مانديلا الأكراد؟

زعيم حزب العمال الكردستاني تعلم نزعة الانتقام لكرامته من أمه.. ونجا من المشنقة لكنه لم ينج من السجن

TT

الآلاف من المتظاهرين الأكراد يحتشدون بشكل شبه دائم هذه الأيام للتعبير عن تمسكهم بتعديلات جذرية في التعامل مع الموضوع الكردي في تركيا. آخر هذه التجمعات كان قبل أيام في مدينة ديار بكر المعروفة بغالبيتها الكردية تحت غطاء «يوم السلم العالمي»، للتذكير مرة أخرى بأن مطالبهم العاجلة والملحة في مسائل الحريات والديمقراطية مازالت تنتظر، وأنهم لن يتخلوا عنها بمثل هذه السهولة رغم كل الانتقادات والاعتراضات والرفض الذي يواجهونه.

رئيس حزب المجتمع الديمقراطي أحمد تورك لا يتردد في التكرار علنا أن «المفتاح» هو عند عبد الله أوجلان في سجن إيمرالي، وأن المطلوب أولا وآخرا هو قبول هذا الرجل كمخاطب على طريق حل المسألة الكردية في تركيا على الرغم من الرفض الواسع من قبل الحكومة والمعارضة على السواء لمثل هذا الاقتراح.

رئيس بلدية ديار بكر عثمان باي دمير يتمسك باقتراح يردد منذ سنوات «تفضلوا نتعاون لتشييد هيكل باسم العيش المشترك يمثل الذين سقطوا ضحية هذا العنف من دون تمييز بينهم»، لكنه يعرف مسبقا أن المسألة لن تكون بمثل هذه البساطة، فقمة التناقض بالنسبة إلى الكثير من الأتراك أن يطالبوا بقبول أوجلان مخاطبا بينما هو يمضي عقوبة السجن مدى الحياة بتهمة التسبب في قتل الآلاف.

في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1998 تم إبعاد أوجلان من سورية، وذلك أمام الضغوط التركية والتهديد بعمل عسكري واسع ضد الأراضي السورية، فدمشق كانت المأوى الأهم لأوجلان وأنصاره تستخدمه كورقة ضغط أمني وسياسي في أزماتها الكثيرة مع أنقرة وقتها. وقد أجبر أوجلان عندها على التوجه إلى أوروبا، وأخذ في التنقل بين المدن والعواصم في محاولات مستميتة لانتزاع اللجوء السياسي بحماية من المخابرات اليونانية التي كانت هي الأخرى تلعب بورقته إلى أبعد الحدود في حربها المفتوحة مع تركيا. محطته الأخيرة كانت في كينيا حيث يقال إن عملية تركية أميركية إسرائيلية مشتركة قادت إلى اعتقاله وتسليمه إلى السلطات التركية في منتصف فبراير (شباط) من عام 1999.

نقل عبد الله أوجلان إلى جزيرة إيمرالي وسط بحر مرمرة، حيث بدأت محاكمته الشهيرة والتي تابعتها عن قرب مئات وسائل الإعلام التركية والعالمية. وخلال المحاكمة قام أوجلان، وبصورة مفاجئة، بتقديم الاعتذار لأسر الضحايا من الأتراك الذين قتلوا في هجمات حزب العمال، كما طالب أعضاء حزبه بتسليم السلاح وترك أعمال المقاومة المسلحة، وأبدى استعداده لأن يكون وسيطا بين تركيا وبين الأكراد. وعلى الرغم من أن هذا العرض كان من جانبه، فإن المحكمة التي تم تشكيلها خصيصا لمحاكمته رفضت عرضه، وأصدرت قرار الحكم بالإعدام شنقا ضده. وقد لاقى هذا القرار الدعم والتأييد في صفوف الأتراك، أما الدول الأوروبية فطالبت بعدم تنفيذ الحكم انسجاما مع إلغاء هذه العقوبة في دول المجموعة التي تصر تركيا على الالتحاق بها.

هو قال لنا بعد اعتقاله «أنا جاهز لتقديم كل ما يمكنني فعله حيال هذه الفرصة الجديدة المتاحة» أمامه، ومع ذلك ردد أكثر من مرة أن «الوصول إلى الطريق المسدود لا يلغي مسؤوليتي حيال ما جرى»، «لا أطالب بفيدرالية كالتي منحتها الولايات المتحدة للبارزاني في شمال العراق. تسويتي تتضمن حلا ديمقراطيا وفق المعايير الأوروبية. المهم هو فتح الطريق أمام تشكيل المنظمات وممارسة العمل السياسي الفعال في البلاد، وتوفير الأجواء التي تضمن إجراء ذلك بالتعاون مع الدولة التركية».

