صراع على الحوض المقدس

يسيطر اليهود اليوم على 40% من عقارات بلدة القدس القديمة.. حولوا بعضها إلى بيوت سكن والأخرى إلى مكاتب أو فنادق أو حوانيت

سعيد فلاح فلسطيني يقع منزله بالقرب من مستوطنة حار حوما التي تظهر خلفه في شرق القدس(أ.ف.ب)
TT

لا يمر يوم، لا تمر ساعة، إلا ويجري عمل ما في إسرائيل يستهدف تهويد بقعة أخرى من مدينة القدس الشرقية المحتلة. فهذه المدينة المقدسة للأديان الثلاثة، هذه الدرة التي يضعها الفلسطينيون، مسلمين ومسيحيين، قبلة لهم، يحجون إليها ويقيمون أقدس الصلوات فيها، هذه القبلة التي يريد الفلسطينيون أن تكون عاصمة لدولتهم العتيدة، هذه العاصمة التي يعتبرها العرب قدس أقداسهم ويقيم لها المؤتمر الإسلامي لجنة خاصة لمتابعة شؤونها وحمايتها، تتعرض كل يوم لتبعات مشروع خطير يستهدف محو آثارها العربية والإسلامية. ينشغل عنها أحباؤها من شتى أصقاع الأرض، لكن الأنكى من ذلك أن أهلها الفلسطينيين أيضاً مشغولون عنها. هم غارقون في همومهم وصراعاتهم ولملمة جراحهم، وآلة التهويد الإسرائيلية تنشغل في تنفيذ مخططاتها ولا تعرف الهدوء والسكينة.

وفي هذه الأيام، التي يحتفل فيها الفلسطينيون بالقدس عاصمة للثقافة، وتحتفل فيها إسرائيل بإطلاق مشروع تهويد الحوض المقدس، يستحق الأمر إلقاء نظرة إلى هذه المدينة وما يصيبها. ولنبدأ من زاوية غير عادية، لا يتطرق إليها كثيرون عندما يتحدثون عن القدس، من زاوية باحث يهودي صهيوني، لا جدال حول حرصه على إسرائيل ومصالحها، هو خبير الآثار الذي عمل طيلة 39 عاماً في الحفريات الإسرائيلية في منطقة الحرم القدسي الشريف، ويدعى مئير بن دافيد، قال معقباً على مشروع التهويد الإسرائيلي: «القيمون على سياسة إسرائيل، المحلية والخارجية، مصابون بالعمى في أحسن الأحوال. وربما مصابون بهوس الانتحار. فما يفعلونه اليوم في البلدة القديمة في القدس، هو الجنون بعينه. يوصلون العالم إلى حافة حرب دينية بين العالم الإسلامي واليهود. وبعد ذلك يشكون: لماذا العالم يكرهنا؟!». وبن دافيد واحد من مجموعة غير قليلة من اليهود العقلاء في إسرائيل الذين يقفون معارضين للمشاريع الإسرائيلية التهويدية عبر تاريخ الدولة العبرية، ويفزعون. ويرون أنها تمس أولا بالمصالح الإسرائيلية.

الطمع القديم: من مراجعة التاريخ الإسرائيلي في بدايات الدولة العبرية، يتضح أن الطمع في السيطرة على القدس الشرقية كان موضع خلاف بين قادة الحركة الصهيونية قبل أن تقوم إسرائيل في سنة 1948. ففي حينه قررت الجمعية العامة تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية، ولكنها منحت للقدس مكانة دولية مميزة وقررت أن تكون بإدارة دولية، لا لليهود ولا للفلسطينيين، بل مفتوحة للجميع.

