خلافات ألد الحلفاء

الإسرائيليون حائرون.. هل يعقل أن تكون تركيا قررت الطلاق منهم؟!

لقطة من المسلسل التركي الذي عرض على شاشات التلفزيون في تركيا ويظهر جنديا إسرائيليا يصوب بندقيته إلى طفلة مما أثار ردود أفعال غاضبة في إسرائيل وزاد توتر العلاقات (أ.ب)
TT

في السياسة لا يجري الطلاق بالتفاهم. بل بطرقة باب شديدة، قد تصل إلى حرب بين ألد الأصدقاء. ولكن، ماذا يحدث إذا كان أحد طرفي هذا الزواج غير معني بالطلاق؟ وغير مصدق أنه يواجه حالة طلاق؟ ويراجع ملفاته ولا يجد مبررا حقيقيا للطلاق؟! هذا ما يحدث للإسرائيليين اليوم، إزاء الهجوم التركي المتواصل عليهم. فهم لا يصدقون بأن تركيا تناصبهم العداء في السنة الأخيرة بسبب الحرب العدوانية على قطاع غزة. ويقولون إن تركيا لم تتصرف على هذا النحو في زمن الحرب التي شنتها على الضفة الغربية وحاصرت فيها القائد الفلسطيني ياسر عرفات وقتلت فيها وجرحت مئات الفلسطينيين وأعادت احتلال مدن الضفة الغربية ودمرت عملية السلام. والطائرات الإسرائيلية التي أغارت على قطاع غزة، أجرت معظم تدريباتها فوق الأراضي التركية، فهل يعقل أنهم اليوم يقفون بهذا العداء لإسرائيل بسبب تلك الحرب؟

والحيرة لا تقتصر على التفسير، إنما تمتد إلى الاستنتاجات أيضا. فطالما لا يعرفون ما الذي تسبب في تدهور الموقف التركي إلى هذا العداء من إسرائيل، فإنهم لن يحسنوا التصرف لمعالجته. وقد تم تكليف لجنة وزارية رفيعة لحل لغز الموقف التركي، من أجل استخلاص النتائج الصحيحة، وفي هذه الأثناء يوجد إجماع في إسرائيل على ضرورة الامتناع عن القيام بأية خطوة تؤجج الخلاف وتلهب الصراع أكثر.

وقبل أن نخوض في آراء الخبراء الإسرائيليين في الموضوع، لا بد من العودة إلى جذور العلاقات الإسرائيلية التركية وكيفية تطورها، حتى ندرك حجم المشكلة وتبعاتها على العلاقات بين البلدين والمنطقة.

من الأندلس وحتى الحدود السورية عندما يتحدث أي خبير إسرائيلي عن العلاقات الإسرائيلية التركية، يعود بنا إلى الوراء مئات السنين، إلى أيام الأندلس والإمبراطورية العثمانية. فيذكرون بالخير، كيف استقبل الأتراك اليهود الذين طردوا من الأندلس، سوية مع العرب، فحموهم وفتحوا لهم باب العمل في الصناعات وفي التجارة وسلموهم مهام في الحكم. ثم يذكرون استمرار هذه المعاملة في العصر الحديث، عندما استقبل الأتراك بالأحضان، اليهود الهاربين من التعسف الأوروبي، خصوصا مطاردات النازية لليهود ومحاولة إبادتهم. فلم يرفضوا أي يهودي يلجأ إليهم. وعندما قامت إسرائيل في أواسط سنة 1948، كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بها، وفي السنة التالية كانت أول دولة إسلامية تقيم علاقات دبلوماسية معها. ومع أن العلاقات أخذت تبرد مع استمرار الحروب الإسرائيلية (1956 و1967 و1982)، فإنها عادت لتسخن في سنة 1992. فقد بدأت إسرائيل تبحث مع تركيا إقامة «نهر السلام»، وتقصد استيراد الماء من تركيا في مشروع ضخم عبر البحر المتوسط. وقد تعثر هذا المشروع بسبب اتساع معارضة الخبراء الإسرائيليين له، إلا أن مشاريع أخرى بين البلدين بدأت تبحث في عدة مستويات، تبعتها زيارات متبادلة للرؤساء وقادة الحكومتين. وفي سنة 1997 وقع البلدان اتفاقا للتجارة الحرة. وبحلول سنة 2007، كان حجم التبادل التجاري بينهما بقيمة 3 مليارات دولار.

