كيف تعيش إمبراطورة إيران السابقة؟

تتحرك بجواز سفر مصري وتستيقظ على الإنترنت.. وتحولت إلى مراقب بعد أن كانت هي محط المراقبة

فرح بهلوي مع أفراد عائلتها («الشرق الأوسط»)
TT

طوال عشرين عاما كان يُفرش لها السجاد الأحمر أينما حلت في العالم. اليوم باتت تقف في أرتال طويلة بانتظار أن يختم جواز سفرها.. مثلها مثل أي شخص آخر. هي إمبراطورة إيران فرح بهلوي التي تعيش في المنفى منذ 30 عاما. عندما تروي التغييرات التي طرأت على حياتها بعد أن خسرت وزوجها السلطة، تضحك وتقول: «الحمد لله أني أتمتع بحس الدعابة».

من إمبراطورة حازت على شهرة عالمية ذات جدول أعمال حافل طوال اليوم، تتحمل مسؤوليات رسمية كزوجة حاكم أكثر من 30 مليون شخص حينها.. إلى امرأة لا يتعرف عليها إلا القلائل، من دون وظيفة رسمية والكثير من الأوقات الحرة لتملأها. مع عودة إيران إلى الأضواء بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة مع تفجر مظاهرات شعبية ذكرت بأيام الثورة الإسلامية، تعود «الشرق الأوسط» إلى الماضي قليلا، لتلقي نظرة سريعة على حياة امرأة حكم زوجها إيران يوما لنحو أربعة عقود من الزمن. في شقة متواضعة وسط باريس، كان اللقاء. المكان ظل مجهولا حتى اللحظة الأخيرة لأسباب أمنية، وتبدل قبل وقت قصير من المقابلة. كان التشديد على ضرورة إبقاء المعلومات سرية. عنوان، ورمز للبوابة الرئيسية، وتوجيهات دقيقة للتحرك داخل المبنى، أوصلتنا إلى شقة حيث كانت فرح بهلوي بالانتظار في غرفة الجلوس. كانت الإمبراطورة التي تبلغ من العمر 70 عاما، تنتظر وحدها. بدت متألقة بثوب أزرق صيفي وحذاء كعبه عال على الرغم من طول قامتها.. وأصغر بكثير من سنها. بفرنسية طلقة، رحبت بنا في منزل قالت إنه لصديقتها. وعلى الرغم من أنها تتحدث الإنجليزية أيضا بطلاقة، فإن الفرنسية كانت اللغة التي تعلمتها في البداية منذ أيام الدراسة، ومارستها خلال دراستها الجامعية التي قضتها في باريس قبل أن تلتقي الشاه، وتترك الهندسة المعمارية لتقترن به. «بأي لغة تفضلين إجراء المقابلة؟» سألت وهي تؤكد أن لا فرق لديها بين اللغتين. على شمال الأريكة التي جلست عليها، كانت صور أولادها وأحفادها مسندة إلى طاولة صغيرة في زاوية الغرفة. الحرّ كان شديدا، والغرفة كانت خالية من مكيفات الهواء أو حتى المراوح. اقترحت الإمبراطورة أن نترك النوافذ مفتوحة على الرغم من ضجيج الشارع. وعلى وقع ضوضاء باريس، بدأت المقابلة بإصرار بهلوي على التطرق لأحداث إيران الحالية. كان ردها على السؤال الأول حول شعورها تجاه عدم السماح لها بالعودة إلى بلادها، وإرغامها على العيش في المنفى: «بالطبع العيش في المنفى صعب جدا لأني اشتاق لبلدي ولمواطني.. ولكن أكثر ما يهمني اليوم هو الوضع في إيران». ترى أن كل شيء مختلف في المنفى، وتستشهد بقول شاعر إيراني كان أيضا في المنفى بكاليفورنيا كان يقول: «هذا بيت جميل ولكنه ليس بيتي».

