أهلا بالعام الجديد

استقباله بأكل 12 حبة عنب.. أو حرق الأشجار وتكسير الأطباق والصراخ لطرد الأرواح الشريرة

جانب من احتفالات لندن برأس السنة الجديدة (أ.ف.ب)
TT

عادات غريبة كثيرة ترافق توديع عام والترحيب بعام جديد في انحاء العالم، تتراوح بين العادات التقليدية وأخرى أقرب الى الشعوذة، هدفها بالطبع جلب الحظ والتفاؤل بالعام الجديد. وقد تكون عادة اصطناع الضجيج عندما تدق ساعة منتصف الليل، لاستقبال السنة الجديدة، من أكثر العادات شيوعا، ولو ان الكثيرين لا يعرفون ماذا يعني اطلاق هذا الضجيج. هذه العادة تعتبر من اقدم العادات الاوروبية لاستقبال العام الجديد، وهي تهدف الى تفريق الأرواح الشريرة.

ومن العادات الشائعة الى العادات الاكثير خصوصية، ففي ألمانيا مثلا حيث يطلق على ليلة رأس السنة اسم «سيلفستر»، ما زال الكثيرون يتمسكون بتقليد قديم هو «كشف نبوءة العام الجديد عن طريق الرصاص الذائب. ويحصل ذلك عبر إذابة تماثيل صغيرة من الرصاص بواسطة لهيب الشمع، ثم صب المادة السائلة في وعاء صغير مملوء بالماء، وعندها تتشكل قطع صغيرة، توحي معانيها بما سيحمله العام الجديد لصاحب هذا الوعاء. فما يشبه القلب أو الخاتم يدل على الزواج والحب، وما يشبه السفينة يدل على القيام برحلة...

ويرجع تاريخ هذا التقليد إلى الحقبة اليونانية والرومانية معاً. وبينما كان يعتبر في العصور الوسطى ضرباً من ضروب السحر، ومن يقوم به يتعرض إلى عقوبة الموت، إلا أن هذا التقليد عاد للظهور مرة أخرى في مطلع القرن الثامن عشر واستعمل كطالع للكشف عن هوية زوج أو حبيب المستقبل، وحافظ الكثيرون عليه حتى الآن.

ويعمد الكثير من الألمان أيضاً إلى ترك جزء من كل طعام يتناوله عشية الاحتفال برأس السنة حتى منتصف الليل، اعتقاداً منهم بأنه يجلب الخير الوفير في العام الجديد الذي يليه، ويفضل الكثير منهم أيضاً تناول سمك الشبوط إيمانا بأنه يجلب الثروة.

وإذا كان هذا حال الشعب الألماني، فإن الوضع في بريطانيا لا يختلف كثيراً. فاحتفالات رأس السنة متنوعة ومتعددة وغريبة أيضاً، وأشهرها على الإطلاق تجمع العديد من الأشخاص بميدان ترافالغار وبيكاديللي لسماع صوت دقات ساعة البيغ بن إعلاناً بقدوم العام الجديد. وهناك أيضاً تقليد «first footing» الذي يعني بأن أول من يخطو عتبة المنزل في العام الجديد يحدد حظ قاطني المنزل لآخر العام، لذا يفضل عند انتصاف ليلة رأس السنة، أن يكون أول شخص تطأ قدميه المنزل، شابا حسن المنظر ذات شعر داكن، ويحمل قطعة صغيرة من الفحم ونقودا وخبزا وملحا، والتي ترمز جميعها للثروة.

وتختلف احتفالات الأطفال البريطانيين برأس السنة عن نظرائهم البالغين، حيث ينهض الأطفال مبكراً للمرور على جيرانهم وهم ينشدون أغاني للحصول على العملات النقدية والفطائر والتفاح والحلوى على أن ينتهوا من جمع كل ذلك بحلول المساء. أما من يفشل في ذلك ويواصل الغناء بعد المساء فيدعى بـ«الغبي». ويعد توزيع القطع النقدية على الأطفال، تقليدا شائعا في مناطق مختلفة من العالم، فقد بدأ في الفترة الرومانية حين كان كل إمبراطور يقوم بصك عملات تحمل اسمه يوزعها في بداية السنة، فتعطى للأطفال بعض القطع القديمة ويبدأ التعامل بالقطع الجديدة على أمل أن تكون السنة خيّرة وغنية.

وهناك عادة أخرى ترجع إلى القرن التاسع عشر وتعرف باسم «The burning Bush» أو الفرع المحروق وتنتشر بين المزارعين، حيث ينهض المزارعون قبل بزوغ فجر يوم رأس السنة حاملين فرع شجرة لحرقه في القش وسط حقول القمح كرمز لجلب الحظ الحسن للفلاحين، وفي بعض الأحيان يحتفظ البعض منهم بفروع الأشجار المحروقة في المطبخ حتى قدوم العام التالي.

الأطرف في تقاليد البريطانيين على الإطلاق، هو قيام بعض الفتيات بصب «بياض البيض» في الماء اعتقاداً منهم بأنه سيشكل أول حرف من اسم شريكهم في المستقبل.

ولدى الاسكوتلنديين عادات خاصة مختلفة عن عادات الانجليز، فاحتفالات رأس السنة في اسكوتلاندا تعرف باسم «Hogomanay » أو «ليلة الشموع»، وقد درج الجميع على تناول 3 قطع بسكويت مصنوعة من دقيق الذرة، ثم يقومون عقب غروب الشمس بجمع أعشاب نبات «العرعر» وحرقها في كل أرجاء المنزل كطقس خاص لتطهير المنزل من الأمراض والجراثيم.

