الدولة اليهودية.. حق لإسرائيل؟

طرحتها مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين خلال إعدادهم للدستور.. وتحولت إلى شرط يهدد عملية السلام

فلسطينية تنتظر امام نقطة تفتيش في الخليل ويبدو إلى جانبها جندي إسرائيلي وخلفها نجمة داوود («نيويورك تايمز»)
TT

طرح قضية «الدولة اليهودية» في إسرائيل وربط الاعتراف الفلسطيني بالدولة اليهودية بإبرام اتفاقية سلام إسرائيلي فلسطيني، يحمل تساؤلات كثيرة ويسبب الاستهجان والاستغراب لدى كثيرين، ليس من ناحية مبدأ تسمية إسرائيل بـ«الدولة اليهودية»، فهذه قضية محسومة في تاريخ الحركة الصهيونية، لكن الاستهجان هو في محاولة فرض الاعتراف الفلسطيني بها فحسب.

فالصهيونية قامت على أساس فكرة إقامة وطن قومي لليهود، التي طرحها مؤسسها بنيامين زئيف هرتسل، عام 1897. وقد سمى هرتسل هذا الوطن بـ«الدولة اليهودية». وخلال عشرات السنين، سعت الصهيونية لإقامة هذه الدولة بشكل حثيث. لم يكن مكان هذه الدولة مشكلة في البداية، وكانت هناك اقتراحات عدة لإقامة هذه الدولة في أوغندا الأفريقية أو في أستراليا وغيرهما، ولكن الأمر حسم لإقامتها في فلسطين بسبب الارتباط الديني التاريخي. وقد تمكن قادة الحركة الصهيونية آنذاك من التعاون مع دول الغرب والشرق لاستصدار قرار الأمم المتحدة رقم 194، الذي عرف بقرار التقسيم، الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية وعربية. وعندما قامت إسرائيل في 14 مايو (أيار) 1948، أعلنت عن نفسها كدولة يهودية تسمى إسرائيل. وخلال كل هذه الفترة ساد نقاش محتدم في الحركة الصهيونية حول هذه التسمية، حيث رأى كثيرون أنه يجب ألا تسمى «دولة يهودية». فهناك من أرادها «دولة اليهود». وهناك من أرادها «دولة الشعب اليهودي». وهناك من طالب بأن تكون «دولة التوراة» أو «دولة دينية قومية». ولكن قادة الحركة الصهيونية العلمانيين برئاسة دايفيد بن غوريون، حسموا الأمر وقرروا أن تكون «دولة يهودية تسمى إسرائيل» وفرضوا موقفهم على بقية التيارات. وعملوا على منح هذه التسمية مضمونا ذا بعد تاريخي ومستقبلي، فكتبوا في «وثيقة الاستقلال»، الصادرة يوم تأسيس إسرائيل، التي وقع عليها رؤساء مختلف التيارات اليهودية من اليمين واليسار وكذلك قوى يهودية غير صهيونية مثل الشيوعيين، ما يلي:

«نشأ الشعب اليهودي في أرض إسرائيل، وفيها تمت صياغة شخصيته الروحانية والدينية والسياسية، وفيها عاش حياة مستقلة في دولة ذات سيادة، وفيها أنتج ثرواته الثقافية الوطنية والإنسانية العامة وأورث العالم أجمع سفر الأسفار الخالد. وعندما أُجلِي الشعب اليهودي عن بلاده بالقوة، حافظ على عهده لها وهو في بلدان شتاته كلها، ولم ينقطع عن الصلاة والتعلق بأمل العودة إلى بلاده واستئناف حريته السياسية فيها. وبدافع هذه الصلة التاريخية والتقليدية نزع اليهود في كل عصر إلى العودة إلى وطنهم القديم والاستيطان فيه. وفي العصور الأخيرة أخذت آلاف مؤلفة منهم يعودون إلى بلادهم، من طلائع ولاجئين ومدافعين، فأحيوا القفار، وبعثوا لغتهم العبرية، وشيدوا القرى والمدن، وأقاموا مجتمعا آخذا بالنمو ذا سيادة اقتصاديا وثقافيا، ينشد السلام، ويدافع عن نفسه، ويزف بركة التقدم إلى جميع سكان البلاد، متطلعا إلى الاستقلال الرسمي».

