كيندي اليابان

زعيم المعارضة هاتوياما يتمتع بحظوظ كبيرة ليصبح رئيس الوزراء المقبل في بلاده بعد الانتخابات التشريعية نهاية الشهر الحالي

TT

يوكيو هاتوياما، زعيم المعارضة الياباني البالغ من العمر 62 عاما، وسليل واحدة من أكثر العائلات السياسية تأُثيرا على الساحة السياسية في بلاده، قد يصبح رئيس الوزراء الياباني المقبل، إذ تشهد البلاد انتخابات تشريعية في 30 أغسطس (آب) تحسم مستقبلها. ويتصارع بالأساس حزبان رئيسيان هما الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم والحزب الديمقراطي الياباني المعارض، في وقت تعاني فيه اليابان، التي تتمتع بثاني أكبر اقتصاد في العالم، من أسوأ ركود خلال 60 عاما. وسينهي فوز الحزب الديمقراطي الياباني المعارض سيطرة الحزب الديمقراطي الليبرالي على مقاليد الأمور داخل اليابان على مدار خمسة عقود بصورة متصلة. ويأتي يوكيو ضمن الشخصيات الثرية التي دخلت العمل السياسي. ودائما ما يتم تشبيه عائلة هاتوياما، التي تعد من العائلات السياسية البارزة في اليابان، بعائلة كيندي ويرجع ذلك إلى القائمة المثيرة للإعجاب من الساسة والأكاديميين الذين ينتمون إلى هذه العائلة. ولد هاتوياما بملعقة من ذهب في فمه، وينتمي إلى عائلة كبيرة بها الكثير من السياسيين والأكاديميين، وارتقى سريعا على سلم العمل السياسي على الرغم من أنه داخل معترك السياسية متأخرا. وينتمي هاتوياما إلى الجيل الرابع من السياسيين بهذه العائلة، وهو حفيد إيتشيرو هاتوياما، الذي كان رئيس وزراء عن الحزب المحافظ. وحل جده محل جد رئيس الوزراء الحالي تارو آسو في منصب رئاسة الوزراء خلال الخمسينات. وربما يكون التاريخ على وشك أن يعيد نفسه. وقد كان والد هاتوياما وزيرا للخارجية خلال السبعينات من القرن الماضي. وكان جده الأكبر رئيسا للبرلمان الياباني، وأخوه كونيو هاتوياما في الحزب الديمقراطي الليبرالي المنافس كوزير للشؤون الداخلية ولكن استقال بعد شجار في يونيو (حزيران). وكان جده لأمه مؤسس الشركة الأكبر في العالم المصنعة لإطارات السيارات «بريدج ستون». ولد يوكيو هاتوياما في عام 1947 في بونكيو وارد بالعاصمة اليابانية طوكيو، وعمل أستاذا للهندسة. وكان قد تخرج في جامعة طوكيو ثم حصل على درجة الدكتوراه في جامعة ستانفورد الأميركية. وعمل مدرسا مساعدا في كلية الاقتصاد بجامعة سينشو داخل طوكيو. وهو متزوج من الممثلة السابقة والمطلقة ميوكي، وهي مشهورة أيضا بكتبها عن الطهو، ولديه ابن واحد يدرّس الهندسة في جامعة بالعاصمة الروسية موسكو. وبالنسبة للجانب الرومانسي، يبدو واضحا أن هاتوياما ذو نظرة أحادية مثل معظم الرجال. وقال في إحدى المرات لمجلة نسائية: «أحببت زوجة شخص آخر، وانتهى الأمر بالزواج منها». وكان هاتوياما يدرس في الولايات المتحدة عندما قابل ميوكي، نجمة تاكاراسوكا السابقة. وحسب ما تبين من المقابلة، فإن الظروف التي قابل فيها ميوكي وتزوجها جعلته يغير طريقته القديمة في الحياة ويقرر أن يشتغل بالسياسة.

