المالكي.. من حزب الدعوة إلى حزب السلطة

تجربة سياسية تستنسخ سابقاتها.. وتؤدي إلى انشقاق حزبه للمرة الحادية عشرة

TT

«أنا الدولة، والدولة أنا»، مقولة للملك لويس السادس عشر، لكن حكام العراق هم من نفذ وعمل بتفاصيل مفهوم هذه المقولة أكثر مما فعل قائلها.

فمنذ أن اغتال العسكر فجر 14 يوليو (تموز) 1958 العهد الملكي بدساتيره وحكوماته وديمقراطياته وإنجازاته، وذبحوا ثم سحلوا جثث البناة الحقيقيين للدولة العراقية، وكان أبرزهم نوري سعيد باشا، وحكام العراق يتلبسون كرسي الحكم ويضعون الدولة في جيوبهم لتكون تحت تصرفهم، استهلالا بالزعيم عبد الكريم قاسم وحتى اليوم، وربما المستقبل.

قاسم حكم العراق بمنطق آمر وحدة عسكرية، واعتبر البلد بشعبه معسكرا كبيرا، فضاعت حساباته، وصدام حسين حكم انطلاقا من عقده العائلية والنفسية، ونافس لويس السادس عشر، بمقولاته التي لا تعد ولا تحصى. وحتى من عاد إلى الوطن بعد احتلال القوات الأميركية انطلق في حكمه للبلد من أكثر من عقدة، أولها عقدة المعارضة، وثانيها الرغبة العارمة في الانتقام والثأر، والثالثة أنهم غيروا نظام صدام حسين بفضل نضالاتهم وتضحياتهم. هذا ما يؤكده اعتراف أياد علاوي، رئيس أول حكومة بعد تغيير النظام، وهو أقل شعورا بوطأة هذه العقد كونه شخّصها مبكرا ونظر إليها بعين الطبيب والسياسي، عندما وصف أداء نوري المالكي، رئيس الحكومة الحالي، باعتباره «يعكس عدم الثقة بالنفس.. ويعكس أيضا أن قوى المعارضة العراقية، وأنا بضمنها، التي قاتلت نظام صدام حسين.. جاءت إلى الحكم بجهود دول كبرى.. ولم تأت بنفسها لتغير النظام في العراق، لهذا لا تمتلك الثقة بنفسها بشكل واضح.. وهذا يعكس خللا في الوضع العراقي، وخللا في الوضع الأمني، وخللا في الوضع السياسي العام».

في سلسلة العقد الكثيرة، التي تعاني منها قوى المعارضة وقادتها، وبضمنهم بالطبع المالكي بوصفه زعيم حزب كبير، ستبقى عقدتي (الحزب القائد) وصدام حسين (الرئيس القائد وحفظه الله)، متلبسة إلى حد تطبيق خطى (الديكتاتور) على وصف أعدائه، و(الرئيس الشهيد) كما يصفه أنصاره. هذه العقدة التي استفحلت وانعكست على تصرفات قوى المعارضة العراقية منذ أن كانت في الخارج، وتحولت إلى شعور «بعدم الثقة» على حد وصف علاوي، عندما عادت هذه القوى «على ظهور الدبابات الأميركية» كما ينظر إليها غالبية العراقيين الذين كانوا يعانون الأمرين في الداخل بسبب تصرفات أجهزة النظام السابق.

عقدة دفعت بهذه القوى لأن تدون في الدستور العراقي فقرة عن تحريم حزب البعث وتختلق أساليب لاجتثاثه ومتابعة أعضائه، عقدة دفعت برئيس الحكومة الحالية إلى إصدار قرار شديد اللهجة يأمر بغلق أبواب قبر صدام حسين ومنع زيارته، وهذا ما اضطر علاوي إلى التعليق قائلا «بعد سبع سنوات من تغيير النظام السابق تمنع الحكومة العراقيين من زيارة قبر صدام حسين، وبعد سبع سنوات يقولون للناس: احموا أنفسكم. وبعد سبع سنوات الحكومة تطارد البعثيين وتخاف من صدام وهو في قبره».