وقد جرت نقاشات حادة داخل الحركة الصهيونية وفيما بعد داخل الحكومة الإسرائيلية حول الموضوع، بين القوى التي أرادت الالتزام بالإرادة الدولية، والقوى التي أرادت فرض الواقع واحتلال أجزاء من القدس. وانتصر التيار الاحتلالي في حينه. وجرى التوصل إلى تفاهم مع الأردن في ذلك الوقت يقضي بتقاسم القدس بينهما، فتسيطر إسرائيل على القدس الغربية بينما يسيطر الأردن على القدس الشرقية. ولم تعترف في حينه سوى دولتين بهذا الواقع، هما بريطانيا وباكستان. لكنه تحول إلى أمر واقع فرضته الدولتان. وقد حاولت الجمعية العامة للأمم المتحدة تغيير هذا الواقع، وأصدرت قراراً في أغسطس (آب) 1949 يدين إسرائيل على تصرفها، فردت إسرائيل عليها بإعلان القدس عاصمة ونقل مؤسساتها الحكومية من تل أبيب إلى القدس. وكان قد سبق هذا التطور قيام قوات «إيتسل»، التابعة للتيار اليميني الإصلاحي في الحركة الصهيونية بدخول قرية دير ياسين، في التاسع من أبريل (نيسان) 1948، وارتكاب المذبحة الشهيرة ضد الفلسطينيين، كتعبير عن ذلك «النقاش». فقد كانت تلك قرية محاذية للقدس. وقد خططوا لاستخدامها نموذجاً يؤدي إلى هرب الفلسطينيين منها ومن القدس، حتى تتحول إلى مدينة يهودية. ويقول الباحث أهرون ليران، إن الجنرال دافيد شالتئيل، قائد لواء القدس في تنظيم «هجناه» العسكري، تعرض لضغوط شديدة من ضباطه ومن قادة التنظيمات ومن عدة سياسيين أن يدخل القدس القديمة في 14 مايو (أيار) 1948 ويحتلها. ففي هذا التاريخ غادرت قوات الانتداب البريطانية القدس، وبقيت المدينة فارغة من الجيوش أربعة أيام، ولكنه صمد في وجوههم جميعاً لأن قيادته السياسية كانت تأمل في التفاهم مع الأردن ولم ترد استفزازه. ودخلت القوات الأردنية بعد أربعة أيام، وهكذا تم تقاسم القدس بينهما.

ولكن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، دافيد بن غوريون، لم يكن راضياً عن القرار وقال «سوف نبكي لأجيال بسبب امتناعنا عن تحرير القدس في ذلك الوقت». وفي حرب الأيام الستة سنة 1967، نكسة العرب في العصر الحديث، حقق الجيش الإسرائيلي رغبة بن غوريون واحتل القدس الشرقية أيضاً.

بداية المشروع: لم تتأخر قوات الاحتلال عن عملية التهويد يوماً واحداً. فما إن تكرس الاحتلال بعد أربعة أيام، حتى بدأ في تطبيق مشروعه، الذي كان معداً سلفاً كما يبدو، فقام بطرد سكان حي المغاربة من بيوتهم بهدف توسيع باحة حائط المبكى (البراق)، الذي يعتقد اليهود أنه الجدار الغربي المتبقي من هيكل سليمان. وما هي إلا أسبوعين، حتى اجتمعت الحكومة الإسرائيلية (في 26 يونيو (حزيران) 1967)، وقررت «توحيد مدينة القدس»، شرقها وغربها، في مدينة واحدة وضم المنطقة الشرقية رسمياً إلى تخوم إسرائيل.

ومن مراجعة بروتوكول جلسة الحكومة في ذلك، والتي كانت أبحاثها سرية بشكل مطلق، تقرر أن تكون القدس الشرقية بمساحة 14 ضعفاً عن مساحتها الحقيقية. ففي حينه كانت مساحة المدينة المقدسة مع كل مناطق نفوذها حوالي ستة كيلومترات مربعة ونصف الكيلومتر المربع. فضمت إليها مساحة إضافية (64 كيلومتراً مربعاً)، تمتد إلى حدود الصحراء في الشرق وإلى رام الله في الشمال وإلى بيت لحم في الجنوب، وضمت معها 28 قرية فلسطينية مجاورة. وخلال النقاش طلب رئيس الحكومة يومها، ليفي أشكول، أن لا تتم مصادرة أراضي الفلسطينيين وأن يتم شراء الأراضي بالنقود، لكن حكومته رفضت اقتراحه فتمت مصادرة 24500 دونم أرض من أصحابها الفلسطينيين. وتكلم مندوب الجيش، الجنرال رحبعام زئيفي (الذي أصبح وزيراً للسياحة واغتاله عدد من مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 2001)، فطلب أن تضم مساحة أوسع (ثلث مساحة الضفة الغربية)، بحيث تصبح القدس ممتدة إلى أريحا شرقاً وبيت لحم جنوباً، لكن اقتراحه رُفض، ليعلن فيما بعد أن إسرائيل ضيعت على نفسها فرصة تاريخية. ويتضمن البروتوكول نقاشاً مطولا بين الوزراء حول كيفية النشر عن الموضوع، وتقرر تكليف لجنة وزارية خاصة بالاتصال مع رؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية ومطالبتها بأن لا تنشر تفاصيل المشروع، لأنه يستفز العرب والغرب. ومن هنا بدأ طرح وتنفيذ مشاريع التهويد في القدس الشرقية، في إطار خطة عنصرية واضحة ترمي إلى تقييد التكاثر العربي في المدينة. وقد عبرت غولدا مائير، وزيرة الخارجية في ذلك الوقت، عن هذه الخطة صراحة عندما قالت: «العرب يشكلون اليوم نسبة تعادل 22% من سكان مدينة القدس، وينبغي أن نبقي هذه النسبة كما هي في المستقبل»، أي إن على الحكومة ضمان أن لا يزيد عدد المواطنين العرب.