في رسالته بتاريخ 26 أبريل (نيسان) 1999 كان يقول «الحل يتم داخل نظام ديمقراطي. وطن مشترك ودولة واحدة عبر التحرك معا ضمن منطق التسامح وبعيدا عن لغة الانتقام». بعض أجهزة الإعلام التي رصدت عن قرب أقواله ومواقفه منذ أن اعتقل وحتى اليوم وناقشت التحولات الأساسية في فكره وطروحاته أوجزتها على النحو التالي: «حل للمسألة الكردية ضمن الدولة التركية الواحدة الموحدة، مسألة الحكم الذاتي غير واردة ضمن الحل المقترح، وليست جزءا منه، فنصف الأكراد هم في شرق تركيا بينما النصف الآخر في غربها». وبذلك يكون أوجلان قد ترك حزبه الماركسي اللينيني يتخبط وسط أزمة انشقاقات وتفكك سببها الأول الكثير من مواقفه التي فاجأت الجميع وحالة الفراغ في القيادة والارتباك الكبير الذي خلفته عملية الاعتقال التي دعمتها الكثير من العواصم والمنظمات الدولية والإقليمية التي تعتبر الحزب حركة إرهابية عالمية.

أوجلان أو «أبو» كما يلقبه الكثير هو «مناضل عمل لسنوات طويلة في خدمة قضيته» كما يقول أنصاره و«إرهابي يتحمل أسباب سقوط آلاف القتلى من الجانبين»، كما يقول الأتراك، فكيف تدرج وعاش حياته حتى الوصول إلى قيادة هذا الحزب؟

أوجلان من مواليد 1948، وأحد سبعة أطفال لعائلة قروية فقيرة عاشت في إحدى نواحي مدينة أورفا الواقعة على الحدود التركية السورية، حيث نشأ مثل بقية الصغار من أبناء سنه يعمل في الأرض والفلاحة وتربية المواشي.

كان يقطع كل يوم مسافة طويلة سيرا على الأقدام للوصول إلى مدرسته الابتدائية والعودة منها، واستمر على هذا المنوال مدة 5 سنوات كاملة كما قال في أكثر من مقابلة صحافية معه.

هو يروي في ذكرياته أن أول درس تعلمه في المجادلة والصراع في الحياة كان من والدته التي عنفته بسبب تعرضه للضرب من قبل أحد رفاقه بعد مشاجرة صبيانية خرج مهزوما منها، وهي لم تعف عنه إلى أن انتقم لنفسه من هذا الصديق بعد أيام.

التحق بالمدرسة المهنية فرع الهندسة الطوبوغرافية في أنقرة، وأنهى تعليمه بعد 7 سنوات. وما إن تخرج في الثانوية المهنية حتى بدأ العمل كموظف رسمي في إحدى دوائر «الطابو» في مدينة ديار بكر المعروفة بغالبيتها الكردية والتي حظيت بموقع رئيسي في انطلاقته وتأسيس حركته وحشد المناصرين. الإعلامي التركي محمد علي بيراند ينقل عنه أنه في مرحلة التعليم الثانوي كان متدينا مقربا من الطلبة الإسلاميين، إلى أن بدأ تدريجيا التعرف إلى اليسارية والماركسية في مطلع السبعينات عن طريق الصدفة ومن خلال كتاب يعرف بالاشتراكية وفلسفتها.

كان متمسكا بمتابعة التحصيل الجامعي منذ البداية، وهو لذلك التحق أولا بكلية الحقوق في جامعة إسطنبول، لكنه انتقل على الفور لدراسة الإدارة العامة في كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة، حيث تعرف عن قرب إلى قيادات الشباب اليسارية التي كانت تقوى وتنتشر في تلك الآونة، وبدأ في الكتابة وإلقاء الخطب التي تناقش حقوق الأكراد ومستقبلهم السياسي في البلاد، إلى أن تم اعتقاله في أبريل (نيسان) عام 1973 ليتعرف إلى السجن للمرة الأولى في حياته، حيث قضى بسبب نشاطاته هذه مدة ستة أشهر في حبس «ماماك» الشهير في قلب العاصمة التركية.