وفي مقارنة ليست مع، أو ضد، بين «الرئيس القائد» السابق، وهو كان أيضا رئيسا للحكومة، وبين دولة الرئيس الحالي، فإن قادة المعارضة العراقية، وكان المالكي أحدهم، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها اعتراضا على قصور صدام حسين، بينما يقيم المالكي اليوم بأحد هذه القصور. اعترضوا على صور صدام حسين التي غزت كل أنحاء البلد، وصور دولة الرئيس الحالي ترفع كبيرة في الاستعراضات العسكرية. تحدثوا عن خوف صدام حسين من الشعب وتحركه ضمن سور قوي ومنيع من فرق الحمايات، فأحاط المالكي نفسه بمدرعات أميركية وهو يتحرك حتى داخل المنطقة الخضراء المحمية بواسطة سيارات مصفحة، ويسور المنطقة التي يقيم فيها بجدران من الكونكريت المسلح، واضعا عند البوابة التي تؤدي إلى البوابة التي تمضي إلى الطريق الضيق الذي يقود إلى فريق حمايته، لافتة تقول «احذر الاقتراب هناك قوى مميتة».

وكما تشبث صدام حسين بالسلطة، وأزاح عن طريقه الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر، الذي كان الرجل الأول في الحزب والدولة، أزاح المالكي زعيم حزبه إبراهيم الجعفري في خضم صراعهما على السلطة. كان صدام حسين الرجل الثاني، ويتحرك في منطقة الظل، ظل البكر، وكذلك كان المالكي في حزب الدعوة الإسلامية الرجل الثاني الذي يتحرك في ظل الجعفري. اعتبرت قوى المعارضة العراقية تجربة الحزب الحاكم، والحزب الواحد أسلوبا ديكتاتوريا في قيادة البلد، وها هو حزب الدعوة يتشبث بالسلطة في طريقه لأن يكون الحزب الحاكم «لو سنحت له الظروف بذلك» حسب تأكيد أحد القياديين السابقين بالحزب.

إذ يشير هذا القيادي الذي عمل في خط الجعفري لحزب الدعوة، إلى أن «هناك أكثر من ستين مستشارا للمالكي كلهم من حزب الدعوة الإسلامية خط أبو إسراء، وليس بينهم أي شخص من حزب شيعي آخر، ناهيك عن عدم وجود سني أو من دين آخر حتى ولو لأغراض التمويه، والأكثر من هذا أنه أبعد عن دائرته، سواء الحزبية أو الحكومية، أي شخص يؤيد الجعفري، وصار يتصرف بالحزب تماما كما كان صدام يتصرف مع البعث».

حتى أسماء الرئيس الحالي للحكومة العراقية كانت عبارة عن لعبة تتأرجح بين الظل والضوء، فهو كان يتحرك في إيران وسورية باسم (أبو إسراء المالكي) ومنذ أن دخل إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي في أبريل (نيسان) 2003، وحتى إلى ما قبل ساعات من إعلانه رئيسا للحكومة العراقية في مايو (ايار) 2006، عرف بـ(جواد المالكي)، وقد تفاجأت الأوساط العراقية، السياسية والإعلامية والاجتماعية عندما حمل خبر تنصيبه رئيسا للوزراء اسم نوري المالكي.

فإذا بررنا استخدامه لألقاب وأسماء سرية عندما كان في المعارضة، ولأسباب أمنية، فإننا لا نعرف سر تمسكه باسم (جواد) في العراق عندما كان أحد أعمدة النظام الجديد. فهو عمل كعضو مناوب عن الأمين العام (وقتذاك) لحزب الدعوة إبراهيم الجعفري في مجلس الحكم العراقي الانتقالي، وشغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني المؤقت (البرلمان العراقي السابق)، وأسهم في تأسيس كتلة الائتلاف العراقي الموحد (الشيعية)، حيث كان الناطق الرسمي باسمها، وتوليه مسؤولية رئاسة لجنة الأمن والدفاع في الجمعية الوطنية، ومشاركته كعضو في لجنة صياغة الدستور العراقي، باسم مستعار، هو جواد المالكي.

