تاريخ الـ100 يوم

صار تقييم أول مائة يوم جزءًا من الثقافة الأميركية.. وبدأ مع روزفلت الذي وعد بالتصدي للكساد الكبير.. مثله مثل أوباما

الـ 100 يوم الاولى لاوباما تخضع لتقييم مكثف (أ.ب)
TT

عندما يجري العالم وأميركا تقييماً لأداء الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد مرور 100 يوم على تنصيبه نهاية الأسبوع المقبل سيكون ذلك استكمالا لتاريخ طويل من تقييم الرؤساء الأميركيين خلال المائة يوم الأولى. فقد صارت الـ«مائة يوم» جزءًا من التاريخ الأميركي الحديث مع بداية إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت سنة 1933. لمواجهة الانهيار الاقتصادي الذي بدأ سنة 1929، تعلقت آمال كثير من الأميركيين به.

وفي خطاب تنصيبه، وعد بإجراء تغييرات جذرية خلال المائة يوم الأولى في البيت الأبيض. ووعد بالقضاء على طمع البنوك والمؤسسات الاستثمارية. وقال في خطاب تنصيبه: «ترفض قلوب وعقول الرجال المخلصين ممارسات تجار النقود وسماسرة المال. وسأطردهم كلهم من معبد الحضارة الأميركية».

ورغم أن بعض الناس انتقدوه لأنه لمح إلى اليهود (تجار المال في معبدهم في القدس) ولأنه شبه نفسه بعيسى المسيح (عندما طردهم من المعبد)، حرص على تنفيذ وعود المائة يوم الأولى. ونفذها.

خلال المائة يوم، وافق الكونغرس على كل طلباته (رغم أن أعضاء من الحزب الجمهوري صوتوا ضده). ولمائة يوم، أغلق كل البنوك في أميركا (ثم أعاد فتحها تحت رقابة وزارة الخزانة). ولمائة يوم، جمد استعمال الذهب كأساس للدولار (حتى حصل البنك المركزي على تفويض قانوني ليرفع أو يخفض سعر الفائدة. وحتى صارت قيمة الدولار تعتمد على سوق العملات العالمية). وخلال المائة يوم، وصل الانهيار الاقتصادي إلى أدنى درجة بعد أربع سنوات من بدايته في سنة 1929. (ثم بدأ الوضع يتحسن، وصار عادياً بعد خمس سنوات، سنة 1938).

لهذا، يقول خبراء وصحافيون إن هناك تشابهاً بين الوضع الاقتصادي عندما دخل روزفلت البيت الأبيض، والوضع الاقتصادي الحالي مع دخول الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض.

ربما من أوائل هؤلاء الخبراء والصحافيين جوناثان أولتر، صحافي في مجلة «نيوزويك»، ومؤلف كتاب: «لحظة حرجة: مائة يوم فرانكلين روزفلت وانتصار الأمل».

فقبل سنة، عندما صدر الكتاب، لم يكن نجم أوباما لمع كثيراً مع بداية الحملة الانتخابية. ولم تكن كلمة «هوب» (أمل) قد صارت من شعاراته الرئيسية. لهذا، تبدو الكلمة في اسم الكتاب عن روزفلت مناسبة مع عهد أوباما.

وقال أولتر عن الرجلين: يبدو أن هناك تشابهاً في فلسفة كل منهما. ليس فقط في نشر شعار الأمل والتغيير، ولكن، أيضاً، في التمتع بثقة بالنفس جعلتهما قادرين على: أولا: الاعتراف بالخطأ. ثانياً: اختيار تجارب جديدة. ثالثاً: القدرة على تغييرها إذا لم تنجح.

وقال الكتاب عن روزفلت: «لم يصدر فقط قرارات اقتصادية مهمة، لكنه، أيضاً، أعطى الشعب الأميركي إحساساً بالثقة في رئيسه، وفي نفسه. مع الانتصارات الاقتصادية، حقق انتصارات نفسية. وكان مثل رجل يطبطب على ظهر كل أميركي، ويقول له: لا بأس، سنقدر على اجتياز هذه».

