الانتخابات الأفغانية.. والثلاثة الكبار

كرزاي يتمتع بالحظوظ الأوفر للفوز بولاية ثانية إلا أن وزير خارجيته السابق يبدو منافسا شرسا

مؤيدون لكرزاي خلال تجمع انتخابي في غارديز في باكتيا شرقي أفغانستان (أ.ب)
TT

على الرغم من أن أفغانستان في حالة حرب، فإنها تشهد ثاني انتخابات رئاسية على امتداد تاريخها. حتى وقت قريب، توقع غالبية المراقبين فوز الرئيس الحالي حميد كرزاي، بسهولة بفترة رئاسة جديدة في الانتخابات المقرر إجراؤها في 20 أغسطس (آب) المقبل. إلا أنه خلال الأسابيع الأخيرة، شرع المرشح عبد الله عبد الله، الوزير السابق في ظل رئاسة كرزاي والذراع اليمنى لزعيم المجاهدين أحمد شاه مسعود الذي اغتالته القاعدة قبل يومين من هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، في شن حملة انتخابية قوية ومنظمة لاجتذاب الناخبين بمختلف أرجاء البلاد.

داخل مدينة هيرات، لاقى عبد الله ترحيبا من قبل آلاف الأفغان لدى وصوله إلى المطار الأسبوع الماضي. وفي أعقاب لقاء جماهيري في استاد كرة القدم المحلي، قضى عبد الله باقي اللقاءات مع مزيج متنوع من الناخبين الأفغان، بينهم رجال دين سنة وشيعة ونساء ورجال أعمال وزعماء عدد من المجموعات العرقية المتنوعة. وعلى الرغم من تقلده في وقت من الأوقات حقيبة وزارة الخارجية تحت قيادة كرزاي، فإن عبد الله اعتاد توجيه النقد إلى قائده السابق، معربا عن اعتقاده بأن كرزاي أتيحت أمامه 8 أعوام لدفع أفغانستان قدما، من دون أن يحقق إنجازات كبيرة على أرض الواقع. وعلى غرار النهج الذي اتبعه الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال حملته الانتخابية الرئاسية، قال عبد الله إن أفغانستان بحاجة إلى «التغيير».

تلقى عبد الله تدريبه كطبيب عيون، ويشتهر خارج البلاد بأنه الممثل والمتحدث باسم التحالف الشمالي الذي انضم بقواته إلى الولايات المتحدة للمساعدة في الإطاحة بطالبان. ويعتبر الكثير من الأفغان زعيم الحركة، أحمد شاه مسعود، شهيدا، وأصبح عبد الله خليفته. وتزين صور مسعود حافلات الحملة الانتخابية والمنصات، والميادين العامة، ويذكر اسمه تقريبا في كل خطبة يلقيها عبد الله.

ففي الانتخابات الأفغانية، تقرر الانتماءات العرقية المصير. ويحصل كرزاي على معظم التأييد من البشتون، وهي أكبر جماعة عرقية، وتجعل من الصعب هزيمته. وعبد الله هو ولد لأب بشتوني وأم طاجيكية. ولكن تحمل هويته السياسية الطابع الطاجيكي، وهو يكافح من أجل إحراز تقدم بين البشتون. لكن في بلاد لا يزال يحرص غالبية الناخبين فيها على اختيار قادتهم من المجموعة العرقية التي ينتمون إليها، يواجه عبد الله نضالا عصيبا. وعلى خلاف الحال مع كرزاي الذي ينتمي إلى البشتون، ينتمي عبد الله إلى الطاجيك، وهي مجموعة عرقية أقل حجما، رغم تمتعها بنفوذ قوي. والبشتون هم الرقم الصعب في المعادلة الأفغانية، لأنهم يشكلون عنصر اللعبة السياسية والانتخابية في البلاد، وقبائلها في الجنوب تمثل الحاضنة الأساسية لحركة طالبان، ليس في أفغانستان وحدها وإنما أيضا في باكستان.

ويمتد موطن البشتون في الجزء الجنوبي من أفغانستان إلى شمال غربي باكستان وبضع مناطق في غربها بما فيها إقليم بلوشستان. وتقدر التقارير والدراسات المتخصصة عدد البشتون الآن بنحو 40 مليون نسمة، منهم 12.5 مليون نسمة في أفغانستان، ويشكلون 40% من عدد سكانها الإجمالي، فيما الـ28 مليون نسمة المتبقون يوجدون في باكستان حيث يشكلون نسبة 15% من السكان.

