من يؤثر على نتنياهو؟

رئيس مجلس الأمن القومي.. أم الوزراء المقربون.. أم مستشاره السياسي.. أم زوجته.. أم والده المتطرف جدا؟

TT

«من يؤثر على نتنياهو في اتخاذ القرارات؟»، سؤال من نوع أسئلة «المليون دولار»، يطرحه كثيرون.. في إسرائيل نفسها وفي عالمنا العربي وفي الولايات المتحدة. وما من شك في أن دوائر عديدة في أروقة الحكم في العالم مشغولة جدا بالتفتيش عن إجابة شافية على السؤال. تجري «تمشيطا» دقيقا لطاقم العمل من حوله، تتابع تصريحات كل واحد منهم. تحرث الصحف والموسوعات بحثا عن تاريخ كل منهم. وكما قال الدبلوماسي المخضرم في الخارجية الإسرائيلية، مائير روزين، الذي شارك في مفاوضات «كامب ديفيد» بين الرئيس المصري أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، بوساطة الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، فإنه «عثر صدفة على ملفه الشخصي في واشنطن فوجد فيه صورة له من أيام الطفولة». وروزين كان مجرد مفاوض واحد من كثيرين، فكم بالحري عندما نتحدث عن صناع القرار.

والإجابة على السؤال في الواقع لن تكون شافية لأحد، مهما غصنا في الأبحاث حولها، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هو شخصية غير متوقعة، «كثير النط قليل الثبات»، كما يقول عنه أحد مستشاريه الكثيرين الذين تركوه. «عندما يحتاج إليك يعبدك ويفتح لك كل أوراقه، وعندما يأخذ منك ما يريد يتركك ويتجاهلك وكأنه لم ير صورة وجهك في حياته»، كما قال رئيس حزب الاتحاد القومي، اليميني المعارض، النائب يعقوب كتسلي. فالمؤثرون على القرار في محيط نتنياهو ليسوا دائمين ولا ثابتين، بل يتغيرون باستمرار مع تغير الظروف وتغير المزاج.

ومع ذلك، فهنالك مجموعة من المساعدين والأصدقاء الذين يرافقونه لسنين طويلة ولهم دور في التأثير عليه. وأهم ما يميزهم هو أنهم يعرفون أن تأثيرهم يجب أن يكون محدودا ولا يتعدى سقفا معينا. فالرجل يتمتع بوزن ثقيل من الذاتية الشخصية. ويحتاج إلى من يغذي هذه الذاتية باستمرار. ويعود ذلك ليس فقط إلى الثقة الزائدة بالنفس، بل إلى مسار حياته الشخصي وطريقة تطويره لشخصيته. فمن دون الإشارة إلى المحطات التي تركت أثرها عليه في تاريخه، لا يكون سهلا فهم مستوى تأثير كل شخص من مساعديه عليه.

* العائلة

* منذ صغره، عاش نتنياهو حياة ذات صبغة عصامية، فوالده بنتسيون نتنياهو، كان باحثا في التاريخ والفلسفة ومحاضرا جامعيا مطلوبا في الولايات المتحدة، بحكم تخصصه في تاريخ التيار اليميني في الحركة الصهيونية. وعندما كان نتنياهو الصغير تلميذا في آخر مراحل الابتدائية، انتقل مع العائلة إلى أميركا ودرس فيها الثانوية. وزرع فيه الوالد روح اليمين المتشدد، «قومية يهودية راديكالية» و«تضحية بلا حدود في سبيل الوطن» و«صلابة في مواجهة العدو» و«اعتماد على الذات وعدم الثقة في الأغيار». فبعد الدراسة الثانوية ترك عائلته وعاد إلى اسرائيل ليخدم في الجيش الإسرائيلي ويعيش وحيدا، فتتطور لديه شخصية الانطواء. وفي الجيش يخدم في وحدة قتالية مختارة «دورية رئاسة الأركان»، المعروفة بعملياتها العسكرية «وراء خطوط العدو»، ويصبح قائدا للوحدة ويشارك سنة 1972 في تحرير الرهائن من ركاب طائرة «سابينا» المخطوفة ويتحول إلى واحد من «أبطال إسرائيل». وتمنحه هذه الخدمة ثقة في النفس تصل إلى حد الغطرسة. ويسير شقيقه يونتان على طريقه ويصبح هو الآخر قائدا لتلك الوحدة ويقتل خلال عملية تحرير الرهائن في طائرة «اير فرانس» في عنتيبي في أوغندا، فتدفعه هذه الأزمة إلى كراهية العرب، حيث إن خاطفي الطائرة كانوا من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويكرس حيزا كبيرا من حياته لما يسميه «مكافحة الإرهاب» ويقيم معهدا متخصصا (1978 ـ 1980) ويؤلف كتابا في الموضوع ويسجل على رصيده أنه أحد «خبراء مكافحة الإرهاب» ويصل بذلك إلى السلك الدبلوماسي الإسرائيلي ملحقا سياسيا في السفارة الإسرائيلية في واشنطن (1982 ـ 1984)، ثم مندوبا دائما لإسرائيل في الأمم المتحدة (1986 ـ 1988). ويصبح نجما إعلاميا بارزا في العالم وتتجلى لديه قدرة عالية للخطابة.