ومع اقتراب نهاية فترة المائة يوم الأولى للرئيس أوباما، يتناقش أميركيون حول لو أنها مثل المائة يوم الأولى لروزفلت. من مجرد الاسم، يبدو واضحاً أن «الانهيار الاقتصادي» سنة 1929 كان أخطر من «الكارثة الاقتصادية» الحالية. ولأن نسبة البطالة الآن وصلت إلى عشرة في المائة، بينما كانت في ذلك الوقت خمسة وعشرين في المائة. ولأن النقاش الحالي يدور عن عيوب الرأسمالية، لكنه، في ذلك الوقت وصل مرحلة فشل الرأسمالية، وظهور آراء شيوعية ونازية وهتلرية (مع ظهور هتلر كزعيم في ألمانيا).

في نهاية نوفمبر (تشرين الأول) الماضي، بعد أن فاز في الانتخابات، قال أوباما إنه يقرأ هذا الكتاب عن روزفلت. وإنه يأمل في أن يقدر على تطبيق بعض خطط روزفلت لمواجهة الكارثة الاقتصادية الحالية.

ولإعطاء الشعب الأميركي دفعة من الأمل، كما فعل روزفلت، أشار أوباما إلى أن كلمة «أمل» وردت في غلاف كتاب روزفلت، وفي غلاف كتابه هو «أوديسيتي أوف هوب» (الجرأة على الأمل).

وكتبت جريدة «شيكاغو تربيون»: «كتاب روزفلت على منضدة سرير أوباما». وكتبت جريدة «ستار ليدجر»: «أوباما يريد حركة شعبية اجتماعية مثل التي قادها روزفلت».

ماذا يقول مؤلف الكتاب عن المائة يوم الأولى لأوباما؟. قال، في رأي كتبه في مجلة «نيوزويك»: «لم يكتف روزفلت، خلال المائة يوم الأولى، بالتركيز على البنوك. بل قدم خطة اقتصادية واجتماعية عملاقة. ويريد أوباما أن يفعل الشيء نفسه. رغم أن بعض الناس يقولون إنه يجب أن يركز على مشكلة البنوك فقط».

وأضاف المؤلف: «تقول أغنية أميركية قديمة: عظم الفخذ يرتبط بعظم الساق، وعظم الساق يرتبط بعظم القدم. يعني هذا أن كل المشاكل ترتبط مع بعضها البعض. ومع اقتراب المائة يوم الأولى، يبدو أن أوباما يعرف ذلك جيداً».

وأشار أولتر إلى خطط «شاملة» اتخذها أوباما خلال المائة يوم الأولى:

أولا: إنقاذ البنوك. ثانياً: التأمين الصحي. ثالثاً: بناء طرق. رابعاً: تسهيل قروض لطلاب الجامعات. خامساً: إنقاذ شركات السيارات. سادساً: تحسين صورة أميركا في الخارج. سابعاً: الحديث عن «المسؤولية الأخلاقية». ثامناً: الاعتراف بأخطاء أميركا. تاسعاً: خطة تنظيف البيئة. عاشراً: خطة الاعتماد على الطاقات الطبيعية.

وقال أولتر إن بعض الناس ينتقدون أوباما، ويقولون إنه يريد أن ينفذ أكثر من شيء، وإنه يجب أن يركز على شيء واحد. لكن، يضيف أولتر أن أوباما يجب أن يفعل العكس، كما فعل روزفلت. لم يقل إن أوباما حقق في أول مائة يوم ما حقق روزفلت في أول مائة يوم. لكنه قال إن أوباما يجب أن يحاول أن يفعل أشياء كثيرة في وقت واحد، وأن يكون هدفه «التغيير الشامل»، تماماً مثل روزفلت.

