«صقر» العلمانية التركي

قائد أركان الجيش باشبوغ قضى 47 عاما في الخدمة.. وهو من البداية متشدد في قضية ارتداء الحجاب

TT

قال أحد الإعلاميين الأتراك المخضرمين وهو يوجز رأيه في مواقف رئيس الأركان التركي ايلكر باشبوغ الأخيرة، إن باشبوغ أثبت قدرته على مخالفة النكتة التركية المعروفة حول جحا تركيا نصر الدين خوجا الذي هدد وتوعد مرة، إذا لم تعد له جبته المفقودة بأسرع ما يمكن. وبعد دقائق وجدت الجبة وتجرأ أحد الحضور في الاستفسار عما كان سيفعله الخوجا لو لم يعثر عليها، فقال: «لا شيء في منزلنا جبة قديمة كنت سأرتديها مكانها».

عندما سأل رئيس تحرير جريدة «حريت» أرتوغرول أوزكوك، باشبوغ، إذا ثبت أن الوثيقة المزعومة حول وجود مخطط يعد له بعض الضباط للإطاحة بحكومة العدالة والتنمية، ولتفكيك جماعة النور الإسلامية التي يقودها فتح الله غولان التي تعتبر اليوم أهم وأقوى الحركات الإسلامية التركية، التي يرى فيها بعض العلمانيين المتشددين حليفا للحكومة وشريكا لها في الحكم، مزورة، فما الذي سيفعله، قال: «ستعرفون وقتها موقفنا وما سنفعله». وهو لم يتأخر في الرد عندما جاءت تقارير بعض المختبرات لتكشف أن نسخة مصورة عن ادعاءات في غاية الخطورة من أن هذا النوع لا قيمة له، فسارع على الفور لجمع كبار القيادات العسكرية وقيادة الأركان والجلوس أمام عدسات الكاميرا، للمطالبة باعتقال الفاعلين ومقاضاتهم. وهو لم يتصرف على طريقة نصر الدين خوجا، بل رجح خيار التفجير والتصعيد، مذكرا أن هناك حملة منظمة مدروسة تشن ضد القوات المسلحة التركية، وأن الجيش لن يسكت ويتجاهل ما يجري.

باشبوغ باختصار، لم ينتظر أن يتحرك الرئيس رجب طيب أردوغان الغاضب الذي اصدر أوامره بتقديم شكوى لدى المدعي العام التركي يطالب فيها باتخاذ التدابير اللازمة للكشف عن الواقفين وراء هذا المخطط، بل سارع هو الآخر للمطالبة بإجراء تحقيق عسكري شامل من قبل المحكمة العسكرية التي اعتبرت بعد نحو الأسبوعين من التحقيقات وجمع الأدلة أن الوثيقة المنشورة مجرد ورقة لا قيمة لها طالما أن النسخة الأصلية غير متوفرة. وقررت عدم ملاحقة الضابط المتهم بتوقيعها ودعوة المدعي العام المدني للعثور على الجهة الحقيقية الواقفة وراء هذا العمل ومقاضاتها.

الشارع التركي المنقسم منذ البداية حيال هذه القضية، اختلف مرة أخرى بين محذر أن تكون الوثيقة مزيفة تستهدف وحدة البلاد والمؤسسة العسكرية مباشرة، وبين فريق آخر يطالب بالتعامل مع هذه المعلومات بجدية وحزم لأنها تطال مباشرة مسار حملة الإصلاحات السياسية، وتركيز الديمقراطية في تركيا، وليزيد الطين بلة بعد انفجار ارغنيكون الذي وقع قبل أشهر مشعلا أزمة جديدة بين الجيش والحكومة. وكان ذلك عندما نفذت قوات الأمن التركية حملة اعتقالات ومداهمات واسعة، طالت العشرات من العسكريين والأكاديميين ورجال الأعمال الأتراك بتهمة الإعداد لقلب النظام وإسقاط حكومة رجب طيب أردوغان وإبعاد «العدالة والتنمية» عن الحكم والعثور على عشرات مخازن الأسلحة والذخائر والوثائق بحوزتهم.