* النكات

* ويجمع نتنياهو ما يعادل 17 سنة من العيش، دراسة وعملا، في الولايات المتحدة الأميركية. ويعود إلى اسرائيل ليتلقفه وزير الدفاع اليميني المتطرف، البروفسور موشيه أرنس، فيضمه إلى حزب الليكود ويسانده في الانتخاب إلى الكنيست ثم يعين نائبا لوزير الخارجية (1992 ـ 1993)، وما هي إلا سنة حتى يصبح رئيسا لحزب الليكود المعارض، فيدير حملة شرسة ضد إسحق رابين بسبب اتفاقيات أوسلو ويقود مظاهرات في الشوارع ترفع فيها صور رابين بلباس ضابط في الجيش النازي، ثم يؤدي هذا التحريض السام إلى اغتيال رابين (1995). ويحل نتنياهو محله في رئاسة الحكومة بعد أقل من سنة (1996). وتكون تلك فترة مميزة في إسرائيل، حيث إن نتنياهو اليميني أبدى مرونة إزاء الضغوط الأميركية فقبل اتفاقات أوسلو التي عارضها بشدة ووقع على اتفاق للانسحاب من الخليل ثم على اتفاق للانسحاب من 13% من الضفة الغربية (واي ريفر) ولكنه يفعل ذلك بشق النفس وبعد تقزيم عملية السلام مع الفلسطينيين وإجهاض مسيرة أوسلو ومنعها من الوصول إلى التسوية النهائية وبعد أن يتقدم نتنياهو في المفاوضات غير المباشرة مع سورية إلى شبه اتفاق يتراجع في اللحظة الأخيرة خوفا من المعارضة الداخلية في ائتلافه. ويسقط نتنياهو عن الحكم إثر نزع الثقة عنه من حلفائه. وتتبلور شخصيته في الحكم كشخصية يميني مرن (براغماتي) ولكنه مهزوز الثقة، متردد، لا يعرف الصداقات، متهور. كرهته الصحافة. سخر منه الأميركيون. وفرح الكثيرون لسقوطه. فاعتزل السياسة إلى حين.

وقد انتشرت عليه مئات النكات في إسرائيل تعبر عن النظرة إليه، ولا بأس من ذكر بعضها:

1) الخدامة الجديدة في بيت نتنياهو تسأل زوجته سارة: «وين الشريطة (الخرقة) يا ستي؟». فتجيب الزوجة: «لديه اجتماع في الحكومة».

2) شخص ما يأتي إلى بيت نتنياهو ويصيح: «رئيس الحكومة كذاب، رئيس الحكومة كذاب».. فينزل إليه اثنان من حراس نتنياهو ويسلمانه للشرطة لاعتقاله. فيصيح الرجل: «يا جماعة أرجوكم حرروني، أنا لا أقصد رئيس الحكومة نتنياهو، بل رئيس الحكومة السوري». فيجيبه أحدهم: «اخرس. هل تحسبنا أغبياء. فنحن نعرف من هو الكذاب بينهما».

3) زوجة نتنياهو سارة تتوجه إلى أخصائي نفسي تشكو إليه: «منذ يوم زواجي وأنا أشعر ببرد غير عادي. توجهت إلى الأطباء فلم يساعدني أي منهم. فما السبب لهذا البرد يا ترى». فيجيبها الأخصائي: «لأنك تنامين تحت الصفر».

