الملكة الغاضبة تتخلى عن الإمبراطور.. وهو يلهو

برلسكوني وزوجته علاقة في مفترق طرق (أ.ف.ب)
TT

لم تدم الفرحة طويلا لدى الايطاليين ففي نفس الوقت الذي اشترت فيه شركة فيات الايطالية للسيارات الشركات الأميركية المفلسة وبدت كأنها شركة عالمية تستطيع تحويل الإفلاس إلى نجاح قامت فيرونيكا لاريو زوجة رئيس الوزراء برلسكوني بإعلان الحرب وفتحت مدافعها الثقيلة طالبة الانفصال والطلاق منه واتهمته بالتودد الصارخ إلى النساء بشكل مبتذل ومرافقة القاصرات وتشويه صورة الحركة النسائية باختيار الجميلات اللواتي يكشفن عن السيقان للعمل في السياسة كمرشحات للبرلمان الأوروبي.

فيرونيكا لاريو ممثلة مسرحية وسينمائية سابقة ولدت في مدينة بولونيا الشمالية مسقط رأس الممثلة الايطالية الفاتنة مونيكا بيلوتشي المعروفة بجمالها مثل فيرونيكا التي عاشت مع برلسكوني عشر سنوات قبل زواجها منه عام 1990 وتصغره بأكثر من عشرين سنة وأنجبت منه ابنها لويجي (21 سنة) وابنتيها بارباره (25 سنة) واليانورا (23 سنة). أما برلسكوني فهو الرجل العصامي الذي طلق زوجته الاولى ثم أصبح أغنى أغنياء ايطاليا في ظرف عشرين سنة معتمدا على امبراطورية الاعلام والتلفزيون الخاص وكانت ثروته تقدر بـ12 مليار دولار حتى العام الفائت لكنها تراجعت إلى النصف حاليا اثر الأزمة الاقتصادية العالمية. برلسكوني تحول من رجل أعمال ناجح إلى سياسي معتق تفوق شعبيته الآن شعبية الرئيس الاميركي أوباما وتصل إلى 75 في المائة.. تبتعد فيرونيكا عن المناسبات العامة ولا تظهر سوية مع برلسكوني إلا في المناسبات النادرة مثل افتتاح موسم الاوبرا في مسرح لاسكالا بميلانو ولا تختلط مع الأوساط المقربة من رئيس الوزراء وخاصة الوزيرات الأربع في حكومته الحالية وأركان حزبه الحاكم «شعب الحرية» الذي يضم عددا من الفاشيين سابقا. العارفون ببواطن الأمور يقولون إن فيرونيكا تعتقد أن الكيل قد طفح معها بعد جموح سيلفيو بعيدا معتمدا على شعبيته في الأوساط اليمينية وأن «طريقة بلفه زادت عن المعقول بعد تقدمه في السن وعمليات التجميل وتناول المقويات».

