سياسة الأمن القومي.. هل يختلف أوباما عن بوش؟

يتفقان على تحديد العدو لكن كلا منهما يختار اتجاها للبحث عنه والقضاء عليه

أوباما وبوش في البيت الأبيض في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد فوز أوباما بالرئاسة وقبل تسلمه مهامه. (نيويورك تايمز)
TT

ثانية واحدة، وربما أقل، كانت ستضع سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما في مجال الأمن القومي، في مهب رياح. هذه الثانية هي تلك التي أطلق فيها قناصة أميركيون في عرض المحيط الهندي، ثلاث رصاصات على ثلاثة قراصنة صوماليين، وأدت إلى تحرير القبطان الأميركي ريتشارد فليبس من قبضتهم في الثامن من أبريل (نيسان) الماضي.

منذ الإعلان عن اختطاف السفينة «ميرسك ألاباما»، تجنب باراك أوباما، عن غير عادة، أسئلة الصحافيين حول الموضوع. كان واضحا أنه لا يرغب في أن يقول ولو كلمة واحدة عن اختطاف السفينة الأميركية. كان الأمر يتعلق باختبار صعب. فشل إنقاذ القبطان ريتشارد فليبس كان سيعني «سقوط» أوباما في أول اختبار يدخل ضمن «سياسة الأمن القومي»، خصوصا أن البعض يقول إن سياسة أوباما لا تختلف في هذا المجال كثيرا عن سياسة الرئيس السابق جورج بوش، وكل ما هناك أن أوباما يستعمل لغة ناعمة وعبارات أكثر تنميقا من تلك التي كان يستعملها بوش أو نائبه ديك تشيني الذي اشتهر بلغته «الفظة».

كان قرار أوباما بأنه لا مجال للفشل في عملية تحرير القبطان فليبس. ظل يتابع الأمر عن كثب، ووجه تعليمات مباشرة إلى قبطان المدمرة البحرية «باينبريدج» التي كانت توجد على بعد 28 مترا فقط من موقع قارب الإنقاذ، بأن يتصرف وأن يستعمل القوة لإنقاذ القبطان الأسير. وكان أن طلب القبطان من القناصة الأميركيين في اللحظة التي بات ممكنا التصويب على رؤوس وصدور القراصنة بإطلاق النار، بعد أن شعر الأميركيون بأن مصير القبطان في خطر. استطاع القناصة تنفيذ الأمر، على الرغم من أن أمواج المحيط كانت تحرك المدمرة التي يوجدون على متنها. ونجح القناصة في اتجاهين: الأول «إنقاذ» القبطان الأسير، والثاني «إنقاذ» استراتيجية أوباما في مجال الأمن القومي التي كانت ستتعرض لوابل من القصف على اعتبار أنها سقطت في أول اختبار. قتل ثلاثة قراصنة صوماليين في العملية، ونقل رابعهم، عبدي واليعبد القادر ميوز، إلى نيويورك حيث يمثل في محاكمة غير مشوقة لم يعد يكترث بها أحد. لكن الجدال حول سياسة إدارة أوباما في مجال الأمن القومي لم ولن يخمد، وسيبقى السؤال الأساسي مطروحا: هل استطاع أوباما أن يضع فعلا سياسة أمن قومي مختلفة عن سياسة سلفه بوش، أم أنه يعيد إنتاج السياسة نفسها لكن بلغة أخرى؟

عندما جاء هنري كيسنغر إلى البيت الأبيض تحت مسمى «مستشار الأمن القومي» لم ينتبه أحد إلى أن هذا اليهودي الذي ولد في ألمانيا وحصل على الجنسية الأميركية عام 1943 عندما كان يؤدي الخدمة العسكرية في جنوب كارولينا، اختار أن «يحكم» الولايات المتحدة من خلال منصب «مستشار الأمن القومي»، وأن يسيطر على السياسة الداخلية والخارجية عبر هيمنته المطلقة على مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، خلال فترتين رئاسيتين هما فترة ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد.

