كلاي.. أبيض وأسود

محمد علي يكتشف أن جذوره بيضاء أيرلندية.. وشخصيته المثيرة للجدل تحتل دائرة الضوء مجددا

كلاي وجو فرايزر.. في إحدى المباريات (أ.ب)
TT

محمد علي كلاي في الواجهة من جديد. الأضواء لا تنحسر عن هذا الملاكم الأسطوري. وعلى الرغم من البقع الداكنة في مسيرة حياته، فإن له جاذبية كبيرة تجعله دائما داخل دائرة الضوء. ثمة جملة متداولة تقول إن فلانا «شخص مثير للجدل»، في بعض الأحيان تبدو هذه الجملة وكأنها تخص فقط محمد علي كلاي. في مرات كثيرة ظل كلاي شخصا مثيرا للجدل. وفي مرات كثيرة كان يعجبه أن يثير ضجيجا بتصرفاته وأقواله.

عندما دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما قيادات أميركية مسلمة إلى حفل إفطار رمضاني في البيت الأبيض مطلع هذا الشهر قال بإعجاب واضح: «نحن نعرف حين يأتي ذكر الأبطال الرياضيين الذين ألهموا أميركا، فإن أية قائمة ستضم رجلا يعرف بأنه الأعظم، وعلى الرغم من أن محمد علي كلاي ليس موجودا بيننا هذه الليلة، فإنه حري بنا التأمل في مساهمته الملحوظة، حيث برز كمقاتل لا مثيل له على الحلبة، وهو شخص له كرامة وكياسة ظل يقاتل من أجل ما يؤمن به، ويشمل ذلك تبنيه فكرة تقول إن أتباع جميع الديانات لديهم أشياء مشتركة. إنني أحب ما قاله ذات يوم، منذ سنوات قليلة مضت عبر عن وجهة نظره، وهذا جزء من أسباب أنه الأعظم، يومها قال: الأنهار والبرك والبحيرات والجداول، كلها لها أسماء مختلفة، لكنها جميعا تحتوي على الماء، تماما كما هي الديانات كلها تحتوي على الحقيقة».

تلك الليلة كان كلاي في قارة أخرى يبحث عن جذوره. الجذور هي هاجس جميع الأميركيين السود. وأهم كتاب في تاريخ الأدب الأفريقي الأميركي هو بلا جدال كتاب «الجذور».

الأفارقة الأميركيون، كما يطلق عليهم في الأوراق الرسمية يقتفون جذورهم في القارة الأفريقية. في بحثه عن الجذور، سيكتشف محمد علي كلاي أنه ليس أميركيا أسود، وبالتالي لا علاقة له من ناحية الأب بالقارة السمراء. بل هو ينحدر من جدود أيرلنديين اختلطوا مع السود. وهكذا أصبح كلاي أبيض أسود. كما هو شأن باراك أوباما الذي عكس الآية لأنه أسود من جهة الأب وأبيض من جهة الأم.

في مطلع الشهر الحالي زار كلاي بلدة «انيس» الأيرلندية لحضور حفل برفع الستار عن لوحة تحمل أسماء جدوده الأيرلنديين.

قام كلاي الذي يبلغ الآن من العمر 67 سنة بزيارة عاطفية وجدانية إلى أيرلندا، بحثا عن الجذور الأيرلندية، حيث التقى ببعض الأيرلنديين الذين تربطهم به علاقة قرابة بعيدة عن طريق جدوده.

