من يتخذ القرار في حماس؟

القرار الاستراتيجي في الحركة يصدر بعد مشورة في الداخل والخارج.. ويرسو في دمشق

مقاتلون من كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، خلال عرض عسكري في غزة بداية الشهر الحالي (أ.ب.أ)
TT

«حماس» هو الاسم المختصر لـ«حركة المقاومة الإسلامية» التي تعرّف نفسها على أنها حركة مقاومة شعبية وطنية تعمل على تحرر الشعب الفلسطيني وخلاصه من الظلم وتحرير أرضه من الاحتلال. تقول إنها حركة جهادية بالمعنى الواسع لمفهوم الجهاد، وجزء من حركة النهضة الإسلامية التي تعتبر المدخل الأساسي لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. لم تغير من أفكارها تلك أبداً، لكنها بعد حوالي 22 عاماً من انطلاقتها في العام 1987، أصبحت قوة لا يمكن تجاوزها فلسطينياً، بل قويت وتوسعت جماهيرها، وهزمت حركة فتح، كبرى فصائل العمل الوطني منذ أكثر من 40 عاماً، ثلاث مرات: مرة في الانتخابات البلدية، وأخرى في التشريعية، ومرة بقوة السلاح.

أظهرت قدرة كبيرة في فن التنظيم والانتشار والتوسع والتسليح. تربطها علاقات وثيقة بإيران وقطر وسورية، ولها مواقف من دول عربية أخرى. تراجعت عن مقاطعة الانتخابات، كما فعلت المرة الأولى في انتخابات العام 1996، وخاضتها في 2006، وسيطرت على المجلس التشريعي، وعينها الآن على كرسي الرئاسة. بدلت من موقفها حول عدم مهادنة الإسرائيليين، طالما لم يعطوا الفلسطينيين دولتهم، وأخذت أكثر من قرار بالتهدئة مع الإسرائيليين. قاتلت السلطة في غزة، وطردتها وأقامت «دولتها» هناك، ولديها شروط مسبقة من أجل أن تعقد مصالحة فلسطينية. هكذا باختصار هي حماس. ولكن كيف تُتخذ القرارات داخل هذه الحركة؟ القرار الاستراتيجي في حماس يُتخذ من خلال المكتب السياسي للحركة الذي يرأسه خالد مشعل، وذلك بعد إجراء مشاورات مع مجلس شورى عام للحركة. أما في ما يتعلق بالعمل الميداني فيمكن للقادة الميدانيين في حماس اتخاذ القرارات المتعلقة بعملهم الميداني مباشرة، فيما لا يخالف الخط العام لتعليمات هذا المكتب. يقول عضو القيادة السياسية لحماس رأفت ناصيف لـ«الشرق الأوسط، «إن القرار الاستراتيجي في الحركة يصدر بناء على مشورة عامة في مواقع الحركة، في أربع مناطق أو قطاعات، وهي: الخارج (خارج فلسطين)، وقطاع غزة، والضفة الغربية، وداخل السجون الإسرائيلية».

وتأخذ كل منطقة قرارها بشكل مستقل، دون الرجوع إلى المنطقة الأخرى. أما من يأخذ القرار في كل منطقة، فهو مجلس شورى مصغر، وهو جزء من مجلس الشورى العام. ومثلا هذا المجلس في الضفة الغربية يتشاور مع كل مناطق الضفة، ومن ثم يرفع الرأي بشكل ملخص للمكتب السياسي لحماس. وبحسب النظام في حماس، فإن كل آراء المناطق الأربع، يتم تجميعها عند المكتب السياسي في دمشق. وبناء على هذه الآراء الشورية، يقرر المكتب القرار الأخير. أما إذا ارتأى المكتب السياسي أن الآراء ما زالت بحاجة إلى مزيد من النقاش (التغيير)، فإنه يعيد مجمل هذه الآراء لكل المناطق من جديد، حتى تطلع قيادة كل منطقة على آراء المنطقة الأخرى وتعيد إرسال رأيها. لكن لا يكفي دائماً في حماس أن يُتخذ القرار عبر مجلس الشورى العام وفق مشاورات داخلية بين أعضائه في المناطق الأربع، أو بالتشاور مع الهيئات القيادية في المدن والمخيمات والقرى، بل أحياناً يُطلب أن تصوت كل حماس، في قضية مستجدة واستراتيجية وتاريخية. ويقول ناصيف: «هناك رأي يحتاج إلى تصويت، ويجب أن تكون النتيجة التي تخرج إلى المكتب السياسي مفصلة، أي محددة النسب». عندما اتخذت حماس قراراً بالمشاركة في الانتخابات التشريعية في عام 2006، صوت كل فرد ينتمي لحماس في موقعه أينما كان، وحتى في داخل السجون. ويقول مصدر من الحركة لـ«الشرق الأوسط» «إن الحركة وزعت بطريقة سرية استبياناً أوضح فيه كل شخص رأيه، هل نشارك أم لا، وما هي الأسباب لهذا الرأي». ويؤكد ناصيف أن كل حماس فعلا صوتت، ويقول: «حوّل المكتب السياسي المسألة لمجلس الشورى العام، ومجلس الشورى طلب رأي القاعدة. أنا كنت في السجن، وحتى قواعدنا في السجن شاركت في التصويت. وبطبيعة الحال كان هناك في حماس من يعارض، ومن يتحفظ، ومن يشترط، لكن الأغلبية في الرأي أيدت المشاركة بسبب الثقة في أن الحركة ستنتصر». وتقول مصادر في حماس إن القيادة في الحركة أرادت «أن تحمّل كل فرد مسؤولية تاريخية بالمشاركة في هذه الانتخابات».

