«حزب الله» بين الحُكم والتحكم

قال نصر الله إن الحزب قادر على حكم بلد أكبر مائة مرة من لبنان.. فتذكر كثيرون عرفات عندما قال: منظمة التحرير حكمت لبنان.. ولن يكون صعبا عليها حكم فلسطين

الانتخابات اللبنانية محطة فاصلة (رويترز)
TT

يغرق الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الساحة السياسية اللبنانية، منذ 15 مايو (أيار) الحالي، بسلسلة مواقف متلفزة من «العيار الثقيل». ويثير ردود فعل، أيضا، من «العيار الثقيل». ويعد جمهوره بمزيد من اللقاءات والمواقف وصولا إلى موعد الانتخابات في السابع من يونيو (حزيران) المقبل.

هذا الظهور المكثف لم يكن من أدبيات «السيد» المحدودة إطلالاته والمرتبطة عادة بمناسبات أو أحداث لها أهميتها، وليس بالانتخابات، لا سيما أن فوز مرشحي حزبه مضمون في ظل المعطيات على الساحة الانتخابية، كما أن الهم الانتخابي لا يحتل إلا مساحة متواضعة من مضمون الخطب، لتبقى الرسائل المتعلقة بما هو أبعد من الاستحقاق الانتخابي وبما يتجاوز الحدود اللبنانية هي الأهم، باستثناء الخطاب الذي ألقاه في ذكرى التحرير في 25 مايو (أيار) الماضي وخصص جزءا كبيرا منه للإشادة بحليفه المسيحي رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، مما استدعى أسئلة كثيرة عن «ورطة» عون الانتخابية، وفرض على نصر الله تقديم العون العاجل لـ«تجميل» حضوره السياسي و«تنظيف» سجله من «تبعة» تسهيل إمرار مشاريع الحزب عبر التغطية المسيحية التي يؤمّنها.

عدا ذلك تتمحور كلمات «السيد» المتسلسلة منذ الخامس عشر من الشهر الحالي حول تبرير اقتحام بيروت عسكريا في السابع من مايو «أيار» 2008، واستحضار الخطر الإسرائيلي، وتحديدا المناورات التي ستجرى في الأول من يونيو (حزيران)، وانتقاد الدولة اللبنانية العاجزة، حتى تاريخه، عن حماية الجنوب والجنوبيين من هذا الخطر، والغارقة في الفساد، واستهداف رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة وكأنه «الشر المستطير» ورأس حربة المؤامرات التي تحاك ضد المقاومة، في حين لم تأخذ قضية شبكات عملاء إسرائيل في لبنان إلا حيّزا متواضعا من هذه الخطب، لتقتصر على المطالبة بإعدامهم جميعا بدءا بالشيعة منهم، وكأن هناك امتيازا مذهبيا في العمالة. وأخيرا ركزت الخطب على اعتبار تقرير مجلة «دير شبيغل» الألمانية التي اتهمت الحزب بالتورط في جريمة اغتيال رئيس مجلس الوزراء الراحل رفيق الحريري من ضمن الخطة الإسرائيلية للقضاء على المقاومة. بعض هذه الرسائل تتسم بمباشرة طرحها، وتحديدا عندما تعقب حدثا سياسيا أو جوا انتخابيا. ولعل خطاب السيد في حفل تخريج «دفعة الرضوان»، في 15 الشهر الجاري، كانت الأكثر مباشرة والأكثر إثارة لردود الفعل التي استثمرها منافسو «السيد» و«الجنرال» (ميشال عون) في ورقتهم الانتخابية. فقد اعتبر نصر الله في كلمته أن الرافضين للمشاركة في الحكم، إذا فازت المعارضة بالأكثرية النيابية، يراهنون على فشلها. ليقول لهؤلاء المراهنين «لو أردتم أن لا تشاركونا إن فزنا بالأكثرية فلن نتوسل إليكم». ويضيف أن الحزب الذي هزم «أقوى جيش وأقوى دولة في هذه المنطقة يدعمها أقوى جبار في هذا العالم هو أقدر على أن يدير بلدا مائة مرة أكبر من لبنان. هناك أناس يتهموننا بأننا نريد أن نقيم إمبراطورية في المنطقة فهل سيعصى علينا 10452 كيلومترا مربعا». هذا الطرح يعيد إلى الأذهان طرحا مشابها للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كان قد أجاب عن سؤال عن قدرته على حكم مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية، بما معناه «إن منظمة التحرير حكمت لبنان طوال سنوات. وبالتالي لن يكون صعبا عليها حكم فلسطين». كما يدفع إلى المقارنة بمقولة شهيرة للرئيس الراحل رفيق الحريري الذي كان يردد أن «لا أحد أكبر من وطنه».