في ذلك اليوم الذي وصل فيه «الأعظم» إلى بلدة «انيس» في غرب أيرلندا احتشد الآلاف لتحية موكبه، وهو يتجه إلى حيث اللوحة التذكارية التي تخلد ذكرى جده الأكبر «آبي قرادي». ارتدى المستقبلون أزياءهم الأيرلندية الملونة والتي تطغيها الألوان البيضاء والحمراء والزرقاء يلوحون بالإعلام الأيرلندية للبطل الذي فاز ثلاث مرات ببطولة الوزن الثقيل، وتراقص أكثر من مرة فوق حلبات أيرلندا. كانت صور كلاي تملأ المكان، ولم ينس الأيرلنديون السياسة في ذلك اليوم، حيث علقت صورة في البلدة تبين محمد علي كلاي بقبضته الفولاذية يوجه ضربة قاضية لأحد الساسة الأيرلنديين غير المحبوبين.

وكان كلاي خاض إحدى مبارياته التي لا تنسى في الملاكمة في العاصمة الأيرلندية دبلن عندما طرح أرضا الملاكم الفين لويس في يوليو (تموز) عام 1972.

ولم يتحدث كلاي الذي يعاني مرض باركنسون (الشلل الارتعاشي)، لكنه لوح بقبضته أمام الكاميرات، كما أنه ابتعد عن الحشود الطويلة من المعجبين الذين كانوا يطمعون في توقيع «الأعظم». وكانت مدارس المنطقة أغلقت من أجل إتاحة الفرصة أمام الطلاب لمشاهدة محمد علي كلاي «الأيرلندي». جاء ملاكمون من جميع أنحاء أيرلندا لحضور الاحتفال، بما في ذلك بعضهم الذين تدربوا معه في نيويورك. والتقى محمد علي كلاي عددا كبيرا من الأيرلنديين في البلدة التي تنحدر منها عشيرة «قرادي» التي ينتمي إليها الجد. الأيرلنديون مشهورون بمعرفته بأنسابهم، إلى حد القول إن أيرلندا هي البلد الوحيد في أوروبا الذي توجد فيها «قبائل وعشائر».

هاجر جد كلاي المنحدر من بلدة «انيس» إلى الولايات المتحدة عام 1860 حيث كان الأيرلنديون أيامئذ يعتبرونها «أرض الفرص التي لا تعوض». بعد وصوله إلى أرض الأحلام استقر الجد قرادي في ولاية كينتيكيت، وتزوج من امرأة سوداء تحررت من العبودية، وإحدى حفيدات الزوجين كانت هي أوديسا لي قرادي كلاي المرأة التي أنجبت محمد علي عام 1942. واستطاع مختص في عالم الأنساب أن يحدد هوية جد محمد علي كلاي عام 2002، لكن بطل الملاكمة الأشهر لم يزر بلدة جده إلا هذا الشهر.

نظم احتفال مبهر لكلاي في البلدة وعرضت شاشات كبيرة وقائع الحفل الذي نظم في قاعة البلدة الكبرى، عزف خلالها عازف الأكورديون شارون شانون أفضل ألحانه.

وقالت زوجة كلاي «يولاند» إن الدماء الأيرلندية التي تجري في عروق محمد علي كلاي ربما تفسر مهاراته الفائقة في ضرب خصومه بلكمات قاضية ورشقهم بعبارات قوية. واعتاد كلاي أن يطلق عبارات تسفيه شديدة قاسية ضد خصومه من الملاكمين قبل أن يصعد إلى الحلبة، وكانت تلك العبارات تحط من معنويات هؤلاء الخصوم قبل أن تبدأ جولات الملاكمة. والمعروف عن الأيرلنديين قدراتهم على السخرية من الآخرين وسلاطة اللسان والاستهزاء بالجميع.

قالت يولاند أيضا: «عندما تتابع مهارات محمد علي في الملاكمة وطريقته في الثرثرة ستدرك أنه من أصول أيرلندية، أنا متأكدة أنه لو كان جده على قيد الحياة لأقسم بأنه ينحدر منه، وأراهن أنه لو حضر هذا اليوم لكان يتحدث عنه في جميع الحانات».