* المساعدون

* من هنا، فإن تاريخ نتنياهو، إضافة إلى تجربته الفاشلة كرئيس حكومة في الدورة الأولى، يشكلان عامل تأثير واضح على قراراته، خصوصا وأنه يعترف بفشله في الدورة السابقة عندما يقول «لقد ارتكبت أخطاء وتعلمت منها دروسا كثيرة». وأما مساعدوه الأساسيون فينقسمون إلى ثلاثة أقسام: سياسيين ومهنيين ورجال أعمال.

السياسيون هم مجموعة متباينة من الأشخاص، اختار معظمهم رغما عنه ولكنه يأخذهم في الاعتبار ويؤثرون عليه، وأبرزهم: ـ بيني بيغن، وهو نجل مناحيم بيغن، رئيس الحكومة اليميني الأول في إسرائيل الذي انسحب من سيناء المصرية وأبرم اتفاقية السلام مع مصر. وقد احتاجه انتخابيا بسبب رصيده الجماهيري الغني. وبيغن مثل والده عرف بالتطرف السياسي وبالتمسك بالديمقراطية وطهارة اليد. كان وزيرا في حكومته الأولى ولكنه استقال احتجاجا على الانسحاب من الخليل واتهم نتنياهو بالكذب والاحتيال واعتزل السياسة. وقد أقنعه نتنياهو بالعودة في هذه الدورة بعد أن وعده بأن يكون شريكا في كل قراراته السياسية الأساسية وأقنعه بأنه قد تغير وتعلم من أخطائه. ـ دان مريدور، وهو أيضا من وزرائه السابقين واصطدم معه واتهمه بالكذب والتلون. ومريدور يعتبر من رجال اليمين المعتدلين، ترك الحزب وانضم إلى حزب ليبرالي وسطي في حينه. وقد أراد به إعطاء صبغة عقلانية عن الليكود. وهو أيضا تلقى وعدا بأن نتنياهو تغير. فاقتنع ووافق. وهو اليوم يتولى رئاسة وفد المفاوضات مع إدارة الرئيس أوباما. ويعتبر من الخبراء في الاستراتيجية السياسية والأمنية.

ـ موشيه يعلون، وهو رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق. ويعتبر من نجوم الليكود الجدد. متطرف سياسيا. ويتمتع بصفات إيجابية على صعيد التصرفات الشخصية ونظافة اليد. وقد عين وزيرا للشؤون الاستراتيجية. ويشكل واحدا من «الأغلال» اليمينية التي يقيد نتنياهو نفسه بهم.

ـ ايهود باراك، وهو رئيس حزب العمل ووزير الدفاع، الذي حرص نتنياهو على ضمه إلى ائتلافه ودفع مقابل ذلك ثمنا باهظا بخمس وزارات (لحزب العمل 13 نائبا فقط). وقد أراده نتنياهو ركنا «يساريا» من أركان حكومته حتى يزيل عنها صبغة التطرف اليميني ويعينه في مواجهة ضغوط أميركية محتملة. ـ أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا». وهو يميني متطرف، من أفظاظ السياسة الإسرائيلية المتغطرسين وذوي الشعبية في اليمين العلماني المتطرف. وعلى الرغم من هذه الصفات المنفرة، التي تساعد نتنياهو، فإن ليبرمان سياسي مرن سيكون معينا لنتنياهو في تمرير قرارات سياسية مرفوضة على اليمين المتطرف. ـ ايلي يشاي، وزير الداخلية ورئيس حزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين، وهو ذو مواقف يمينية متشددة ولكنه يقف إلى يسار نتنياهو ويريده معينا له في أوساط المتدينين.

ـ شمعون بيريس، رئيس الدولة وأحد القادة التاريخيين لحزب العمل، يعتبر من ذوي التأثير على نتنياهو لأنه يضع رصيده الدولي الكبير في خدمة نتنياهو. فلا يصطدم نتنياهو معه، بل يستمع إلى نصائحه، وبالمقابل يفتح بيريس له الطريق إلى البيت الأبيض والعواصم الأوروبية.