أما المادة الدسمة التي قدمها نصر الله في ذاك الخطاب، فهي اعتباره السابع من مايو (أيار) يوما مجيدا، عندما اقتحم حزبه وحلفاؤه بيروت، وحاول التسلل إلى بعض مناطق جبل لبنان، حيث الأكثرية الدرزية، وذلك لإحباط مؤامرة كانت تهدف إلى إشعال فتنة بين السنة والشيعة ـ على حد قوله ـ من خلال استقدام «تيار المستقبل» (من دون أن يسميه) آلاف المقاتلين من خارج بيروت وتوزيعهم داخل أحيائها وفي المراكز وفي الشقق، وذلك بناء على أخبار الصحف والتلفزيون، قبل اتخاذ الحكومة قرارين (بشأن شبكة الاتصالات الخاصة وقائد جهاز أمن المطار). واعتبر أن هذا الاجتياح «وضع حدا سريعا جدا لحرب مذهبية كانوا يخططون لها وأعدوا لها العدة لإحراق بيروت بفعل الفتنة والحرب الأهلية عبر مؤامرة كبرى كانت تحضر للمقاومة». ولأن عبارة «يوم مجيد» أحرجت حلفاء الحزب، فقد حاول في خطاب 25 مايو (أيار) التراجع عنها ولكن بحدود، فلم يغير من الوقائع التي كان قد عرضها ـ بالطبع من دون أي إثباتات أو براهين أو حتى صورة لبعض هؤلاء المقاتلين ـ ليثبت التهمة التي أشار إلى امتلاكه تفاصيلها، أيضا من دون إثباتات أو براهين، ويسمي الاجتياح «يوما أليما» لأنه تم الاستفراد بالمقاومة وتركت وحيدة تحبط المؤامرة. إضافة إلى ذلك صنَّف نصر الله السنة إلى موالاة (أي ضده) ومعارضة (أي معه). إلا أن التلويح بالسابع من مايو (أيار) «مجيدا» كان أم «أليما»، يمكن ربطه ليس بالهجوم المستمر منذ اغتيال الحريري على قوى «14 آذار» فحسب، إنما أيضا برسالة مباشرة إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الذي كان حاول عشية الخطاب ممارسة صلاحياته الدستورية بإحالة قرار بتعيين محافظين على التصويت في مجلس الوزراء، وكأن نصر الله كان يريد تذكيره بأن رد الفعل على القرارات التي لا تروق للحزب معروفة ومجربة. وفي هذا الإطار يبدو «حزب الله» وكأنه يرسي «علاقة ودٍّ قسرية» تلزم رئيس الجمهورية بعدم تجاوز «حدوده». وجاء تصريح النائب حسن فضل الله لاحقا ليؤكد هذا المنحى، إذ قال: «المعارضة أحبطت خديعة كان يحضر لها من خلال تعيينات لصالح فريق وحجبها عن فريق آخر». الأستاذ الجامعي طلال عتريسي يجد أن «الحزب يتعامل مع سليمان كما يتعامل أي فريق آخر معه. ينتقده عندما يجب ذلك وبشكل عادي، أو يرفع السقف أحيانا ليحضه على موقف معين». أما الباحث في الشؤون الاستراتيجية، الدكتور أنطوان حداد، فيقول: «سقف معارضة حزب الله للرئيس سليمان أو إعاقة حركته يبقى مرتبطا بدرجة السخونة الإقليمية، مع إيران أولا، ومع سورية ثانيا». وإذ يعتبر حداد «أن حزب الله، وفي ظل الوضع الإقليمي المفتوح على التحركات والتسويات الكبرى، لا يريد لسليمان أن يتمتع أو يشعر بالاطمئنان غير المشروط» يقول: «اعتقادي أن لا سورية ولا إيران ستتجاوزان حدودا معينة أو تغامران في لبنان قبل اختبار النوايا الأميركية الذي سيمتد، أقله، حتى نهاية العام الحالي. وحتى تاريخه كل المؤشرات تدل على أن التصرف سيبقى تحت سقف القواعد والمعادلات السارية منذ اتفاق الدوحة. أما الوسائل والتفاصيل والنبرة الخطابية فهي كلها قابلة للتغيير». على صعيد آخر، بما أن القناعة السائدة في صفوف الحزب أن حضوره فرض على بعض الأنظمة والمخابرات العربية حسابات مرتبطة بما يمثله من «خطر داهم على مصالحها الحيوية في المنطقة، بعدما صنفته كإحدى أذرع إيران في الشرق الأوسط التي يجب قطعها». هذه القناعة تترجمها خطب أمينه العام، بتوجيهات تصنف «الصالح» و«الطالح»، كما حصل في خطاب التحرير الأخير، فقد خاطب الجمهور قائلا: «عندما أذكر أسماء أو جهات لديكم عليها تحفظ عاطفي أو ما شاكل، أتمنى ألا يصدر من الجمهور أي إساءة إلى أي اسم أو أي جهة». إلا أن التمني لم يحل دون هتاف جمهور الحزب، الذي كان يستمع إلى رسالة متلفزة لقائده «إيه ويللا سنيورة اطلع بره». هذا الهتاف لم يصبح واقعا منذ إطلاقه في الأول من ديسمبر (كانون الأول) 2006 مع افتتاح موسم الاعتصام في وسط بيروت وشله وإقفال مجلس النواب اللبناني. وقد اعترف نصر الله بالأمر في خطابه عندما قال: «المظاهرات والصراخ والاعتصام كلها لم تأت بنتيجة»، وبأن الحزب كان يفكر في إلغاء الاعتصام قبل مؤتمر الدوحة، لكنه لم يجد آنذاك ذريعة لا تحرجه. ولم يكن بوسعه سوى انتظار عام آخر حتى يحين وقت الانتخابات، من دون أن يوضح كيف يمكن إجراء انتخابات مع مجلس نواب معطل وفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية جراء شلل وسط بيروت التجاري طوال سنتين ونصف سنة.

