اليوم المجهول في العراق

النواب عاجزون عن الاتفاق على عيد وطني للبلاد.. وكل فريق كان يصل للسلطة يجعل موعد وصوله هو العيد

بائع يعرض أعلاما عراقية في محله ببغداد (رويترز)
TT

إذا سألت أي عراقي اليوم عن موعد العيد الوطني لبلاده، فإن الإجابة ببساطة ستكون «لا أعرف!» ففي غمرة الانشغال بالاوضاع الامنية غير المستقرة عموما في البلاد والتجاذبات السياسية وتردي الخدمات والبنى التحتية، وهموم الحياة اليومية، نسي العراقيون العيد الوطني لبلادهم أسوة بقضايا اخرى مهمة تحدد هوية الدولة العراقية مثل العلم والنشيد الوطني وشعار الدولة. والأمر لا ينطبق فحسب على المواطن العراقي البسيط، بل حتى على نواب البرلمان العراقي، فكل من التقتهم «الشرق الاوسط» لم يستطيعوا ان يعطوا جوابا شافيا حول هل تم تحديد العيد الوطني للعراق أم لا.

وكان مجلس الوزراء العراقي قد رفع مشروع قانون العطلات في العراق لمجلس النواب العراقي مؤخرا، لكن أجوبة البرلمانيين تناقضت في ما اذا تمت القراءة الاولى او الثانية له في البرلمان، كما انهم لم يتفقوا على ما اذا تمت المصادقة عليه ام لا، ولم يتذكر آخرون اليوم الذي حدده القانون كعيد وطني لبلادهم. وتحدثت النائبة ميسون الدملوجي عن مشروع القانون الذي تم بموجبه تحديد الاعياد والعطل الرسمية في البلاد الدينية منها والثقافية، بانه تضمن جعل يوم 14 يوليو (تموز)، اعلان الجمهورية العراقية عام 1958، عطلة رسمية. كما جعل القرار الثالث من اكتوبر (تشرين الاول)، تاريخ دخول العراق الى عصبة الامم، عطلة رسمية ايضا. ورجحت الدملوجي اعتبار احد هذين التاريخين عيدا وطنيا للبلاد. العيد الوطني في العراق، حاله حال العلم العراقي. مر بمراحل متعددة وفقا للتغييرات السياسية في البلاد والسلطات التي تمسك بزمام الحكم، اذ سعى كل طرف وصل السلطة على مدى العقود الماضية، الى جعل موعد وصوله للسلطة عيدا وطنيا للعراق، لاغيا بذلك العيد السابق. وتعرف الموسوعة الالكترونية «ويكبيديا» العيد الوطني بانه في أغلب الأحيان يؤخذ كتاريخ استقلال البلد وفي الغالب يعلن كعطلة رسمية. واذا بدأنا من تاريخ سقوط النظام العراقي السابق، فقد قرر مجلس الحكم الانتقالي، الذي تولى ادارة البلاد مؤقتا باشراف الحاكم المدني الاميركي في العراق بول بريمر، إلغاء العيد الوطني للعراق الذي حدده الرئيس العراقي السابق صدام حسين والذي تزامن مع وصول سلطة البعث الى السلطة في 17 يوليو (تموز) 1968. وقرر اعضاء المجلس الانتقالي الـ25 الذين يمثلون قوميات وأديانا وطوائف العراق المتعددة، جعل يوم التاسع من ابريل (نيسان) 2003، وهو اليوم الذي شهد الاطاحة بالنظام العراقي السابق ودخول قوات التحالف الى العاصمة العراقية بغداد عيدا وطنيا باعتباره يوم «سقوط الطاغية».

غير ان هذا الحال لم يدم طويلا. فأفراح العديد من العراقيين بالتخلص من النظام السابق تحولت الى كابوس اثر انحدار الوضع الامني في البلاد الى مستويات مخيفة، ربما لم يكن لها مثيل في التاريخ المعاصر من القتل الجماعي بالسيارات الملغومة والانتحاريين والانتحاريات وقطع الرؤوس والاغتيالات والخطف، الى اخره من اشكال العنف التي دفعت بالكثير الى الاحتجاج على اعتبار هذا اليوم عيدا يحتفل به العراقيين. كما ان هذا اليوم لم يرق لقوى سياسية في البلاد، لاسيما السنية منها، التي اعتبرت يوم التاسع من ابريل (نيسان) لا يمثل سقوط النظام السياسي في العراق، بل «سقوط بغداد واحتلالها على ايدي الغزاة الاميركيين». وتقول النائبة ميسون التي تمثل كتلة «القائمة العراقية» النيابية، لـ«الشرق الاوسط»، ان «التاسع من ابريل (نيسان) تاريخ مقرون بذكرى سيئة، مثل تدمير المكتبات وحرق المتاحف»، الأمر الذي لا يمكن معه اعلان ذلك اليوم عيدا وطنيا.