يقال إن فيرونيكا تغتاظ من حسناوات السياسة وخاصة بعض المقربات من برلسكوني مثل الوزيرة المسؤولة عن السياحة ميكيلا بارامبيلا ووزيرة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة مارا كارافانيا النجمة التلفزيونية السابقة في برامج الترفيه التي قال لها برلسكوني في إحدى هفواته الشهيرة منذ سنتين «لو لم أكن متزوجا لاقترنت بك» مما دعا فيرونيكا إلى انتقاده علنا في رسالة وجهتها عمدا إلى صحيفة «لا ريببليكا» اليسارية واضطر سيلفيو إلى الاعتذار لها، ومن نساء برلسكوني هناك الممثلة فرانشسكا دالارا المعروفة بأفلامها شبه الإباحية ونجمة الاستعراض والرقص عايدة يزبيكا من كولومبيا التي احتلت المقام الأول في البرنامج الاسبوعي للترفيه الذي ينقله تلفزيون برلسكوني الخاص (القناة الخامسة) من مسرح الباغالينو بروما وينتقد ساسة اليسار بشكل تهريجي ساخر. آخر النساء المقربات إلى برلسكوني اللواتي أثرن العاصفة الحالية تتصدرهن الحسناء بابرباره ماتيرا مقدمة البرامج التلفزيونية وكانت مرشحة للقب ملكة جمال ايطاليا واختارها سيلفيو منذ اسبوع كمرشحة رسمية عن حزبه للبرلمان الاوروبي رغم احتجاج فيرونيكا لأنها على حد قوله «خريجة جامعية وجميلة بنفس الوقت»، واليانورا غاغولي الممثلة السينمائية والتلفزيونية التي احتلت هذا الاسبوع غلاف المجلة الاسبوعية عن التلفزيون والأغاني التي تصدرها إحدى دور النشر التي يملكها برلسكوني كجزء من حملتها الانتخابية للبرلمان الأوروبي التي افتتحها برلسكوني بقوله «النواب يجب أن تكون رائحتهم زكية وأن لا تكون ملابسهم مبهدلة مثل مرشحي المعارضة اليسارية». يضيف المقربون من فيرونيكا انها معجبة بالرئيس أوباما وعلاقته الوثيقة مع عائلته وانها تعاني من نكات برلسكوني البذيئة التي يحتملها البعض نظرا لمكانته الرسمية وثروته الكبيرة التي يستعملها احيانا لشراء خصومه أو تمويل نشاطات حلفائه، وانها كانت سعيدة لرؤية الصورة المحورة التي جمعت برلسكوني مع الوزيرة كارافانيا وتظهره كملاك يحميها مع التعليق الساخر «على الوزيرة أن تواجه الحقيقة العارية». وقد بدأ سيل من النكات مؤخرا حول تصرفات برلسكوني ومنها أن ابنته الكبرى بارباره سألته: ما الحب؟ فأجابها: حين تلتقين بشاب غني في مدينة البندقية (فينيسيا) الرومانسية ويدعوك للإقامة في فندق فخم فيها يطل على البحر والشوارع المائية ثم يأخذك في جولة بقارب الجندول وتتعشين معه في مطعم فاخر في ساحة سان ماركو وبعدها يشتري لك سيارة مرسيدس ويهديك عقدا من الألماس وخاتما من الذهب.. هذا هو الحب. فسألته ابنته: لكن ماذا عن العواطف وخفقان القلب والقبلة الاولى فأجابها: كلها ترهات من اختراع قوى اليسار للايقاع بك كي تسقطي في الفخ! وتتداول أوساط فيرونيكا نكتة أخرى يقال إنها نالت إعجابها مع أنها كتومة لمشاعرها إذ وقعت الخادمة في بيت برلسكوني على الأرض فأسرع برلسكوني لمساعدتها ورفعها من سقطتها ونظرت إليه الخادمة وعلى وجهها علامات الامتنان ثم قالت: كيف يمكنني أن اعبر لك عن شكري؟ فأجاب برلسكوني: ستبدأ الانتخابات بعد أيام وبإمكانك أن تصوتي لي، فسارعت الخادمة إلى القول: لقد تضررت عظامي لا رأسي! نشر الغسيل الوسخ على صفحات الجرائد هذه الأيام لا يعطي انطباعا جيدا عن ايطاليا أو سلوك رئيس وزرائها ويؤثر على صورتها الوردية وعلامتها التجارية كبلد للسياحة والفن وجنة للمصممين والمبتكرين بل يعكس عدم جدية السياسة فيها ويبعد أهلها عن الاهتمام بالشأن العام. قال برلسكوني في اليوم الأول لأزمته مع فيرونيكا إنها عاصفة لم يكن يتوقعها إذ كان مشغولا بزيارته الرسمية لبولندا ويريد الصمت لأنها «مسألة شخصية تؤلمه» لكنه عاد بعد توكيل فيرونيكا لمحاميتها ماريا كريستينا موريللي لمتابعة إجراءات الطلاق للقول إنها وقعت في فخ الصحافة اليسارية وكأنه كان يشير إلى عمدة البندقية اليساري ماسيمو كاشاري العضو السابق في الحزب الشيوعي والسياسي والأكاديمي الذي عمل نائبا في البرلمان وأستاذا في الجامعات. يعتبر كاشاري الأب الروحي لفيرونيكا وبعضهم يتهمه بعلاقة عاطفية معها فهو مثقف لامع له مؤلفات عديدة ومتخصص في الفلسفة وكان قد كتب أطروحته الجامعية عن الفيلسوف الألماني «كانط» وانتقد ظاهرة العقلانية المعاصرة لأنها لم تستطع تفسير الهدف النهائي للواقع.