تزوج أوجلان من كسيرة عام 1978 رفيقة دربه في الحزب، لكن زواجهما انتهى بالانفصال، فهو كما قال «أبو» وقتها كان للتمويه ولإقناع السلطات التركية بأنه سيستقر في أنقرة. أسس أوجلان حزب العمال الكردستاني «بي كي كي» (PKK) في عام 1978 وظل رئيسه والمشرف العام عليه إلى أن اعتقل. وهو يقول إنه نجح في قراءة الأحداث الداخلية المتلاحقة في تركيا في أواخر السبعينات وتمكن من إخراج كوادره في الحزب إلى سورية والعراق قبل اعتقالهم، حيث توقع حدوث الانقلاب العسكري التركي في مطلع الثمانينات، كما نجح في المغادرة هو الآخر إلى سورية وسهل البقاع في لبنان، حيث قدمت له السلطات السورية الدعم الكامل وشيكا على بياض في حربه مع أنقرة التي كانت على خصومة معها وقتها وذلك على جميع الصعد العسكرية والسياسية والإعلامية.

وهناك وتحديدا في سهل البقاع اللبناني ومنطقة زحلة ومحيطها لقي دعم المنظمات الفلسطينية الماركسية القريبة من سورية، واستغل ذلك لإقامة الكثير من معسكرات التدريب، ونجح في عقد الكثير من مؤتمرات الحزب وحشد صفوف أنصاره، وإعلان اللجوء إلى السلاح ضد الجيش التركي والأهالي الواقفين إلى جانب الدولة وحماة القرى دون تمييز. وأطلق رسميا عملياته العسكرية المباشرة ضد الجيش التركي والمدنيين الأتراك عام 1984، وكانت أول عملية هجومية لحزبه قد أحدثت ضجيجا في تركيا بسبب ما خلفته من أضرار وخسائر بشرية وسياسية.

مع تزايد عمليات الحزب الهجومية وأمام حجم الخسائر والأضرار التي تسبب بها، شنت تركيا أكثر من عملية عسكرية مضادة ضد أنصاره ومواقعهم داخل تركيا وفي المناطق الحدودية، وانتزعت اتفاقية من العراق حول حق المطاردة داخل الأراضي العراقية، لكن كل هذه المحاولات لم تنجح في القضاء على عمليات الحزب ونشاطاته. وهكذا صدر القرار السياسي الاستراتيجي الأهم عام 1998، حيث اتهمت أنقرة دمشق مباشرة بدعمها للحزب وإيوائه، وقامت تركيا بتهديد سورية بإعلان حرب شاملة عليها بهدف القضاء على قواعد الحزب فوق أراضيها، مما حمل الأخيرة على أن تطلب من أوجلان مغادرة سورية ليبدأ مرحلة النهاية في حياته الحزبية.

قد لا نعرف تماما اليوم إذا ما كان أوجلان تخلى عن الكثير من أفكاره وطروحاته حول الانفصال ومشروع الدولة الكردية في تركيا أم لا، خصوصا في أعقاب سقوط الاتحاد السوفياتي، لكننا نعرف تحديدا ومن النقاش الدائر في تركيا أنه نجح إلى حد كبير في وضع القضية الكردية على الرغم من وصفه بالإرهابي من قبل المنظمات الدولية والدول الكبرى على طاولة الكثير من المنتديات الفكرية العالمية، وها هو يتمكن من توجيه الأنظار نحو سجنه في جزيرته المعزولة. فهو يلوح من بعيد بخارطة طريق جديدة للقضية الكردية في تركيا على الرغم من أن حكومة العدالة والتنمية تصر على أنها لا علاقة لها، مع أنها تردد أنها تريد إنهاء هذا الاقتتال الذي مضى عليه أكثر من ربع قرن، وقاد إلى آلاف القتلى والجرحى ومليارات الدولارات من الخسائر.