ويعتبر المكتب السياسي، كما يؤكد ناصيف، أعلى هيئة قيادية في حماس، ولا يصدر قرار إلا عن طريقه، والمكتب يقرر حتى من يخرج ليعلن هذا القرار للرأي العام. ويحدد المكتب السياسي بالتشاور مع مجلس الشورى العام لحماس، هوامش وخطوطاً متفقاً عليها سلفاً في معظم القضايا، وعلى كل قادة حماس وعناصرها الالتزام بهذه القرارات. وفي موضوع التهدئة الجاري الآن، يقول ناصيف إن هناك محددات موضوعة سلفاً، والمكتب السياسي يخول المفاوضين بالتفاوض وفقها. ويضيف: «إذا جد جديد في إطار هذه المحددات، المكتب يوجه في هذا الإطار، لكن إذا جد جديد خارج إطار هذه المحددات، فيعيده المكتب السياسي للمناطق الأربعة ليؤخذ رأيها من جديد».

كل هذه الإجراءات تفسر أن حماس تحتاج إلى وقت أطول لتتخذ قراراتها عادة، بسبب أنه لا يوجد إمكانية الاجتماع مباشرة. ولم يكشف ناصيف عن حجم تمثيل كل منطقة في مجلس الشورى، لكن مصادر قالت إن الضفة الغربية تشكو من تمثيل أقل في هذا المجلس من غزة والخارج. ويرفض الإجابة مثل غيره على أسئلة كتلك، واكتفى بالقول: «مثلا من غير المعقول أن يكون موقع يضم ألف شخص يمثل مثل موقع يضم عشرة أشخاص. ممكن أن يكون لهذا صوت ويكون للآخر صوتان».

من دون شك، تختلف آراء هذه المواقع، لكن حماس تحرص على أن لا تظهر هذه الاختلافات كخلافات بين الداخل والخارج، أو بين الضفة وغزة، إلا أن عدة شواهد تشير إلى مثل هذه الخلافات. وبرغم قول ناصيف «إن حماس لا تفرض أن يكون الناس كربونات (نسخ)، وإن الحركة تتبع فكرة المشاورة، والقرار عندما يتخذ في المؤسسة فإن أول من يدافع عنه، قد يكون صاحب الرأي الآخر». إلا أن مصادر في حماس أوضحت أن هناك حالة من عدم الرضا لدى بعض مسؤولي وناشطي الحركة في الداخل الفلسطيني عن أداء الخارج، وتحديداً خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، وكثير منهم اختلفوا معه مراراً، وآخرها عندما طرح قضية تشكيل مرجعية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج».

يقول أحد قياديي حماس: «أرسلت له رسالة وقلت له إن هذا خطأ كبير وغير معقول وغير مقبول». ويعرف مسؤولو حماس مشعل على أنه الرجل الأول في حماس. ويقول ناصيف عن ذلك: «هو قائد حركة حماس. هو الرجل الأول.. وحتى في حياة الشيخ أحمد ياسين (الزعيم الروحي ومؤسس حماس)، القول إن الشيخ ياسين كان قائد حماس لم يكن دقيقاً، وعندما خلفه (عبد العزيز) الرنتيسي، (الذي اغتيل في العام 2004)، قالوا الرنتيسي زعيم حماس، ثم خرج الرنتيسي وأوضح، أنه يخلف الشيخ ياسين في قيادة غزة وأنه وجميع إخوانه يدينون بالطاعة والولاء لمشعل». وبعد اغتيال ياسين والرنتيسي، لم تعلن حماس عن مسؤولها في القطاع كما هو الحال في الضفة، وحتى على مستويات قيادية قد يكون غير معروف من هو المسؤول الأول في غزة. لم تكن الصورة بهذا الوضوح الذي تحدث عنه ناصيف إبان حياة ياسين، وكان ياسين يعرف بأنه زعيم الحركة وقائدها. يقول مهيب النواتي، وهو صحافي متخصص في الحركات الإسلامية، وكان مقرباً من قيادات حماس، والتقى ياسين أكثر من مرة، «إن صراعاً خفياً كان يدور بين ياسين ومشعل من أجل السيطرة على حماس، وإن الشيخ ياسين لم يكن يسلم بأن مشعل هو مسؤول حماس حتى إنه تساءل فور خروجه من السجن، مين مشعل وشو يعني المكتب السياسي».

