لعبة الكراسي العراقية والروليت الإيراني

طهران حسمت زعامة عمار الحكيم للمجلس الأعلى قبل بغداد

ملصق دعائي لعبد العزيز الحكيم يعود للانتخابات السابقة على أحد جدران مدينة النجف («نيويورك تايمز»)
TT

عندما يخسر أحد في لعبة الكراسي فإن عليه أن يترك الساحة، اللعبة، ليستمر الآخرون في لعبتهم، حيث سيخسر آخرون ليبقى في النهاية كرسي واحد لا يتسع إلا لرابح واحد. ولكن في العراق، وفي ظل هذه الأوضاع السياسية تتحول هذه اللعبة إلى مغامرة خطرة للغاية، يخسر فيها اللاعب سمعته أو حياته، أو الاثنين معا، لهذا فهي لعبة قاسية، تمارس بكثير من الخشونة والتزييف والادعاء وتغيير الجلود والألوان والأفكار من أجل أن يبقى رابح واحد لا أكثر، وليس شرطا أن يكون هذا الرابح هو الأذكى أو الأقوى أو الأكثر نزاهة، بل ربما يكون عكس كل هذه الصفات لهذا فاز.

وإذا كان المجلس الأعلى الإسلامي قد حسم في هذه اللعبة الرابح بزعامة أكبر تنظيم شيعي سياسي في العراق لصالح عمار الحكيم نجل زعيم التنظيم عبد العزيز الحكيم الذي توفي في أحد مستشفيات طهران أخيرا، فإن الائتلاف العراقي الموحد الذي كان قد تأسس قبل ما يقرب خمسة أعوام لخوض الانتخابات باسم الشيعة، والذي غير اليوم خطابه واسمه إلى الائتلاف الوطني، لم يحسم ضمان فوزه المطلق في الانتخابات النيابية القادمة التي من المفترض أن تجري نهاية العام الحالي، ذلك أن لعبة الكراسي تحتم أن يكون هناك رابح واحد لا أكثر، والائتلاف الذي كان يتزعمه رئيس المجلس الأعلى الإسلامي الراحل، عبد العزيز الحكيم، كان هو الرابح الوحيد في الانتخابات السابقة والتي جرت قبل أقل من أربع سنوات لكنه لا يضمن اليوم هذا الموقع خاصة بعد المفاجآت التي تلقاها في انتخابات مجالس المحافظات، من جهة، والإحساس أن الكفة تميل لصالح نوري المالكي أمين عام حزب الدعوة والذي كان شريكا قويا للمجلس في تشكيل الائتلاف وفي الفوز في الانتخابات السابقة، والذي وصل إلى رئاسة الحكومة الحالية عن طريق الائتلاف وتأييد المجلس الأعلى له. لكن المالكي اليوم خصم عنيد للمجلس وللائتلاف الجديد في لعبة الكراسي، إذ إن رئيس الحكومة الحالي يريد اختصار الطريق وتغيير نظام اللعبة عن طريق لي الأذرع وفرض الشروط والاستحواذ على الكرسي الواحد، رئاسة الحكومة كشرط أساسي للانضمام إلى الائتلاف.

في لعبة الكراسي، وكأي لعبة أخرى لا بد من وجود قوة أو قوى داعمة لهذا أو ذاك، وفي السياسة هذه القوى لا تكون متفرجة أو مشجعة على الإطلاق، بل هي من تمسك خيوط اللعبة كلها، تنظمها، تنسجها، تحيكها، لتخرج جاهزة، ومَن هناك أكثر من الإيرانيين براعة في نسج الخيوط وحياكتها كبساط (كاشاني) أو (تبريزي)، بساط منقوش بمتاهات ومفاجآت لا يعرف سرها سوى الحائك نفسه.

مسؤول أمني عراقي بارز أكد لنا أن «خيوط اللعبة (العملية) السياسية العراقية بيد إيران، بل هي بيد قائد فيلق القدس، سليماني، وهو مسؤول عن الملف العراقي أيضا».