وقد انتقد هذه السياسة حتى من كان في القيادة العسكرية للقدس، نائب الحاكم العسكري يعقوب سلمان، عندما كتب في رسالة الدكتوراه، أن القرارات جاءت «عاطفية من دون حسابات موزونة عميقة. لم يحسبوا حساباً للمستقبل. وضموا الأراضي الشاسعة بنهم بالغ».

14 مستعمرة: بدأت السلطات الإسرائيلية المحتلة في عملية استيطان غير مسبوقة في القدس، تمت جنباً إلى جنب مع الاستيطان الواسع في الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية المحتلة وسيناء المصرية في ذلك الوقت. ولكن وتيرة الاستيطان في القدس كانت أكبر بما لا يقاس. ويكفي لتوضيح ذلك أن نشير إلى أنه، اليوم، وبعد حوالي 42 سنة من الاحتلال، يبلغ عدد المستوطنين اليهود في المنطقة التي ضمتها إسرائيل إلى حدودها ووضعتها تحت نفوذ مدينة القدس وحدها، 180 ألف مستوطن، وهو يقارب عدد المستوطنين في الضفة الغربية برمتها.

وبدأت هذه العملية بسن القانون الخاص بضم القدس وضواحيها إلى إسرائيل ثم بقانون آخر هو تحويل «القدس الكاملة والموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل». وبنت إسرائيل 29 مستعمرة في هذه المنطقة منذ عام 1967، منها 14 مستوطنة في القدس نفسها، وهذا عدا عن الاستيطان القائم في قلب الأحياء العربية من المدينة وفي البلدة القديمة بشكل خاص.

ومن مراجعة لأسماء الجهات العاملة في تهويد القدس نجد شبكة واسعة من ألوف الناس الذين يعملون، بل يعتاشون أيضاً، من مشروع تهويد القدس. فهناك أولا المؤسسات الرسمية، ونقصد وزارة الإسكان، المسؤولة عن مشاريع البناء، ووزارة الاستيعاب، التي تجلب اليهود القادمين من الخارج وتسكنهم في القدس، ووزارة الأديان، التي تمهد الأجواء الدينية وتبني الكنس اليهودية، وسلطة الآثار، التي تحفر في القدس وتشرعن الاستيطان بالادعاء أنها اكتشفت آثاراً يهودية عديدة، وفي الوقت نفسه بطمس معالم عربية تاريخية في المدينة، وبلدية القدس، التي تعد المشاريع وتمنح تراخيص البناء، وهناك هيئات غير رسمية تعمل من مواقع أخرى مثل الوكالة اليهودية والمؤتمر الصهيوني العالمي وهناك جمعيات مستقلة وحركات استيطانية خاصة وأحزاب ومتمولون يهود في الخارج والداخل، كلهم يعملون لتهويد القدس. ويوجد للأسف بعض الفلسطينيين من السماسرة، الذين يتعاونون مع هذا المشروع أيضاً. الحال على الأرض: التهويد بشكل عملي يطبق على الأرض بالعديد من الطرق. فإذا أخذنا البلدة القديمة، داخل الأسوار، نجد الحال على النحو التالي:

مساحة البلدة كلها كيلومتر مربع واحد، مقسمة إلى أربعة أحياء: الحي الإسلامي ويضم بين جنباته الحرم القدسي الشريف (المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة)، الحي المسيحي ويضم كنيسة القيامة والعديد من الكنائس والأديرة بما فيها بطريركيات الطوائف المسيحية المختلفة (الروم الأرثوذكس والكاثوليك وحارس الأماكن المقدسة وممثل بابا الفاتيكان) والحي الأرمني والحي اليهودي. في البداية سيطرت إسرائيل على الحي اليهودي وعلى حائط المبكى (البراق) بشكل كامل. ولكن في أوساط سنوات السبعين، بدأ المستوطنون اليهود يشترون العقارات من المواطنين الفلسطينيين وفق خطة رسمية لتخفيض عدد المواطنين غير اليهود واستبدالهم بمستوطنين يهود، بيتاً بيتاً وحانوتاً حانوتاً. وحسب تقديرات غير رسمية، يسيطر اليهود اليوم على 40% من عقارات البلدة القديمة، حولوا بعضها إلى بيوت سكن والأخرى إلى مكاتب أو فنادق أو حوانيت يهودية. على سبيل المثال فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، أرئيل شارون، يمتلك بيتاً في قلب الحي الإسلامي في البلدة القديمة.

وبالإضافة إلى ذلك، عملت يد الاستيطان على احتلال باطن الأرض في البلدة القديمة. وقد أتيح لنا أن نتجول في الأنفاق التي شقت تحت البلدة القديمة، فوجدنا أنها تقيم مدينة يهودية تحت القدس القديمة، تحتوي على متاحف أماكن عبادة وممرات يتنقل اليهود من خلالها من حي لآخر تحت الأرض. أحد هذه الأنفاق كان سبباً في تفجير اشتباكات مسلحة بين الجيش الإسرائيلي والشرطة الفلسطينية في جميع أنحاء الضفة الغربية، قتل فيها 26 جندياً إسرائيلياً و100 رجل شرطة فلسطيني. وقد جرى ذلك في سنة 1997، عندما كان رئيس الحكومة الحالي، إيهود أولمرت، رئيساً لبلدية القدس، وكان بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة. في مؤسسة الأقصى، التي أقامها الشيخ رائد صلاح وينشط فيها المئات من أنصار الحركة الإسلامية في إسرائيل، يرون أن تلك الحفريات تستهدف تقويض أركان المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة، تمهيداً لهدمهما ولتنفيذ الحلم اليهودي القديم بإعادة بناء الهيكل اليهودي مكانهما. وهم يعتمدون في ذلك على فئات من المتطرفين اليهود الذين لا يخفون أن هذا هو هدفهم. ويوزعون ملصقاً خاصاً بالموضوع يظهر فيه بناء الهيكل اليهودي مكان المسجد الأقصى. ولا يقل خطورة عن ذلك، حال بقية مناطق القدس. الحوض المقدس: منذ مطلع الثمانينات، بدأت بلدية القدس ووزارة الإسكان، تنفيذ مشروع جديد يقضي بالسيطرة على الأحياء الفلسطينية المحيطة بأسوار المدينة المقدسة. ويسمون هذه المنطقة بالحوض المقدس، بدعوى أنه يضم «مدينة الملك داهود» وأقدس المناطق لدى اليهود.

لكن هذه المنطقة لم تكن شاغرة، وتوجد فيها أحياء فلسطينية مأهولة يريدون تفريغها، مثل حي سلوان الذي تقرر هدم 88 عمارة فيه يسكنها 1500 فلسطيني، وتوجد فيها مقبرتان إسلاميتان بدأت جرافات الاحتلال تعمل فيهما يد التخريب والهدم لأن البلدية تريد إقامة موقف سيارات ومشروعاً تجارياً وسياحياً، وتوجد في المنطقة معالم تاريخية عريقة يتم هدمها، مثل جسر باب المغاربة، الذي يعيدون بناءه بطريقة حديثة تقضي على الأثر القديم وذلك لأنهم يريدون جسراً قوياً تستطيع قوات الاحتلال استعماله عندما تقرر اقتحام باحة الأقصى. وفي الدائرة الثانية للحوض المقدس، توجد أحياء عديدة يتم اختراقها بالسيطرة على عمارات وبيوت فلسطينية، بيعت بوعي من الفلسطينيين أو بيعت بالخداع عن طريق سماسرة، مثل حي الشيخ جراح أو حي جبل الزيتون أو حي المندوب السامي.