مسار محمد علي كلاي فيه كثير من المنعرجات والمطبات، ومواقفه وتصرفاته أثارت خلافات بالقدر نفسه الذي أثارت إعجابا، لكن الجميع، من يحبونه ومن يمقتونه، يتفقون على أنه ملاكم أسطوري، يجيد اللكم وكان يتراقص في الحلبة مثل لاعب سيرك يرسل ضربات قوية ومؤثرة وخاطفة. وكان يقول عن نفسه إنه يسبح مثل الفراشة فوق الحلبة ويلسع خصومه لسعات على غرار لسعات النحل. وكان من أبرز خصومه الذين أسقطهم بالضربة القاضية الملاكمين جو فرايزر وجورج فورمان. وسجله يشير إلى أنه فاز بالضربة القاضية 37 مرة وبالنقاط 19 مرة ولم ينسحب قط من الحلبة وخسر خمس مرات فقط بالنقاط. وكان من أكثر ما جلب الشهرة إلى هذا الملاكم الفذ هو قدرته على التنبؤ بالجولة التي يطيح فيها بخصومه، وفي جميع المباريات صدقت تلك التوقعات، وهو ما جعل بعض معجبيه يطلقون عليه لقب (الساحر)».

من أبرز الملاسنات في تاريخ محمد علي كلاي تلك التي جرت مع الملاكم سوني ليستون، وكانت أولى مواجهاته مع ليستون تأجلت عندما علم منظم المباراة أن كلاي أصبحت له علاقات مع مالكوم إكس الشخصية التي أثارت كثيرا من الجدل في أميركا، حيث اعتبرت الجماعة التي ينتمي إليها وهي «أمة الإسلام» من الجماعات التي تبث الحقد والكراهية بين الأميركيين طبقا لما يعتقد خصومها. وقبل مباراته مع ليستون أطلق عليه كلاي لقب «أقبح شخص فظ في العالم» وفي إشارة إلى أنه سيجعله لن يرى شيئا بسبب «لسعات النحل» قال كلاي قبل تلك المباراة الأشهر في تاريخه: «لا يمكنك أن تضرب بيديك شيئا لا تراه عيناك».

بدأت رحلة محمد علي كلاي مع التقهقر في الملاكمة عندما فقد لقب البطولة عام 1978 أمام البطل الأولمبي ليون سبينكس. وبعد عدة مباريات تقاعد البطل الأسطورة بصفة نهائية عام 1981.

ولد هذا الملاكم البارع في رياضة يعشقها الأميركيون وقاموا بالترويج لها في كل أنحاء العالم، في مدينة «لويس فيل» في ولاية كنتكي في يناير (كانون الثاني) عام 1942، والعالم في معمعة الحرب العالمية الثانية. ولد في زمن الحرب والأوبئة، وستكون أشهر مواقفه مناهضة الحرب، حيث دخل السجن معارضا لحرب فيتنام.

والده هو كاسيوس مارسيلس كلاي، أطلق عليه هذا الاسم تيمنا باسم سياسي أميركي عاش في القرن التاسع عشر وكان من المطالبين بإلغاء الرق. عمل والده في تصميم وطلاء العلامات التجارية، وكانت والدته ربة منزل. وله شقيق واحد.

كان أول من وجه كلاي نحو الملاكمة هو ضابط الشرطة الأبيض جو مارتن الذي تعرف عليه كلاي بسب واقعة تتعلق بسرقة دراجة، وكان الضابط الأبيض اتهم كلاي بسرقة تلك الدراجة، ثم نال تدريبات أخرى على يد مدرب الملاكم الأسود فرد ستونر، وعمل كلاي معه في برنامج تلفزيوني في إحدى القنوات المحلية لقاء أربعة دولارات في الأسبوع. وكان ذلك أول أجر يتلقاه من ممارسة رياضة الملاكمة قبل أن تدر عليه ملايين الدولارات، وأصبح أجره أكبر أجر في تاريخ الملاكمة في العالم. وشرع كلاي يحصد الميداليات في ولاية كنتكي، ثم نال أول جائزة عالمية في الألعاب الصيفية في ألمبياد روما علام 1960، حيث حصل على ميدالية الملاكمة في وزن متوسط الثقيل.