الباحث التركي شامل طيار، أهم المتابعين لملف ارغنيكون، قال إن باشبوغ منذ تسلمه لمنصبه قبل عام، كان ومنذ البداية أمام خيارين: إما القبول بمسار اللعبة الديمقراطية في البلاد والتعامل معها على هذا الأساس، أو التصلب في مواقفه كما فعل أسلافه حتى تنتهي مدة خدمته بعد عام ويحال على التقاعد. لكن باشبوغ لم يشأ التردد في تحديد موقفه وموقعه في المعادلة الجديدة: لا تساهل في موضوع التعرض للمؤسسة العسكرية من قريب أو من بعيد مهما تردد الحديث عن المقاييس الأوروبية وغيرها. وهكذا لعب قائد الأركان ورقته الثانية من خلال لقاءات عاجلة عقدها مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وليلزم الجميع بعد ذلك بعقد أطول اجتماع لمجلس الأمن التركي الذي استمر 8 ساعات كاملة تحت عنوان «أحداث كبيرة وخطيرة تحيط بنا إقليميا من كل صوب فيما نمضي نحن في تركيا أسبوعين كاملين وراء ورقة لا تحمل أية قيمة قانونية». من هو باشبوغ، كيف يفكر ويتصرف، وما الذي يريده ويراهن عليه كقائد للمؤسسة العسكرية التركية التي ظلت لسنوات طويلة في قلب المعادلات السياسية الداخلية والخارجية في البلاد؟

ايلتر باشبوغ وعد خلال تسلم مهام قيادة الأركان من يشار بيوك انيت، في أغسطس (آب)المنصرم، أنه سيكون مختلفا في أسلوب تعامله مع وسائل الأعلام التي لن يظهر أمامها إلا عند الضرورة، ولن تكون هناك بيانات تحذيرية منتصف الليل. إلا أنه فوجئ بالرياح التي تدفع السفن بعكس ما تشتهيه، ووجد نفسه يقف عشرات المرات أمام الإعلاميين، إما لتوضيح مواقفه أو للدفاع عن المؤسسة التي يمثلها أو لتوقيع بيانات ليلية كان لا بد منها برأيه. لا، بل هو تميز عن أسلافه من القادة أنه قطع الطريق بين مقر قيادة الجيش وقصر الرئاسة في شنقايا ليعرج بعد ذلك على مقر رئاسة الوزراء أكثر من مرة لمناقشة مسائل تقلق المؤسسة التي يقودها مؤكدا عدم استعداده للتسليم أو التراجع.

الصحافي أحمد هاقان يوجز لـ«الشرق الأوسط» ما يجري بأسلوبه الساخر: «باشبوغ، على الرغم من كل وعوده أن يكون مختلفا، عودنا منذ البداية على خطبة كل شهر، التي أصبحت تقليدية، يفجر خلالها غضبه في وجهنا. لا نعرف السبب الحقيقي بعد، هل هي كتابات البعض التي تغضبه، أم هو سلوك حكومة العدالة والتنمية أم هما الأمران معا؟» مما قاله باشبوغ أخيرا:

* على الرغم من تكرارنا أكثر من مرة أننا لن نحمي أي شخص يطرح فكرة الانقلاب العسكري في البلاد فإن هناك:

ـ محاولات لتصوير المؤسسة العسكرية على أنها وكر فتنة وأن كل همها هو الإعداد للانقلابات العسكرية لا أكثر.

ـ أرفعوا أيديكم عن المؤسسة العسكرية فإضعافها مسألة تعني وحدة البلاد ومصيرها بالدرجة الأساسية. ـ هناك مخطط مدروس أعد من قبل البعض ويستهدف القوات المسلحة التركية لناحية زرع الفتنة والتفرقة في البلاد.