كانت وجهة نظر كيسنغر تقول ببساطة إن الأمن القومي للولايات المتحدة لا يوجد داخل حدودها بل خارج حدودها، ثم بعد ذلك داخل الحدود. كان يعتقد أن جميع نزاعات الأرض يمكن أن تؤثر على الأمن القومي الأميركي، لذلك اتجه إلى القضايا الساخنة، وبناء على نظرية بسيطة تقول إن تناول شريحة اللحم المشوية وبخارها يتصاعد أمر غير ممكن، ولا بد من تركها تبرد قليلا ثم بعد ذلك التهامها قطعة قطعة. هذه الفكرة تتحول مع الأزمات إلى سياسة التهدئة والتبريد، ثم بعد ذلك معالجتها «خطوة خطوة». نجح كيسنغر مع أكثر من أزمة، لكنه تعثر مع أزمات أخرى، مثل أزمة الشرق الأوسط والتي نجح خلالها من إخراج مصر من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، لكنه فشل في حل النزاع.

بعد كيسنغر أصبح موضوع «الأمن القومي» قضية أساسية يحكم من خلالها على أداء أي إدارة، لذلك واجه ويواجه إدارة أوباما سيل من الأسئلة حول سياساتها في مجال الأمن القومي، إلى الحد الذي حدثت فيه مسألة غير معتادة عندما دخل أوباما في مواجهة غير مباشرة في 21 مايو (أيار) الماضي حول سياسة الأمن القومي.

تقول كارول سوليس الباحثة في معهد «وورلد سيكورتي» في واشنطن «كان وقوف الرئيس باراك أوباما في مقر الأرشيف الوطني في الوقت نفسه الذي يتحدث فيها ديك تشيني من معهد «أميركان إنتربرايز» أمرا مثيرا حقا. كان كل منهما يدافع عن وجهة نظره. لكن الأكثر إثارة هو ما إذا كان بالفعل يدافع كل منهما عن الاستراتيجية نفسها ولكن بلغة أخرى».

وتضيف كارول لـ«الشرق الأوسط» «أعتقد أن هناك أشياء متطابقة... أوباما يقول إن العدو الأول للأميركيين هو تنظيم القاعدة وإدارة بوش كانت تقول ذلك أيضا. إذن الجانبان يتفقان حول من هو العدو، وهذه مسألة بالغة الأهمية لوضع الاستراتيجيات. إن تحديد من هو العدو أمر حيوي جدا. في السابق وأيام الحرب الباردة كنا نقول بالفعل من هو العدو؟ وكان الجواب أن العدو هي الشيوعية، لأنها تدعو إلى تفكيك الأسس التي بني عليها المجتمع الأميركي من حيث الحريات الفردية والجماعية في السياسة والاقتصاد. الآن تقول هذا الإدارة، كما كانت تقول الإدارة السابقة، إن العدو هو «القاعدة»، وأعتقد أن كلا منهما ذهب في الاتجاه الذي يمكن أن يبحث فيه عن هذا العدو من أجل القضاء عليه. بوش كان يقول إن العدو هو «القاعدة» ويجب أن نحشد كل العالم في حرب ضد الإرهاب، أوباما يقول الآن إن العدو هو «القاعدة» وسنذهب للقتال ضده في أفغانستان وباكستان لكن لابد في البداية من تحييد المسلمين. أظن أن هذا هو الفارق الجوهري والأساسي».