وحسب ما ورد على موقعه الإلكتروني فإن من بين هواياته ممارسة الرغبي الأميركي والتنس ومشاهدة البيسبول والاستماع إلى الموسيقى. ويُنظر إلى هاتوياما على أنه الرجل الأكثر ثراء داخل البرلمان الياباني، حيث تبلغ ثروته 1.65 مليون ين ياباني (17.5 مليون دولار أميركي) كأصول شخصية، وهو ما يزيد بمقدار أربعة أمثال عما لدى رئيس الوزراء أسو الذي يحوز 455 مليون ين ياباني. ولا يوجد ضمن هذه الأرقام مليارات أخرى المرتبطة بأسهم «بريدج ستون»، شركة إطارات السيارات الأكبر في العالم التي تمتلكها عائلته. ويعد يوكيو عنصرا جديدا على الساحة السياسية بالمقارنة مع أخيه كونيو. وكان يوكيو عضوا في الماضي بالحزب الديمقراطي الليبرالي. وفي عام 1986، فاز لأول مرة بمقعد في الغرفة الدنيا من البرلمان في إحدى دوائر هوكايدو كعضو عن الحزب الديمقراطي الليبرالي، وقد انتخب منذ ذلك الحين ست مرات. وترك الحزب الحاكم في عام 1993 ليشكل حزب أقلية جديدا يدعى ساكيغاك مع منشقين آخرين عن الحزب الديمقراطي الليبرالي ليطيح مؤقتا بالحزب الحاكم في وقت كان يعاني فيه الحزب الديمقراطي الليبرالي من العديد من الفضائح المالية. وفي النهاية، أسس الحزب الديمقراطي الياباني مع أخيه عام 1996. ودفعت الخلافات بين الأخوين كونيو إلى ترك الحزب عام 1999 وعاد للانضمام إلى الحزب الديمقراطي الليبرالي عام 2000. ومع ذلك، أصبح يوكيو رئيسا للحزب الديمقراطي الياباني وزعيما للحزب في الفترة من 1999 حتى 2002 وعمل بعد ذلك أمينا عاما حتى حل محل إتشيرو أوزاوا رئيسا للحزب عندما تنحى أوزاوا بعد فضيحة جمع تبرعات سياسية في مايو (أيار). ويقال إن هاتوياما «نضج» خلال الأعوام الثلاثة التي عمل خلالها مساعدا لرئيس الحزب السابق إتشيرو أوزاوا. وبالنسبة لهاتوياما، فإن العمل مع زعيم الحزب القوي هي التجربة الناضجة الثانية بعد مواجهته مع ميوكي قبل عقود. ويقول هاتوياما متحدثا عن شخصيته قبل نحو 10 سنوات: «يمكن أن أقول إنني بالأساس مثل شجرة صفصاف تهتز مع هبوب النسيم».

وهو واحد من عدد قليل جدا من الساسة اليابانيين الذين يتحدثون عن أن اليابان يجب أن تمتلئ بـ«الحب» و«الإخاء». يقال أيضا إنه ذكر خلال حملاته أنه «في اليابان بعد أن يحوز الحزب الديمقراطي الياباني على الحكم، فأسعى إلى مجتمع يملأه الحب». ويحظى هاتوياما، ذو الشخصية الجذابة والبسمة الجميلة، بدعم قوي داخل الحزب المعارض. ولكن، قال رئيس الوزراء السابق ياسوهيرو ناكاسونه إلى هاتوياما إنه حلو مثل الكريم الناعم ولكنه سوف يذوب سريعا في حر الصيف. ويقر هاتوياما بأنه كان يعاني من تردد في اتخاذ القرارات، وأن ذلك كان نقطة ضعف رئيسية له، ولكنه تخلص منها. ويقول: «كنت اتصف بالتردد في اتخاذ القرارات، ولكني واجهت العديد من المواقف مؤخرا وأعتقد أنني تحسنت، وأحب أن يرى الناس هاتوياما الجديد الناضج».