لكن المقربين منه، من مستشارين وقياديين في الحكومة وحزب الدعوة، ما زالوا ينادونه بكنيته القديمة (أبو إسراء)، إذ يفضلونها على لقبه البروتوكولي (دولة الرئيس)، بل هم يشيرون بذلك إلى درجة قربهم منه، وربما هو الآخر يفضل أن ينادوه بهذه الكنية، وإسراء هي ابنته الكبرى، فله أربع بنات وولد من زوجة واحدة.

ويخطئ من يجانب الحقيقة، سواء عن قصدية، أو بلا قصدية، عندما يشير إلى أن المالكي ينحدر من أصول إيرانية، أو بالتحديد فارسية، بل على العكس من ذلك تماما فهو ينحدر من أصول عربية حقيقية، ذلك أن قبيلة بني مالك تمتد جذورها، مثل غالبية العشائر والقبائل العربية، في رمال الجزيرة العربية.

وحسب سيرته الذاتية المنشورة في موقعه على شبكة الإنترنت، فقد ولد «نوري كامل محمد حسن علي المالكي في قضاء طويريج الذي كان يسمى رسميا بقضاء الهندية، التابع لمحافظة كربلاء عام 1950». واستنادا إلى أحد أبناء بلدته طويريج، التي يعتمد سكانها على الزراعة والعمل كموظفين في دوائر الدولة، فإن المالكي عندما التقى أهله في بلدته التي يغلب عليها الطابع الريفي أكثر منه المديني، وبعد غياب ما يقرب من ربع قرن، شكا إليه أحد أقاربه، وكان معلما، من أوضاع المدارس والتعليم وسوء حالة المعلمين، فوعدهم ابنهم القادم من المنفى كمناضل في المعارضة العراقية بأنه سوف يعمل على تحسين هذه الأوضاع إذا وفقه الله وتم تعيينه مديرا لتربية محافظة كربلاء. إن مصدر فخر المالكي هو جده محمد حسن أبو المحاسن، الشخصية المعروفة والقيادي البارز في ثورة العشرين ووزير المعارف في العهد الملكي، والشاعر الذي أوقف شعره إلى قضيته ووطنه، غلب حب الوطن في شعره على تأريخه الديني كممثل للمرجعية آنذاك، وعلى موقعه كعضو في المجلس السياسي لقيادة ثورة العشرين، وعلى منصبه كوزير للمعارف عام 1925. إذ بقي المالكي متشبثا بإنجازات جده منذ أن كان شابا وحتى اليوم، فقد حصل على شهادة الماجستير بالأدب العربي من جامعة صلاح الدين الكردية في أربيل في دراسة شعر جده أبو المحاسن، كما أقام بداية العام الحالي مهرجانا ثقافيا كبيرا في مدينة كربلاء حمل اسم جده، وتعترف أوساط ثقافية عراقية بإنجازات أبو المحاسن الشعرية والوطنية. ويأخذ عليه معارضوه تمسكه بهذا الفخر، وهو حق مشروع له، مرددين بيت الشعر الذي ينسب للإمام علي بن أبي طالب: «إن الفتى من قال ها أنذا / ليس الفتى من قال كان أبي».

لا تذكر سيرته الذاتية تاريخ حصوله على شهادتي البكالوريوس من كلية أصول الدين بجامعة بغداد، ولا تاريخ نيله شهادة الماجستير من جامعة صلاح الدين، لكن الدكتور فؤاد معصوم، الذي كان رئيسا للجنة مناقشة أطروحته المقدمة كاستحقاق لحصوله على الماجستير ينسب ذلك إلى عام 1993 بعد أن كان مسجلا في الجامعة اللبنانية في بيروت، وبسبب سوء الأوضاع الأمنية هناك أكمل دراسته العليا في جامعة صلاح الدين.