لكن السلوك الذرائعي، الذي يظهر الحزب بمظهر المضطر ليلا نهارا، إلى إحباط المؤامرات والمكائد والخدع، يعكس الكثير من العنف اللفظي الذي كانت ترافقه إشارات تحذيرية برفع الإصبع أثناء الخطاب للتهديد والوعيد، والذي اقترن خلال العامين الماضيين بعنف على الأرض، مما يذكِّر بتبرير أصحابه سلوكهم بأن استفزاز الآخرين لهم هو السبب. فالفعل العنيف ليس إلا رد فعل على استفزاز أو مؤامرة. وإذا تم السكوت على تبريره في المرة الأولى، إلا أنهم سرعان ما يعاودون سلوكهم وبعنف أشد. يقول الأستاذ الجامعي الدكتور طلال عتريسي: «البيئة السياسية اللبنانية كلها خاضعة لخطاب العنف، وليس حزب الله وحده. لذا يبدو أي طرح هادئ غريبا ولافتا. وطبيعي إصراره على وجود مؤامرة للقضاء على المقاومة تسببت بأحداث السابع من مايو (أيار). فالحزب لا يزال متمسكا بخطابه».

لكن ما الذي أوصل الحزب إلى هذا الاصطفاف بحيث إن نصف الشعب اللبناني تقريبا لا يشعر بالأمان معه. والنصف الذي يؤيده لا يشعر بالأمان والانتماء إلى لبنان إلا من خلاله ومن خلال سلاحه؟

يجيب عتريسي: «اغتيال الرئيس رفيق الحريري أوجد لدى السنة شعورا بالاستهداف. وكانت التهمة موجهة ضمنا إلى الشيعة في لبنان، إذا لم نقل مباشرة من خلال علاقة الحزب مع سورية. كذلك استعجال الفريق الآخر طرح مسألة نزع سلاح المقاومة من دون تأمين البديل الذي يحمي الشيعة في الجنوب، إضافة إلى البيئة الإقليمية التي فتح فيها ملف الصراع السني ـ الشيعي، لا سيما في العراق. هذه العوامل تفاعلت في لبنان، خصوصا بعد العدوان الإسرائيلي في يوليو (تموز) 2006. فقد نمت عصبيات مذهبية عند كل من الشيعة والسنة تحديدا».

وعن قدرة الحزب على حكم بلد أكبر من لبنان بمعزل عن الفريق الآخر، يقول عتريسي: «أعتقد أن الحزب يمهد لضرورة التوافق في حكم البلد. هو لا يريد أن يخوض تجربة الحكم المنفرد ويعود إلى مشكلة أعلن أنه يرفضها. ولعل قوله إنه لن يتوسل الفريق الآخر إذا لم يرغب بالمشاركة إذا حصلت المعارضة على الأكثرية، هو تهويل نفسي. لكن البلد محكوم بالتوافق. ولا يعقل أن ينفرد الحزب وحلفاؤه بالقرار ويهمشوا السنة، مما يؤدي إلى خلل ما، مع أن المجتمع الدولي سيعترف بحكومة ناتجة عن أكثرية نيابية أيا تكن هذه الأكثرية. لا سيما إذا سارت الأمور بشكل لا يتصادم مع هذا المجتمع. أما إذا حازت قوى 14 آذار الأكثرية الحالية، فخطاب الحزب يذكِّر بضرورة المحافظة على صيغة المشاركة من خلال حكومة وطنية حتى لا يعود لبنان إلى ما قبل السابع من مايو (أيار). مع أن اعتقادي الشخصي هو صعوبة العودة إلى ما قبل السابع من أيار إذا فازت الأكثرية الحالية».