هذا المسؤول الذي مدنا بهذه الأسرار، خشي أن نكشف هويته، وقال «لا أحد يعرف قوة ونفوذ سليماني مثلما نعرفه نحن، فأنا عندما أخلد إلى فراشي في بيتي المحمي جيدا أخشى من وصول نفوذ سليماني إليّ واغتيالي لأنني أعرف أنه قادر على ذلك، إذا أراد».

المسؤول الأمني ذاته يؤكد أن «ليس هناك جهة أو حزب أو كتلة سياسية شيعية في العراق لا تدعمها إيران، بل إنها تدعم حتى تكتلات سنية لتتأكد بأنها (إيران) تمسك كل أوراق اللعبة، وما ساعدها على ذلك هو تخلي العرب عن العراق وعدم سيطرة الإدارة الأميركية على الأوضاع العراقية بسبب تخبطها وتعدد آراء ومقترحات سياسييها من جهة، وعدم فهمها لطبيعة الشخصية العراقية ومكونات المجتمع العراقي، على العكس من الإيرانيين تماما».

المسؤول الأمني العراقي، يجزم بأن «إيران تدعم المالكي كما كانت تدعم الحكيم، وإذا أصرت إيران على أن يدخل المالكي إلى الائتلاف فإنه سيفعل، لكنها (إيران) تريد أن تراقب سير اللعبة جيدا، وتتأكد من هو الأقوى الذي سيبقى حتى نهاية المشوار لتدعمه من غير أن تخسر الآخر، تماما مثلما كانت تفعل مع مقتدى الصدر، الزعيم المتشدد لتيار الصدر، إذ كانت تقدم له ولجيش المهدي الدعم الكامل، وعندما فلتت الأمور من يد الصدر، وراحت ميليشياته تفعل ما تشاء، لم تسحب إيران البساط من تحت أحد رجالها (الصدر) بل سحبته هو إلى قم حيث تفرض عليه الإقامة الجبرية هناك ولا يزوره سوى رجال دين معينين لتلقينه دروسا حوزية».

وخلال وجود عبد العزيز الحكيم في طهران لتلقي العلاج إثر إصابته بسرطان الرئة، كان الحرس القديم من قيادات المجلس الأعلى في بغداد والنجف وكربلاء يتحاورون فيما بينهم حول خلافة رئيس التنظيم الشيعي، إذ لم يحسم الحكيم هذا الأمر تماما عندما كلف نجله الأكبر عمار بأن يكون نائبه وأن يحل مكانه في قيادة المجلس، وكان هناك اعتقاد بأن الأمور ستتغير إذا توفي رئيس المجلس وسوف تطبق آلية اختيار رئيس آخر، وربما يبقون على نجل الحكيم في موقعه كنائب للرئيس.

لكن عمار الحكيم مارس دوره كرئيس للمجلس، حيث كان يلتقي ويستقبل ويجتمع مع كبار القيادات السياسية العراقية باعتباره هو الرئيس القادم، وما عزز اعتقاد الحرس القديم هو تكليف عبد العزيز الحكيم أحد قادة المجلس، همام حمودي، لأن يترأس المفاوضات ويخوض النقاشات من أجل إعادة تشكيل الائتلاف الجديد، وهذا أعطى انطباعا بأن حمودي هو المرشح الأقوى لهذا المنصب خاصة بعد أن كان عادل عبد المهدي، قيادي في المجلس ونائب رئيس الجمهورية قد أكد في أكثر من مناسبة بأنه لا يفكر برئاسة التنظيم الشيعي، من غير أن نهمل طموحات كل من جلال الصغير وصدر الدين قبانجي في رئاسة المجلس.

وقبل أن يحسم قادة المجلس الأعلى الإسلامي في بغداد موضوع خلافة زعيمهم حال تأكدهم من وفاته، كانت إيران قد حسمتها في طهران، وعن طريق علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني عندما قال في كلمته خلال تشييع جثمان عبد العزيز الحكيم في إيران الخميس الماضي، إن الحكيم «كان يكنّ ولاء وإجلالا مثيرين للإعجاب للمرشد الأعلى آية الله خامنئي»، ومعلنا تأييدهم لنجله عمار بقوله «نتمنى أن تستكمل طريقه بقوة أكبر، ونأمل في أن نرى شقيقنا (عمار الحكيم) يلعب دورا أكثر فعالية في المشهد» العراقي.