انضم المالكي إلى حزب الدعوة الإسلامية عام 1970، حيث كان هذا الحزب الشيعي من ألد أعداء النظام البعثي في العراق، ونفذ بعض التفجيرات داخل بعض المدن، مما دفع بالنظام إلى أن يتصرف بردود فعل عنيفة أدت إلى إعدام كل من يثبت انتماؤه إلى حزب الدعوة الإسلامية، وقد شملت هذه الإعدامات طلبة وشبابا في العشرينات من أعمارهم، وهذا ما أدى بالمالكي إلى الهروب إلى سورية عام 1979 مع غالبية قيادات الدعوة ومنهم إبراهيم الجعفري رئيس الحكومة السابق، ثم الانتقال إلى إيران عام 1982 بعد أن توطدت دعائم الثورة الإسلامية بقيادة الخميني، حيث اعتبر المسيسون من الشيعة أن إيران هي بمثابة موسكو للشيوعيين سابقا، وكانوا ينظرون إلى طهران كعاصمة للنضال الثوري الإسلامي في العالم، وقد رحب الحرس الثوري الإيراني بعناصر هذا الحزب واستقبلهم في معسكرات لإيوائهم وتدريبهم، ومن ثم دعمهم لتنفيذ عمليات قتالية داخل العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988).

وكان المالكي قد أصبح عضوا قياديا في الحزب وكلف ليكون مسؤول تنظيمات الداخل «طيلة فترة تواجده في المنفى الذي قطعه في مناسبات عدة لتفقد أنشطة وتشكيلات الحزب داخل العراق». أدى تعاون عناصر حزب الدعوة الإسلامية مع دولة هي في حالة حرب مع العراق إلى تحويلهم من موقع النضال إلى موقع الخيانة العظمى، حسب مفاهيم الحروب في العالم، وحسب نظرة القوات المسلحة العراقية التي كانت بقيادة صدام حسين الذي وجد مبررا، من غير أن يكون بحاجة له، للبطش في من يشك بانتمائه للدعوة وبالمقربين منهم. تقول سيرته الذاتية إن «المالكي تولى في المنفى مسؤولية الإشراف على صحيفة الموقف الرياضية، وكتب العديد من المقالات في المجالين السياسي والفكري، وكان عضوا فاعلا في جميع مؤتمرات الحزب التي عقدت في شمال العراق (كردستان العراق) وخارجه، وكانت له مداخلات وآراء وطروحات أسهمت في تصويب مسار القوى السياسية المعارضة للنظام بمختلف اتجاهاتها السياسية والفكرية والتي يمتاز بعلاقة وثيقة معها» إلا أن عرى هذه العلاقة سرعان ما انفصمت في الداخل بعد أن أزاحت القوات الأميركية نظام صدام حسين، بل إن علاقات المالكي قد انتهت حتى مع أقرب وأبرز قائد للحزب على مدى سنوات طويلة وهو الجعفري بعد أن تنافس الاثنان على منصب رئاسة الحكومة، بعد الانتخابات الماضية، وتم الإبقاء على منصب الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية لزعيم الحزب ورئيس الحكومة السابق.

لكن العلاقة بين زعامة الحزب ورئاسة الحكومة لا تنفصم، حسبما يفهمها قادة الدعوة الإسلامية، الإمساك بتفاحتي السلطتين، الحزبية والحكومية، إذ إن كلتيهما تؤدي إلى الأخرى، فزعامة الحزب تقود إلى كرسي رئاسة الحكومة، والإمساك بمنصب الرئاسة يؤدي إلى قوة الحزب، لهذا عندما أجبر الجعفري على إفلات سيطرته عن السلطة الحكومية انتهت سلطته الحزبية وسرعان ما انتهى دوره في الحزب الذي عمل فيه على مدى سنوات طويلة.

وهكذا كان لا بد للجعفري أن يبحث عن قناة أخرى تقوده إلى السلطة ثانية، فأسس بعد أقل من شهر من خروجه من قيادة الحزب والحكومة تيار الإصلاح الوطني، بعيد انتخاب المالكي أمينا عاما لحزب الدعوة الإسلامية الذي اعتبر خطوة سلفه (الجعفري) انشقاقا عن الحزب، حسب بيان الحزب في السادس من يونيو (حزيران) 2006، والذي جاء فيه أن إعلان الدكتور إبراهيم الجعفري عن تيار الإصلاح الوطني هو «تحرك ذاتي لا تربطه علاقة تنظيمية بحزب الدعوة الإسلامية».