وتضيف الوثيقة: «وفي عام ‎5657 حسب التقويم العبري للخليقة الموافق عام ‎1897 ميلاديا، عُقد المؤتمر الصهيوني تلبية لنداء صاحب فكرة الدولة اليهودية تيودور هرتسل، وأعلن عن حق اليهود في النهضة الوطنية في وطنهم. وتم الاعتراف بهذا الحق في وعد بلفور في اليوم الثاني من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام ‎1917، وتم إقرار هذا الحق في صك الانتداب الصادر عن عصبة الأمم، الذي اعترف دوليا بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بأرض إسرائيل وبحق الشعب اليهودي في إعادة تشييد وطنه القومي».

وتتابع: «إن المحرقة التي حلت بالشعب اليهودي في الآونة الأخيرة، التي ذُبح فيها الملايين من يهود أوروبا، قد عادت وأثبتت بالفعل ضرورة حل مشكلة الشعب اليهودي المحروم من الوطن والاستقلال من خلال استئناف قيام الدولة اليهودية في أرض إسرائيل لتفتح باب الوطن على مصراعيه من أجل كل يهودي وتؤمن للشعب اليهودي مكانة أمة متساوية الحقوق ضمن أسرة الشعوب.. إن اعتراف الأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي في إقامة دولته غير قابل للإلغاء. إنه لمن الحق الطبيعي للشعب اليهودي في أن يكون أمة مستقلة في دولتها ذات السيادة مثل سائر شعوب العالم .وعليه، فقد اجتمعنا نحن أعضاء مجلس الشعب. ممثلو المجتمع اليهودي في البلاد والحركة الصهيونية في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على أرض إسرائيل. وبحكم حقنا الطبيعي والتاريخي بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، نعلن عن إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل وهي: دولة إسرائيل».

سعت إسرائيل لتثبيت نفسها كدولة يهودية على أرض الواقع، من خلال عشرات القوانين والممارسات. فقد احتلت أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية التي كانت مخصصة للشعب العربي، وطردت معظم سكانها أو دفعتهم للرحيل، بالقوة أو بالتخويف. دمرت نحو 500 بلدة وحولت سكانها إلى لاجئين في الوطن أو خارج الوطن، وبذلك ضمنت أكثرية يهودية في إسرائيل. وتبين في ما بعد أنها لم تكتف بتلك المشروعات، ووضعت مخططات ترحيل أخرى. وقد كشف أحدها قائد شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، أهرون يريف، الذي قال سنة 1973 إن هناك مخططات لاستغلال أول حرب قادمة وترحيل ما بين 600 ـ 700 مواطن عربي من الجليل والضفة الغربية إلى شرق الأردن. وهناك أكثر من رأي لدى المؤرخين اليهود عن أن مجزرة كفر قاسم التي نفذت سنة 1956 إبان حرب السويس (المعروفة باسم «العدوان الثلاثي على مصر»)، استهدفت إرهاب فلسطينيي 48 وحملهم على الرحيل هم وبقية فلسطينيي 48 في منطقة المثلث، ولكنها فشلت.

وثبتت القيادة الإسرائيلية الطابع اليهودي للدولة في رموزها الأساسية: فالعلم يحمل نجمة داود، والملك داود هو أهم قائد في تاريخ اليهود. وأحيطت النجمة بخطين أزرقين، يرمزان إلى النيل والفرات، حدود «أرض إسرائيل» كما يعتقد اليهود. وتم اختيار الشمعدان اليهودي رمزا للدولة، وهو من أهم الأدوات المقدسة في هيكل سليمان. وتم وضع نشيد قومي للدولة يتحدث عن الشغف اليهودي التاريخي بالقدس وأرض إسرائيل.