وعندما يشير رئيس البرلمان الإيراني إلى أن عبد العزيز الحكيم، والذي كان على رأس أكبر حزب شيعي شياي عراقي، إلى جانب ترؤسه لأكبر كتلة في البرلمان العراقي، الائتلاف العراقي الموحد، حيث كان لهم 80 مقعداـ عندما يشير إلى أنه «كان يكنّ ولاء وإجلالا مثيرين للإعجاب للمرشد الأعلى آية الله خامنئي»، فإنه (لاريجاني) يعلن عن أكثر من معنى مبطن، إذ معروف عن رجال الدين الإيرانيين أنهم لا يلقون الكلمات جزافا، وحسب تفسير رجل دين عراقي كان قد تلقى علومه الحوزية في قم، فإن «لاريجاني عنى وبدقة تبعية آل الحكيم للمؤسسة الدينية الشيعية الإيرانية وليست العراقية، أو المرجعية الشيعية في النجف، على الرغم من أن آية الله السيستاني هو الآخر إيراني، والاختلاف هنا يكمن في الاعتقاد بولاية الفقيه التي يعمل وفقها خامنئي بينما لا يؤمن بها السيستاني، من جهة، وأنه (عبد العزيز الحكيم) كان يقلد خامنئي، فالولاء بلغة رجال الدين الشيعة يعني التقليد، والتقليد في الفقه الشيعي يعني التبعية، وما يصدر عن المرجع يجب شرعا على من يقلده أن يتبعه وينفذه»، منوها إلى أن «رجال الدين الشيعة العراقيين وأهالي النجف يعرفون أن آل الحكيم، وخاصة عبد العزيز ونجليه عمار ومحسن يقلدون خامنئي الذي كان أستاذ الرئيس الحالي للمجلس الأعلى في دراسته الحوزية».

بالتالي فإن الرسالة التي أراد لاريجاني إيصالها إلى قيادات المجلس الأعلى أولا، وإلى شيعة العراق ثانيا، هي أن تبعية هذا التنظيم الشيعي إيرانية، مذهبيا وسياسيا، وأننا ندعم عمار الحكيم كرئيس للمجلس، وقيادات المجلس الأعلى يعرفون أكثر من غيرهم بأن ميزانية تنظيمهم الضخمة تأتي من إيران، وأن رواتبهم ورواتب تنظيمات المجلس ونشاطاته تدفعها خزينة الدولة الإسلامية في إيران، وهذه الميزانية الضخمة لن تسلم إلى أي شخص سوى عمار الحكيم، ناهيك عن الدعم المعنوي الذي يوفر كامل القوة لهذا التنظيم.

وكانت هذه الرسالة قد وصلت بوضوح إلى قيادات المجلس الأعلى مما جعلهم يتفقون مسبقا على أن يكون عمار الحكيم رئيسا لتنظيمهم خلفا لوالده، وهذا ما كشف عنه رضا جواد تقي، القيادي في المجلس الأعلى عندما قال في تصريح صحافي لـ«الشرق الأوسط» إن «وفاة السيد عبد العزيز الحكيم لم تأتِ بصورة مفاجئة وتربك التنظيم وعملنا، بل إن مرضه مرّ بمراحل، وكنا في القيادة على اطلاع بأوضاعه الصحية، لهذا كنا قد هيأنا وضعنا وأوضاع التنظيم لمثل هذا اليوم، وصار هناك شبه اتفاق على أن يمضي عمار الحكيم بدوره ومهماته في قيادة التنظيم». ورئيس البرلمان الإيراني هو ذاته مهندس الائتلاف الجديد، إذ بدأ الحديث عن هذا التكتل بعد أيام من زيارة كان قد قام بها لاريجاني إلى العراق، وصفت بأنها غير رسمية، زار خلالها النجف والتقى المرجع الشيعي السيستاني، بعد أن كان قد شاع بين الأوساط السياسية العراقية نهاية هذا الائتلاف بعد إصرار كل من التيار الصدري وحزب الفضيلة على عدم العمل ثانية تحت مظلة المجلس الأعلى الإسلامي.