فقد بدأت إسرائيل تستورد السيارات المصنوعة في تركيا (من شركات سيارات أوروبية تقيم فروعا ومصانع في البلدات التركية) ومنتوجات النسيج والجلد والمواد الخام للبناء والفواكه المجففة وغيرها. وصدرت إسرائيل إلى تركيا ما تنتجه من كيماويات وأجهزة ري وخبرات وأجهزة في عالم الاتصالات والتكنولوجيا العالية. وسافر نصف مليون إسرائيلي إلى تركيا للسياحة، يشكلون ما يعادل 2% من السياح الأجانب.

بيد أن المجال الأكبر للتعاون بين البلدين، تطور في الاتجاه العسكري. فإسرائيل تبيع لتركيا أسلحة وتقدم خدمات تطوير وتحديث للدبابات والطائرات التركية بما يعادل 600 مليون دولار في السنة. ومنذ عام 2001 تقيمان علاقات تحالف عسكري، حيث إنهما تجريان تدريبات عسكرية ثنائية مشتركة وتشترك إسرائيل في المناورات التي تجريها تركيا مع حلف شمال الأطلسي مرة كل سنتين، وهي مناورات ضخمة أرسل الإسرائيليون إليها طائرات «إف ـ 16» المقاتلة. وسمحت تركيا لإسرائيل بأن تجري تدريبات سلاحها الجوي فوق الأراضي التركية، وتحديدا في منطقة أنطاليا ومناطق أخرى شرقي تركيا بمحاذاة الحدود مع إيران وسورية والعراق. وتحت شعار مكافحة الإرهاب، أقيمت علاقات تعاون خاصة بين أجهزة المخابرات في الطرفين.

الحكومة الإسلامية عندما فاز حزب الرفاه بالحكم في تركيا، خشيت القيادات الإسرائيلية من تدهور في العلاقات. ولكن هذا الحزب تبنى سياسة سابقيه في العلاقات معها وواصل تطويرها. وقد عزا الإسرائيليون هذا الموقف إلى نفوذ الجيش التركي الكبير في السلطة. بيد أنه مع عودة التيار الإسلامي، بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئاسة طيب رجب أردوغان، في سنة 2006، لم تتردد إسرائيل في تجربة حظها معه بشكل إيجابي من بداية الطريق. وبادرت إلى إعلان نوايا طيبة تجاهه.