وسن الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) مجموعة قوانين يكرس فيها مفهوم الدولة اليهودية، مثل «قانون العودة» من سنة 1950، الذي يضمن لكل يهودي في العالم الحق في الهجرة إلى إسرائيل والحصول على الهوية فيها. وقد تم تعديل هذا القانون عدة مرات لمصلحة تعزيز هذا الحق أكثر وحرمان الفلسطينيين المهجرين من العودة. وقانون الجنسية الذي سن سنة 1952 وفيه حق لكل يهودي في العالم أن يحصل على الجنسية الإسرائيلية حتى لو لم يسكن فيها. وقانون ملاحقة النازيين سنة 1950، الذي يجيز خطف ومحاكمة كل من أدى دورا في المحرقة ضد اليهود. و«قانون السبت» سنة 1959، الذي يفرض على سكان إسرائيل يهودا وعربا، متدينين وغير متدينين، احترام تقاليد السبت والراحة. وقانون الخنزير سنة 1962، الذي يحرم على اليهود، متدينين وعلمانيين، أن يبيعوا لحم الخنزير المحرم على اليهود. وتم تشديد أحكام هذا القانون سنة 1994 مع الهجرة اليهودية الكبيرة من روسيا (1989 ـ 1999). وفي سنة 1984، تم تكريس يهودية إسرائيل في قانون خاص، وذلك بعد أن ظهرت «عصبة الدفاع اليهودية»، التي عرفت أيضا باسم حركة «كاخ» بقيادة الرباي اليميني العنصري مئير كهانا. فهذه الحركة طرحت مشروعا لترحيل من تبقى من فلسطينيين في إسرائيل و«إقناع» الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضا بالرحيل وتحويل إسرائيل إلى «دولة يهودية قوانينها تستند إلى أحكام التوراة». وقال يومها إنه مثلما يحق لإيران أن تكون دولة إسلامية يحق لإسرائيل أن تكون دولة يهودية. هنا قررت الأحزاب الحاكمة تكريس وضع إسرائيل كـ«دولة يهودية ديمقراطية»، في القانون الإسرائيلي. وتم تمرير قانون كهذا في الكنيست فعلا ذلك العام. وفرض على كل حزب يخوض الانتخابات العامة أن يعترف بالدولة ويقبلها كـ«دولة يهودية ديمقراطية». وفيما بعد فرضوا هذا القبول على المرشحين بشكل فردي أيضا وليس فقط بشكل جماعي.

وعاد الكنيست للبحث في الموضوع سنة 1999، وهذه المرة في إطار محاربة الأحزاب القومية والوطنية للجماهير العربية في إسرائيل (فلسطينيي 48). فقد طالبوا بمنع «الحركة العربية للتغيير» برئاسة النائب أحمد الطيبي وحزب التجمع الوطني برئاسة النائب عزمي بشارة، من خوض الانتخابات بحجة أنهما يهددان يهودية الدولة. وقد صادقت لجنة الانتخابات المركزية على هذا التوجه. ولكن محكمة العدل العليا رفضته وسمحت للقائمتين بأن تخوضا الانتخابات، وتم تكرار هذه العملية في الانتخابات التي جرت بعدئذ سنة 2003 وسنة 2006 ثم 2009. وقد كتب رئيس المحكمة العليا، أهرون باراك، يومها أن هناك استغلالا زائدا عن الحد لمسألة يهودية الدولة. خلال كل مراحل النقاش حول «دولة يهودية»، بقي نقاشا داخليا في إسرائيل نفسها، ولم يتحول إلى نقاش خارجي ولا إلى مطلب من الآخرين. فعندما أبرمت إسرائيل اتفاقية سلام مع مصر أو مع الأردن، لم تطلب منهما أن يعترفا بإسرائيل كدولة يهودية، مثلما تطلب اليوم من السلطة الفلسطينية. لا بل حتى خلال المفاوضات حول اتفاقيات أوسلو، لم يطرح هذا المطلب على منظمة التحرير الفلسطينية.

والسؤال الذي يطرح في هذه الحالة، هو: ما قصة هذا المطلب فعلا؟ هل هو مطلب يهودي وطني شامل فعلا، كما تشير استطلاعات الرأي؟ أم إنه تكتيك سياسي لإفشال مفاوضات السلام؟