وزعم كلاي أنه لم يحتفظ بهذه الميدالية بل قذف بها في نهر أوهايو عام 1974 عندما رفض أن تقدم له الخدمة في مطعم مخصص فقط للبيض، وهذه من الوقائع التي أثارت جدلا حول مدى صحته، إذ شكك كثيرون في أن يكون كلاي فعل ذلك، ويعتقد كثيرون أيضا أنه عادة ما يختلق بعض الوقائع لإثارة الانتباه والبقاء في دائرة الشهرة والأضواء، لكن الثابت أن كلاي سلمت له ميدالية بديلة في ألمبياد أتلانتا حين أشعل الشعلة الأولمبية عام 1996.

كان أكبر تحول في حياة كلاي حين انضم عام 1964 لجماعة «أمة الإسلام» وبدل اسمه من «كاسيوس» إلى «محمد علي» وفي عام 1975 أشهر إسلامه، وفي عام 1967 رفض أن يتجند في الجيش الأميركي حيث كان وقتها التجنيد إجباريا وبسبب معارضته لحرب فيتنام على أساس أن الإسلام يحرم قتل الأبرياء.

وجر عليه هذا الموقف كثيرا من المتاعب، إذ اعتقل ووجد مذنبا وسحب منه لقب البطولة في الملاكمة كما أن رخصته لمزاولة هذه الرياضة علقت مما أدى إلى أن يتوقف عن التنافس في حلبات الملاكمة لمدة أربع سنوات، وأثارت قضيته جدلا حتى وصلت إلى المحكمة العليا.

تقول بعض الروايات إن شقيق كلاي رودي أو رحمان كلاي هو الذي أشهر إسلامه في البداية ثم تبعه محمد علي كلاي، ويقول كلاي إنه انضم إلى جماعة «أمة الإسلام» قبل أن يواجه الملاكم ليستون للحصول على لقب بطولة الوزن الثقيل، بيد أنه أخفى ذلك حتى لا يؤثر الأمر على شعبيته.

وبما أن مشاعر الأميركيين كانت عدائية ضد جماعة «أمة الإسلام» فإن كلاي ناله كثير من هذه المشاعر عندما أعلن انضمامه لهذه الجماعة، كما ساورت الناس الشكوك بشأن بعض أفكاره التي أثارت كثيرا من النقاش. ومن ذلك دعوته إلى انفصال السود عن البيض، وقال مرة في هذا السياق: «نحن أتباع الحاج محمد (زعيم جماعة أمة الإسلام) لا نريد الاندماج في المجتمع. الاندماج خطأ. نحن لا نريد العيش مع البيض هذا كل ما في الأمر». وحول الزواج المختلط بين البيض والسود قال كلاي: «لا يوجد رجل أسود ذكي أو امرأة سوداء تريد أن يأتي إلى منزلها الأولاد أو البنات البيض من أجل الزواج بأبنائها وبناتها». وظل كلاي يعتقد دائما أن الرجال البيض هم «الشيطان» ولا يمكن أن يكونوا صالحين، لأنهم يكرهون السود.

وفي عام 1975 تحول محمد علي كلاي إلى الإسلام السني، وفي عام 2005 راح يميل إلى بعض الجماعات الصوفية، على الرغم من أنه لا يتحدث عن هذا الأمر.