وبحسب النواتي، الذي أصدر كتاباً في عام 2003 بعنوان «حماس من الداخل»، فإن مشعل حاول السيطرة على حماس من خلال رئاسته للمكتب السياسي، وعلاقته المباشرة مع قادة في كتائب القسام، وتحكمه بالمال من خلال رضى قيادة الإخوان العالمية عنه. ويستدل النواتي بأكثر من حادثة، تدلل على الخلاف بين مشعل وياسين، ومن بينها أنه «عندما قبل الشيخ ياسين، بأول هدنة أعلنها الرئيس الراحل ياسر عرفات في بدايات انتفاضة الأقصى، هذا لم يعجب مشعل، واختلفا ونفذت كتائب القسام بعد يوم من موافقة ياسين عملية في رفح». وأضاف النواتي: «الخلافات كانت معروفة، وهناك استقطابات، يعني مثلا سئل مشعل مرة عن دور ياسين في حماس، فقال إنه مؤسس حماس وأحد قياداتها، هذا لم يعجب ياسين، أنا كنت عنده وقلت له هكذا قال مشعل، فتفاجأ، وقال لي «هيك قال؟، طيب أنا بعرف أجيب شو قال». ووفق النواتي، فإن الخلافات لا تزال قائمة، وإن من يقف لمشعل أحياناً، هو محمود الزهار القيادي البارز في حماس. أما كيف سيطر مشعل على رئاسة المكتب السياسي منذ العام 1996، فهذه قصة أخرى. تقول حماس إن موسى أبو مرزوق كان أول من أعاد تنظيم صفوف الحركة بعد اعتقال الاحتلال لمعظم أبنائها عام 1989، وأسس المكتب السياسي للحركة، من أجل أن يقودها من الخارج بعدما تعرضت لضربة في الداخل، ومن ثم انتخب رئيساً لأول مكتب سياسي لحركة حماس عام 1992. لكن حادثة اعتقال أبو مرزوق في الولايات المتحدة، في العام 1995 لمدة عامين، أعطت فرصة، كما قال النواتي، لمشعل، فأعاد تشكيل المكتب السياسي وأجرى انتخابات شكلية في عمان وعُين رئيساً للمكتب عام 1996.

ويرى النواتي أنه إلى جانب قيادة الإخوان المسلمين التي تريد زعيماً لحماس من خارج فلسطين، فإن دولا عربية ساعدت في إيصال مشعل لقيادة الحركة ودعمته. وتقول مصادر فلسطينية إن بعض قيادات حماس قد تدفع في انتخابات قادمة لعودة أبو مرزوق لرئاسة المكتب السياسي.

ويقول النواتي «إن مركز قيادة حماس انتقل إلى خارج فلسطين عام 1989، بعد اعتقال قيادة الحركة في الداخل وعلى رأسهم ياسين، وقد أدت هذه التحولات التي أملتها الضرورة إلى فجوة واسعة وخلافات بين الداخل والخارج، ولكن خروج ياسين من السجن عام 1997 حقق قدراً من التوازن بين القيادتين، وإن بقي الخارج يهيمن على العمل السياسي والإعلامي والعسكري».

ويرى النواتي «أن مناسبات وأحداثاً عدة أظهرت هذا الاختلاف بين قيادتي الداخل والخارج، وأبرزها التعامل مع السلطة، وقد كانت قيادة الداخل تميل إلى المشاركة والتعاون، في حين كانت قيادة الخارج تقف على العكس من ذلك». ولا يفترض أن يبقى أعضاء الهيئات، سواء في قيادة المناطق، أو مجلس الشورى أو المكتب السياسي، في مواقعهم طويلا، إذ تحرص حماس على إجراء انتخابات دورية، وبالرغم من أن أحداً لم يعط إجابة دقيقة حول الفترة التي يجب أن تجرى فيها هذه الانتخابات، فإنه من المعروف لدى قاعدة الحركة، أن هذه الانتخابات تجرى بين كل عامين وأربعة أعوام. لكن يجب ملاحظة أن أبرز أعضاء المكتب السياسي في الخارج، وهم مشعل ومحمد نزال وموسى أبو مرزوق، لم يتغيروا منذ العام 1996.