وتعود بعد حديثها المختصر عن المنفى لتتحدث عن الأوضاع في إيران اليوم. تتذكر في البداية كيف كانت البلاد في عهد الشاه. تسرد بشيء من الحزن، والتمهل، الحقول التي عملت وزوجها على تطويرها. ثم تضيف: «عملنا أنا وزوجي بجهد لكي نجعل إيران دولة متطورة وبلدا ينعم بالاستقرار.. ذا علاقات جيدة مع جيرانه ومع الغرب.. إيران كانت بلدا محترما في الخارج. من كل النواحي، كانت تتقدم إلى الأمام بسبب الطاقة الطبيعية والبشرية التي كانت لدينا ولا تزال». ثم تعود إلى الحاضر وتقول: «من المحزن جدا أن نرى الوضع هناك اليوم، والأمن والاستقرار في المنطقة. لو كانت إيران لا تزال كما كانت في عهد الشاه، ربما ما كان السوفيات ليغزوا أفغانستان، وما كانت حرب العراق إيران لتحدث، وحرب الخليج.. وهذا التطرف الإسلامي الذي انتشر في المنطقة». الحنين إلى الماضي، إلى إيران التي عرفتها وعاشت فيها، كان ظاهرا في صوتها. لم تشأ أن تتحدث كثيرا عن الماضي. تسأل: «ما النفع؟ لا يمكن تغييره». تفكر قليلا قبل أن تجيب على ما إذا كان هناك شيء بإمكانها أن تفعله بطريقة مختلفة لتغير مصيرها. ثم ترد: «هذا ما نفعله نحن الإيرانيين. نجلس ونقول لو فعلنا هذا أو ذاك. ولكن لا جدوى من التفكير في الماضي، لا يمكن تغييره إلا من خلال التفكير في اليوم وغدا». توزع اللوم في انهيار الملكية في إيران على الجميع، وتذكرهم كلهم.. باستثناء الشاه. تقول: «كان خطأ الجميع في رأيي؛ الحكومة وكل الذين ظنوا أن الخميني سيحقق لهم ما يحلمون به مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة». تتحدث عن الصحافة الغربية التي كانت تنتقد الشاه بشدة أيام الثورة، بشيء من المرارة. وتتمنى «لو فعلوا منذ 30 عاما ما فعلوا بالشاه». تضيف: «بقوا صامتين طوال 30 عاما. اليوم أصبحوا يتحدثون (انتقادا لانتهاكات حقوق الإنسان) لأن الأمر صار واضحا جدا. لكن في السابق الصحافيون الذين جاؤوا من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، كانوا أكثر ملكية من الملك.. لو اهتم العالم فعلا بحقوق الإنسان، لما كانوا انتظروا كل هذا الوقت».

وتشير أيضا إلى الأجواء الإقليمية التي ساهمت في اندلاع الثورة، وتذكر بأن الحرب الباردة كانت دائرة وأن «السوفيات لطالما حلموا بدخول إيران والخليج الفارسي». وتعتبر أن التدخلات الخارجية بدأت تظهر «لأن إيران كانت قد أصبحت قوية وتتحدث بصوت عال».