لقد تعرض حزب الدعوة عبر تاريخه إلى انشقاقات عديدة بسبب التنافس والصراع على الزعامة مرات، والاختلاف بوجهات النظر مرة. وحسب الكاتب والباحث السياسي صلاح خرسان، فإنه يرصد في مؤلفه (حزب الدعوة الإسلامية، حقائق ووثائق) الصادر في بيروت عام 1999، الانشقاقات التي حدثت في هذا الحزب، إضافة إلى الانشقاق الأخير الذي قاده الجعفري عام 2006 وهو الانشقاق الحادي عشر.

ـ «عام 1960 حدث انشقاق في تنظيم بغداد بعد أن انشقت عن الحزب لجنة الكرادة وصارت تدعى جند الإمام بقيادة سامي البدري، وما زال هذا التنظيم موجودا.

ـ عام 1975 تشكلت لجنة العراق وتركزت قيادة الدعوة بين محمد هادي السبتي ومعه الشيخ علي الكوراني عوضا عن الشيخ عارف البصري بعد أن أعدم.

ـ عام 1977 حدث انشقاق في لجنة العراق إلى: الخط البصري (بقيادة عبد الأمير المنصوري)، ولجنة العراق (محمد هادي السبتي). ـ عام 1978 بدء التيار الفارسي (بالحزب) بالالتفاف حول الخميني. قام الشيخ محمد مهدي الآصفي بالذهاب إلى فرنسا لتقديم التأييد المطلق للخميني. ـ عام 1979م تولى لجنة البصرة محمد مهدي الآصفي وأراد نقل قيادة الدعوة إلى إيران فرفضت القيادة. ـ في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1981 حدث مؤتمر الشهيد الصدر وضم سبعة أفراد من القيادة منهم الآصفي وإبراهيم الجعفري وأرادوا رأب الصدع فوافقوا على مقترح الآصفي لزيارة الخميني وكانت الزيارة الأولى والأخيرة، وعلى إثرها تأزمت العلاقة بين الخطين ولم تحل الإشكالات مع الخميني.

ـ عام 1984 حدث انشقاق بين المرجعيات الفارسية المتمثلة بالآصفي وكاظم الحائري فكونوا حزب الدعوة الإسلامي ـ المجلس الفقهي.

ـ عام 1988 وفي مؤتمر الحوراء تكرس هذا الشقاق وصار اسم المنشقين (حزب الدعوة الإسلامية ـ ولاية الفقيه).

ـ عام 1997 أثار الآصفي والحائري مشكلة كبيرة وأرادا إدخال ممثل الخامنئي فأثار ذلك عدة خطوط ضمن (حزب) وهي: خط الشيخ الآصفي (حزب الدعوة الإسلامية/ ولاية الفقيه)، خط الدكتور خضير موسى جعفر (حزب الدعوة/ تنظيم العراق)، خط السيد هاشم ناصر محمود ـ خط إبراهيم الجعفري (حزب الدعوة الإسلامية)، خط البصرة (الدعوة الإسلامية) والذي تحول إلى حركة الدعوة الإسلامية بقيادة عبد الزهرة عثمان (عز الدين سليم). وبين فصائل الدعوة هذه بعض خطوط الالتقاء والتقارب أهمها الاتفاق على ما يسمى في أوساطهم باسم خط الدعوة، لكن توجد إلى جانب ذلك نقاط اختلاف أو تباين أخرى، منها الموقف من الديمقراطية وولاية الفقيه والنظر من حيث قبولها وطبيعتها، ومسألة الانفتاح السياسي على القوى العلمانية والدول الأجنبية. ولا يخفى ما للمغتربين من أثر في زعامة حزب الدعوة ـ الخط التقليدي».

ولم تنته القطيعة أو العدائية بين الزعيم السابق واللاحق لحزب الدعوة عند هذه الحدود، فعندما شعر المالكي أن سلفه سينافسه في الانتخابات القادمة، وأنه يسعى لأن يكون رئيسا للحكومة ثانية، رفض التحالف مع الائتلاف الشيعي الجديد الذي كان هو أحد أبرز مؤسسيه، وفرض شروطا للدخول إلى هذا التحالف، في مقدمتها تهميش الجعفري والتيار الصدري، وأن يضمن له الائتلاف رئاسة الحكومة القادمة، وأن يتمتع حزبه بـ 51% من المقاعد التي سيحصدها الائتلاف في الانتخابات المقبلة.