ولا يوجد عدد دقيق لأعضاء مجلس شورى حماس في الداخل والخارج، لكنهم أكثر من 70 وأقل من 90 كما تشير بعض المصادر الحركية. وقبل ثلاثة أشهر، أجرت حماس في قطاع غزة، أول انتخابات لهيئاتها القيادية، على كل المستويات منذ فازت في الانتخابات التشريعية عام 1996، وانتخب عشرات الآلاف من عناصر الحركة في غزة، الهيئات الإدارية، ومجلس الشورى العام، والمكتب السياسي. وبحسب مسؤولي حماس، فقد أفرزت انتخابات غزة قيادات جديدة شابة في القيادة السياسية، مع انتخاب رموز في الحركة من أمثال رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية لعضوية المكتب السياسي لأول مرة، ومحمود الزهار وسعيد صيام (اغتالته إسرائيل في العدوان الأخير) وخليل الحية وعيسى النشار. وعلى الرغم من تجديد أعضاء مجلس الشورى الذي يوصف بأنه «مجلس كبار حماس»، إلا أن النواتي يعتقد أن المجلس يمثل حالة رمزية أكثر منها قيادية. وأعضاؤه لا يتحركون إلا عندما يراد لهم ذلك من المكتب السياسي لتمرير قرار ما يريده المكتب السياسي.

لكن الأهم على الإطلاق، أن هذه الانتخابات في غزة، جاءت ولأول مرة بقيادات من الجهاز العسكري لحماس، (كتائب القسام) إلى المكتب السياسي، ومنهم أحمد الجعبري، القائد الفعلي على الأرض، وأحمد الغندور ومروان عيسى. وعلى الرغم من أن القسام تجري انتخابات مستقلة هي الأخرى، إلا أنها طبعاً ترتبط بسياسات حماس ومواقفها وتتلقى التمويل من الحركة. بدأ العمل العسكري لحماس متواضعاً غير منظم حتى أواخر عام 1991، ثم شهد العمل تطوراً كبيراً بدءاً بعام 1992 حتى عام 1994. ثم بدأ العمل العسكري يتراجع نوعياً وعددياً حتى عام 1997، بسبب سيطرة السلطة، وتوقف تقريباً منذ بداية عام 1998 حتى قيام انتفاضة الأقصى في أواخر عام 2000، فانطلق العمل العسكري مرة أخرى وشهد توسعاً جغرافياً. أما فيما يتعلق بالرأس العسكري لحماس، فتشير كل المصادر إلى أن قطاع غزة يخضع عسكرياً لإمرة أحمد الجعبري الذي تعرفه حماس على أنه نائب القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، ويفضل أبناء الحركة والاستخبارات الإسرائيلية، أن يطلقوا عليه لقب «رئيس أركان حماس» وهو القائد الفعلي لكتائب القسام بسبب الحالة الأمنية والصحية التي يعيشها الضيف، بعد إصابته أكثر من مرة في محاولات اغتيال فاشلة قد تكون آخرها بحسب مصادر فلسطينية أدت إلى شلله.

وتربط الجعبري علاقات وطيدة بمشعل، حتى إن الاستخبارات الإسرائيلية تقول إنه لا يتلقى أوامره إلا من مشعل مباشرة. وقالت مصادر فلسطينية في غزة إن الجعبري الذي يُحكِم قبضته على غزة تربطه علاقات أخرى وطيدة مع الزهار. أما في الضفة الغربية، فيصعب تحديد مسؤول كتائب القسام نظراً للنواحي الأمنية. ومن غير المعروف ما إذا كانت القسام في الضفة تتلقى أوامرها مباشرة من غزة أو من الخارج. وأياً يكن، فإن مثل هذه الخلافات أو الاختلافات في حماس لا يمكن لها أن تؤثر على تماسك الحركة، التي ما زالت تدرك وتعرف أنها تعيش في عين العاصفة، وتربي أبناءها على الولاء والطاعة لأولياء الأمر، حتى إن قادة المناطق والمواقع التنظيميين، وفي الجناح العسكري لحماس يُعرَفون بالأمراء. ولا خروج على طاعة الأمير.