نهر البارد: من أفضل المخيمات حالا.. إلى مساكن الكرتون

بعد عامين من تدميره.. آلاف الفلسطينيين ما زالوا يعيشون بلا مأوى أو مرافق أو أعمال.. والسبب قطع أثرية

اللاجئون الفلسطينيون يعانون من استمرار الدمار في نهر البارد وتأخر عمليات الإعمار وتدهور الأحوال المعيشية («الشرق الأوسط»)
TT

لا تنتهي هواجس فلسطينيي مخيم نهر البارد في شمال لبنان، وذلك بعد مرور عامين ونيف على الحرب الدامية التي شنتها مجموعة «فتح الإسلام» الإرهابية على الجيش اللبناني انطلاقا من هذا المخيم وأدت إلى نزوح الأهالي على أمل العودة وإعادة الإعمار كما وعدهم في حينه رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة.

وفي حين انطلق العمل حثيثا بعد إنهاء الجيش اللبناني ظاهرة «فتح الإسلام» وبدأ تحضير الأجواء الملائمة للعودة على الصعيد الرسمي اللبناني ومنظمة «الأونروا» من خلال تنظيم مؤتمرات لحث الدول على المشاركة في إعادة الإعمار، تبين أن الأمر يستوجب إجراءات متعددة ومعقدة تتعلق بالقسمين القديم والجديد للمخيم، ومراحل كثيرة لترتيب ملفات الفوضى العمرانية ومسألة الملكيات الموجودة في ظل القوانين التي تمنع تملك الفلسطينيين عقارات وأراضي في لبنان واستملاك «الأونروا» المزيد من الأراضي لإنجاز إعادة إعمار مخيم نموذجي وآمن، وذلك وسط تدابير أمنية متشددة مما ولّد أزمة ثقة لدى اللاجئين الفلسطينيين حيال المؤسسات الرسمية اللبنانية، وتحديدا الأمنية منها. والعكس بالعكس، فدخول السكان إلى المخيم لا يتم إلا باستصدار تصاريح من الجيش اللبناني الذي يتولى عملية تفتيش دقيقة ويومية للعابرين حواجزه عند مداخل المكان. هذا من دون إغفال التجارب السابقة التي عاشها الفلسطينيون في لبنان من خلال تهجيرهم من مخيم النبطية الذي هدمه العدوان الإسرائيلي، ومخيمَي تل الزعتر وجسر الباشا خلال الحرب الأهلية اللبنانية. بالتالي فإن أهالي مخيم البارد يعتبرون عودتهم إليهم خطوة في اتجاه عودتهم إلى بلادهم، كما يقول كثيرون منهم. أما عدم العودة فهو نذير تمديد لجوئهم من دون أمل في حل عادل لقضيتهم.

وآخر حلقات أزمة الثقة والافتقار إلى الأمان لدى سكان المخيم سببها التاريخ الروماني، وتحديدا الآثار التي تم العثور عليها في منطقة المخيم القديم والتي شلّت عملية إعادة البناء بعد أن تبلّغت «الأونروا» من الحكومة اللبنانية قرار مجلس شورى الدولة بتاريخ 14 أغسطس (آب) 2009 مع وقف عملية الإعمار بسبب الآثار التي قد تكون عائدة إلى موقع أرتوزيا، وذلك بعد مذكرة قضائية قدمها النائب ميشال عون. وفي حين تشير مصادر مطلعة على سير العمل ومسألة الآثار إلى أن «ما وُجد من قطع أثرية خلال رفع الردم، وما قد يُعثر عليه، يمكن نقله إلى المتحف الوطني، مع الإشارة إلى أن دراسات تاريخية سابقة تفيد أن قيمة الموقع لا ترتبط بآثاره وإنما بشخصية دينية لها حضورها الثقافي. فالموقع ليس تاج محل أو قرطبة. والأهم أن هذا المكان يجب أن يعاد إعماره لأن نحو 40 ألف إنسان يحتاجون إلى المأوى. كما أن عملية الطمر وإعادة الإعمار تتم وفق المواصفات العالمية، مع الإشارة إلى أن المخطط التوجيهي العام يحظر بناء الطوابق السفلى وبالتالي فلا حاجة إلى حفر أو تخريب لعمق الأرض. إلا أن تكتم مديرية الآثار على معلوماتها في انتظار قرار مجلس شورى الدولة يُبقي الحقيقة غامضة». هذه الواقعة دفعت فلسطينيي البارد إلى رفع شعارات تقول إن «نهر البارد ليس صندوق بريد» و«الآثار باقية ونحن عائدون»، و«أين الشراكة الفلسطينية اللبنانية في المسؤولية؟»، و«يا للعار يا للعار، نهر البارد بلا إعمار»، و«ما بدنا كرتونة إعاشة، بدنا إعادة إعمار».

رئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني السفير خليل مكاوي أكد في أكثر من مناسبة أن «العمل في إعادة بناء مخيم نهر البارد والمناطق المجاورة له انطلق والأعمال أظهرت وجود آثار في هذه المنطقة ما أدى إلى توقيف هذه الأعمال حتى تتمكن المديرية العامة للآثار من القيام بما يلزم للحفاظ على تلك الآثار».

لكن عضو لجنة إعادة إعمار مخيم نهر البارد والمخطط المديني عمرو سعد الدين يقول: «لدينا تخوف حيال وقف إعادة الإعمار جراء الدعوى المقامة لدى مجلس شورى الدولة بخصوص وجود آثار في أرض المخيم القديم. مصيرنا معلق بما سيقرره مجلس شورى الدولة بخصوص استملاك مديرية الآثار أجزاء من داخل المخيم، ما يعني القضاء على أحياء بكاملها. ونحن كنا ننتظر منذ نحو عامين الانطلاق الفعلي بإعادة الإعمار مع وجود هواجس لدينا بأن النية تتجه إلى منع الناس من العودة إلى منازلهم وفرض أمر واقع بحجة أو بأخرى، وكأن هناك عقابا جماعيا لفلسطينيي البارد وتصنيفهم على أنهم ينتمون إلى (فتح الإسلام)». ويشير سعد الدين إلى أن «رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون بعد خسارته في الانتخابات قرر استعمال الموضوع الفلسطيني ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بهدف إيصال رسالة على حساب سكان المخيم». ويقول: «بعد خطوة عون السلبية تجاهنا سعينا إلى الحوار معه لتذليل أي صعوبة ووجدنا أن لدى فريقه اعتراضات على أمور لا يفهمها. هم ليسوا على أرض المخيم ولا يعرفون طبيعته وماذا يجري فيه. ولعل مواجهة عون وحملته من جانب جهات لبنانية رفضت استغلال الفلسطينيين بالشكل الذي طرح الأمور به أدت إلى الحوار الحالي معه. نحن لا نريد الدخول في تجاذبات لبنانية لأننا نعرف ثمن ذلك، لكنهم أدخلونا وتم استعمال الموضوع الفلسطيني في الرسائل الداخلية. وعون رفع قضية على الحكومة لتحقيق مكاسب خاصة. وبعد إثارة ردود فعل سلبية ضد خطوته هذه خفف لهجته ولكن من دون تراجع عن العرقلة. والمضحك أن فريقه بدأ يزايد علينا ويشارك في اعتصاماتنا حتى إننا لم نعد نعرف من معنا ومن ضدنا».

ويبدي سعد الدين خوفه من قرار مجلس شورى الدولة، ويقول: «نحن لم نطّلع على الملف، وقد طلبنا من لجنة الحور اللبناني ـ الفلسطيني مشاركتنا في دراسته. يهمنا أن يصل صوتنا ووجهة نظرنا القانونية إلى مجلس الشورى قبل اتخاذ القرار وإصدار الحكم. لكن مع الأسف لا أحد ينظر إلينا إلا كأننا قنبلة موقوتة». وإذ يشير إلى أن «رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة دفع في أكثر من مكان إلى إعادة الإعمار»، يضيف أن «الملف لا يتعلق بالسنيورة فحسب، وإنما بالحكومة مجتمعة وبالجيش اللبناني. وهناك أكثر من جهة داخل الحكومة أرادت الدفع في اتجاه إعادة الإعمار مقابل جهات أخرى تعمل لمنع ذلك». ويحذر من أن «تهجير الناس من أحيائهم في المخيم القديم إذا أقر مجلس الشورى استملاك مديرية الآثار الأراضي، سيؤدي إلى ضرر بالغ في النسيج الاجتماعي للمخيم القديم، حيث تتجمع الأحياء وفق خريطة مكانها الأصلي في فلسطين كأنها مجموعة قرى داخل المخيم. وليس سهلا على السكان إزالة أحيائهم بهذا الشكل من أجل فكرة غير مؤكدة عن وجود آثار». ويضيف: «عندما كنا نعمل جنبا إلى جنب مع اللبنانيين في الجنوب بعد حرب يوليو (تموز) 2006، وجدنا الكثير من الآثار، وتحديدا في بلدة عيتا الشعب، وطلبنا من مديرية الآثار إرسال من ينقب عنها، فلم يهتم أحد في المديرية بالأمر، كأن الاتجاه كان لتفضيل مصالح السكان على ما عداها لأن المكان مأهول لا فارغ، وذلك انطلاقا من مبدأ حقوق الإنسان وتناسب هذه الحقوق بحيث لا يؤخذ حق أساسي كالسكن الملائم للناس. ونحن أجرينا استفتاء للعائلات كل بمفردها ووجدنا أن الأفضلية لعودة المخيم بنسيجه الاجتماعي مع حداثة تحسن ظروف الإعمار ضمن الحفاظ على الطابع العام للمكان».