إن التشبث بالسلطة جزء من غريزة الحاكم الذي يؤمن بمقولة الملك لويس السادس عشر«أنا الدولة والدولة أنا»، وفي هذا السعي للبقاء على كرسي الحكم لن يتوانى الحاكم عن جرف من هو أمامه ومن يشعر بخطورتهم عملا بمبدأ ميكافيللي «الغاية تبرر الوسيلة»، هكذا فعل صدام حسين، فبالإضافة إلى تخلص المالكي من منافسه الجعفري، الذي يسعى لاسترداد زعامته الحزبية والحكومية، فإنه أيضا (المالكي) شعر بخطورة عادل عبد المهدي، القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي، ومرشحهم الوحيد لرئاسة الحكومة المقبلة، حسبما أكد مصدر في الائتلاف الوطني العراقي.

لهذا كان لا بد من أن يجرف في بلدوزره منفس يبدو أكثر خطورة من الجعفري، فكانت معركة مصرف الرافدين فرع الزوية التي أوحت تصريحات حكومية عن تورط عبد المهدي بهذه القضية، ووصف نائب رئيس الجمهورية هذه التصريحات بأنها «تصفية حسابات سياسية تسبق الانتخابات».

وعندما مرت عاصفة المصرف من غير أن تمس سمعة عادل عبد المهدي، راح رئيس الحكومة يتجاوز على صلاحيات مجلس رئاسة الجمهورية، مما اضطر نائب رئيس الجمهورية (عبد المهدي) لتوجيه رسالة واضحة إلى رئيس الحكومة يحذره فيها من المس بصلاحياته وصلاحيات رئاسة الجمهورية من خلال سياسيين وإعلاميين عراقيين تحدث إليهم عبد المهدي بمناسبة دعوة إفطار رمضانية، وقال إن «من يعتقد بأن الرئاسة سلطتها تشريفية فهو واهم، والدستور واضح في هذه المسألة، فصلاحيات رئاسة الجمهوريّة لا تختلف عن الصلاحيات والدور الذي يلعبه مجلس الشيوخ في أميركا، كما للسلطة التنفيذية دستورياً الحق في تقديم القوانين للبرلمان فالأمر كذلك ينطبق على رئاسة الجمهورية» معبرا عن أسفه، بقوله «لكن وللأسف أقولها إن السلطة التنفيذية حاولت تعويق عمل رئاسة الجمهورية في جميع المراحل ولكن بنسب مختلفة».

لم يتحرر المالكي من أسلوب عمل المعارضة العراقية، وبالإضافة إلى تمسكه باسمه الحركي أو الحزبي (جواد المالكي) سنوات طويلة داخل العراق، فإن السرية التامة تسبغ عمله الحزبي والحكومي، ففي المؤتمر العام لحزب الدعوة الإسلامية الذي كان قد عقد الشهر الماضي، والذي فرضت عليه سرية حديدية، باستثناء جلسة الافتتاح، حرص الأمين العام للحزب، والذي تم التجديد له كزعيم للدعوة، على عدم نشر أو ذكر أية تفاصيل أو أخبار عن هذا المؤتمر الذي كاد يضيف انشقاقا آخر للحزب، إذ اعترض علي الأديب، القيادي في الحزب، على أن يجمع المالكي بين زعامة الحزب والحكومة، وأصر المالكي على موقعه حتى لو أن الحزب تعرض للانهيار، فهو يعرف أنه طالما يترأس الحكومة فإن حزبه سيبقى قويا، ولن يتخلى عنه المقربون منه.

وفي هذا الإطار لم يعلن عن نتائج المؤتمر ولا عن أسماء القياديين التسعة الذين تم انتخابهم لقيادة الحزب، بحجة الحفاظ على سرية الأسماء لظروف أمنية، وقد سرب بعض المؤتمرين بعض أسماء المقربين من رئيس الحكومة ويحسبون عليه، ومن الذين عمل المالكي على ترقيتهم ليكونوا ضمن قيادة الحزب، بينهم صادق الركابي وطارق نجم وحيدر العبادي إضافة إلى علي الأديب.