كانت مناهضة محمد علي كلاي لحرب فيتنام من أكبر معاركه على الإطلاق. كان كلاي أخفق عام 1964 في اجتياز اختبار للانضمام للجيش بعد أن كانت نقاطه في الإملاء والكتابة دون المستوى. وفي عام 1966 تم تنقيح الاختبار ونجح كلاي في ذلك الاختبار، وهو ما كان يعني أنه أصبح مؤهلا للانضمام إلى الجيش. وكانت الولايات المتحدة تخوض في تلك الفترة حرب فيتنام وما جلبته من مآس على أميركا، وأعلن كلاي أنه لن ينضم للجيش الأميركي واعتبر نفسه من «معارضي الضمير» لتلك الحرب. وقال وقتها إنه لن يخوض الحرب لأسباب دينية. وقال وقتها أيضا: «لن أقاتل قوات الفيات كونغ (ثوار فيتنام) لأنهم لم يطلقوا علي أبدا اسم زنجي». وفي أبريل (نيسان) عام 1967 استدعي للانضمام للجيش، وعلى الرغم من تحذيره بأنه سيمضي عقوبة مدتها خمس سنوات في السجن وأداء غرامة قدرها عشرة آلاف دولار أصر على موقفه بعدم الانتقال إلى القاعدة العسكرية التي كان يفترض أن يتدرب بها. ومع استمرار رفضه في الاستجابة إلى دعوة التجنيد تقرر اعتقاله. ومع اتساع نطاق المعارضة لحرب فيتنام راح التأييد لموقف كلاي من تلك الحرب يزداد ويتسع، وفي عام 1971 راجعت المحكمة العليا الحكم ضده، خاصة مع تدخل ملاكمين أصدقاء له مثل جو فرايزر الذي كان بطل العالم آنذاك. إلا أن محمد علي كلاي بعدما عاد للملاكمة تنكر لجميل فرايزر عليه، وشن عليه حملة قاسية، قائلا إن فرايزر «أسود البشرة. أبيض الميول»، متهما فرايزر أن مموليه وداعميه من البيض، فيما داعمو وممولو كلاي من السود. أدت الاتهامات إلى مرارة كبيرة بين الرجلين، خاصة أن فرايزر كان خلال أزمة كلاي ومنعه من الملاكمة يقرضه المال ويعتبره صديقا في أزمة، إلا أن الإعلام استفاد من المرارة في علاقة الرجلين، فكانت الصحف تبيع كثيرا من النسخ عندما تنشر اتهاماتهم لبعضهما بعضا. كما أن العداء بينهما جعل المباريات المشتركة بينهما تشاهد على مستوي العالم كله. على الرغم من إصابته بمرض باركنسون عام 1984 الذي عادة ما يصيب الملاكمين بسبب اللكمات التي يتلقونها على رأسهم، ظل محمد علي كلاي شخصية محبوبة يتمتع بهالة شعبية. وصدرت عدة كتب عنه، من أبرزها الكتاب الذي سرد فيه قصة حياته مع بعض التلوينات وصدر عام 1991 بعنوان «محمد علي: حياته وأزمنته». وكتبه الكاتب والصحافي توماس هاستر.

وفي عام 1999 اعتبرته «بي بي سي» واحدا من أبرز الرياضيين في القرن العشرين. وقالت هيئة الإذاعة البريطانية وقتها إن الملاكم الأسطوري محمد علي كلاي فاز بلقب الشخصية الرياضية للقرن العشرين في احتفال أقامته الإذاعة لاختيار أفضل رياضيي القرن ضمن الاحتفالات بمناسبة حلول الألفية الثالثة من التاريخ. وقوبل محمد علي كلاي بعاصفة من التصفيق من الحضور خلال الحفل حيث وقف الجميع تحية للملاكم الذي فاز بلقب بطل العالم في الملاكمة ثلاث مرات.