الثورة الإسلامية بالنسبة إليها كانت أشبه بـ«هستيريا جماعية». تقول: «لم نكن بحاجة لكل هذه الثورة الفظيعة.. الإصلاحات كانت في طريقها». وتضيف: «المتظاهرون، والشيوعيون الذين انضموا إلى رجال الدين، ونزلوا إلى الشوارع ينادون بمزيد من الحرية السياسية تحت راية الخميني، ظنوا أنه إذا غادر الشاه سيصبحون هم في السلطة. وقد صدموا من دون شك بعد أن تبين أن الخميني استعملهم وتخلى عنهم في ما بعد وقتل الآلاف منهم فيما غادر الكثيرون البلاد». ولكنها تمني نفسها بالتأكيد بأن «كثيرا من الإيرانيين الذين وقفوا ضد الشاه حينها كانت لديهم الشجاعة اليوم ليعترفوا بأنهم ارتكبوا خطأ، ويقولون إنه كان عليهم أن يدعموا الشاه بطريقة إيجابية ومن ثم ينتقدوا ما يجب انتقاده». بين الماضي والحاضر لا مجال للمقارنة في أي حقل، بالنسبة لبهلوي، حتى في مجال انتهاكات حقوق الإنسان. عندما تحدثت عن المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع مطالبين بحرية سياسية أكبر، بدت وكأنها تعترف بخلل ما في عهد حكم زوجها، من دون أن توضح ذلك بشكل مباشر. وعندما تطرقت لأوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في إيران اليوم، والانتهاكات الحاصلة داخل السجون وشنق القاصرين.. رفضت تشبيه هذه الانتهاكات بتلك التي حصلت في عهد الشاه، على الرغم من أنها في البداية لم تنف حدوثها بشكل قاطع عندما قالت: «بعض الأشخاص يقولون هذا، لكن ليس عذرا لأن نقبل ما يحصل اليوم لأنه في السابق كانت هناك انتهاكات لحقوق الإنسان». ولكنها تابعت توضح أنه «في الأصل لا مجال للمقارنة لأن هذا غير صحيح». وحتى إنها في مكان لاحق في حديثها، بدت وكأنها تدافع عن السافاك عندما قالت: «حتى الذين هم اليوم في المعارضة في إيران، مثل كروبي، سمعته يروي أنهم جاؤوا مرة لاعتقاله لأنه كان ضد الشاه، وتصرفوا بطريقة مهذبة.. وهناك امرأة أخرى زوجها في السجن اليوم سمعتها تقول الأمر نفسه على الراديو». التعذيب في السجون وانتهاكات حقوق الإنسان في عهد بهلوي، كلها كانت «بروباغاندا للتخلص من الشاه»، برأي الإمبراطورة المنفية. وتؤكد أن الأخبار التي تطفو اليوم عن انتهاكات حقوق الإنسان، هي أكثر بكثير من تلك التي كانت تسمع في عهد الشاه. بعيدا عن الماضي.. وعن السياسة في إيران، لا تزال بهلوي التي تقضي أيامها تتنقل بين منزليها في باريس ونيويورك، تشعر بأنها إمبراطورة تتحمل مسؤوليات تجاه مواطنيها.. ولكن أيضا في أوقات أخرى، تشعر بأنها شخص عادي يتمتع بمساحة حرية أوسع تسمح لها بالتخلي أحيانا عن ثوب الإمبراطورية والمسؤوليات التي ترافقها. تقضي فصلي الخريف والربيع في منزلها في نيويورك، بينما تعود إلى باريس في أيام السنة الأخرى. كل عام في ذكرى وفاة زوجها، تعود إلى مصر لتزور قبره. وتؤكد أنها لا تزال على اتصال بعائلة الرئيس الراحل أنور السادات الذي منحها وزوجها اللجوء بعد مغادرتهما إيران. تسافر أحيانا إلى المغرب لقضاء عطلة مع أصدقاء لها هناك، في مراكش أو في قرية صغيرة بالقرب من أغادير. هناك تشعر أنها في إجازة. تروي أن أيامها دائما مليئة بالانشغالات ومتابعة الأخبار القادمة من إيران والرد على رسائل إلكترونية تتلقاها وفاكسات وتلبية دعوات افتتاح معارض وغيره. «من اللحظة التي أستيقظ فيها، أول ما أفعله هو أن أفتح الإنترنت على الإذاعات الناطقة بالإيرانية لاستمع للأخبار، وما يفرحني أن الناس على الرغم من كل الصعوبات يمكنهم الاتصال من إيران.. ويهمني أيضا الاستماع إلى تعليقات السياسيين والمحللين». بعد ذلك، تجلس على مكتبها للإجابة عن كل الرسائل التي تتلقاها، ثم تجري مقابلات.. وتقول: «طوال اليوم هذا ما أقوم به. وهذا الأمر يدوم حتى منتصف الليل تقريبا». وتضيف: «لا يمكنني التوقف والقول إنني لست مهتمة بما يحصل في بلادي». تشير إلى أن كثيرين لا يزالون يعاملونها كما كان في السابق، وكأنها لا تزال الإمبراطورة الحاكمة. تتلقى طلبات شخصية أحيانا مثل التوسط مع دولة ما لحل مشكلة إقامة. وآخرون يطلبون منها مساعدات مالية، ولكنها تقول إن تلبية هكذا طلبات مستحيلة، لأنها كثيرة جدا. وكما تحاول بهلوي تجنب الحديث عن الماضي، تتجنب أيضا الحديث عن ثروتها. تسأل: «ما نفع الحديث عن المال؟ إذا قلت لديك مليون دولار، لا أعرف كم من نسبة العالم، 90 في المائة ربما سيعتبرون هذا كثيرا من المال. ولكن بالنسبة للذين عليهم أن يعيشوا ويكونون نشطين، هذا المبلغ لا شيء. لذلك لا داع لإعطاء أرقام». وتضيف: «الأهم هو أنه لا أنا ولا زوجي كنا مهتمين بالمال. أتمنى لو كنا كذلك، لأننا نحتاج المال للكثير من الأشياء الآن. ولأنه كان يعمل لبلده، وأنا أيضا. لم أكن أبدا متهمة بالمادة. ولكن في هذا المنصب، من دون مادة، إذا كنت تملكين كل الإرادة الحسنة في العالم، لا يمكنك تحقيق الكثير».