وكان من أهم هذه البوادر قيام اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة «إيباك» بإقناع أعضاء الكونغرس الأميركي بالتنازل عن مشروع للاعتراف بأن الأرمن تعرضوا لمذبحة تركية إبان الحرب العالمية الأولى. وحسب مصادر أجنبية، فإن «الموساد» (جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية)، أدى دورا مهما في تعريف المخابرات التركية إلقاء القبض على رئيس حزب العمال الكردي، عبد الله أوجلان، لتكون تلك بداية القضاء على تمرد الأكراد. وقد تجاوب أردوغان مع إسرائيل وواصل التعاون معها في جميع المجالات، إلا أن بصمات حزبه بدأت تظهر على سياسته الخارجية وتزعج الإسرائيليين. وكانت الإشارة الأولى في سنة 2006، بعد أسابيع من اعتقال أوجلان في كينيا، حيث استقبل أردوغان بحفاوة قائد حماس، خالد مشعل في أنقرة. وكانت الإشارة الثانية بتعميق العلاقات الودية مع سورية، التي تعتبرها إسرائيل عنصرا أساسيا فيما يسمى «محور الشر». بيد أن التأثير السلبي لهذه النشاطات كان يخفت في كل مرة تبادر فيها تركيا إلى خطوات إيجابية تجاه إسرائيل. فاشترت طائرات بلا طيار من صنع إسرائيلي. وبادرت إلى وساطة في مفاوضات السلام بين إسرائيل وسورية. وواصلت التنسيق الاستراتيجي والعسكري، حتى فيما يسمى مكافحة الإرهاب. ويقال، حسب مصادر أجنبية، إن إسرائيل استخدمت الأراضي التركية لدى قصفها المفاعل النووي السوري في دير الزور قبل حوالي السنتين. ومع أن تركيا تنفي ذلك بشكل قاطع، إلا أن وجود طائرات سلاح الجو الإسرائيلي المتواصل في تركيا، يشير إلى إمكانيات واسعة للإفادة منه ولو في رصد ما يجري في سورية. واستمرت هذه العلاقات، إلى أن انفجرت المفاوضات السورية الإسرائيلية في نهاية العام الماضي. ففي حينه نظم أردوغان محادثة هاتفية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، والرئيس السوري، بشار الأسد. وكان من المفترض أن يرد أولمرت على اقتراحات الأسد الواقعية حول هذا السلام، إلا أن أولمرت طلب العودة إلى بلاده للتشاور. ولم يعط ردا. ثم فاجأ تركيا بالحرب العدوانية على قطاع غزة. وقد خرج أردوغان بسلسلة هجمات كلامية على السياسة الإسرائيلية، فوصف ممارساتها بأنها جرائم حرب بشعة ضد الإنسانية. وراحت العلاقات تتدهور بسرعة شديدة. وتم إلغاء المشاركة الإسرائيلية في التدريبات المشتركة. وألغيت صفقة لشراء قمر صناعي تجسسي إسرائيلي. وعرض مسلسل يظهر جنود إسرائيل قتلة أطفال فلسطينيين بدم بارد. ليس الحرب في غزة هنا، جاء الموقف الإسرائيلي الحائر في تفسير ما جرى. وقد استطلعنا آراء أربعة خبراء إسرائيليين بارزين في هذه العلاقات، إضافة إلى سياسي واحد، فوجدنا تفسيراتهم مختلفة تؤكد هذه الحيرة بشكل واضح.

يقول الجنرال المتقاعد يعقوب عميدرور، الباحث في معهد القدس لقضايا الجمهور والدولة، إن المطالبين في إسرائيل بعمل كل شيء في سبيل إعادة العلاقات بين إسرائيل وتركيا إلى سابق عهدها محقون. ولكن محاولاتهم غير مجدية. ويضيف «علينا أن نصارح أنفسنا ونقول الحقيقة وهي أن تركيا لم تعد حليفا استراتيجيا لنا. فما يجري في تركيا ليس صدفة ولا عابرا. ولا ينجم عن خطأ أو إهمال إسرائيلي لهذه العلاقة، بل لا يمت بصلة إلى سياسة إسرائيل وممارساتها في غزة. إنه تغيير استراتيجي. فقد تكون الحرب في غزة حافزا، لكنها ليست الأساس. تركيا تشهد تغييرات جوهرية في سياستها ونظام حكمها في أعقاب تصاعد نفوذ التيار الإسلامي فيها. وفي الواقع أن هذه الحالة لا تقتصر على تركيا. فالعالم الإسلامي كله يشهد تصعيدا كهذا، وبشكل خاص في الشرق الأوسط».