ـ كيف تسرب تقرير أحد المختبرات التابع لقوى الشرطة حول الوثيقة إلى الصحافة بعد يومين فقط من صدوره على الرغم من سريته الكاملة؟ ـ كيف حدد تاريخ إعداد هذه الوثيقة على الرغم من أنها لا تحمل أي تاريخ بهذا الشأن؟ ـ المؤسسة العسكرية لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ما تتعرض له من هجمات ولن تتراجع في استخدام حقها المشروع للدفاع عن نفسها أمام هذه الحملات. ومع أن الإعلامي في صحيفة «يني شفق» الإسلامية هاقان البيرق يتساءل: «هل نبالغ في انتقاداتنا التي نوجهها إلى قائد الأركان التركي، وهل يكفي أن يعلن باشبوغ التزامه بدولة القانون حتى تزال الشبهات كافة حول عدم التخطيط لانقلاب عسكري جديد في تركيا؟ وما الالتزامات والضمانات التي يقدمها؟ هو بدل أن يفعل ذلك يقول لنا صراحة إن المؤسسة العسكرية لن تذهب وراء «صيد السحرة»، فإن كثيرا من المتابعين في الداخل التركي قالوا إنه على الرغم من قانون منتصف الليل الذي استصدرته حكومة العدالة والتنمية حول السماح بمقاضاة العسكريين أمام المحاكم المدنية الذي أغضب كثيرين في المعارضة، وفي صفوف قيادة الجيش نفسها، خاصة أنها خطوة تأتي وسط سجال حاد يعصف بالبلاد منذ أكثر من عام، يزعج مباشرة المؤسسة العسكرية التي كانت توقف كل واحد عند حده ما أن تقول هي ما عندها».

أما اليوم، فهي لم تعد قادرة وبمثل هذه السهولة على التأثير على الرغم من كل التصريحات والمواقف المتشددة التي تعلنها. لا، بل إن معظم الصحافة المنتقدة، خاصة الإسلامية، ترى أن ما يجري في تركيا هذه المرة يختلف عن السنوات السابقة. العسكر يفجر غضبه كلاميا فقط، فالظروف الدولية وخيارات تركيا الإقليمية والدولية لا تسمح بغير ذلك. البير غورموش الذي دفع ثمنا باهظا بسبب كتاباته اللاذعة حول المؤسسة العسكرية، يقول إن ما يردده رئيس الأركان حول عدم معرفته بتفاصيل ما يدور داخل مؤسسة يقودها غير مقنع، خاصة أن أحد الضباط المتقاعدين في قيادة الجيش أعلن أنه سبق له وحذر باشبوغ من وجود مجموعة داخل الجيش تتحرك على هواها، وأنه مع ذلك لم يصدر حتى الساعة عن قائد الأركان ما يكذب مثل هذا الخبر المهم. لكن روشان شاقير الصحافي في جريدة «وطن»، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن موقع قائد الأركان في تركيا كان دائما محط الأنظار والانتقادات من قبل كثيرين، وأن المتسلمين لهذا المنصب كانوا وبحسب الأوضاع السياسية في البلاد يمضون فترات صعود وهبوط وهبات ساخنة وباردة، والمؤكد هنا أن باشبوغ يدفع هو بنفسه جزءا من الثمن نيابة عن سلفه يشار بيوك انيت الذي دخل قبل عامين في مواجهة علنية مع حزب العدالة والتنمية خلال مرحلة الانتخابات المبكرة في البلاد وانتخاب عبد الله غل رئيسا للجمهورية وتهديداته وتحذيراته النارية.

وفي الاتجاه نفسه، تنتقد أكاديمية «دنيز اولكا اري بوغان» «من يحاولون تضييق الخناق على باشبوغ والمؤسسة العسكرية على هذا النحو». المؤكد أن عملية تطهير واسعة تجري هذه الأيام في صفوف المؤسسة العسكرية، حيث يتم تبديل مراكز ومهام كثيرين. بعض الأصوات تعالت للمطالبة باستقالة قائد الأركان داعية إياه إلى تقديم الأجوبة عن كثير من الأسئلة التي يطرحونها في كتاباتهم اليومية، وما أن يبدأ الكلام لشرح موقفه حتى يسارعون إلى توجيه انتقاداتهم اللاذعة له تحت ذريعة لماذا يتحدث الجيش؟ أليس موقعه ودوره ومهامه هي في الثكنات وعلى الحدود؟. وهي توجز لائحة بأسماء الذين يهمهم مطاردة باشبوغ في كل مكان ويتقدمهم مجموعة ارغنيكون نفسها التي أزعجها مواقفه وتصريحاته منذ البداية، ثم هناك بعض الأقلام الليبرالية التي تجد نفسها دائما في خندق انتقاد الجيش مهما كانت الظروف، هذا، من دون أن ننسى طبعا الراغبين بتصفية حساباتهم مع «العدالة والتنمية» عبر المؤسسة العسكرية ولعب ورقتها حتى النهاية.