تعتبر الاتهامات بأن الشاه سرق ملايين الدولارات لدى مغادرته إيران، «بروباغاندا الجمهورية الإسلامية». وتضيف: «قاضونا في سويسرا وإنجلترا وبريطانيا وخسروا. الكلام عن المال وسرقة المال هو كذبة كبيرة اختلقتها الجمهورية الإسلامية. وأتمنى لو يتحدث الناس أكثر عن الفساد الموجود في إيران اليوم. فلم ترد أسماؤنا في مجلة Fortune عكس البعض». وعندما سألتها كم بيتا وشركة تملك، كان ردها: «لدي بيت هنا وآخر في الولايات المتحدة». وكم عدد الأفراد العاملين معها، تذكر فقط شخصين لإدارة مكتبها ونشاطاتها السياسية في نيويورك.

وكان الشاه بهلوي قبل أشهر قليلة من وفاته، وبعد عام قضاه في المنفى، قد أعطى مقابلة ستكون الأخيرة له، للصحافي البريطاني المعروف دافيد فروست، وسأله خلالها فروست عن ثروته. رفض الشاه الإجابة عن السؤال، وكان رده أن هناك كثيرا من المليارديرات في الولايات المتحدة وعلى فروست أن يقابلهم، وأن لديه أموالا أقل من معظم هؤلاء. تقول الإمبراطورة عن زوجها اليوم: «أنا أعرف من كان زوجي وكم أحب بلده، وأعرف نفسي أيضا. يؤلم أن نسمع أمورا ونقرأ أشياء تكتب ضدنا، وهذا مستمر من الجمهورية الإسلامية». وعلى الرغم من ذلك تؤكد أنها رفضت أن تدمر. وعندما سألتها من أين تستمد قوتها لمواجهة كل تلك الانتقادات، كان ردها: «رفضت أن أنهار لأن زوجي وأولادي آمنوا بها، ولأجل كرامتي». تضيف: «أنا لست شخصا بسبب اللقب أو المنصب، أنا فقط الشخص الذي كنت عليه قبل زواجي وخلال زواجي؟؟ عانينا كثيرا مثل عدد كبير من الإيرانيين. الحياة نضال، قد نخسر بلدي.. أرضنا وأحباءنا وأملاكنا، ولكن يجب ألا نخسر الأمل. وأيضا قارنت نفسي بالإيرانيين داخل إيران، وكثيرين في العالم ممن يحملون مآسي كبيرة، وكنت دائما أقول يجب أن نشكر الله لما نحن عليه». لا تنكر أنها أحيانا كانت تشعر باليأس والتعب لسبب أو لآخر، ولكنها كانت تتذكر ما قاله لها أحدهم في كاليفورنيا، إنه يكره من يشعر بالأسى على نفسه. «كانت تجربة.. حزينة وصعبة. ولكن تمتعت بطفولة سعيدة وكنت سعيدة خلال زواجي في إيران أيضا.. هذه فلسفة الحياة».

وعلى الرغم من أنها كلما تحدثت عن أيامها في إيران تذكر السعادة، تؤكد أنها لا تتوق للماضي للعودة إلى منصبها «لأنه لم يكن منصبا سهلا». تشير إلى أن «العمل كان مضنيا من الصباح حتى منتصف الليل، ولكن على الأقل كنت ترين نتائج ما تفعلينه.. أتوق لبلد أحبه». حياتها اليوم أكثر بساطة. تحب أن تنظر إلى نفسها على أنها تحولت إلى مراقب بعد أن كانت هي محط الرقابة. «بشكل ما أشعر بحرية أكبر، ولكن ما زالت لدي مسؤوليات، فأنا منذ الصباح وحتى المساء أرد على الرسائل الإلكترونية والفاكسات واستمع إلى الأخبار، والإيرانيون يتوقعون مني أن أتحدث عن معاناتهم وأن أعطيهم الأمل». ولكن من جهة أخرى، تؤكد أنها مثل غيرها من الأشخاص: «أخرج إلى الشارع، أتسوق أو أجلس في المقاهي والمطاعم، وهذا أمر جميل». أحيانا تصادف أناسا يتعرفون عليها، ولكن الأمر يتوقف على أين تكون وعلى سن الأشخاص. تقول: «أنا معروفة أكثر مثلا في أوروبا. وهناك كثيرون من سن معينة يعرفونني ويأتون إلي، وحتى الأصغر أحيانا يقولون مثلا أمي تحبك كثيرا ولديها كل صورك». في باريس، لا تتخلى فرح بهلوي عن أناقتها ومظهرها التقليدي أبدا. ولكن ما أن تعود إلى الولايات المتحدة، تخلع عنها ثوب الإمبراطورية الذي يأسرها في أوروبا. هناك تهتم أقل بأناقتها. تعترف أنها تشعر بحرية أكبر في الولايات المتحدة، لأنها ليست معروفة بالقدر نفسه، وتعلق «عندما تكونين معروفة أقل تتمتعين بحرية أكبر لفعل ما تريدين». هناك ترتدي الجينز وحذاء رياضيا عندما تخرج إلى الشارع، من دون الشعور بحرج. تقول إن الأمر يعتمد على عقلية الناس. «في أميركا يمكنني أن أخرج بثياب رياضية، ولكن هنا لا.. فالفرنسيون يتوقعون منك أن تكون دائما بكامل أناقتك». تتذكر أن حفيدتها نور، سألتها مرة لماذا تسرح شعرها دائما وتضع الماكياج في باريس. وتضيف: «إذا خرجت إلى الشارع هنا قد ألتقي بأحد مواطني، وإذا تعرفوا علي وكنت أبدو بحالة غير جيدة، وشعري غير مسرح.. لن يقبلوا بذلك».