ويعتبر عميدرور أن التصعيد في تركيا أعمق منه في دول أخرى، كونه يحمل في طياته ثورة داخلية على تراث القائد العلماني للدولة، مصطفى كمال أتاتورك. فقد قمع أتاتورك الثورة الدينية في بلاده، ويعمل حزب العدالة والتنمية اليوم على إعادة العجلة إلى الوراء والقضاء على آثار هذه الثورة. وما يساعد على السير في هذا الاتجاه هو التلبك الذي يصيب دول الغرب إزاءها. فالغرب حائر ما بين قبول تركيا كحكومة إسلامية، وبين منع الجيش التركي من فرض دكتاتوريته على النظام. فإذا وقفوا ضد الجيش، يساعدون الحكومة الإسلامية. وإذا وقفوا ضد الحكومة الإسلامية، سيضطرون إلى غض الطرف عن نفوذ الجيش بشكل دكتاتوري. وأردوغان يستغل هذه الحيرة بذكاء ولا يفوت أية فرصة لتعزيز نفوذه على حساب الجيش.

أزمة مع الغرب ويقول تسفي مزال، وهو باحث أكاديمي في الشؤون التركية في معهد الأمن القومي، إن التحليلات التي تقول إن أردوغان معني بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لأسباب اقتصادية وغيرها، ليس صحيحا. والحقيقة أنه يضع لنفسه هدفا؛ أن يبتعد عن الغرب وحتى أن يفتعل أزمة مع الغرب حتى يبتعد عنه ويقترب مما يسمى محور الشر. ويضيف مزال: هذه العملية بدأت بشكل فظ في سنة 2003 عندما رفضت تركيا السماح للولايات المتحدة بأن تستخدم أراضيها للدخول إلى العراق. فهذا لم يكن مجرد قرار سيادي. فتركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي. ودستور الحلف يلزمها بفتح أراضيها أمام دول الحلف عندما تخوض إحداها حربا. وقد تبعت تركيا هذه الخطوة بتعزيز العلاقات مع كل من سورية وإيران. وهي تقوم بدور في توصيل نقل أموال إيرانية إلى كل من حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني. ويعتبر مزال الموقف من إسرائيل جزءا من هذه الاستراتيجية، حيث إن تركيا تريد الاقتراب من العالم العربي. وتدرك أن أقصر الطرق لذلك تكمن في رفض إسرائيل. وهدفها من ذلك بعيد المدى وليس تكتيكيا. والقصد منه هو أن يضطر الغرب إلى إجراء مصالحة عميقة معها، تصبح فيه تركيا قائدا وعنوانا أساسيا للعالم الإسلامي لدى الغرب. الإمبراطورية العثمانية ويرى بنحاس عنباري، وهو صحافي مخضرم متخصص في الشؤون العربية والإسلامية ويكتب في الجانب العسكري والاستراتيجي في عدة صحف ومعاهد أبحاث، أن تركيا تسعى للعودة إلى الإمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية. ويقول: اقتراب تركيا من سورية وإيران هو موقف استراتيجي يضعه وزير الخارجية، أحمد داود أوغلو، الذي يرى أن إيران لن تكون مقبولة على العالم العربي كزعيمة للعالم الإسلامي وأنه لا توجد أية دولة في العالم العربي أحق من تركيا في تزعم العالم الإسلامي. ويرى عنباري إشارة مهمة في هذا الاتجاه، بالاتفاق بين سورية وتركيا على إلغاء الفيزا (تأشيرة دخول). ويقول «لا توجد دولة واحدة في الغرب تتيح لأي مواطن عربي أن يدخلها من دون تأشيرة. وقرار تركيا بهذا الانفتاح يرمي إلى إعادة الأمور إلى الوراء، إلى حيث كانت الإمبراطورية العثمانية تضم العالم العربي كله وكان المواطنون يتنقلون بين ولاية وأخرى بلا حدود ولا معابر. هذا الواقع تغير كما هو معروف بموجب اتفاقية سايكس بيكو، التي كرست استسلام تركيا أمام الغرب. وهي تريد أن تثأر اليوم من الغرب وتلغي الواقع الذي خلفته هذه الاتفاقيات وإعادة تركيا إلى قبل عهد أتاتورك». بيد أن عنباري يسجل هنا تحفظا على تقديراته تتعلق بالجيش التركي فيقول «الجيش كان حامي حمى تراث أتاتورك. وعندما يرى أي خطر على هذا التراث كان يتدخل بكل قوة ويقمعه. لكنه اليوم صامت. فما هو مغزى هذا الصمت؟ هل هو ضعف من طرفه، بسبب دخول العديد من الجنرالات الإسلاميين إلى قيادته؟ أم هو صمت متفق عليه مع الولايات المتحدة؟ فهل الولايات المتحدة في ظل الرئيس باراك أوباما معنية بدولة إسلامية عظمى ذات نفوذ وقوة وروح قيادية، وفي الوقت نفسه تحافظ على عضوية حلف شمال الأطلسي وعلى اعتدال نسبي في خطابها الديني؟».