بإيجاز، كثيرون في تركيا يصرون على اعتبار موضوع المؤسسة العسكرية فوق كثير من المسائل الداخلية والخارجية مهما كان حجم خطورتها، فالحل كما يرى يبدأ من الداخل مع تحديد موقع ودور هذه المؤسسة ضمن السياسات والاستراتيجيات الجديدة التي اختارتها تركيا، فكيف ستقدم نفسها على أنها النموذج الإقليمي الأفضل بينما تتواصل تصفية الحسابات اليومية بين السياسيين وبعض ضباط الجيش. ربما مسألة ارغنيكون وما ستحمله لنا من مفاجآت ستكون القشة الفاصلة في هذه المواجهة.

محمد الكر باشبوغ هو من مواليد مدينة أفيون عام 1943. هاجرت أسرته من مقدونيا إلى قلب الأناضول في مدينة أفيون كما يقال. توفي والده وهو في السابعة من العمر. كان قد حسم قراره بالالتحاق بالمدرسة الحربية منذ الصغر ليتخرج منها عام 1962. تدرج في المناصب ومراكز الخدمة في هذه المؤسسة ثم خدم كمدرس في المدرسة الحربية وشغل مناصب عدة أهمها عمله في مركز قيادة حلف شمال الأطلسي في بلجيكا.

شارك في أكثر من دورة حربية خارج البلاد، أهمها المدرسة الحربية الملكية في إنجلترا. وتدرج سريعا في المناصب العليا إلى أن عمل كمساعد لسكرتير مجلس الأمن القومي في مطلع الألفية، حيث سنحت له الفرصة ليتابع عن قرب مسار العلاقات بين العسكريين والسياسيين والملفات الساخنة التي تناقش هناك. أصبح عام 2005 قائد الجيش الأول، وفي العام التالي أصبح قائد القوات البرية. وهو اليوم، منذ عام 2008، الرئيس الـ26 لهيئة الأركان التركية. بسبب سنه سيكتفى بتولي هذا المنصب لعامين فقط بدل 4 سنوات وهي المدة القانونية المعمول بها ليحال بعدها على التقاعد.

يعرف باشبوغ كثيرون منذ سنوات عندما كان يتولى منصب النائب الأول لقائد الأركان، فدخل على الخط مباشرة لانتقاد سياسة حكومة «العدالة والتنمية» في إفساح المجال أمام طلبة المدارس الدينية للالتحاق بكليات ومعاهد أخرى طارحا وقتها قلقه حيال ما يجري من حملات تهدد شكل النظام وأسسه. ويعرف عنه تشدده في مسائل الحجاب منذ البداية، وتحديدا منذ كان قائدا للجيش الأول في إسطنبول. فالجنرال باشبوغ من «الصقور» المتمسكين بحماية قيم الجمهورية المبنية على العلمانية.

يقول ما عنده «حبة حبة» كما يقول المثل التركي، ويكرر عباراته كلما وجد ضرورة في ذلك، كما أنه لا يتردد في الضرب على الطاولة لتدعيم كلامه بالأدلة والاستشهادات عند الضرورة. من القيادات النادرة التي تلجأ إلى كبار الفلاسفة وعلماء الاجتماع العالميين للاستعانة بهم في تعزيز مواقفه وطروحاته. هو لم يتردد في اتهام بعض المؤسسات الإعلامية وتحميلها مسؤولية الحرب النفسية المنظمة والمدروسة ضد المؤسسة العسكرية لإضعافها، مذكرا أن الجيش التركي يستمد قوته ليس من نوعية السلاح الذي يستخدمه، بل من ثقة المواطنين ومحبتهم ووقوفهم إلى جانبه عبر السنين.

هو من المتبنين لنظرية أن السلام إما أن يكون في كل مكان أو لا يكون في أي مكان تدليلا على قناعته بحجم التداخل والتشابك الذي يعيشه العالم اليوم. فخارطة تركيا كما يرى تفرض عليها أن تكون قوية باقتصادها وجيشها وتاريخها وثقافتها. خدم 47 عاما في الجيش كما يقول، وهي سنوات علمته الكثير. ما أن تسلم منصبه الجديد حتى وجد نفسه في بحيرة من الأزمات والمشكلات. لم يتردد في إرسال أحد الضباط لزيارة المعتقلين بتهمة أرغنيكون في سجن «قندره» احتراما للصداقة والخدمات التي قدموها للبلاد على الرغم من الكثير من الانتقادات التي طاردته من كل صوب.