إلا أن مكاوي كان قد أوضح أن «لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني تنشط مع (الأونروا) في إحياء مبادرة كانت أُطلقت عام 2006 تحت عنوان تحسين أوضاع المخيمات الفلسطينية التي ستشمل 11 مخيما على سائر الأراضي اللبنانية، وذلك بناء على توصيات السنيورة». كما «يُعتبر مخيم نهر البارد هو النموذج الفعلي لتطبيق فصول هذه المبادرة على أن ينسحب ذلك على باقي المخيمات». ويشرح أن «الدولة اللبنانية لم تربط يوما ملف السلاح بحقوق الفلسطينيين، وعملت بالتعاون مع (الأونروا) والدول المانحة على رفع مستوى الحياة في المخيمات كي لا تتحول إلى قنابل موقوتة كما هي اليوم». ويقول: «لدينا تركة عمرها 60 عاما من المشكلات ولا يمكن معالجتها في أيام، ثم يجب أن لا ننسى حرب (يوليو) تموز 2006 وحرب نهر البارد والخلافات اللبنانية ـ اللبنانية التي استنزفت آلية عملنا وأنهكتنا».

وعن الخطوات اللازمة لإعادة الأعمال أوضح مكاوي في أكثر من مناسبة أن «اللجنة طلبت 450 مليون دولار من المجموعة الدولية في مؤتمر فيينا الذي عُقد في 23 يونيو (حزيران) عام 2008 لإعادة بناء مخيم نهر البارد القديم والمخيم الجديد والمناطق اللبنانية المجاورة لهما التي تضررت كثيرا جراء المعارك التي وقعت»، وأشار إلى أن «المبلغ الذي تعهدت بتسديده الدول التي شاركت في هذا المؤتمر لم يتجاوز 120 مليون دولار». كما كان لفت إلى أن «الدولة اللبنانية حصلت على نحو 70 مليون دولار من أصل الأموال التي تم التعهد بتسديدها». وأوضح أنه «في الفترة الأخيرة تبرعت السعودية والولايات المتحدة بمبالغ رفعت سقف المساعدات المسددة حتى اليوم إلى 110 ملايين دولار تقريبا. ومنظمة (الأونروا) تستطيع أن تستخدم هذه المبالغ لبناء ثلاثة أجزاء من ثمانية أجزاء لإعادة إعمار المخيم».

وعلى الصعيد الأمني، تشير مصادر رفيعة إلى أن الحرص مطلوب في المرحلة الراهنة، لا سيما بعد ضبط محاولة لتهريب قذائف «إينرغا» إلى داخل المخيم. وكذلك بعد سعي إلى إثارة بلبلة بشأن وجود الجيش على شاطئ المخيم، الأمر الذي يزعج فريقا احترف التهريب ويريد العودة إلى مزاولته. إلا أن عمرو سعد الدين اعتبر أن في تشديد القبضة الأمنية على المخيم مبالغات. وقال: «التهريب يعم كل منطقة الشمال وليس فقط شاطئ المخيم، وهناك شخصيات مهمة متورطة في الأمر». ويضيف: «هذا ما نلاحظه في الإجراءات المتشددة وفرض تصاريح الدخول على أهالي المخيم، حتى إنهم يفتشون العروس وجهازها عندما تدخل، كما أن جهاز التفتيش لا يوفر طلاب المدارس. هم ينسون أن المخيم منطقة مدنية، ولا يمكن التعامل مع الفلسطينيين بنظرة أمنية. نعرف أن للأمن أولوية ولكن ليس بنسبة 100%. نحن نعيش هواجس مبنية على تجارب سابقة، وكأن الفلسطينيين غنم يُساقون مع حقائبهم من مكان إلى آخر».