وفي هذه المنطقة مشروع جديد يدعى «إي ـ 1»، يستهدف السيطرة على المنطقة الوحيدة التي بقيت خالية حول القدس الشرقية. والخطة تقضي ببناء حي سكني كبير يضم 7500 وحدة سكن، إضافة إلى بناء مقر للشرطة الإسرائيلية في الضفة الغربية ومجمع تجاري. ويرمون من وراء هذا المشروع قطع التواصل الجغرافي الوحيد المتبقي ما بين المنطقة الشمالية من الضفة الغربية والمنطقة الجنوبية. وقد اعترضت الإدارات الأميركية على هذا المشروع، فتوقف العمل المكثف فيه، ولكن مقر الشرطة قد أنجز بناؤه وبدأ العمل فيه.

الدائرة الثالثة والجدار: ما تبقى من القدس العربية في المساحة الجغرافية التي حددتها لها الحكومة الإسرائيلية، يقع تحت معالجة على طراز التطهير العرقي والفصل العنصري. فتحت حجة الأمن، بنت إسرائيل جداراً بشعاً بارتفاع 8 أمتار، يعزل عشرات الأحياء والقرى التابعة للقدس عن المدينة المقدسة. وقد بني الجدار بطريقة التوائية مصطنعة، ولم يكن ملائماً لمحيط المدينة. والهدف منه أولا ضم المستعمرات اليهودية القائمة في القدس إلى تخوم إسرائيل وتخفيض عدد الفلسطينيين داخل المدينة المقدسة. وهي بذلك تؤدي إلى تمزيق العائلات المقدسية بعضها عن بعض وإفقاد المكانة التجارية المركزية للقدس العربية والاستفراد بالمواطنين الفلسطينيين المقدسيين الذين يضمهم الجدار فيكونون مواطنين دائمين في القدس من دون حقوق المواطنة وقطع الطريق عن سكان الضفة الغربية إلى الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.

وكانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قد وضعت سلسلة قوانين وأنظمة تستهدف تخفيض عدد سكان القدس، قبل هذه الإجراءات الاستيطانية، ما زالت مستمرة حتى اليوم. فكل مقدسي يغادر إلى خارج البلاد للدراسة أو غيرها لمدة سبع سنوات، يفقد حقه في المواطنة. وكل مواطن يسكن خارج تخوم القدس يفقد هذه المواطنة. وتفرض قيوداً صارمة على البناء في الأحياء العربية، فلا تمنح تراخيص بناء لهم وكل مواطن يبني بيتاً من دون تراخيص يهدم بيته. على سبيل المثال فقط نذكر أن البلدية الإسرائيلية هدمت 667 بيتاً فلسطينياً في القدس خلال السنوات 2001 – 2005. واليوم يوجد حوالي 1500 أمر هدم لبيوت فلسطينية في المدينة. وبسبب هذه السياسة، ومع التغيرات الديموغرافية التي خلفها بناء الجدار العازل، بات عدد سكان القدس الشرقية اليوم 410 آلاف نسمة منهم 184 ألف يهودي (45%) و226 ألف عربي (55%)، في حين يبلغ عدد سكان القدس الغربية 390 ألفاً. ووفق الحسابات الإسرائيلية فإن عدد سكان القدس، بشقيها الشرقي والغربي، يبلغ اليوم 700 ألف نسمة. وحسب الباحث في معهد القدس للدراسات، هليل كوهن، فإن الحكومة الإسرائيلية قلقة من الإحصائيات التي تشير إلى أن نسبة الفلسطينيين من سكان القدس البالغة حاليا 34%، سوف ترتفع إلى 40% في سنة 2020، وسوف يتساوى عدد العرب واليهود في القدس في سنة 2035.

ولا يخفي رئيس بلدية القدس الجديد، نير بركات، هدفه من تلك المشاريع وما يعده من مشاريع قادمة، إذ يقول «أريدها مدينة موحدة يعيش فيها العرب واليهود، ولكن مدينة تلائم قدسيتها اليهودية، وتظل ذات صدر رحب فتستقبل للعيش فيها كل الشرائح، متدينين وعلمانيين. ولكنني سأقف بكل قوتي أنا وأهل المدينة، ضد أولئك الذين يريدون التفاوض حول مستقبل القدس.