مصدر في قوى «14 آذار» يرى أن قلق الحزب، الذي يترجمه «القصف بالخطب»، يعود إلى «الجدية التي بدأ فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتعامل مع ملف الشرق الأوسط. فقد حدد أولوياته وذهب باتجاه إسرائيل لإفهامها أن أي مواجهة مع الملف الإيراني يجب أن يسبقها سعي جاد لحل مشكلة فلسطين من خلال الدولتين وببصمات عربية واضحة وصافية. وبعد ذلك يتم التفاوض مع إيران حول سلاحها النووي وتدخلها في العراق ولبنان وفلسطين، وحتى في الخليج، بعد إقناع إسرائيل بمنح الفلسطينيين دولتهم، وبالتالي سلب إيران ذريعتها للتدخل. إلا أن إيران ليست غافلة عن هذا المشروع، لذا عمدت إلى تحريك حزب الله وتوجيه الرسائل التي تتضمنها الإطلالات المكثفة لنصر الله». ويقول المصدر: «في هذا الإطار كانت زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى بيروت. هذه الزيارة برهنت أن أوباما تعامل مع لبنان كدولة تمسك بقرارها من خلال إطلاع المسؤولين فيها على المشروع الذي سيحمله أوباما، والاستماع منهم إلى مطالب الدولة اللبنانية، وأهمها الكلام الواضح عن رفض لبناني شامل وحازم توطين الفلسطينيين، أيا يكن مشروع الحل المطروح». قد يندرج كلام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن «أن فوز المعارضة في لبنان في الانتخابات النيابية المقبلة سيغيّر الأوضاع في المنطقة وسيؤدي إلى تشكيل جبهات جديدة تقوم على تقوية المقاومة» في إطار مواجهة مشروع أوباما لحل الدولتين. ويأتي رد رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع على كلام أحمدي نجاد في هذا السياق. فقد صرّح بأنه «في حال فازت المعارضة في الانتخابات النيابية فسوف يصبح لإيران سند في لبنان سيقوّي وضعها ضد أخصامها وأعدائها في صراع المحور القائم بين إيران والعراق وسورية، مما يعني أن الجماعة القريبة من إيران في لبنان سوف تتسلم زمام الأمور وبالتالي سيستكمل هذا المحور وسيتحسن وضع إيران في مواجهة خصومها كائنا من كانوا».