ويوم الثلاثاء، في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجليس، ناقش ثلاثة أساتذة في الجامعة المائة يوم الأولى لأوباما. واحد منهم متخصص في السياسة، والثاني في القانون، والثالث في الاقتصاد. قال كريم كريتون، أستاذ العلوم السياسية: إنه لا شك في أن أوباما هو رجل المفاجآت. مجرد ظهوره على المسرح السياسي في شيكاغو، بعد أن أكمل الدراسة الجامعية، كان مفاجأة. خاصة جرأته وثقته بنفسه وسط المواطنين السود في شيكاغو. ثم إن فوزه في الانتخابات كأول رئيس أسود كان مفاجأة. وها هو الآن، خلال المائة يوم الأولى، يتخذ كثيراً من القرارات المفاجئة. أولا: في السياسة الداخلية، بدأ في إعادة ترتيب كل البيت الأميركي. ثانياً: في السياسة الخارجية بدأ في تحسين صورة أميركا في الخارج، وفي الاعتراف بأن أميركا تخطئ وتصيب. وقال ذلك مثلما لم يقله رئيس مثله. ولاحظ كريتون أنه ليست فقط قرارات أوباما هي المفاجأة، ولكن أسلوبه أيضاً. وقال إنه سياسي من نوع نادر، سياسي شعبي.

وتحدثت ربيكا براون، أستاذة القانون، عن الجانب القانوني، فأعادت إلى الأذهان أن أوباما درس القانون في جامعة هارفارد. وكان أستاذ قانون في جامعة شيكاغو لفترة من الزمن قبل أن يمتهن العمل السياسي. وقالت إن اختيار إيريك هولدر كأول وزير أسود للعدل من أهم قرارات المائة يوم الأولى. ويدل الاختيار على أن أوباما يريد أن يطمئن، ليس فقط سود أميركا، ولكن، أيضاً، بقية الأقليات. بل يريد أن يقول للعالم إن وزير العدل في أميركا من الأقليات. وإن ذلك كدليل على أن أميركا تريد أن تنصف كل الناس، مهما اختلفت ألوانهم وأعراقهم. وعن المستقبل، قالت إن أوباما سيكون محظوظاً إذا شغرت مقاعد كثيرة في المحكمة العليا (التي تفسر الدستور). أي إنه لابد أن يعين قضاة ليبراليين (سيتحاشى القضاة التقدميين حتى لا يثير معارضة قوية). وإذا حدث ذلك (بوفاة أو مرض أكثر من قاضٍ في المحكمة العليا) سيقدر أوباما على تغيير الخريطة القانونية والاجتماعية في الولايات المتحدة.

وتحدث جون ماتسوسوكا، أستاذ الاقتصاد، عن الإنجازات الاقتصادية خلال المائة يوم الأولى. (وهو مؤلف كتاب «للأكثرية أو للأقلية: العمل العام والديمقراطية الأميركية») فقال إن أوباما جاء في الوقت المناسب لأنه، حسب الكتاب، يقود حركة شعبية إصلاحية. وإن المائة يوم الأولى في إدارة أوباما كانت عبارة عن تنفيذ خطط شعبية. مثل خطة التأمين الصحي لكل مواطن. وخطة تسهيل التعليم الجامعي لكل طالب. وخطة تأسيس قطارات حديدية سريعة. وقال إن الأبحاث التي أجراها عن المائة سنة الماضية أوضحت زيادة مشاركة المواطن الأميركي العادي في صناعة القرار الاقتصادي. وأن أوباما جاء ليتوج ذلك بانتهاج خط شعبي جماهيري.

وقال إن كتابه أوضح خطأ الذين يقولون إن أقلية اقتصادية تسيطر على الاقتصاد على حساب عامة المواطنين. وإنه، حتى إذا كان ذلك صحيحاً في الماضي، لم يعد صحيحاً، مع زيادة وعي الناس، ومع تطور وسائل الاتصالات والمواصلات.

وعن المائة يوم الأولى من الجانب الاقتصادي، أشار إلى أن أوباما، مثلا، لم يكتفِ بدعم البنوك، ولكن، أيضاً، انتقدها، وانتقد المسؤولين عنها، وطلب منهم تحمل نتائج أخطائهم، وطلب منهم تخفيض رواتبهم. وأن هذا دليل على أن الاقتصاد «المعقد» يمكن أن يكون «موضوعاً شعبياً». وأن أوباما نجح في ذلك.