة من دون أن يعطي إجابات واضحة وهو ما حصل بالفعل.

وقال إن «الحكومة لا تستمع إلى الشعب ولا تستمع الى ممثلي الشعب»، وأضاف: «نحن منهم وتعتمد على وجود الأغلبية في تمرير الكثير من القوانين، ولا يهمها رأي النواب أو رأي الشعب نفسه».

ويثير حديث النائب تساؤلات عما إذا كانت الحكومة بالفعل تستمع إلى الشعب، وهو ما تطرق إليه وزير الاستثمار محمود محيي الدين، إذ قال الحكومة هي مجموعة من الشعب موكلة لإدارة شؤون الشعب، وانها تستجيب لمطالبهم في حالة الإجماع وكونه اختيارا مجتمعيا، مشيراً إلى أن هذا لا ينتقص منها على الإطلاق، إلا أنه أوضح أن الحكومة تستجيب إذا رأت في تنفيذ تلك المطالب الصالح العام.

وأكد الوزير أن الحكومة لديها من الوسائل لاستطلاع آراء الشعب، منها، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، ومراكز العلاقات العامة بالوزارات، مشيراً إلى أنه لا بد على كل حكومة استطلاع رأي الشعب الذي جاءت من أجل خدمته لمعرفة طموحاته وأفكاره، موضحاً أن الحكومة التي تقوم بخدمة النخبة فقط من المجتمع هي حكومة فاشلة بكل المقاييس.