هذه التعقيدات المتداخلة بين المحلي والإقليمي تعطي لتصعيد نصر الله في خطبه أبعادها التي تربط الداخل اللبناني وانتخاباته بالخارج وتطوراته. يقول الدكتور أنطوان حداد: «هذا التصعيد في الخطاب يعود إلى الأهمية المفصلية للانتخابات. فالحزب، وعلى عكس ما يدعيه من أن الانتخابات شبه عادية، هو يعوِّل كثيرا على نتائجها. والسبب أنه يخوضها ليفوز بها مع حلفائه، لينبثق منها برلمان وحكومة وبيان وزاري تضفي الشرعية على الأمر الواقع القائم ميدانيا الذي ترفضه سائر الأطراف، إنما تسلم بأن لا سبيل لتغييره إلا بالحوار والوسائل السياسية».

ويرى حداد «أن حزب الله كائن محلي وإقليمي، أي لبناني وما فوق لبناني في الوقت نفسه. وتعامله مع أجندته اللبنانية يخضع إلى ما يخدم استراتيجيته الإقليمية، سواء لجهة تحالفه مع سورية أو علاقته العضوية بإيران. ومعلوم أن هذه العلاقة أكبر من التمويل والسلاح. وهي تتصل بآلية اتخاذ القرار وهرمية الإمرة. والحزب لا يخفي هذا الأمر سواء في أدبياته الأيديولوجية أو خطابه السياسي. لذا لا يرى نفسه محصورا بمساحة الدولة اللبنانية حتى لو حكمها بالكامل». ويقول: «الحزب يسعى حثيثا إلى الفوز في الانتخابات كي يضفي الشرعية على الوضع القائم حاليا، ويزيد على أوراق القوة التي يمتلكها وفي مقدمها السلاح. أما إذا لم يربح الأكثرية مع حلفائه، فهو يقول منذ الآن إنه لن يتخلى عن هذه الأوراق وسيستمر بالتحكم بقواعد اللعبة في لبنان مهما كانت النتائج ومهما كلف الأمر. وهو يضخم الخطر الإسرائيلي، بمناسبة المناورات الحالية، لإثبات هذا المنطق وتعزيزه».

ويشير إلى أن «بإمكان حزب الله، تقنيا، أن يقلب الطاولة في لبنان في أي وقت، إنما يقوم بذلك فقط عندما تستوجب مصلحته وأجندته ذلك. وهو لا يسعى بالضرورة إلى حكم لبنان بل إلى التحكم بالأوضاع فيه. يريد الحكم من دون أثقاله».