«العدالة والتنمية» الذي يناقش اللمسات الأخيرة على خطته الجديدة لإطلاق حملة إصلاحات سياسية ودستورية شاملة تضع حدا للمسألة الكردية المتفاعلة سلبا في تركيا، يصر وعلى لسان وزير الداخلية التركي بشير اتلاي أنه لم يذكر ولو مرة واحدة موضوع العفو في البلاد «نحن نقول دائما أن المطلوب هو أن تسلم الأسلحة إلى الدولة». وهذا ما ردده أيضا وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو بالحرف الواحد «لا يمكن أن يكون أوجلان هو المخاطب في أي مبادرة تركية». ومع ذلك فيبدو أمام هذا الاندفاع الذي أبدته حكومة العدالة والتنمية نحو الحل أنه لا يمكنها التراجع كما يقول عشرات الكتاب الليبراليين أو التردد أو التخلي عن حملة سياسة شاملة تعد لها بدقة وجدية. الجميع يعرف أن المهمة لن تكون بمثل هذه السهولة، وأنها لن تكون بمثابة النزهة لـ«العدالة والتنمية» الذي يتعرض منذ أسابيع لحملة اعتراضات وانتقادات ورفض المعارضة إلى جانب المؤسسة العسكرية التي حتى ولو دعمت جهود الحكومة في بيان مجلس الأمن القومي الأخير إلا أنها ذكرت بخطوطها الحمراء دائما.

مهمة الحكومة لن تكون بهذه السهولة أيضا لأنه على الرغم من محاولتها الاستفادة من آراء ودعم عشرات الكتاب والمثقفين والإعلاميين وحتى الفنانين بإقحامهم في محاولتها هذه يقفون إلى جانبها، وهذا ما حدث فعلا حتى الآن عندما تحرك الكاتب التركي المعروف كمال يشار والمغنية سازان أقصو وغيرهما لتهنئة الحكومة على تحركها هذا وتأييدها على طريق وقف إراقة الدماء، فالخطوة ما زالت في مهدها، ومنذ الآن تشتد العاصفة بين القوى السياسية في البلاد. فردا على اتهام زعيم حزب الحركة القومية دولت بهشلي لحزب العدالة والتنمية بأنه وبخطته الكردية يخدم مشروعا أميركيا، وأمام ما قاله السفير التركي المخضرم ونائب حزب الحركة القومي اليميني المتشدد الذي يصر هو الآخر على أن المشروع هو أميركي وأن الكثير من نواب «العدالة والتنمية» يرفضون ما يجري، وأن أصواتهم هذه ستظهر إلى العلن أمام أي مشروع تقدمه الحكومة للتصويت في مجلس النواب التركي، قال رئيس كتلة العدالة والتنمية البرلمانية بكير بوزداغ إن المشروع الأميركي هو الذي يخدم الانقسام، وهو الذي أنقذ أوجلان من حبل المشنقة غامزا من قناة أن حزب الحركة القومية كان وقتها شريكا في الائتلاف الحكومي ولم يفعل شيئا.

حزب الشعب الجمهوري المعارض يردد من ناحيته أن أوجلان لم يعد يملك أي أوراق سياسية يلعبها وتقوده إلى طاولة الحوار مع الحكومة التركية وأن المعتدلين في صفوف الأكراد هم الذين ينبغي محاورتهم ضمن أطر دستورية وسياسية واجتماعية محددة واضحة لا تهدد شكل النظام أو أسسه أو خصائصه. وهنا يتدخل الإعلامي قدري غورسال ليصر على أن الجميع في تركيا أمام حالة تموضع جديد، وأنها ستكون في جميع الأحوال مغامرة كبيرة، «فالخوف الحقيقي هو أن نجد أنفسنا ونحن نناقش مسائل مثل الانفصال عن تركيا أن يكون أوجلان هو المخاطب في النهاية».

وعلى الرغم من أن الإعلامي جنكيز تشاندار يحدثنا مرة أخرى عن أن انتقال المسألة من الإذابة إلى إعادة الدمج هذه هو اللغة الصحيحة التي كان ينبغي اعتمادها منذ البداية، فإن الكاتب والصحافي الليبرالي طه أقيول لا يخفي قلقه حيال طروحات أوجلان الجديدة إذا ما كانت فعلا صادرة عنه. فهو تراجع عن أقوال وآراء ما قبل 10 سنوات، وها هو اليوم يعود إلى مقولة الدولة الكردية ضمن الدولة التركية واحتفاظ الأكراد بقوة مسلحة للدفاع عن أنفسهم. وهو يريد تحويل عناصر حزب العمال إلى قوات بيشمركة. ولا شك في أن ما يدعو إليه أوجلان هو إقامة حكم قومي ذاتي فيدرالي.