وبالإضافة إلى السياسيين، هناك مجموعة المستشارين المهنيين، الذين اختارهم نتنياهو بدقة لخدمة أغراضه، ويتيح لكل منهم أن يؤثر في سياسته إلى حد معين. ويلاحظ أن حوالي نصفهم من المتدينين الملتزمين يعتمرون القبعة الدينية «كيبة»، مثل المدير العام لمكتب رئيس الحكومة، آزي تفوحي، ورئيس طاقم ديوان رئيس الوزراء، نتان ايشل، ورئيس المكتب الشخصي، آري إيرو، والمستشار الاستراتيجي، يسرائيل بيخار، ورئيس الدائرة الإعلامية، رون درمر، والمستشار للشؤون السياسية، دوري غولد.

غالبية هؤلاء المستشارين المتدينين عملوا مع نتنياهو خلال معركته الانتخابية وتمكنوا من تقريبه إلى جمهور المتدينين خصوصا في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. وبفضل هذه العلاقات، حصل الليكود على عدد أصوات من المتدينين والمستوطنين يضاهي عدد الأصوات التي حصل عليها الحزبان المتدينان الاستيطانيان «الاتحاد القومي» و«البيت اليهودي»، أي ما يعادل 7 مقاعد في البرلمان، وهو ما يعادل ربع أصوات الليكود. وإزاء هذه الأصوات، هناك التزام لنتنياهو مع أصحابها المستوطنين. وهو ليس معنيا بأن يخرج هؤلاء جميعا بانطباع أنه ناكث للوعود. وهناك مستشاران آخران يعتبران أرفع المستشارين ويرافقان نتنياهو منذ دورة الرئاسة الأولى، هما عوزي أراد ويتسحاق مولخو. أما أراد فهو خبير في الشؤون الاستراتيجية الأمنية ومؤسس ومدير مؤتمر هرتسليا لأبحاث الأمن القومي. وقد عين في الحكومة الجديدة رئيسا لمجلس الأمن القومي وكبير المستشارين السياسيين. يرأس المفاوضات مع الولايات المتحدة في الموضوع الإيراني. وقد فرضه نتنياهو على الأميركيين فرضا، علما بأنه منذ سنة 2007 يعتبر شخصية غير مرغوب فيها في الولايات المتحدة، بسبب دوره في قضية تجسس أمني على الولايات المتحدة، وممنوع من الحصول على تأشيرة دخول. ولكن نتنياهو لم يتنازل عنه. وهو معروف بمواقف رفضية حادة ضد الفلسطينيين وأحد أوائل المروجين لفكرة أن «الشعب الفلسطيني غير ناضج لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة». وقد كان يعلل ذلك بفوضى السلاح والميليشيات في الشارع الفلسطيني وأصبح يعللها الآن بالقول إن الفلسطينيين ممزقون ولا يوجد من يصلح للتكلم باسمهم ولا يوجد قائد منهم قادر على التوقيع باسمهم على شيء.

وأما مولخو، فهو محام في مهنته. ويشغل منصب قنصل فخري للنمسا في إسرائيل. وكان مبعوثا لنتنياهو إلى السلطة الفلسطينية في زمن الحكومة الأولى. ويتولى اليوم منصب مستشار سياسي في مكتب نتنياهو. وقد كلفه بالملف الفلسطيني من جديد. يقود الوفد الإسرائيلي في المحادثات الإسرائيلية ـ الأميركية في الموضوع الفلسطيني والعربي. وقد بدأ مولخو اتصالاته مع معارفه القدامى من الفلسطينيين تمهيدا للمباحثات الرسمية وحاول إقناعهم بإجراء لقاء قمة بين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، ونتنياهو ولكنه لم يفلح.

ويوجد حول نتنياهو مجموعة من رجال الأعمال اليهود المؤثرين عليه بشكل كبير، بعضهم أميركيون وبعضهم أوروبيون وغالبيتهم إسرائيليون. بينهم الأميركي مارتين كيس، والإسرائيليون نوحي دانكنر وليف ليفايف ويولي عوفر ويتسحاق تشوفا. ولكن صاحب أكبر تأثير عليه هو أحد أغنى أغنياء الولايات المتحدة، الملياردير اليهودي شلدون أريسون، الذي يقال إن قسما كبيرا من مستشاري نتنياهو الحاليين كانوا يعملون في إحدى شركات أريسون أو مقربين منه.