وعلى الرغم من خطابه الإصلاحي، يمثل هاتوياما في الكثير من النواحي أسلوب المدرسة القديمة في الساحة السياسية ويشتهر بالنزاهة. وعلى ضوء امتلاك عائلته لشركة «بريدج ستون» فإنه لم يقبل مالا من سماسرة سلطة ذوي سمعة سيئة. ومع تبقي أسابيع قليلة قبل بدء الانتخابات في 30 أغسطس (آب)، تظهر استطلاعات الرأي تقدم هاتوياما. وقد ساعدته صورته كنجم، وهي صورة تعززها عائلته التي كانت تعيش في مسكن ذات أسلوب انجليزي، وزوجته ميوكي، وهي ممثلة سابقة وكاتبة. يقول هاتوياما إنه يريد التقاعد من الحياة السياسية بعد أن يخدم كرئيس للوزراء إذا فاز حزبه في الانتخابات التشريعية المقبلة. ويقول أنه ليس من الجيد لرؤساء وزراء سابقين أن يبقوا مؤثرين، لأن هذا الأمر قد يخلق الفوضى. ويبدو أن الحزب الديمقراطي الياباني الذي يزعمه هاتوياما قد خفف من بعض مواقفه، الآن وقد بات الفوز قريبا جدا. وقد كشف الأسبوع الماضي عن خطة لسياسات الحزب، من دون أن تشمل بعض السياسات المثيرة للجدل كان الحزب قد تحدث عنها في الماضي، مثل وقف تزود القوات التي تقودها الولايات المتحدة في المحيط الهندي، بالوقود أو تخفيض الوجود العسكري الأميركي بشكل كبير في اوكيناوا. وعندما سئل خلال الحملة الانتخابية ما إذا كانت حكومته ستنهي مهمة تزويد القوات البحرية في المحيط الهندي التي تؤمن دعما للعمل العسكري في أفغانستان منذ عام 2001، قال هاتوياما: «هدفنا الأساسي ألا نمدد هذه المهمة».