تضحك عندما يطلب منها موظفو الهجرة في مطارات أوروبا وأميركا إعطاء بصماتها والتحديق في الكاميرا لالتقاط صورتها. لا تتوتر عندما يبدأ التدقيق بجواز سفرها المصري ومكان ولادتها في إيران. تنتظر بصبر وبابتسامة أن يرفع الموظف ختمه ويسمح لها بالدخول.. تشير إلى أن حس النكتة لديها ينقذها. تتذكر: «عندما كنا نذهب لأميركا أو أي مكان آخر، كانوا يفرشون لنا السجاد الأحمر، أما اليوم أذهب كشخص عادي». ولكن تشدد على أن هذه الأمور غير مهمة. فهي تجعلها تتذكر معاناة الإيرانيين في العالم اليوم. لا يزعجها جواز السفر المصري. تؤكد أنه جواز جيد. لا تحمل جوازا أميركيا أو فرنسيا على الرغم من تنقلها بين البلدين طوال ثلاثين عاما. تقول إنها لم تطلب. يعيش أولادها وأحفادها في الولايات المتحدة. ابنها البكر رضا هو الوحيد المتزوج ولديه ثلاث بنات، نور وإيمان وفرح. وابنها الثاني علي رضا يعيش في بوسطن، بينما تعيش ابنتها فرح نوس في نيويورك. ولديها ابنة أخرى، ليلى، توفيت في لندن عام 2001. عندما تكون في الولايات المتحدة تحاول أن تقضي معهم أكبر قدر من الوقت. ولكنها لا تراهم بقدر ما تريد بسبب سفراتها. أحيانا يأتون إلى أوروبا لقضاء عطلة معها. وعلى الرغم من أنها تشعر بمساحة حرية أوسع في الولايات المتحدة لأنها معروفة أقل، فإنها تتأقلم أكثر مع الثقافة الأوروبية. في أوروبا، تصرف الناس حيالها يؤثر فيها كثيرا. لا تحمل الأميركيين مسؤولية المعاملة السيئة التي لقيتها وزوجها في عهد إدارة الرئيس جيمي كارتر. وتؤكد أن لديها كثيرا من الأصدقاء الأميركيين. تقول: «الإدارة هي التي عاملتنا بطريقة خاطئة.. هناك كثير من البلدان تسعى خلف مصالحها الاقتصادية والسياسية، وأعتقد أن كثيرا منها أخطأ في معاملته لنا في الماضي.. ولكن لا أتوقع كثيرا من الأجانب بل من أبناء وطني».