ويحمل الكثيرون كرزاي المسؤولية عن الكثير من الإخفاقات التي سببت مشاكل للمهمة التي تقودها أميركا هنا خلال السنوات الثماني الماضية، بدءا من عودة تمرد حركة طالبان، وصولا لانتشار تجارة الأفيون. وعلى الرغم من ذلك، فإن كرزاي يحظى بموقع متقدم في السباق الرئاسي، ومنذ بداية العام يناور كرزاي ببراعة عددا من خصومه الأقوياء سواء بضمان الحصول على دعمهم أو بتهميشهم. ويوم الجمعة الماضي في استاد كابل الرياضي، وعد الأفغان بمستقبل أفضل أمام 15 ألف مناصر متحمس، في ما اعتبر أحد أهم اللقاءات الانتخابية منذ بدء الحملة الرئاسية. وكان هذا الظهور هو الأول لكرزاي أمام جمهور بهذا الحجم، منذ محاولة اغتيال فاشلة استهدفته أثناء عرض عسكري في العاصمة الأفغانية في أبريل (نيسان) عام 2008.

وقال كرزاي لأنصاره المؤلفين من مختلف إثنيات البلاد: «إنكم تصوتون من أجل الوحدة الوطنية، والسلام، والازدهار في أفغانستان»، وسط تلويح البعض بأعلام تحمل شعار «العدل والتضامن». وأضاف أن «الدرب الشاقة التي بدأناها قبل سبعة أعوام كانت من أجل إعادة الإعمار والتعليم والتنمية».

من جهته يقول المرشح الثالث للانتخابات الرئاسية أشرف غاني، والذي كان أحد الأصدقاء المقربين لكرزاي ويتنافس معه حاليا في الانتخابات الرئاسية: «كرزاي لن يتغير، لقد برهن على ذلك. وإذا انتصر، سيحدث تراجعا كبيرا». وقد حاول أخيرا المسؤولون الأميركيون الذين يقدمون دعما كبيرا لكرزاي منذ توليه الرئاسة في 2001، الحفاظ على مسافة بينهم وبينه. فقد اتخذ السفير الأميركي كارل ايكنبري خطوة غير معتادة بحضور المؤتمرات الصحافية لمنافسي كرزاي الأساسيين.

وقبل أشهر اختار كرزاي بشكل مفاجئ أحد أمراء الحرب السابقين وأبرز معارضيه الذين قاتلوا إلى جانب أحمد شاه مسعود، الجنرال فهيم، ليكون نائبه في الانتخابات الرئاسية. وكرزاي الذي رفض الانتقادات الدولية لهذا الاختيار، دافع عن فهيم قائلا عن أمير الحرب السابق المتهم بارتكاب جرائم حرب إنه «يعرف كيف سيوحد البلاد والمجتمع».

ويسعى كرزاي إلى جذب فهيم الذي ينتمي إلى ثاني أكبر جماعة عرقية هي الطاجيك إلى جانبه، لكي يعزز سلطته المتداعية عبر التحالف مع زعماء من التمرد المسلح يتمتعون بنفوذ ويتبعهم مسلحون وزعماء قبائل مؤثرون. ويقول كرزاي عن فهيم إنه «سيكون نائب رئيس بإمكانه أن يتوجه إلى أي منطقة في البلاد وأن يقوم بما ينتظر منه». ويقول عنه: «إنه رجل يمكنني أن أتكل عليه في الأيام الصعبة والحرجة».

ومن أجل إنزال الهزيمة بكرزاي، يتعين على عبد الله عبد الله اجتذاب ليس فقط أصوات أبناء الطاجيك، وإنما كذلك نسبة كبيرة من الناخبين من المجموعات العرقية الأخرى، وهي مهمة بدت مستحيلة منذ بضعة أسابيع فحسب. إلا أن الحملة الانتخابية القوية التي ينظمها عبد الله تحرز نجاحا، على ما يبدو، في اجتذاب تأييد ناخبين ببعض المناطق غير المحتملة. على سبيل المثال، خلال جولة قام بها أخيرا في قندهار ـ معقل مؤيدي كرزاي ـ نجح عبد الله في كسب تأييد عدة آلاف من الناخبين. وفي مطار باميان، تجمع آلاف الأفغان حاملين الأعلام ينتظرون رؤية بطلهم السياسي، في الوقت الذي هبطت فيه طائرة مروحية روسية متهالكة على الممر حاملة عبد الله عبد الله. وسار وزير الخارجية السابق، عبر دوامة ترابية، باتجاه حشد من الجماهير ملأ الطريق المؤدي إلى قلب المدينة الصغيرة الواقعة على هضاب وسط أفغانستان. ومنح الطريق الممهد الممتد من المطار عبد الله، فرصته الأولى في ذلك اليوم، للشروع في الاضطلاع بجهود حشد تأييد الناخبين، حيث شكل هذا الطريق السطح الممهد الوحيد داخل تلك المنطقة الجبلية مترامية الأطراف، والتي يتعذر التنقل فيها في الشتاء.