لقد كان أول من طرح هذا المطلب مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين اليهود في مطلع العقد، ووجهوه يومها ليس للسلطة الفلسطينية، بل للمواطنين العرب في إسرائيل. ففي حينه كانوا يعدون مشروع دستور لإسرائيل، حيث إنه لا يوجد دستور في إسرائيل حتى يومنا هذا، وهي تعمل وفق قوانين عامة أو قوانين أساسية. وقد طلب الأكاديميون اليهود من مجموعة من الأكاديميين العرب أن يشاركوا في وضع هذا الدستور باعتبار أن المواطنين العرب في إسرائيل هم جزء لا يتجزأ من الدولة حاضرا ومستقبلا ولا بد من أن يكونوا شركاء في وضع الدستور. وقد طرحوا المسألة بشكل عادي بداية باعتبار أن من المفروغ منه أن إسرائيل دولة يهودية، فهكذا جاء في قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، وهكذا ينظر العالم كله للموضوع. وعلى هذا تنص القوانين الإسرائيلية، ولكن رد الأكاديميين العرب قد صدمهم. فقد رأى العرب أن تسمية إسرائيل كدولة يهودية يضع مواطنيها العرب في مهب الريح ويهدد وجودهم في الدولة. وقالوا إن اعتبار إسرائيل يهودية يفقد سكانها العرب حقهم في الوجود ويفتح الطريق أمام تكريس سياسة التمييز العنصري المتبعة ضدهم منذ قيام الدولة. وقالوا إن مثل هذه التسمية تحولهم من مواطنين إلى رعايا يسهل التخلص منهم في أي وقت، بينما هم يعتبرون أنفسهم أهل هذه البلاد وأصحابها.

وعندما عرف هذا الموقف وبدأ جدال علني حوله في الصحافة وفي الندوات، ثارت ثائرة اليمين الإسرائيلي وراح يشكك في إخلاص العرب للدولة ويتهمهم بالرغبة بتدمير إسرائيل. وبالمقابل رد العرب بإصدار أربع وثائق قومية ترفض جميعها اعتبار إسرائيل دولة يهودية. فاستخدم اليمين هذه الوثائق والموقف الذي تحمله سلاحا في سياسته العنصرية. وأصبحنا نسمع تعبيرات مثل «العرب هم طابور خامس داخل إسرائيل».

لكن هذا النقاش بقي نقاشا داخليا في إسرائيل. وانضم عدد من الشخصيات اليهودية الانفتاحية إلى العرب في رفض اعتبار إسرائيل دولة يهودية. وعلى سبيل المثال، قال الأديب أ.ب. يهوشوع، إن اعتبار إسرائيل دولة يهودية هو «خطأ تاريخي»، وليس فقط لأنه يمس بمكانة المواطنين العرب. ففي التوراة يتحدثون عن بني إسرائيل وليس عن اليهود، لأن اليهود هم سبط واحد من مجموع 12 سبطا يؤلفون الشعب الإسرائيلي. ولكن غالبية الإسرائيليين رأوا في رفض إسرائيل كدولة يهودية موقفا خطيرا من السكان العرب.

وهنا لجأوا إلى السلطة الفلسطينية لعلها تسعف إسرائيل وتعترف بها دولة يهودية، فيتحول النقاش من الساحة الإسرائيلية الداخلية إلى الساحة الفلسطينية الداخلية. وكان أول من طرح مطلب الاعتراف الفلسطيني الرسمي بالدولة اليهودية، هي تسيبي لفني، رئيسة حزب «كديما» عندما كانت وزيرة خارجية إسرائيل في زمن حكومة إيهود أولمرت. وقد رفض الفلسطينيون هذا المطلب ليتفادوا المطب، وقال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في أكثر من مناسبة إن «إسرائيل تستطيع أن تسمي نفسها ما تشاء، فلماذا تقحمنا في هذا الأمر؟ نحن نتعامل معها كإسرائيل ونعترف بها كإسرائيل وهذا هو اسمها الرسمي».

