أسطورة الذهب

يشكل الذهب ما نسبته 0.005 جزء من المليون من القشرة الأرضية ويقدر الخبراء أنه تم تعدين نحو 130.000 طن منه

TT

ارتبط الذهب منذ اكتشافه، بتاريخ الشعوب في العالم، فهو يعد أحد أهم مقومات ثرائهم وتقدمهم، كما أنه يشكل أسطورة لا تبلى وتفنى بالقدم، بل تزداد مع ذلك رصانة وقوة.

في سياق هذه الأسطورة أصبح الذهب المعدن المتوج والأرقى في صناعة الحلي والجواهر، كما استخدمته الشعوب في البيع والشراء كعملة لها قيمتها، تتمتع بالمزيد من المميزات التي تميزه عن الكثير من المعادن الأخرى، فهو يتصف بلمعانه وليونته وقابليته للسحب والتشكيل ومقاومته للتآكل والنعومة مما جعله مناسباً للكثير من الأغراض، كما أنه قابل للاختلاط بمعادن أخرى كالنحاس أو الفضة أو النيكل للحصول على سبائك أكثر متانة ويتم خلطه مع البلاتين أيضاً.

يشكل الذهب قاعدة نقدية مستخدمة من قبل صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولي، كما يدخل في استعمالات أخرى مثل طب الأسنان نظراً لليونته ومقاومته للتآكل في الفم، ويستخدم محلول الذهب في علاج الروماتيزم والتهابات العظام، ويستخدم الذهب المشع في علاج بعض أنواع السرطان ويدخل في صنع الألياف الصناعية نظراً لكونه يتمتع بخاصية مقاومة الفصل للمواد الكيميائية. يتواجد الذهب في الطبيعة على هيئة حبيبات داخل الصخور وفي قيعان الأنهار، أو على شكل عروق في باطن الأرض، وغالباً ما يوجد مع معادن أخرى كالنحاس أو الرصاص، وتم اكتشاف أكبر كتلة من الذهب في أستراليا عام 1896م وكان وزنها 2.280 أونصة. ومنذ أكثر من خمسة آلاف عام دخل الذهب مفردة أساسية في عالم الزينة. ويشكل معدن الذهب ما نسبته 0.005 جزء من المليون من القشرة الأرضية ويقدر الخبراء أنه تم تعدين نحو 130.000 طناً من الذهب حتى الآن.

وتنفتح أسطورة الذهب على احتمالات واجتهادات علمية مثيرة، فهناك اعتقاد بأن معدن الذهب معدن موجود منذ القدم، وأن استخدامه كان في مرحلة ما قبل التاريخ.. ففي بيرو قاموا بصناعة الأواني الذهبية بواسطة الذهب ومزجه أيضاً، وذلك منذ عام 1200 ق.م، وأيضاً اكتشف العلماء تحفاً ومجوهرات ذهبية ترجع إلى عهد السومريين عام 3000 ق.م، ومنذ 4000 ق.م كانت أول مرة يستخدم فيها الذهب في أجزاء من وسط وشرق أوروبا، كما اشتهر المصريون في فن طرق الذهب وتصنيع الصفائح الذهبية منذ 3000 ق.م ومزجه مع معادن أخرى للحصول على درجات صلابة مختلفة وألوان متعددة، كما اكتشفوا طريقة صب الذهب. وأيضاً اشتهرت به الحضارة السومرية في العراق في صناعة الحلي والمجوهرات، ومنذ2500 ق. م تم دفنه في قبر خوفو أول ملوك الفراعنة.

وفي عام 1352 ق.م تم دفن الملك الشاب توت عنخ آمون في قبر مطلي بالذهب، وداخل قناع ذهبي رائع. وفي عام 1350 ق.م بدأ بابليون في اختبار نقاء الذهب وذلك بواسطة النار.

أما عن استخدامه كعملة فيرجع للتجارة الضخمة التي انغمس فيها العالم الإسلامي مع البلاد الأفريقية وبلاد آسيا والشرق الأقصى التي كانت تستند في الواقع على ما كان للعالم الإسلامي من كميات هائلة من الذهب، حيث كان التعامل يتم بالنقود الذهبية وقد امتلك العالم الإسلامي هذه الكميات الهائلة من الذهب من عمليات الفتح الإسلامي، والاستيلاء على الذهب المتراكم في البلاد التي فتحها المسلمون مثل مصر وسورية وفارس، وحسن استخدامهم لمناجم الذهب في آسيا وأفريقيا فضلا عن التدفق المستمر لذهب السودان الذي كان يأتي عبر الصحراء الكبرى بعد امتداد السيادة الإسلامية على شمال أفريقيا، وهذا هو الذي يفسر لنا سر انتشار الدينار الإسلامي المنقوش داخل أفريقيا ومدغشقر والهند، كما استخدم في عام 560 ق.م حيث تم صنع أول عملة معدنية من الذهب في مملكة ليديا بآسيا الصغرى، وفي 1100 ق.م اشتهرت البندقية باعتبارها مدينة بورصة الذهب العالمية لموقعها في منتصف طرق التجارة للشرق، كما اعتمدت أميركا قاعدة الذهب لعملتها عام 1900 م. لقد ظل الذهب لعقود طويلة أكثر وسائل الاستثمار أمنا واستقراراً والضمان الأول للعملات الورقية حتى تم إلغاء قاعدة الذهب عام 1971 لتتراجع أهميته ويخلى عرشه لعملات دولية مثل الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري وأخيرا اليورو، إلا أن الذهب ظل دائما السلعة التي يتذكرها الناس بسرعة، ويهرعون إليها في أوقات الأزمات والحروب.

(وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»)