تتحدث عن أصدقاء تخلوا عنها بعد أن فقدت السلطة: «كان هناك بعض الأشخاص المقربين إلينا، واليوم يكتبون ويقولون أشياء غير صحيحة. وهذا مؤذ جدا. ولكن لحسن الحظ عددهم قليل.. هذا الأمر يحدث للجميع بغض النظر من تكون. هناك أشخاص سيتغيرون عندما تخسرين منصبك، مهما كان المنصب، رئيس شركة أو إمبراطور..». يرافقها أحيانا في تجولها حراس أمن خاصون. في فرنسا، تؤمن لها السلطة رجالا لحمايتها. وفي الولايات المتحدة أيضا، تزودها السلطات بالأمن عندما تحضر مناسبات عامة. لا تشعر بخطر معين، لكنها تأخذ حذرها. تشير إلى أنها «لا نريد أن نعطي مناسبة لأحد لأن الجمهورية الإسلامية اغتالت 60 شخصا خارج إيران». أوقات فراغها تقول إنها قليلة. تأسف لعدم ممارستها الرياضة كثيرا في هذه الأيام، على الرغم من ولعها بالسباحة ورياضة التنس والتزلج، الرياض الوحيدة التي عاودت ممارستها. تصطحب حفيداتها أحيانا للتزلج معها في فرنسا، وهي هواية كانت تمارسها مع الشاه سنويا. تروي: «عاودت التزلج وأنا سعيدة بذلك. أوقفت ذلك لمدة عامين عندما لم يأت أحفادي، ولكن العام الماضي قررت الذهاب على الرغم من أنني لم أكن واثقة جدا من نفسي. فعندما تتوقفين لفترة ونظرك يضعف بسبب السن.. تقلقين. ولكن عندما تزلجت وكان الأمر على ما يرام، كنت فخورة بنفسي». لم تعد تلعب التنس، وهي رياضة أيضا قالت في الماضي إنها ساعدتها كثيرا على تخطي الصعاب في المنفى. نظرها لم يعد يسعفها، وألم في كتفها يجعل من الصعب ممارسة اللعبة. حبها للرياضة تحمله منذ أيام طفولتها عندما كانت قائدة فريق كرة السلة في مدرستها. تقول إنها تطمح لتأسيس منظمة «رياضة بلا حدود» أشبه بمنظمة «أطباء بلا حدود» و«صحافيون بلا حدود»، إذا توفرت لها الإمكانيات. تعتبر أن الرياضة مهمة جدا، «فهي تساعد الشباب على الابتعاد عن المخدرات والجرائم، خاصة في البلدان غير المتطورة. هناك ليس لدى الأطفال أي شيء يقومون به. والرياضة والرياضيون هي أكثر ما يقدره الأولاد، فهم يعرفون أبطال الرياضة ولا يعرفون ملوك وملكات العالم».

تمارس اليوم أحيانا رياضة التمدد. ولكن ضيق الوقت يمنعها من ممارسة الرياضات الأخرى، كما يمنعها من قراءة الكتب التي تريد. كانت تحمل معها كتابا عن الشاه، قالت إنها تقرؤه، وأعطتني نسخة منه. يروي الكتاب سيرة الشاه «ويتحدث عن الماضي بطريقة أكاديمية»، كما قالت. الكتب التي لا تجد وقتا لقراءتها بالكامل، تطلب إلى أصدقاء لها أن يعلِّموا لها على الأجزاء المهمة. ضيق الوقت لا يسمح لها أيضا بالطهو.. ولكن الوقت هنا تستعمله حجة لعدم ممارستها هواية لا تحبها. من دون حرج، تؤكد: «لا أحب الطهو.. لكن حقا لا وقت لدي، وأفضل أن أقوم بشيء آخر عوضا عن الطبخ». تتذكر أنها في طفولتها، كانت تدخل المطبخ وتطلب من والدتها أن تساعدها في الطهو. كانت أمها، الطباخة الماهرة، تنهرها: «لا! اذهبي وأكملي درسك». تشعل الإمبراطورة المنفية سيجارة وهي تتذكر طفولتها وتتحدث عن الطعام الإيراني. تسرح أفكارها إلى بعيد.. إلى إيران. تريد لأبنائها وأحفادها أن يزوروا إيران، وتقول: «من المحزن أن أحفادي لا يعرفون إيران، أحاول أحيانا أن أشرح لهم ما كنا نفعله وأريهم صورا وكتبا ولكن الأمر صعب بالنسبة لهم». وتريد أن تعود هي أيضا إلى إيران. تشير إلى أنه في حال حصل ذلك «سيكون يوما رائعا». تنفخ سيجارتها وهي تؤكد أنها توقفت عن التدخين منذ شهرين. ثم تضيف: «لا أريد أن أعود في هذا الوضع. أهم شيء بالنسبة لي أن تكون إيران مجتمعا حرا علمانيا يفصل الدين عن الدولة». تريد في يوم من الأيام أن تتمكن من نقل رفات زوجها وابنتها إلى إيران.. وصيتها أن يكون مثواها الأخير في بلدها هي أيضا.. وإذا لم تتمكن من العودة، تريد أن تكون إلى جانب زوجها في مصر.