وهناك طريقة أخرى موروثة منذ القدم لطرد الأرواح الشريرة وهي إخافة كلب أو قطة. كما يقوم البعض في القرى الاسكتلاندية بحرق براميل القار ويتجولون بها في الشوارع لحرق العام المنصرم واستقبال العام الجديد.

اما في اسبانيا، فعندما تدق الساعة منتصف الليل لاستقبال سنة جديدة، يأكل الاسبان اثنتي عشرة حبة عنب. وتشير هذه العادة إلى أنه لرؤية آمالك حقائق على أرض الواقع، وخلال وداع عام واستقبال آخر جديد، يجب أن يتم تناول اثنتي عشرة حبّة عنب، أي بواقع حبّة لكل شهر مع كل دقة من دقات الساعة في منتصف ليلة 31 ديسمبر (كانون الأول). أصل هذه العادة، كما توضح الأقاويل الشعبية، يرجع إلى عام 1909 عندما بلغ موسم حصاد العنب ذروته ما دفع مزارعيه إلى توزيع الفائض وتشجيع استهلاكه لجذب الحظ السعيد. ونظراً لأن المهاجرين لا يتركون عاداتهم لدى مغادرتهم البلاد، نقل 260 ألف إسباني يعيشون في الأرجنتين، وهي أكبر جالية إسبانية في الخارج. هذه العادة التي أصبح الأرجنتينيون يقومون بها في ليلة رأس العام الجديد، ومن ثم انتشرت حبات العنب أيضاً في سائر دول أميركا اللاتينية. وتم ضمها إلى قائمة المعتقدات الشعبية التي تشمل عادات مثل تناول العدس من أجل الحصول على الوفرة، ووضع النقود في الأحذية لتكوين ثروة، والتنزه بحقائب من أجل السفر في العام المقبل.

في اليونان، فان أهم وأقدم العادات، القيام بتكسير قطع الزجاج احتفالا بالعام الجديد. وعادة «التكسير» متواجدة أيضاً في الدنمارك، فعادة ما يقوم الدنماركيون بتخزين الأطباق القديمة طوال العام لكسرها أمام الباب الأمامي للمنزل لجلب الحظ الحسن، فكلما ازدادت كمية الأطباق المحطمة أمام باب المنزل دل ذلك على كثرة أصدقاء قاطني المنزل. ولطرد الأرواح الشريرة وأحزان السنة الماضية، يقوم الهولنديون بعد انتصاف ليلة رأس السنة بحرق أشجار الميلاد المزينة بالألعاب النارية.

وإذا كانت العادات والتقاليد الغريبة هي السمة الغالبة في احتفالات رأس السنة في أوروبا، فإن احتفالات رأس السنة في قارة أميركا الجنوبية، والتي يطلق عليها اسم «Ano Viejo»، لا تقل عنها غرابة. ففي البرازيل، بالإضافة إلى الألعاب النارية بعد منتصف الليل والكرنفالات الموسيقية الخاصة في شاطئ كوباكابانا في ريو دي جانيرو، يسود اعتقاد لدى جموع الشعب البرازيلي بأن «العدس» يجلب الثروة، لذا فهم حريصون على تناول شوربة العدس أو الأرز بالعدس كأول وجبة لهم مع بداية العام الجديد. بينما في بوليفيا، يصنعون دمى خشبية أو من القش ويعلقونها خارج منازلهم لجلب الحظ السعيد.

وفي البيرو يتم وضع دمى، مصنوعة من القش والصحف والملابس القديمة، لتمثيل الناس والأحداث التي كانت في العام الماضي، وغالبا ما تشمل هذه الشخصيات القادة والسياسيين. وعند منتصف الليل يقوم الأفراد بإشعال النيران في هذه الدمى رمزاً لنهاية السنة الماضية والترحيب بالعام الجديد.

ورغم تشابه العديد من التقاليد المتبعة في فنزويلا مع إسبانيا، إلا أنه يتم التركيز المفرط في التقاليد لجلب الحظ السعيد في السنة المقبلة، فأولئك الذين يريدون البحث عن المال يجب عليهم أن يدفعوا قيمة عالية عند شرب النخب، والذين يريدون السفر يجب أن يسيروا خارج المنزل مع حمل بعض الأمتعة، وإلى ذلك من العادات. وفي بورتاريكو يستمتع الأطفال برمي دلاء المياه من خارج نوافذهم عند منتصف الليل لطرد الأرواح الشريرة من منازلهم.

في الشمال الأميركي، نجد التقاليد نفسها متبعة، فبالإضافة إلى عادة حبات العنب الاثنتي عشرة المنقولة عن الأسبان، فإن المكسيكيين في ليلة رأس السنة الذين يريدون البحث عن الحب في العام الجديد يرتدون ملابس حمراء، وصفراء إذا كانوا يريدون المال، وتشمل التقاليد أيضاً أخذ الأمتعة إلى الخارج بوصفها رمزا للرحلة المقبلة، وتعليق دمية الأغنام (مصنوعة من الصوف) في مقابض الأبواب، بعد شنقها من أجل الازدهار، وغيرها.

وفي حين يسود اعتقاد في الولايات المتحدة بأن تناول الفاصوليا السوداء يجلب الحظ الجيد، يحرص المواطنون في كندا ليلة رأس السنة على المشاركة في «polar bear swim» فيقومون بارتداء ملابس السباحة والغطس في المياه الجليدية الباردة المحيطة بمنطقة فانكوفر. وفي استراليا، حيث تعد ملبورن وسيدني أهم وأكبر الأماكن التي تقييم احتفالات رأس السنة، يعلو إيقاع لعبة «البوكر» والتي اعتاد المشاركون فيها على إلقاء فطيرة في وجه الخاسر في كل جولة.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»