المفاجأة التي انتظرت قيادة المجلس الأعلى والمشيعين لجثمان عبد العزيز الحكيم هي عندما رفع أنصار عمار الحكيم صوره وهم يهتفون بحياته، فهذه الفقرة لم تكن مدرجة أو واردة في سيناريو أو منهاج التشيع، مما دفع أحد قياديي المجلس إلى الاعتراف بأنهم لا يعرفون أين ومتى وكيف طبعت هذه الصور ووزعت بهذه السرعة، وهناك من يعتقد بأن الصور جاءت مع عمار في نفس الطائرة الخاصة التي أقلت جثمان والده من طهران إلى بغداد.

ولكن ما ينتظر عمار الحكيم، الرئيس الشاب للمجلس الأعلى الإسلامي، الكثير، خاصة أن كل الأحزاب والكتل السياسية منشغلة بموضوع الانتخابات القادمة، لعبة الكراسي، فالعراقيون هم ليسوا كما كانوا قبل أربع سنوات، وقد اكتشفوا اللعبة، كما أنهم عانوا من حكومة المحاصصة الطائفية والسياسية، بل من حكومتين شيعيتين نالتا بشكل مباشر أو غير مباشر دعم المرجعية الشيعية العليا في النجف، حكومتين جاءتا باسم الدفاع عن الشيعة «المظلومين» فكان أبناء هذا المذهب هم أكثر من عانى من هاتين الحكومتين، ويكفي أن نتذكر أن في حكومة الجعفري مات في غضون ساعات قليلة ما يزيد على الـ (1500) عراقية وعراقي فوق جسر الأئمة نتيجة توترات بين قادة أمنيين هم من الشيعة، كما أن مدينة الثورة الفقيرة والتي يقطنها أكثر من مليوني شيعي ساءت أوضاعها الأمنية والاقتصادية وعانت عوائلها من حوادث خطف أبنائهم واغتيالهم، واستمر مسلسل سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدماتية وفي أعلى مستوياتها في حكومة المالكي والتي شهدت أيضا ارتفاعا في نسبة الفساد المالي، ولم يكن من المفاجئ أن يدافع رئيس الوزراء نفسه عن فساد وزير التجارة لأسباب طائفية حزبية ضيقة وذلك عندما هدد البرلمان بكشف ملفات فساد الجميع إذا ما تم استدعاء وزير التجارة لاستجوابه في مجلس النواب.

ويلخص إياد علاوي، رئيس أول حكومة بعد نظام صدام حسين إنجازات حكومة المالكي، قائلا «الخدمات في تراجع، الكهرباء في تراجع، المياه في تراجع، الزراعة في تراجع، الصحة في تراجع، الأوضاع الحياتية في تراجع، الاقتصاد في تراجع، حتى الوضع الأمني الذي تحسن نسبيا وبصورة مؤقتة نتيجة الزيادة في عدد العساكر الأميركيين تراجع جدا، وعاد العنف بقوة إلى العراق، وهو عنف قاتل ومدمر ومجرم، والآن صار يستهدف الأبرياء بشكل مخيف، وبصورة مبرمجة باتجاه إثارة الفتنة الطائفية في البلاد. لهذا أنا أرى أنه ليس هناك أي شيء تحقق، وإنما تم استنزاف إمكانيات العراق، واستنزاف الوضع العراقي، واستنزاف الوضع الداخلي».

عمار الحكيم وعد بتغيير سياسة المجلس الأعلى، ففي أول مؤتمر صحافي له بعد انتخابه خلفا لوالده، وعد «بتشخيص الأخطاء وتصحيحها»، من غير أن يحدد هذه الأخطاء، و«بالانفتاح على المحيط العربي»، بعد أن كانت سياسة المجلس الأعلى منفتحة باتجاه إيران فقط، ولم يأت على ذكر مشروع إقليم الوسط والجنوب (الإقليم الشيعي) الذي يضم 11 محافظة الذي اشتغل عليه باهتمام والده وجوبه بانتقادات عراقية قوية، مما يعني أن هذا المشروع مؤجل في الوقت الحاضر، وحسب القيادي رضا جواد تقي، فإن «موضوع فيدرالية الجنوب لم يتم الحديث عنه منذ فترة طويلة، حيث شددنا نحن في مجلس النواب (البرلمان) العراقي وفي المحافل السياسية على تطبيق الدستور العراقي وإعطاء صلاحيات إدارية ومالية أكبر للمحافظات»، منوها إلى أن «مشروع فيدرالية الجنوب، أو أي فيدرالية أخرى يحتاج وحسب الدستور إلى استفتاء شعبي يهم سكان المحافظات أنفسهم»، متحاشيا الحديث عن المزيد من التفاصيل.