وقال محمد علي كلاي في بيان أصدره بتلك المناسبة إنه منذ حضوره إلى بريطانيا لأول مرة عام 1963 لمواجهة الملاكم البريطاني هنري كوبر، شعر بود شديد تجاه الشعب البريطاني، وإنه يشعر بفخر شديد لتكريمه من قبل هيئة الإذاعة البريطانية كشخصية القرن الرياضية. ولم يكن كلاي يدرك وقته أن أصوله بريطانية وأيرلندية على وجه التحديد. وقدم له تلك الجائزة بطل العالم السابق إيفاندر هولي فيلد في حفل أقيم غربي لندن في احتفال عرضت خلاله أهم أحداث القرن الرياضية.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2002 اختارته الأمم المتحدة مبعوثا للسلام في أفغانستان، وسافر إلى كابول حيث أمضي عدة أيام يدعو إلى السلام. وخلال تلك الزيارة أمطرت تلميذات المدارس في أفغانستان محمد علي كلاي بأوراق الزهور، عندما زار مدرسة للفتيات في إطار مهمته كسفير سلام من الأمم المتحدة. ولم يتوان عن ملاطفة الحضور والتوقيع للتلميذات في دفاترهن على الرغم من تأثير مرض الرعاش العصبي (باركنسون) عليه. ولم تكن تلميذات المدرسة يعلمن قبل وصوله بهوية الشخصية الرفيعة التي تزور مدرستهن، لكنهن تعرفن عليه مباشرة وشكرنه على زيارة المدرسة. وحاول كلاي أن يقدم صورة ناصعة عن الإسلام الذي يحث على تعليم الفتيات، وكانت حركة طالبان أيام حكمها قد حرمت على الفتيات الدراسة في المدارس. وخلال السنوات الأخيرة كرس كلاي وقته لمساندة ودعم منظمات الإغاثة التي تعمل ضد المرض والجوع، كما عمل على دعم التعليم، وراح يجوب العالم يدعو لمكافحة الجوع. ويقول موقعه على الإنترنيت إنه قدم 22 مليون وجبة لجوعى حول العالم.

عرف محمد علي كلاي حياة اجتماعية غير مستقرة. تزوج أربع مرات وكانت له عدة عشيقات، وله سبع بنات وولدان من زيجاته الأربع. تزوج زوجته الأولى «سونجي روي» عام 1964 بعد شهر واحد من التعارف، واستمر زواجهما نحو سنة ونصف السنة، وطلقها بعد أن اختلف معها حول ضرورة ارتداء الزي الإسلامي. وفي عام 1967 تزوج من زوجته الثانية التي اعتنقت الإسلام وأصبح اسمها «خليلة علي» وأنجب مريم وجميلة وليبان ومحمد علي الصغير. ثم تعرف عام 1975 على الراقصة فيرونسيا بروش وتزوج بها عام 1977، وله منها بنتان هما هانا وليلى وانفصلا عام 1986. وفي العام نفسه تزوج زوجته الحالية يولاند التي اعتنقت بدورها الإسلام. وهو يقيم حاليا مع يولاند في مدينة «سكوتسدال» في ولاية أريزونا.

لم يكن محمد علي كلاي يرغب في أن يسير أبناؤه في طريقه باحتراف الملاكمة، والمفارقة أن الولدين لم يختارا هذه الرياضة العنيفة، بل ستختارها ابنته ليلى التي أصبحت ملاكمة عام 1999 على الرغم من أن والدها ظل يرفض احتراف النساء للملاكمة. ويقول كلاي «النساء لم يخلقن ليتعرضن للضب على صدورهن ووجوههن، وجسدهن يجب أن لا يتعرض للضرب. هذا أمر شاق». سيقول التاريخ إن محمد علي كلاي واحد من أبرز الملاكمين في التاريخ، إلا أن شخصيته بها جانب أسود وجانب أبيض، مثل كتاب «هايد آند جيكل»، أى «نصف طيب ونصف شرير»، إلا أن هذا كله يدخل في تقييم التاريخ والمؤرخين. فكلاي الأبيض الأسود من حيث العرق، سيبقى شخصية مثيرة الجدل. الذين يتسلقون سلم الشهرة يجرون معهم دائما حكايات غريبة ومثيرة للفضول. كلاي أحدهم.