وفي حديثه أمام حشود الجماهير، قال عبد الله: «جئت مع كرزاي هنا عندما كان رئيسا مؤقتا للبلاد. ووعد بأنه في المرة التالية التي يحضر فيها إلى هنا سيكون هذا الطريق مغطى بالأسفلت. واليوم، أحضر إلى هنا وما زال وضع الطرق دون تغيير».

وتعد تلك واحدة من القضايا التي تثير سخط الهزارة، وهم المجموعة العرقية التي ينتمي إليها سكان المنطقة والذين تعرضوا على امتداد تاريخهم الحديث إلى القمع من قبل الحكومات التي يتزعمها البشتون. ومنذ عام 2001 تلقى الهزارة نسبة ضئيلة من المساعدات الدولية التي جرى توجيهها إلى الجنوب الأفغاني الذي تعصف به حركة تمرد.

وخلال جهود حملته الانتخابية الأربعاء الماضي، ألقى عبد الله باللوم على حكومة كرزاي عن الوتيرة البطيئة لجهود التنمية داخل البلاد، مشيرا إلى أن الإقليم لا يزال يعاني من فقر شديد لدرجة أن بعض الأسر مستمرة في العيش في كهوف محفورة على سطح ذات المنحدر الصخري المواجه لتماثيل بوذا التي دمرتها طالبان عام 2001. والملاحظ أن ضرورة التصدي لانعدام الكفاءة الإدارية وضعف القيادة، تحولا إلى شعار لكل من عبد الله وأشرف غاني، المسؤول السابق لدى البنك الدولي. وأصبحت شوارع المدن الكبرى بما فيها العاصمة كابل تعج بملصقات تحمل صور السياسيين المتنافسين في إطار الانتخابات الرئاسية والمحلية. وفي وقت لاحق، أكد غاني أنه لا يشعر بالقلق إزاء سلامته، مشيرا إلى أن تحذير الشرطة له من وجود أربعة تفجيريين انتحاريين في الجماهير المحتشدة حوله لا يعدو كونه تكتيكا يتبعه منافسوه لتثبيطه عن بذل جهود حشد تأييد الناخبين. وعلى الرغم من أن اللجنة الانتخابية الأفغانية وعدت كلا من المرشحين للرئاسة البالغ عددهم 41 مرشحا، من بينهم سيدتان، بحماية تصل إلى عشرين حارسا خاصا، فإن آلاف المرشحين لرئاسة المجالس المحلية غير راضين عن تحمل مسؤولية حمايتهم الشخصية، ولهذا يشتكي مرشح إقليم هلمند منذ مدة قائلا: «بدون حماية أصبح هدفا سهلا لطالبان».

ولا تزال أيام قليلة ضمن العد التنازلي تفصل الأفغان عن يوم الحسم الانتخابي الذي سيختارون خلاله قائدا يأمل الغرب في أن يتمكن من القضاء على الفساد المستشري بالبلاد، وحركة التمرد العنيفة التي تقودها «طالبان»، وصناعة المخدرات الآخذة في الازدهار.

الجدير بالذكر أن الناخبين الرئاسيين تعرضوا لأعمال عنف أخيرا، خاصة عبد الله. وعلى سبيل المثال، تعرضت أحد اللقاءات الجماهيرية التي عقدها في مدينة جلال آباد، بشرق البلاد، في 28 يوليو (تموز) لإطلاق نار، مما أسفر عن إصابة أحد المعنيين بإدارة حملته الانتخابية ومقتل سائقه الخاص من جراء هجوم ضد سيارته.

وعلق عبد الله على الحادث بالإشارة إلى أنه ربما لا يكون نتاجا لمحاولات المتمردين تعطيل الانتخابات. وأضاف: «تساور الناس الشكوك ليس حيال طالبان فحسب.. البعض يتحدثون عن أشخاص عاملين في الأجهزة الأمنية الحكومية». ولا تتوافر بيانات حديثة عن استطلاعات الرأي حول المستوى الحقيقي للتأييد الذي يحظى به كرزاي ومنافسوه ـ كان آخر مسح في مايو (أيار)، قبل بدء حملة الانتخابات. وكان من شأن النشاط الذي اتسمت به الحملتان الانتخابيتان المنافستان خلق الانطباع بأن الأمور بدأت تتحرك ضد كرزاي، خاصة أن الحملتين نجحتا في اجتذاب جماهير غفيرة.