لكن مقابل وجهة النظر هذه هناك وجهة نظر أخرى مصدرها التجربة الأليمة التي زُجّ فيها الجيش اللبناني صيف 2007. يقول أحد سكان مخيم نهر البارد اللبناني أبو سهيب: «هذا المخيم كان في قبضة النظام السوري عبر فتح الانتفاضة. كانت أجهزة الأمن السورية تدخل متى تشاء وتأخذ من تشاء. جماعة (فتح الإسلام) تم رفضها في مخيم البداوي فجاءوا إلى مخيم البارد وبدأت التدريبات التي كانت تتم في الهواء الطلق».

لذا لم يكن مستغربا أن تنبعث رائحة الموت من الركام الهائل الذي أغرق المخيم غداة انتهاء العمليات الحربية، فالمعارك العنيفة بين الجيش اللبناني وتنظيم «فتح الإسلام» قضت على معظم المنازل التي كانت تؤوي نحو 40 ألف نسمة. «الشرق الأوسط» عايشت الإجراءات الأمنية المتخَذة من قِبل عناصر الحواجز على مداخل المخيم، حيث يقف غالبا صف طويل من الفلسطينيين الذين عادوا ليحاولوا ترتيب معيشتهم بما تيسر من إمكانات ضئيلة. الغضب والنفور يسودان الحواجز. والأسباب كثيرة، فجرح الجيش اللبناني لم يلتئم بعد خسارته 162 شهيدا وسقوط مئات الجرحى من عناصره. وجروح الفلسطينيين لن تلتئم بعد خسارة جنى العمر نتيجة جرائم إرهابية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

هذه المعادلة الصعبة تظهر في أدنى التفاصيل عند الحواجز الأمنية، ليصبح الانتظار والتفتيش معاناة يومية للداخلين. قال أحدهم بعد أن تسلم تصريحه من الجندي: «الموت أرحم. كأن نكبة فلسطين 1948 لم تكفِنا حتى جاءت نكبة (فتح الإسلام) لتقضي علينا».

الأبنية في المخيم الجديد كانت تضم بيوتا رحبة. لا تشبه مثيلاتها في مخيمات البداوي أو برج البراجنة أو صبرا وشاتيلا أو عين الحلوة. نفهم لماذا كان يتغنى النازحون بمخيمهم ويصنفونه بأنه «مخيم خمس نجوم». ليس صعبا أن نفهم حرقة قلب النازحين على أملاكهم أو غضبهم الحاد كالسكين. ففظاعة الخسارة وضخامتها، إضافة إلى بعض الشائعات التي تجد من يغذيها، جعلت الفلسطينيين ينسون إلقاء اللوم على «فتح الإسلام»، ليكتفوا بلوم الجيش والحكومة في لبنان و«الأونروا».

أحد الجنود، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، قال لـ«الشرق الأوسط»: «لا نلوم الفلسطينيين على غضبهم، لكن عليهم أن يعلموا أننا سعينا طوال المعارك إلى الحد من الدمار. لكن ماذا نفعل إذا كان عناصر (فتح الإسلام) قد سرقوا أموالا وذهبا من المنازل التي استخدموها للإقامة والقتال، ثم لغّموها بحيث انفجرت واحترقت؟ وقد سقط لنا عدد كبير من الشهداء وهم يحاولون فتح باب لملاحقة أحد هؤلاء العناصر، حتى إنهم زرعوا الألغام في الحمامات وغرف النوم».

منزل خضر أسعد في المخيم الجديد شهد هذا السيناريو، فقد احتله عناصر «فتح الإسلام» في الأيام الأولى للمعارك واحتجزوه فيه مع زوجته وأولاده. بقوا محتجزين طوال خمسة أيام كانوا خلالها يمنعون من النظر إلى هؤلاء العناصر وجها لوجه ويتلقون منهم التعليمات وهم يديرون لهم ظهورهم، ثم ينفذونها. وعندما استطاع الجيش إخراجهم ثم حاول اقتحام المكان لقي الضابط آمر القوة حتفه وهو يدفع الباب المفخخ، ليدخل رفاقه ويكتشفوا أن فجوة في الحائط سهلت هروب المقاتلين الذين سرقوا 5500 دولار»، كما يقول خضر. «اللبنانيون ظُلموا كثيرا في هذه المعارك» تقول رلى متعب التي تسكن في منزل متواضع، وتضيف: «أذهب إلى (الأونروا) لأطالب بمساعدة مثل ما يطالب به الفلسطينيون في المخيم، فيجيبني الموظفون أن عليّ أن أقصد الجهات الرسمية اللبنانية. نحن ضائعون بين الطرفين ولا أحد يسأل عنا».