* تأثيرات أخرى

* إلى جانب تأثيرات هؤلاء، هناك من يؤثر بشكل غير مباشر على قراره، مثل والده. فهذا المؤرخ لا يزال متمسكا بعقليته المتحجرة في الموضوع السياسي. فهو لا يؤمن بأي سلام مع الفلسطينيين ويعتبر المنطقة ما بين النهر (الأردن) شرقا والبحر (الأبيض المتوسط) غربا، لا مكان فيها لدولة ثانية، وعلى إسرائيل أن لا تسمح بإقامة دولة فلسطينية مهما كلف الأمر. وهو يعتقد أن من الخطأ مسايرة الولايات المتحدة، أو الرضوخ لها، ويجب صد ضغوطها والصمود في وجهها حتى تقتنع بالموقف الإسرائيلي. وقد صرح لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، بعد انتخاب ابنه من جديد، أنه يعتقد بأن نجله رئيس الحكومة الإسرائيلية قد تغير كثيرا وأصبح أكثر نضجا وذكاء بعد تجربته «فهو اليوم يتصرف بحكمة وعقل. لم يعد يطرح مواقف تضر بمصلحة إسرائيل في الساحة الدولية ويعرف كيف يلتف على الأمور ويكسب الرضا من دون أن يتنازل عن مواقفه المبدئية».

ويلتقي نتنياهو والده مرة في الشهر أو أقل، ويستمع إليه دائما ويحاول أمامه تبرير المواقف التي لا تعجبه ويحسب حساب ردود فعله من أسبوع إلى أسبوع. وهناك زوجة نتنياهو سارة، التي تمارس تأثيرا غير مباشر من خلال تحكمها في اختيار المساعدين من حوله ومتابعة شؤونهم. وحسب أحد مساعديه فإن المستشار الذي لا يروق لها لا يبقى في مكان عمله، والمستشارة التي لا تروق لها، يجب إخفاؤها. وقد نشر قبل شهرين أن نتنياهو، عندما كان رئيس حكومة أول مرة، يجتمع كثيرا مع عضو الكنيست يعقوب إدري (أصبح حاليا وزير دولة) وإدري هذا يهودي شرقي ولا يعرف عنه أنه مقرب جدا من نتنياهو. فعندما فحص أحد الصحافيين الملحاحين ما هو سر الأمر، وجد أن اللقاءات تتم ليس مع إدري بل مع صبية تدعى روحاما أبراهام. وكانت سكرتيرة في مكتب نتنياهو وأصبحت عضو كنيست ثم وزيرة، ولكن سارة نتنياهو لا تحبها، فصار نتنياهو يلتقيها في طي الكتمان. وهناك تأثيرات خارجية على نتنياهو في مقدمتها موقف الولايات المتحدة، التي تعتبر إسرائيل حليفتها الأولى في الشرق الأوسط ولكنها لا تستطيع الرضا عن سياستها الفظة. وقد سبق أن اتخذت واشنطن مواقف حازمة في الماضي فأحدثت هزات في السلطة. ففي سنة 1992 سقط عن الحكم في إسرائيل اسحق شامير، لأن الإدارة الأميركية لم تمنحه ضمانات بمقدار 10 مليارات دولار ودخلت في صدام شبه علني معه. وفي سنة 1999، سقط نتنياهو نفسه من جراء تلعثمه وتردده في مواصلة المسيرة السلمية، والتجاوب مع الإرادة الأميركية. وقد تبجح نتنياهو يومها بأنه مستعد للتخلي عن المساعدات المالية الأميركية لكي يصمد في وجه ضغوطها السياسية، فما كان من الرئيس بيل كلينتون يومها إلا أن يرسل على الفور وفدا إلى تل أبيب للتفاوض حول إلغاء المساعدات الأميركية لإسرائيل. فتراجع وراح يرجو ويتحنن.

بيد أن أكبر مؤثر على نتنياهو، كان ويبقى نتنياهو وحده. فهو يناور بين كل الآراء المحيطة به، والمليئة عادة بالتناقضات، ولكنه في نهاية المطاف يتخذ القرار وحده. ويوزع الأدوار بين مساعديه كيف يتكلم كل واحد وكيف يتبنون القرار ويسوقونه، كل في مجموعته أو الشريحة التي يتولى مسؤوليتها.