أما عتريسي فيقول: «جو الانتخابات يحتاج إلى إطلالة لرفع نسبة المشاركة، إذا سلمنا أن الحزب ليس قلقا بالنسبة إلى النتائج. كما أن الأحداث المترافقة مع الإطلالات تستحق التعليق وإصدار المواقف، إضافة إلى مصلحة المعارضة التي تتطلب دعم الحلفاء. فالخطاب العام للحزب والتعبئة وربط القضايا الساخنة هي أمور تحتاج إلى نصر الله وحضوره وعلاقته بجمهوره. ولا مشكلة للحزب بدولة أو لا دولة إلا بما تشكل من خطر عليه بمنطقه. إذا كانت اللا دولة تريحه لا بأس بها. وإذا كانت الدولة بالمواصفات المطلوبة هي المتوفرة، فلا بأس. وعلينا ألا ننسى أن لبنان محكوم بالتوافق». ويرى عتريسي أن «الحزب معرض دائما لمحاولات مستمرة للقضاء عليه. وإذا فشلت هذه المحاولات عسكريا في عدوان 2006، فهي لا توفر أي طريقة، من الشائعات إلى فبركة الاتهامات إلى شبكات التجسس. فالحزب قوة أهم من حركة حماس على مستوى التنظيم. والعمل على إنهاء هذه القوة مستمر وواضح. ولدى الحزب حيثيات من تقاطع معلومات ورسائل من أجهزة وقوى إقليمية ما يساعده على معرفة الأخطار المتربصة به».

لكن لماذا يشعر «حزب الله» بأنه مستهدف ليس من إسرائيل فحسب وإنما من العالم أجمع؟ وبالتالي إلى أين يتجه، ليس فقط على صعيد الانتخابات النيابية في لبنان وإنما على الصعيد الإقليمي والدولي؟

يجيب عتريسي: «ذلك رهن بما يحصل في المنطقة. ماذا يريد الإسرائيلي وهل سيتجه نحو الحروب والتفجيرات؟ هل يريد الأميركي حوارا مع إيران أم ماذا؟ هل يحصل توافق عربي ـ إسرائيلي على صيغة للسلام؟ المواقف الإقليمية تنعكس توترا في لبنان». أما حداد فيقول: «بمعزل عن أن إسرائيل على المستوى الاستراتيجي والمبدئي دولة عدوانية تخطط وتبيت للنيل من حزب الله ولبنان، لكن لا أرى المصلحة الإسرائيلية بشن حرب جديدة الآن أو في الأسابيع المقبلة. لذلك هناك تضخيم للموضوع. حزب الله يستخدم المناورات الإسرائيلية بهدف انتخابي مباشر ولتقوية منطقه وموقعه ومشروعه عموما». ويضيف: «في المقابل فإن احتمال شن الحزب حربا على إسرائيل لا يتصل فقط بمحاولتها اغتيال نصر الله، مع الإشارة إلى أن إسرائيل قد تكون تسعى إلى ذلك بمعزل عن المناورات الحالية. إلا أن قرارا بحجم الحرب له اعتبارات وانعكاسات أوسع تتعلق بإيران وسورية ومجمل اللوحة الإقليمية. والحديث عن استهداف نصر الله لا يرمي لشن حرب على إسرائيل، إنما قد يصلح لوضع جمهور حزب الله ولبنان عموما على صفيح انتخابي ساخن».

هل يبقى أداء الحزب على حدة وتيرته التصاعدية الحالية؟ يجيب عتريسي: «من المرجح أن يحصل تغيير في أداء الحزب، سيبرز أكثر فأكثر عندما يتم اللقاء بين نصر الله وجنبلاط بعد الانتخابات النيابية. ولا يعني هذا أن ينفصل جنبلاط نهائيا عن قوى 14 آذار، أو أن يدخل في تكتل واحد مع ميشال عون. كما أني لا أرى كتلة وسطية تجمع جنبلاط وبري». من جهته يشير حداد إلى أن «الرؤية الداخلية للحزب ليست مفصولة عن المشهد الإقليمي. بالتالي فإن الانتخابات تتزامن مع ثلاثة تطورات مهمة هي: إعادة إطلاق عملية السلام، التي سيتم الإعلان الرسمي عنها خلال زيارة أوباما لمصر، عودة الحرارة إلى الاتصالات بين سورية والولايات المتحدة، الانتخابات الإيرانية وما سيتمخض عنها على صعيد الحوار المرتقب بين إيران والولايات المتحدة».