«أبو» مصر على أن يكون العقدة والحل من مكانه في السجن، مستفيدا من هتافات آلاف الأكراد الذين يتدفقون إلى الشوارع في كل فرصة سانحة للهتاف باسمه والمطالبة بإطلاق سراحه. رسالته الأخيرة محيرة فعلا «يقال إن هذه المسألة تجري بأسلوب صدامي هذا صحيح، لكن الصدام الحقيقي سيكون بعدما أعلن عن خارطة الطريق التي أقترحها، حيث لن يكون بمقدوري أن أفعل أي شيء عندها». الإعلامي فكرت بيلا وهو يحدثنا عن خيبة الأمل التي تسبب بها «أبو» يقول «أوجلان حدثنا عن الدولة الكردية المنفصلة عن مؤسسات اجتماعية سياسية تعليمية يشرف عليها ويديرها الأكراد، والأهم من كل ذلك وجود أداة تحل مشاكلهم وخلافاتهم تكون بيدهم وتعنيهم وحدهم». هو بذلك وضع النقطة النهائية، وخيب آمال المراهنين على حل وسط يأتي من إيمرالي. وهذا ما يوافق عليه الباحث هاقان يلمز الذي يصر على أن أوجلان يحلل ويناقش بأسلوب متناقض، فهو يدعو مرة لقبول حزب المجتمع الديمقراطي طرفا على طاولة الحوار، ومرة أخرى يصر على أن يكون هو سيد اللعبة حتى من داخل سجنه. الأكاديمي حسين يايمان يردد في هذا الإطار «أوجلان ينبغي أن يظل بعيدا عما يجري في موضوع الانفتاح والمبادرة الحكومية، فحزب المجتمع الديمقراطي أثبت رشده، وهو قادر على التحدث مع الحكومة».

أوجلان شاغل الأتراك ومصدر قلقهم منذ أكثر من ربع قرن، حاول مرة أن يشبه نفسه بمانديلا عبر مسارعته بعد اعتقاله إلى طرح موضوع الحوار والسلم مع الأتراك. وها هو يحاول مرة أخرى العودة إلى واجهة الأحداث السياسية في تركيا وإثبات قدرته على الوقوف على الأقدام على الرغم من سنوات السجن الانفرادي والعزل. هو نجا من حبل المشنقة، لكنه لم ينج بعد من هذا السجن. ها هو يعود إلى الواجهة مرة جديدة معلنا أنه لاعب أساسي في الموضوع الكردي داخل تركيا. فهو على الرغم من كل ما تعرض له سيطالب بأن يكون المخاطب والمفاوض حتى من وراء القضبان، فمجموعة من المحامين الذين يحضرون كل أربعاء من دون استثناء وإهمال إلى جزيرته ينقلون الرسائل والأحاديث والتوصيات التي يحملهم إياها من دون كلل، مطالبا الأكراد الذين يؤيدونه بعدم التخلي عن عرفاتهم كما وصفوه.

مرة أخرى يقول أوجلان عكس ما قاله عام 1999 عندما اعتقل، حول الاعتذار ومد اليد والاستعداد للمساهمة في الحل ضمن حدود الدولة التركية، فهو هذه المرة يصر على ضرورة التعامل مع ما يجري بجدية أكبر، وإلا فإن حجم الأضرار سيكون أكبر وأشمل. لكننا نعرف أنه قطع الطريق على الكثير من محاولات مثقفين أكراد ليبراليين كانوا يخططون للجلوس إلى الطاولة من دون أن يكون بينهم.

يأخذ أنصار أوجلان عليه أنه يعشق لعبة كرة القدم حتى الجنون. كل الكرات ينبغي أن تكون أمامه وهو وحده الذي يسجل الأهداف، فهل ينجح هذه المرة في الإمساك بالكرة والاحتفاظ بها وتسجيل هدف سياسي يمكنه من مغادرة سجنه الانفرادي في جزيرة معزولة؟

محامو أوجلان يصرون على منحه الفرصة، فهو قد يكون عامل توحيد لا انقسام في هذه المرحلة. حزب المجتمع الديمقراطي يصر على أن الشرط الأول هو تعامل الإعلام بصورة مختلفة عن التي يقدمها اليوم حول أوجلان. لكن آلاف الأكراد في تجمعاتهم يبدو أنهم لن يكتفوا بذلك، وهم يهتفون مطالبين بالعفو العام الذي يعيد الجميع إلى نقطة البداية.. فهل يكون له ذلك؟