ويشارك هاتوياما في الكثير من أفكاره حول السياسة الخارجية، الأفكار التي كان يؤمن بها جده، أشيرو هاتوياما، رئيس الوزراء الذي في منتصف الخمسينات، الذي قاد الحزب الديمقراطي الحر في عام 1955 عندما تم تأسيسه. وسعى إلى إعادة النظر في الدستور السلمي الذي كتب بتوجيه من الحكومة الأميركية التي كانت تحتل البلاد في عام 1946، للسماح بتكوين جيش للدفاع عن نفسه. ويحظر دستور اليابان الذي جرى اعتماده بعد الحرب العالمية الثانية، العمليات العسكرية، ويحد من دور ما يسمى بـ«قوات الدفاع الذاتي». ولطالما لوحت طوكيو بعلم السلام بقوة في وقت تدعو فيه أيضا إلى عالم خال من السلاح النووي. وتماشيا مع أفكار جده، يتمتع هاتوياما بأفكار ليبرالية في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، مثل وضع المرأة وحقوق الأجانب. يقول: «أحب أن أتعاطى السياسة التي تدلل الشعب، لا الأبنية الحجرية». وقد وعد الحزب الديمقراطي الياباني بأن يضع «حياة الشعب أولا» عبر إرسال 16.8 تريليون ين ياباني (177 مليار دولار أميركي) لتأمين شبكة ضمان اجتماعي أقوى وأمور اجتماعية أخرى. وتعهد هاتوياما بالحد من الإسراف في النفقات ومن البيروقراطية، التي يقول عنها منتقدون إنها تشوه النفقات وتحابي مصالح معينة. وقال في مناظرة انتخابية: «ببساطة، لا أريد التعامل مع الأشياء لصالح البيروقراطيين ولكن لصالح الشعب». ويتوقع الحزب الديمقراطي الياباني توفير 16.8 مليون ين ياباني من المصروفات الضائعة. يقول هاتوياما إن علاقات اليابان مع الولايات المتحدة، التي تعد الحليف الرئيس لها، يجب أن تكون أكثر «إنصافا». وهو يدعم دورا لليابان لا تعتمد فيه البلاد على الولايات المتحدة، مع إعادة تقييم التحالف العسكري الذي يبقي على أعداد كبيرة من القواعد الأميركية على التراب الياباني. وتتضمن المبادرات الخاصة بهاتوياما، السماح للمرأة بالصعود إلى العرش الإمبراطوري وإصلاح الدستور لإعادة تعريف قوات الدفاع اليابانية كجيش للبلاد واقترح إعطاء المقيمين الأجانب الحق في التصويت داخل الانتخابات المحلية. وعلى الرغم من جذوره داخل النخبة الحاكمة الثرية، تعهد الدفاع عن الرجل العادي وتوفير الدعم للمزارعين والصياديين والأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة. تقول استطلاعات الرأي قبل الانتخابات داخل اليابان إنه على الرغم من أن يوكيو هاتوياما لا يحظى بقبول مماثل بين الناخبين فإن عددا أكبر يفضله على رئيس الوزراء الحالي تارو أسو. ويقال إن يوكيو قدم مساعدات مالية إلى الكثير من أعضاء الحزب الديمقراطي الياباني المعارض وساعد على توسيع نفوذه على الآخرين داخل الحزب. ويقال إن ياسوكو هاتوياما، والدة يوكيو التي تبلغ من العمر 86 عاما، أغدقت بكميات كبيرة من الأموال ورثتها من أبيها، الذي أنشأ شركة «بريدج ستون»، لمساعدة ابنها في سعيها لتحقيق طموحاته السياسية. ومن الركائز التي تعتمد عليها أجندة الحزب الديمقراطي الياباني لإنهاء النظام السياسي الحالي هي الدعوة إلى تغيير الأسرة التي سيطرت على اليابان منذ الحرب عن طريق سياسته التي تحظر «توريث» الدوائر الانتخابية للأقارب. وهذه المشكلة قائمة في اليابان حيث أن ثلث أعضاء الحزب الديمقراطي الليبرالي في الغرفة الدنيا ورثوا مقاعدهم من أعضاء أكبر داخل العائلة، وتصل هذه النسبة إلى الثلثين داخل مجلس الوزراء. ورئيس الوزراء الحالي وثلاثة من سابقيه هم أبناء وأحفاد لرؤساء وزراء سابقين. وهؤلاء الرجال والنساء يجعلون عائلتي بوش وكلينتون في موقف مخجل، وتضع منافسة شديدة أمام عائلة كيندي. ويقول هاتوياما إنه ليس «سياسيا بالوراثة كلية» حيث أن دائرته في شمال جزيرة هوكايدو تختلف عن دائرة والده وجده. وفي مؤتمر صحافي عقده بعد الفوز برئاسة الحزب، سُئل هاتوياما إذا كان لا يرى تناقضا في ذلك، فأجاب: «أنا سياسي من الجيل الرابع.. وأنا لا أعد سياسيا بالوراثة طبقا لتعريف الحزب الديمقراطي الياباني». وأضاف أن السياسي بالوراثة الحقيقي هو عندما «يتقاعد مشرع ويرث ابنه أو زوجته قاعدة انتخابية ويخوض للفوز بالمنصب، وذلك لأنه سوف يعطيه ميزة كبيرة في الانتخابات». وهؤلاء المنتخبون كساسة بالوراثة تحت هذه الظروف غير العادلة كلية ضعاف فعليا، لأنهم فازوا بمقعدهم بسهولة. ومن المثير للسخرية أن هاتوياما نفسه تعرض للانتقادات في أواخر يونيو (حزيران) بسبب المخالفات المحاسبية التي ارتكبتها الجهة التابعة له المسؤولة عن جمع التبرعات. وقال إن 21 مليون ين ياباني (220,000 دولار) سجلت خطأ منذ 2005، وهو التصريح الذي تبعته تقارير إعلامية تقول إن قائمة المتبرعين تضمنت أسماء موتى ومواطنين أنكروا أن يكونوا قدموا تبرعات. ويُنظر إلى يوكيو على أنه حسن الكلام ولديه الرغبة في النزول عند إرادة نظرائه، وهو ما أثار تساؤلات عن لياقته كرئيس وزراء قادر على توحيد معسكر المعارضة إذا فاز بالانتخابات العامة. ومهمة هاتوياما في الوقت الحالي هي إقناع الناخبين أن حزبه، الذي يضم منشقين عن الحزب الديمقراطي الليبرالي (بينهم هاتوياما نفسه) ومحافظين وديمقراطيين، قادر على إدارة دفعة ثاني أكبر اقتصاد في العالم خلال الفترة الأصعب منذ الحرب العالمية الثانية. وسوف يعطى هاتوياما حاليا فرصة لإثبات هل سيكون مثل غورباتشوف الذي كان رئيس دولة تنهار أم مثل بوتين الذين أعاد بناء بلد أضعفه الأميركيون. نتائج الانتخابات ستعطي الإجابة الأخيرة.