وتدرس اللجنة الثقافية في البرلمان العراقي منذ فترة ليست بقصيرة وضع العلم الوطني الجديد والنشيد الوطني وشعار الدولة، كما تدرس مقترحات باختيار العيد الوطني. غير انه لم يتم التوصل الى قرار حتى الان بشأن اي من هذه القضايا باستثناء قرار وضع علم مؤقت للعراق وذلك بإزالة النجوم الثلاث عنه والتي ترمز الى حزب البعث العربي الاشتراكي، ولم يأت قرار وضع علم مؤقت بشكل اعتباطي بل بضغط من رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني الذي رفض رفعه في اوائل العام الماضي اثناء انعقاد مؤتمر البرلمانيين العرب في مدينة اربيل، عاصمة الاقليم، وأصر في حينها على استبداله والا فانه سيكتفي برفع علم الإقليم.

وعند سؤال عضو اللجنة الثقافية في البرلمان العراقي محمد الخزعلي عن اسباب ارجاء البت بكل هذه القضايا رغم اهميتها، قال انها «ليست من الاولويات» مقابل قوانين اخرى في البلاد تم التصويت عليها مثل المساءلة والعدالة (بديل اجتثاث البعث) او الموازنة العامة للبلاد وقانون مجالس المحافظات، وقوانين اخرى كثيرة.

ولو عدنا الى التسلسل الزمني للاحداث، فقد كان اول عيد وطني للعراق في العام 1932 لدى اعلان استقلال البلاد من الاحتلال البريطاني وانضمامه الى المنظمة الدولية، عصبة الامم، آنذاك. وبقي هذا العيد ساريا حتى تاريخ 14 يوليو (تموز) 1958 الذي شهد الاطاحة بالنظام الملكي بالعراق واعلان الجمهورية بزعامة عبد الكريم قاسم عام 1958. وخلال عقد كامل من الزمن، شهدت البلاد تغييرات وانقلابات سياسية انتهت بوصول حزب البعث الى السلطة في 17 يوليو (تموز) عام 1968 برئاسة احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين. وبعد مرور عقد اخر من الزمن، اي في العام 1979، تسلم صدام حسين مقاليد الحكم في البلاد، وجعل انذاك العيد الوطني يمتد لثلاثة ايام وهي 14-17 يوليو (تموز)، جامعا بذلك تاريخ قيام الجمهورية العراقية بموعد تسلم البعث للسلطة. لكن ذلك أيضا لم يدم طويلا. ففي اواخر عهد صدام حسين صار يشار الى ان العيد الوطني في البلاد هو 17 يوليو (تموز) فقط، مع تجاهل يوم اعلان الجمهورية العراقية. وحاليا تعكف اللجنة الثقافية في البرلمان العراقي على دراسة خيارات عدة لليوم الوطني. وكشف النائب محمد الخزعلي، عضو اللجنة، عن تلك الخيارات، قائلا: إن اولها الثالث من اكتوبر (تشرين الاول) وهو يوم دخول العراق في عصبة الامم عام 1932. ووصف الخزعلي هذا المقترح بـ«الغريب» على الشعب العراقي، لأن هذا التاريخ لا يبدو «مألوفا» للعراقيين، مفضلا احداثا راسخة ويذكرها العراقيون جيدا في تاريخ العراق الحديث.

اما الخيار الثاني فهو العودة الى تاريخ الى 14 تموز (يوليو). وعن هذا الاقتراح قال الخزعلي ان «هناك انقساما حوله فهناك من يرحب به باعتباره إعلانا للجمهورية، غير ان آخرين يعتبرونه انقلابا عسكريا وانه لم يأت بشكل دستوري للبلاد بل انه أطاح بالمؤسسات الدستورية». وقالت النائبة شذى العبوسي، عن جبهة التوافق العراقية، ان رفض البعض لهذا التاريخ يستند الى انه قد يذكر بتاريخ قريب له ألا وهو 17 تموز (يوليو)، تسلم البعث مقاليد السلطة.