التجول ممكن في المخيم الجديد، أما الجزء القديم منه فقد تحولت أبنيته إلى ما يشبه الرمل المعجون بالحديد. «مركز صامد» الذي شكل أحد مراكز المقاومة لعناصر «فتح الإسلام» هو خير شاهد على شراسة المعارك التي فُرضت على الجيش اللبناني، ورؤية شاطئ البحر باتت متاحة من الشوارع الداخلية. واضح أن إرادة العائدين أقوى من كل العوائق، كذلك الجهود التي تُبذل لجمع الأموال اللازمة لإعادة الإعمار. وتأتي السعودية والولايات المتحدة في طليعة الدول المانحة إضافة إلى منظمة الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية والهند والصين وسلطنة عمان والسلطة والفلسطينية ودول أخرى. إذن، الصورة ليست قاتمة رغم الهواجس، لا سيما إذا أشارت أرقام «الأونروا» إلى عودة 3205 عائلات من أصل نحو 5400 عائلة كانت نزحت بسبب المعارك.

تقول منسقة أعمال الإغاثة وإعادة الإعمار في المخيم جمانة ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن «العمل لم يتوقف رغم انتظار قرار مجلس شورى الدولة. نحن نتابع على أكثر من خط لإعادة إعمار 1698 مبنى في المخيم القديم ونحو 1500 مبنى في المخيم الجديد. وحتى يعاد إعمار المكان وفق شروط بيئية مقبولة وتجنبا للاكتظاظ تقرر أن تتضمن الأبنية ثلاث طبقات أو أربعا، وذلك للمحافظة على النسيج الاجتماعي للأهالي بحيث يبقى أهل سعسع في مكان واحد وكذلك أهل صفورة أو حولا أو صفدية أو غيرها من الأحياء، مما يؤمن للسكان راحة نفسية وانتماء هم بحاجة إليه». وتؤكد ناصر أن «العمل بدأ في أكتوبر (تشرين الأول) 2007 لدى تسليم الجيش الأجزاء الآمنة من المخيم، وتحديدا في المخيم الجديد وفي المباني الصالحة للترميم أو المهدمة جزئيا، ولأن الدولة اللبنانية تريد أن يبقى الملف الفلسطيني مسؤولية مشتركة بينها وبين المجتمع الدولي نزل فريق مشترك من شركة (خطيب) و(علمي) و(الأونروا) إلى الأرض لتقويم واقع الأبنية المتضررة. وفي موازاة هذه الإجراءات كانت المنظمات الأهلية والجمعيات ناشطة لمساعدة الأهالي والإسهام معهم في تدبير أمر عودتهم».

وتشير المسؤولة الميدانية في شمال لبنان المتابعة لإعادة إعمار المخيم لينا مكداشي إلى أن «اللجان المختصة قسمت المخيم القديم إلى ثماني رزم، والأموال المتوفرة تكفي لإنجاز إعمار ثلاث رزم، على أن يتم العمل للحصول على المبالغ المتبقية من الدول المانحة. ولولا مسألة الآثار هذه، لكان متوقعا البدء قبل ثلاثة أشهر في صب الباطون لأبنية الرزمة الأولى على أن ينتهي إعمارها بعد سنة». وأضافت: «العمل لإزالة الركام وتنظيف المكان من الألغام سوف ينتهي أواخر الشهر الحالي، أي بعد عام من بدء العمل، في حين كان متوقعا أن يستغرق 18 شهرا». وأوضحت أن «ثلاث مدارس من أصل خمس تابعة لـ(الأونروا) أعيد افتتاحها وبدأت تستقبل التلاميذ».

وعن الواقع «المتشنج» بين الفلسطينيين والجيش تقول مكداشي: «العلاقات تحسنت مع الوقت. لكن هذا لا يمنع أن الجيش تسلم منطقة مدنية، وبالتالي فإن التعامل العسكري مع سكانها لا بد أن يخلف مشكلات وإن محدودة. إلا أنه من المفترض أن يتحسن الوضع لدى تسلم قوى الأمن الداخلي تدريجيا أمن المخيم ما يسمح بتخفيف وطأة التدابير الحالية، انطلاقا من قدرة قوى الأمن الداخلي على التعامل مع المدنيين». وأشارت إلى أن «أهالي المخيم يعانون أوضاعا معيشية صعبة. فهم خسروا أعمالهم وأرزاقهم على رغم جهود (الأونروا) والمؤسسات الأهلية لمساعدتهم. وبعضهم خسر أوراقه الثبوتية وذكرياته وحتى مفاتيح البيوت في فلسطين. بالتالي ليس سهلا عليهم أن يتأقلموا مع الوضع الراهن أو يشعروا بأن آثارا لن تتلف إن هم أقاموا منازلهم فوقها قد تعطل عودتهم».