العقبة الأهم أمام الحكيم، الزعيم الشاب للمجلس للأعلى، راهنا، هي موضوع الانتخابات النيابية القادمة، وأهمية الفوز بها، وضرورة أن يكون الكرسي الأخير والأهم من حصتهم، وباعتقاد الائتلاف أن عدم انضمام المالكي لهم سوف يضعف من فرصة الفوز بأغلبية نيابية.

وعدم انضمام المالكي وحزبه للائتلاف الجديد يعني أنه سيكون المنافس الشيعي الأقوى لهم اعتمادا على النتائج التي حققتها قائمته (دولة القانون) في انتخابات مجالس المحافظات، مع أنه (المالكي) لم يحسم أمره حتى اليوم سواء للانضمام إلى التحالف الجديد، أم تشكيل قائمة منفصلة باسم (دولة القانون).

وعلى حد تأكيد المسؤول الأمني العراقي، فإن «المالكي ينتظر واحدا من أمرين، إما أن ترضخ قيادة الائتلاف الجديد لشروطه، والتي تتلخص بأن يكون نصيب حزبه، الدعوة، 51% من المقاعد التي سيفوز بها الائتلاف، وأن يكون هو رئيس الحكومة القادمة، إضافة إلى تهميش دور إبراهيم الجعفري والتيار الصدري في الائتلاف، أما الأمر الثاني فهو الحصول على ضمانات إيرانية بدعمه».

وحسب مصدر مخابراتي مقرب من محمود الشهواني، رئيس الهيئة الوطنية للمخابرات والذي أقاله المالكي قبل أقل من أسبوعين، فإن «المالكي وإيران تربطهما صلة وثيقة لدرجة أن رئيس الوزراء العراقي يستخدم طائرة إيرانية يعمل عليها طاقم إيراني للقيام بزياراته الرسمية، ويقال إن الإيرانيين عرضوا على المالكي مساعدة حزب الدعوة على الفوز بـ49 مقعدا على الأقل في انتخابات يناير (كانون الثاني) البرلمانية المقبلة إذا قام الأخير بالتغيرات الحكومية التي تريدها إيران». وما يعزز قصة الطائرة وطاقمها الإيراني هو ما قاله مسؤول أمني في مطار بغداد الدولي لـ«الشرق الأوسط» حول حادثة منع الضباط الأمنيين العراقيين من الصعود إلى طائرة المالكي قبل مغادرتها في رحلتها الأخيرة إلى إيران (قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر) لغرض تفتيشها والتأكد من سلامتها أمنيا، وقال هذا المسؤول «كنا نقوم بمهمتنا الاعتيادية في التفتيش المسبق لأي طائرة مسؤول عراقي قبل التحليق خشية وجود متفجرات أو لاقطات صوت مخفية، لكننا فوجئنا بأن أحد الضباط الأمنيين الإيرانيين الذي مهمته حماية الطائرة يرفض بقوة دخولنا إلى طائرة المالكي، وكاد الموضوع يتطور، ولدى اتصالنا بمكتب المالكي أخبرونا بأن رئيس الحكومة يأمرنا بعدم التدخل في موضوع تفتيش الطائرة وأنه غير مهتم لمسألة وجود لاقطات صوت فيها».

وكان برلماني عراقي قد كشف عن اجتماع سري للغاية كان قد جمع بين المالكي وسليماني، الذي تتهمه الأجهزة الأمنية العراقية غير التابعة للمالكي، بأنه وراء التفجيرات والاضطراب الأمني في العراق وأنه متهم بتدريب مجاميع من المسلحين العراقيين في الأراضي الإيرانية.