من هنا جاء استغلال هذا الموقف، كل حسب رغبته وبرامجه السياسية. ففي اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، اعتبروا الرفض الفلسطيني سلاحا لهم يتهربون بواسطته من مستلزمات عملية السلام. ففي الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وطرح فيه مشروعه السياسي ووافق فيه على مبدأ الدولتين للشعبين، قال إن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية هو شرط لإبرام اتفاقية سلام. ونجح في ما بعد في إقناع الرئيس الأميركي باراك أوباما، بتبني هذا الموقف وتسمية إسرائيل دولة يهودية، ولو أن أوباما رفض أن يكون الاعتراف الفلسطيني بها شرطا لعملية السلام. ويسير وراء اليمين في هذا الطرح غالبية الأحزاب الإسرائيلية، بدءا بأحزاب الائتلاف الحاكم؛ الليكود، و«إسرائيل بيتنا» و«شاس» لليهود الشرقيين المتدينين و«يهدوت هتوراة» لليهود الاشكناز المتدينين و«البيت اليهودي»، وحتى حزب العمل الذي يعتبر نفسه يساريا. كما يؤيد هذا الشرط حزب «كديما» الليبرالي المعارض وحزب الاتحاد القومي اليميني المعارض. والأحزاب الوحيدة التي تعارض في إسرائيل هذا المطلب هي: حزب «ميرتس» اليساري الصهيوني، الذي يرى في إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية، ولكنه يعارض فرض الاعتراف بها على هذا النحو كشرط لعملية السلام. وهناك أيضا الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وهي عربية يهودية، وترفض تعبير الدولة اليهودية، ولكنها تطرح بديلا آخر يعيد الأمور إلى ما جاء في قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين؛ إسرائيل تعبر عن حق تقرير المصير للشعب اليهودي وتكون دولة لجميع مواطنيها، وفلسطين تعبر عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتكون دولة لجميع مواطنيها. وبقية الأحزاب العربية (التجمع الوطني الديمقراطي والحركة العربية للتغيير والحركة الإسلامية والحزب الديمقراطي العربي) ترفض اعتبار إسرائيل دولة يهودية وتريدها دولة لكل مواطنيها.

ويقول أحمد الطيبي، رئيس كتلة القائمة العربية الموحدة في الكنيست الإسرائيلي (تضم الحركة الإسلامية والحزب الديمقراطي العربي والحركة العربية للتغيير): «إسرائيل ليست دولة يهودية ديمقراطية كما تدعي. إنها دولة يهودية على مواطنيها العرب ودولة ديمقراطية على مواطنيها اليهود».

القضية إذن، ليست بريئة. فالمفترض أن إسرائيل دولة يهودية منذ تأسيسها. حظيت باعتراف على هذا النحو في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكرست ذلك في قوانينها. وإذا كان هناك نقاش في الموضوع، فهو نقاش داخلي مع المواطنين العرب في إسرائيل، لأن اعتبارها دولة يهودية يهدد مكانتهم. وبإمكان الحوار مع هؤلاء المواطنين، إذا صدقت النوايا لحفظ مكانتهم ومنحهم حقهم في المساواة، أن ينتهي بحل مبدع يرضي الطرفين وينهي المشكلة. لكن حكومة اليمين الإسرائيلي لا تتعامل من هذا المنطلق. بل تستغل هذه القضية التي تعتبر محرقة بالنسبة لليهود، بشكل شرس بغية تحقيق أهداف سياسية وتكتيكية أخرى بعيدة عن خدمة مصالح شعوب الشرق الأوسط برمتها، بما في ذلك اليهود أنفسهم. فاليهود يريدون دولة يهودية في فلسطين (أرض إسرائيل حسب التعبير اليهودي والتوراتي). ويرون في هذه الدولة جوابا قاطعا وشافيا للاضطهاد الذي عاناه اليهود في أوروبا عبر أكثر من 2000 سنة، الذي بلغ حد محاولة الإبادة في زمن النازية. بل يرون في الدولة اليهودية طموحهم الأول لإغلاق دائرة الخطر الذي يشعرون بوجوده عليهم. ويرون في رفض يهودية الدولة، تكريسا لمشاعر الشك تجاه شعوب العالم كله، وليس فقط العرب.

ويستغل اليمين الإسرائيلي هذه المشاعر لدى المواطنين اليهود لمصلحة سياسته الرفضية. فيطرح الأمر شرطا على الفلسطينيين. وهو (أي اليمين) يريد أن يرفض الفلسطينيون هذا الشرط، حتى يبرر لنفسه وللعالم وكذلك لليهود، لماذا يتملص من عملية السلام. ولو لم يجد هذا الرفض الفلسطيني حجة يتذرع بها للتهرب من مستلزمات السلام، لكان اليمين الإسرائيلي وجد حجة أخرى يتذرع بها في سياسته الرفضية.