دعاه البعض للاستقالة من منصبه بسبب ما يقال وينشر يوميا حول المؤسسة العسكرية وحملات الاعتقالات التي طالت كثيرا من الضباط المتقاعدين، فقال إن هذه تصريحات لا تستحق حتى التوقف عندها. ومع أن الصحافي في جريدة «يني شفق» مراد اقصوي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن السجال الدائر حول الوثيقة لا يستهدف المؤسسة العسكرية لا من قريب ولا من بعيد، وأن كل ما يجري هو إعطاء الفرصة لتركيا لتلعب لعبة الديمقراطية العصرية على أصولها وتبدل ثوبها، فإن أصواتا عديدة ترى أن لا نهاية قريبة لذلك. 3 انقلابات عسكرية حتى مطلع الثمانينات وأكثر من 4 مشروعات انقلاب لوح بها خلال السنوات العشر الأخيرة، وما زال النقاش محتدما بين المدنيين والعسكريين حول تقاسم النفوذ والقرار في تركيا.

يتساءل كثيرون: هل كان على حزب العدالة والتنمية بهويته الإسلامية أن لا يتسلم مقاليد السلطة في البلاد قبل 7 أعوام؟ لماذا لم يأخذ الدروس والعبر من عشرات الأحزاب التي تم حظرها حتى الآن؟ ألم يفكر قبل الإقدام على خطوة «عليّ وعلى أعدائي» ويتذكر ما حل بنجم الدين أربكان وكيف تمت تصفيته وعزله سياسيا عندما قال كلاما لا يعجب البعض داخل تركيا؟

الإعلامي في جريدة «صباح» هنجال اولوج يقول إن «باشبوغ وجه صفعة عثمانية قوية لمستحقيها وأعطانا دروسا في القانون كان على البعض أن يعرفها ويقبل بها ويتعامل معها على هذا الأساس قبل أن يذكرنا بها شخصية عسكرية». وثيقة تتحول إلى مجرد ورقة لا قيمة لها كانت تستغل لمهاجمة المؤسسة العسكرية. الآن جاء دور القضاء المدني للعثور على الفاعلين ومعاقبتهم، فإن الأكاديمي المعروف اسر قرقاش يقول إنه مهما كانت النتيجة، فالدولة بقوتها ومكانتها ومؤسساتها هي التي تخرج متضررة مما جرى، المهم الآن أخذ الدروس والعبر الضرورية. قائد الأركان هاجم في مؤتمره الصحافي أشخاصا ومؤسسات معروفة.

المؤكد حتى الآن، أن موضوع «دولة العمق» قضية قديمة في تركيا، تعود إلى ما قبل إعلان الجمهورية عام 1923، وهو يعني بايجاز وجود قوى تعمل تحت الأرض باسم حماية النظام والتدخل على مزاجها للزود عنه عندما تقرر أنه مهدد. هي حالة رأيناها أكثر من مرة في أكثر من بلد، لكن ما يخيفنا ويقلقنا هنا هو تمسكها بتصوير نفسها على أنها فوق الجميع، وأن من حقها أن تقرر نيابة عنا معنى مفاهيم التهديد والخطورة ومصلحة البلاد وضرورة التدخل للإنقاذ.

تساءل البعض متى ستبدأ المؤسسة العسكرية هي الأخرى في رصد تحركات منتقديها والتجسس عليهم، فأتانا الجواب من قبل الإعلامي شاقير الذي قال إن هذا يعني بكل بساطة العودة بالبلاد إلى الوراء لعشرات السنين، وهدم كل ما تم بناؤه حتى الآن على طريق الديمقراطية ودولة القانون، لا بل إن هذا سيعني أن عقد الخطوبة الموقع بين قيادة الجيش وحزب العدالة الذي رعاه أردوغان وباشبوغ لأشهر طويلة سينتهي سريعا تاركين كثيرين في حالة من التخبط والحيرة. هل ما جرى كان مقدمة لزواج حقيقي دائم، أم كان عبارة عن زواج متعة مؤقت سقط عندما تضاربت المصالح وظهر البديل الأفضل؟