وأضاف البرلماني العراقي الذي طلب عدم نشر اسمه، أن طائرة المالكي كانت قد هبطت في مطار إحدى المدن الإيرانية لدى عودتها مع الوفد المرافق لرئيس الحكومة العراقية بعد زيارته لبريطانيا واستراليا، وقد فوجئ الوفد بهذا الهبوط المفاجئ الذي برره قائد الطائرة (إيراني) بأنه لأغراض التزود بالوقود، مشيرا إلى أن المالكي أو أي من أعضاء الوفد لم يكن يملك السلطة على قائد الطائرة أو الطائرة نفسها.

واستطرد البرلماني العراقي في حديثه معتمدا في معلوماته على أحد أعضاء الوفد الذي كان مشاركا في رحلة المالكي، قائلا، تم استضافة أعضاء الوفد بدار استراحة خاص، بينما نقلت سيارة معتمة ومحاطة بحماية أمنية مشددة المالكي لوحده من غير أن يرافقه أي من أعضاء الوفد أو مرافقيه الشخصيين، وعاد رئيس الحكومة العراقية بعد خمس ساعات كان قد قضاها في اجتماع مع قائد فيلق القدس، حسب تسريبات من مقربين من المالكي.

لكن «الشرق الأوسط» لم تتأكد من صحة هذه القصة، إذ لم يرد على اتصالاتنا الهاتفية أي من مكتب رئيس الحكومة العراقية، كما لم يرد على الاتصال السفير الإيراني في بغداد.

والمعروف أن حزب الدعوة، الذي يتزعمه المالكي اليوم، كان قد لقي دعما ماديا ومعنويا من إيران منذ نهاية السبعينات وحتى اليوم، وأن جل قياداته كانت تقيم هناك أمثال إبراهيم الجعفري، قبل انتقاله إلى لندن، وعلي الأديب، بل إن الأجهزة الأمنية الإيرانية كانت قد خصصت لحزب الدعوة معسكرا خارج طهران لتدريب مسلحيه على القيام بأعمال عسكرية ضد القوات العراقية.

لعبة الكراسي السياسية في بدايتها في العراق حيث لم يبدأ بعد العد التنازلي للانتخابات النيابية، لكنها (اللعبة) كادت تطيح بالقيادي في المجلس الأعلى عادل عبد المهدي، نائب رئيس الجمهورية من خلال اتهام أحد أفراد حمايته بالتورط في جريمة السطو على مصرف الرافدين فرع الزوية، وربط الحادق بنائب رئيس الجمهورية من خلال الادعاء أن وزارة الداخلية وجدت الأموال بمقر جريدة العدالة التي يدعم صدورها عبد المهدي. بل إن وزير الداخلية العراقي جواد البولاني ألمح بقوة إلى «وجود قوى سياسية وراء منفذي حادثة المصرف». ووصف عبد المهدي محاولة الإيحاء باتهامه بأنها «عملية تصفيات سياسية».

وضمن عملية الصراع على كرسي الحكم في العراق جاءت تفجيرات ما أطلق عليه العراقيون «الأربعاء الدامي» أو «الأربعاء الأسود» التي استهدفت وزارات: الخارجية والمالية والتربية، وقد أعلن هوشيار زيباري صراحة أن «أجهزة أمنية متورطة في هذه التفجيرات».

السياسيون العراقيون يعتقدون بأن الانتخابات القادمة ستكون حاسمة ومهمة، هذا ما يؤكده علاوي الذي لا يحظى بدعم أو مباركة أو حتى موافقة إيرانية للوصول إلى رئاسة الحكومة ثانية بسبب تصريحاته العلنية عن الدور الإيراني في العراق، وعدم قيامه بزيارة إيران أو استقبال أي من المسؤولين الإيرانيين في بغداد، ويعتقد علاوي، رئيس القائمة العراقية الوطنية بأن الانتخابات المقبلة ستكون مهمة، وستحدد مستقبل الوضع في العراق وما سيكون عليه البلد في السنوات القادمة».

بينما يرى برهم صالح رئيسالحكومة الكردستانية الجديدة إن «الانتخابات القادمة ستكون حسما وأتمنى أن تؤدي إلى حكومة منسجمة ومتفقة على برنامج واضح وصريح لخدمة المواطن, حكومة ترفض نهج الاستئثار والإقصاء».