في بعض الأحيان، يجري النظر إلى أشرف غاني الذي حقق إنجازات كبيرة خلال فترة توليه منصبه الرسمي بين عامي 2001 و2004، باعتباره إداريا كفؤا، لكنه يفتقد مهارات السياسي البارع. في هيرات الأسبوع الماضي، أبدى غاني عزمه الشديد على إثبات خطأ وجهة نظر منتقديه، عبر إلقائه خطابا قويا أمام حشد جماهيري غفير. ويذكر أن غاني نال درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا وتم ترشيحه في وقت من الأوقات لتولي منصب الأمين العام للأمم المتحدة.

وخلال اللقاء، استهل غاني (60 عاما) حديثه بإطلاق ثلاث صيحات بعبارة «الله أكبر». وتضمن خطاب غاني إشارات إلى الإسلام، وقصة دينية حول أن نهاية العالم ستحين «عندما تمتلئ كل مناصب الدولة بمنعدمي الكفاءات». وعلى الرغم من أنه لم ينجح في اجتذاب عشرات الآلاف من المؤيدين على خلاف الحال مع عبد الله أثناء توقفه في المدينة، فإن غاني يعتقد أن الأوضاع تتحرك في مصلحته. وقال الكثير من المشاركين في اللقاء الجماهيري إنهم انجذبوا إلى الوعود التي أطلقها غاني حول خلق فرص عمل وتحقيق تنمية اقتصادية، بينما أعرب البعض عن شعورهم بالفزع حيال دخول كرزاي في تحالفات انتخابية مع لوردات حرب يفتقرون إلى الشعبية.

واعترف آخرون بأن مشاركتهم في اللقاء نابعة من رغبتهم في مشاهدة الحدث والتمتع بالطعام المجاني الذي يشكل عنصرا أساسيا بالنسبة للمرشحين الراغبين في اجتذاب حشود جماهيرية. وفي بيامين، احتشدت الجماهير حول عربات النقل المحملة بأغذية معلبة من أجل أنصار عبد الله.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال كرزاي يتمتع بمميزات كبيرة، خاصة تمتعه بتأييد الكثير من القيادات العرقية والقبلية في البلاد. في أوساط الهزارة، حيث يعتقد أن الناخبين سيشكلون الأصوات الحاسمة في الانتخابات، ضمن كرزاي تأييد أهم زعيمين بينهم، كريم خليلي ومحمد محقق. وهناك قلة من المرشحين لديهم برنامج انتخابي فعلي، ويعتبر وزير الخارجية السابق عبد الله ـ طبيب العيون الطاجيكي ـ استثناء، حيث يدعو إلى التغيير من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني.

وعلى الرغم من كل ما يقال ضده، يعتبر كرزاي المرشح الأوفر حظا للفوز، لا سيما في ضوء استمالته لكبار جنرالات الحرب وحكام الأقاليم وشيوخ القبائل. ويشكل الوضع الأمني المتوتر العقبة الكبرى لدرجة وجود شك في ذهاب الناس للانتخاب في كثير من الأماكن، فالحكومة لم تعد لها سلطة بعد على كثير من الدوائر البالغ عددها نحو مائة دائرة. وهذه الدوائر تعتبر إلى حد كبير في يد المتمردين. علاوة على ذلك توعدت حركة طالبان بفرض عقوبات على كل من يتوجه إلى صناديق الاقتراع. من جانبه، قال عبد الله إن الأفغان اكتسبوا نضوجا سياسيا على امتداد السنوات الأربع الماضية. وأضاف: «من كان يتوقع مثل هذا القدر الكبير من إقبال الناخبين وهذا المستوى من الاستقبال منذ أربع سنوات ماضية في باميان التي هيمنت عليها قضايا الهوية العرقية والقضايا المحلية؟ ويوضح ذلك أن الأمور تبدلت وأصبح المواطنون العاديون أكثر وعيا بحقوقهم». وقال غاني إن «الاعتقاد السائد» بأن كرزاي لا يمكن إنزال الهزيمة به خلقه دبلوماسيون لا يكادون يعلمون شيئا عما يدور خارج حدود كابل. وهناك وجهة نظر ناشئة حاليا تدور حول أن المنافسين الرئاسيين سيتحدان في جبهة واحدة لإلحاق الهزيمة بكرزاي، ربما قبل الانتخابات المقررة في 20 أغسطس (آب)، أو بالتأكيد بعد ذلك حال إجراء جولة انتخابية ثانية حال إخفاق كرزاي في الحصول على 51% من الأصوات في الجولة الأولى. وأكد المنافسان على حفاظهما على «علاقات ودية»، حسب وصف عبد الله، مع بعضهما البعض. لكن ذلك لا يمنع أن كليهما يناضل حاليا من أجل الفوز.