وبشكل عام، فان الخلاف حول هذا التاريخ يدور بين انصار الملكية في العراق الذين لا يحبذون جعل يوم إعدام العائلة المالكة في العراق موعدا للاحتفالات، فيما يؤيد الشيوعيون المقترح لان انهاء الحكم الملكي في العراق جاء بزعيمهم عبد الكريم قاسم الى السلطة، كما ان نهاية الحكم الملكي في العراق جاء على ايديهم. وعن الخيار الثالث، قال الخزعلي، ان «هناك ترحيبا في البرلمان بجعل يوم الثلاثين من يونيو (حزيران) عيدا وطنيا، كونه يتزامن مع اندلاع ثورة العشرين (عام 1920) ضد البريطانيين والتي لا اختلاف عليها بين العراقيين وشاركوا بها بمختلف طوائفهم وقومياتهم». لكن الاسابيع القليلة الماضية شهدت مبادرتين لتحديد يوم للعيد الوطني في العراق، الاولى من قبل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي اقترح تاريخ ابرام الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة موعدا لذلك العيد، باعتبار انها تنظم سحب القوات الاميركية من العراق وتنهي تواجد القوات الاجنبية، وبالتالي فهو استقلال جديد للعراق. أما المبادرة الثانية فقد كانت من قبل نائب في البرلمان، دعا الى جعل 14 ديسمبر (كانون الاول) وهو اليوم الذي رشق فيه الرئيس الاميركي جورج بوش بالحذاء من قبل صحافي عراقي ببغداد يوما مناسبا لجعله عيدا وطنيا للبلاد معتبرا الحدث بانه «يوم اعدام بوش». وقال النائب محمد الدايني، عن جبهة الحوار الوطني، في تصريحات صحافية ان «ما حصل يوم الأحد الماضي (14 ديسمبر) هو إعدام حقيقي لبوش، ولو توفر لدى منتظر أي نوع من الأسلحة لما تردد في إطلاقها تجاه بوش، إعدام بوش هو الوصف الحقيقي لما حدث له في بغداد، وهو رد فعل على ما ارتكبه تجاه العراقيين». وتابع الدايني: «فلقد قتل (بوش) نحو مليون ونصف المليون عراقي، كما شرد أربعة ملايين وترملت نحو مليون امرأة، بالإضافة إلى ثلاثة ملايين طفل عراقي يتيم، فماذا كان ينتظر بوش من العراقيين؟. ودعا الدايني العراقيين إلى «جعل هذا اليوم عيدا وطنيا، وجب على العراقيين أن يحتفلوا به ويضعوا صورة الزيدي على صدورهم، فإنه عبر عن معاناة الملايين من العراقيين»، مضيفا أن يوم ضرب بوش بالحذاء «يوم يستحق أن يخلده العراقيون، لأن الزيدي انتصف لهم بهذه العملية الشجاعة».

لم يتفق البرلمانيون العراقيون حول العيد الوطني للعراق، غير انهم اتفقوا على انه «اليوم الذي لا يتسبب باية حساسية لأي مكون من الشعب العراقي». ووفقا لتلك النظرية، يرى النائب فرياد راوندوزي، عضو كتلة التحالف الكردستاني، بانه لا يفضل ان يكون للعيد الوطني دلالات قومية سواء عربية ام كردية. ويقول: «اذا ما تم اختيار احد الايام فيجب ان يكون يوما جامعا بحيث يحتفل به كل العراقيين ويعتبرونه عيدا وطنيا وألا تحتفل به فئة دون أخرى». ويضيف راوندوزي ان «من الصعوبة تحديد هكذا يوم، ومن المفضل الا تختار الحكومة وحدها او اي جهة بمفردها هذا اليوم، بل يجب ان يكون هناك تنسيق بين الجانب التشريعي والحكومي لان القانون يجب ان يحصل على موافقة مجلس النواب العراقي». ويقترح بان يكون هذا «اليوم الجامع» للعراقيين هو يوم تأسيس الدولة العراقية في 23 أغسطس (آب) عام 1921 عندما تم تنصيب الملك فيصل الأول ملكا على العراق، كما وجد تاريخ انضمام العراق الى عصبة الامم يوما مناسبا ايضا. ويشير الى انه ليس للمكون الكردي موقف معينا تجاه العيد الوطني في العراق، مؤكدا ان الاكراد اعتادوا على الاحتفال بيوم 14 تموز، اعلان الجمهورية العراقية، كعيد وطني.

من جانبها، استحسنت النائبة شذى، عن جبهة التوافق العراقية، ان يكون عيد تأسيس الجيش العراقي في السادس من يناير (كانون الثاني) عام 1921، عيدا وطنيا، عندما تم تشكيل فوج موسى الكاظم، النواة الاولى للجيش العراقي. غير ان النائبة ميسون، عن القائمة العراقية، قللت من اهمية تحديد عيد وطني للعراق، وقالت انه «لم يكن هناك في تاريخ العراق عيدا وطنيا، فالاعياد الوطنية اقترنت بوصول الاحزاب الى السلطة». واضافت: «ليس بالضرورة ان يكون هناك عيدا وطنيا للعراق فهناك ديمقراطيات عريقة في العالم ليس لديها عيد وطني».

يبدو أن قدر العراقيين هو التغيير دائما وأبدا. فالاتفاق على عيد وطني في الوقت الحالي لا يعني ابدا انه لن يصار الى تغييره مستقبلا، اذ رجح النائب الخزعلي عضو اللجنة الثقافية في البرلمان بانه قد يتم تغيير موعد العيد الوطني تبعا للاحداث التي قد يشهدها العراق خلال السنوات المقبلة. ولم يستبعد بان يتم تحديده بعد نهاية عام 2011 اي موعد جلاء القوات الاميركية من البلاد وفقا للاتفاقية الامنية التي ابرمها العراق والولايات المتحدة، وبالتالي اعلان استقلال العراق للمرة الثانية في تاريخه الحديث.