تعتقد سوليس أن التطابق والتقاطع ممكن بين استراتيجية أوباما في مجال الأمن القومي واستراتيجيات بوش. هناك بعض التحليلات تشير إلى أن باراك أوباما يتبع نهج سلفه جورج بوش ولكن بصيغة أخرى في أمور محددة. وتشير هذه التحليلات إلى قراره بمنع نشر صور «سجن أبو غريب»، وهو ما كان فعله أيضا جورج بوش. في معرض تبريره لهذا القرار يقول أوباما «عارضت في الآونة الأخيرة نشر بعض الصور التقطت لسجناء من طرف بعض الأفراد الأميركيين في الفترة من 2002 و2004، والأشخاص الذين ارتكبوا مخالفات في هذه الصور تعرضوا للاستجواب وتمت محاسبتهم. لا شك أن ما يظهر في تلك الصور أمر خاطئ، ولا شيء يمكن أن يؤدي إلى أن نغفر وقوع جرائم. لكن فريقي في مجلس الأمن القومي يعتقدون أن نشر تلك الصور سيهيج الرأي العام المناهض لأميركا، ويمكن أن يتسبب النشر في تعرض قواتنا في الخارج للأذى. ولن نكسب أي شيء من وراء نشر هذه الصور سوى تعريض حوالي 200 ألف جندي أميركي في الخارج للخطر». ومضى أوباما يقول «كان علي أن أوازن ما بين الشفافية وحماية الأمن الوطني».

انتقدت المنظمات المدافعة عن الحريات وأبرزها «اتحاد الحريات المدنية الأميركية» بشدة قرار أوباما التمسك بالمحاكم العسكرية التي كانت تعمل في معتقل غوانتانامو، وهو ما يبرره أوباما بالقول «إنني أساند عمل المحاكم العسكرية لكن بعد أن أدخلنا عليها إصلاحات عديدة، ومن أهم هذه الإصلاحات مطابقة عمل هذه اللجان مع القانون، وعدم اعتماد الأدلة التي يتم الحصول عليها تحت التعذيب».

وكان أوباما أصدر بيانا قال فيه إن إدارته تنوي تحسين الحقوق القانونية للمعتقلين الذين سيمثلون أمام المحاكم العسكرية. وقال أيضا إن المحاكم العسكرية مناسبة لمحاكمة أعداء الولايات المتحدة الذين ينتهكون قوانين الحرب على شرط أن تكون تركيبتها سليمة وتخضع لإدارة جيدة، وطبقا لذلك البيان تشمل الحقوق الجديدة لصالح المعتقلين فرض قيود على الأدلة القائمة على الإشاعات وحظر استخدام الأدلة ومنح المعتقلين حرية أكبر في اختيار محاميهم وحماية المعتقلين الذين يرفضون الإدلاء بشهاداتهم. ويوجه جيفري هلسين من معهد بروكنز انتقادات لاذعة إلى قرارات الرئيس أوباما في مجال الحريات العامة وكذا حول عمل المحاكم العسكرية. ويقول في هذا الصدد «تعهد الرئيس لجمعيات الحريات المدنية بعدم التراجع عن وعوده الانتخابية باعتماد الشفافية وتمليك الحقيقة للناس، الآن نستطيع أن نفهم حالة الغضب العارمة وسط هذه الجمعيات بعد قرار نشر بعض الوثائق وحجب وثائق أخرى، وكذلك عدم نشر صور انتهاكات قام بها جنود أميركيون ثم الإبقاء على المحاكم العسكرية».

ويضيف هلسين لـ«الشرق الأوسط» «أعتقد أن السؤال (هل يطبق أوباما بعض سياسات بوش في مجال الأمن القومي)، شائك وصعب جدا ولا يمكن الرد عليه بطريقة حاسمة. لكننا سنلاحظ بوضوح أن المحاكم العسكرية هي من قرارات الإدارة السابقة كما أن موجة استياء شديد سادت أوساط تلك الإدارة عندما تسربت صور أبو غريب، الآن أوباما يقول إنه هو من اتخذ القرار، قطعا هذا لن يرضي جمعيات الحريات المدنية. إن الرئيس لم يتخذ قرارا ضد إرادته، لكن البيت الأبيض بدأ يتحدث عن شيء من التسرع حول قرارات مثل إغلاق غوانتانامو». ويختم جيفري هلسين قائلا «ربما فوجئت هذه الإدارة بالدقة التي يتابع بها الناس قراراتها، تفسير ذلك هو أسلوب أوباما نفسه الذي يريد أن يحدث صدمات متتالية في واشنطن».