وفي سياق التشرذم الحالي لمعسكر اليسار بعد خروج والتر فيلتروني زعيم الحزب الديمقراطي اليساري من المعمعة بقي كاشاري في البندقية وفي تورينو عمدتها سيرجيو كيامبارينو كأبرز الأسماء لقيادة الحزب الديمقراطي لكن نائب وزير الثقافة السابق والناقد الفني المعروف سكاربي الذي تشاجر مع برلسكوني وترك المناصب الحكومية يظن أن فيرونيكا لاريو خطت عدة خطوات على طريق قيادة قوى اليسار. الاحداث الداخلية حدت بصحيفة الاتجاه الديني الممثل بالكنيسة الكاثوليكية إلى انتقاد مسلك برلسكوني منذ أيام بعد طلبه العلني من فيرونيكا أن تقدم له اعتذارا وتعود إلى بيت الطاعة وذكرت الصحيفة «لا فينيريه» أن على برلسكوني «أن يكون أكثر اتزانا». ظهر برلسكوني أمس على التلفزيون الحكومي قائلا إن اليسار يخشى من شعبيته وأنه لا صحة لما معناه «إن الناس قد مالوا إلى من عنده مال» وأن الناخب الكاثوليكي ما زال يؤيده وأن تصريح زوجته عن رغبتها في الانفصال عنه في جريدة «لا ريببليكا» اليسارية ليس أمرا بريئا، وردت الصحيفة اليوم بقولها إن برلسكوني لا يفوت مناسبة دون أن يتحرش بالنساء حوله وآخر ما فعله صورته الصحيفة في فيديو يبث الآن على موقعها الالكتروني يظهر برلسكوني أثناء زيارته الأخيرة إلى مدينة لاكويلا التي أصابها الزلزال في الشهر الماضي وهو يحادث ليا بالترامي مسؤولة وزارة تكافؤ الفرص في المنطقة ويمازحها قائلا «هل أستطيع أن أمس (أو أتحسس) السيدة ؟» أما زعيم اليسار الحالي داريو فرانشسكيني فصرح قائلا «كفى حديثا عن نظرية مؤامرة اليسار.. لقد بنى برلسكوني صورته الشعبية على أساس أنه الرجل الغني القوي (الفحل) الذي تعشقه النساء لكن لا أحد سيذرف عليه الدموع في ورطته الحالية» أما النائبة اليسارية أنا فينوكيارو فقالت «على برلسكوني أن يتوقف عن استخدام قصة المؤامرة المزعومة وأن يخجل من نفسه وتصرفاته لا أن يتخفى وراء المهاترة والاتهامات التي لا أساس لها». تراقب فيرونيكا التطورات وهي صامتة كعادتها وفي آخر تصريح لبرلسكوني باح بأنه «يكن لها بحرا من الخير» ثم أردف حول ناعومي ليتيزيا الشابة التي حضر عيد ميلادها الثامن عشر بنفسه في نابولي وأشيع أنه كان يعرفها من قبل «لو كان لدي ما أخفيه فلماذا ذهبت إلى حفلة عيد ميلادها في العلن؟». من نصدق؟ وهل أصبحت إيطاليا بلدا غير جدي أم أن هذا التلاسن والهياج جزء من التقاليد السياسية والشخصية التي تبالغ في الكلام والصراخ ثم تنجلي الغيوم وتعود الأمور إلى ما كانت عليه؟