ولا يجيب عنباري عن هذه الأسئلة الخطيرة، ويترك للقراء أن يستنتجوا ما يريدون.

في الحقل السياسي د. ألون لئيل، هو دبلوماسي قديم شغل منصب مدير عام وزارة الخارجية في زمن حكومة إيهود باراك وكان قبلها سفيرا لإسرائيل في أنقرة، ورسالة الدكتوراه التي أعدها خصصت لموضوع تركيا. يقول إن الحركة الإسلامية التركية بقيادة أردوغان ليست حركة إسلامية أصولية تقليدية، مع أنها تتأثر من صعود هذه الأصولية في العالم الإسلامي. وهي معتدلة سياسياً وآيديولوجياً. وتحاول أن تطرح أجندة جديدة على العالم، من خلالها تثبت أن الاعتدال مجد ويحقق للإسلام مكاسب أكثر. وأهم ساحة يحاول العمل فيها هي ساحة الصراع في الشرق الأوسط. ويضع لنفسه هدف أخذ دور مركزي.

ويضيف: في الوقت الذي أعطيت فيه تركيا دورا في عملية السلام، خصوصا على المسار السوري، عملت بجدوى وإخلاص. وأرادت أن تقطف ثمار عملها. لكن رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، لم يدرك عمق هذا الدور وأهميته في المصلحة التركية. فأفشل هذه الجهود، بعد أن كان قد رفض إعطاء تركيا دورا في الوساطة مع «حماس» حول اتفاق التهدئة وصفقة تبادل الأسرى. فعندما أعطيت دور الوساطة مع سورية، أدت تركيا دورا جيدا جدا في العلاقات مع إسرائيل. وعندما وجدت نفسها خارج دائرة التأثير، اتخذت هذه المواقف العدائية، وجل هدفها هو أن تمارس ضغوطا على إسرائيل كي تعود إلى مسيرة التفاوض من خلال احترام الدور التركي.

ويعتقد لئيل أن العودة إلى مفاوضات سلام ناجحة وجدية هو هدف تركيا، وإعادة تركيا إلى أخذ دور في هذه المفاوضات سوف يغير من صورة العلاقات مع إسرائيل بصورة جذرية.

ويوافق عضو الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) روبرت طيبييف، من حزب «كديما» المعارض، على تحليلات لئيل بشكل مبدئي. وطيبييف هو رئيس جمعية الصداقة التركية الإسرائيلية. وعلى الرغم من الأزمة بين البلدين، فإنه يحافظ على علاقات وطيدة مع العديد من الشخصيات الحاكمة في أنقرة حتى اليوم. ويقول إنه من خلال أحاديثه المتكررة مع قادة سياسيين ومسؤولي الرأي العام في تركيا يلمس أن إخراجها من دائرة المفاوضات مع الفلسطينيين ثم مع سورية واختتامها بالحرب على غزة، هو سبب المشكلة. ويرى بثقة شديدة أن حل المشكلة مع أنقرة يتوقف على مسيرة السلام ومدى نجاحها. فإذا نجحت، ستكون تركيا صديقة كبيرة وحليفة لإسرائيل حتى تحت حكم أردوغان وحزبه.

والى أن يتوصل الإسرائيليون إلى قرار حول تفسير ما جرى في العلاقات مع تركيا، يواصل قادتها جهودهم للتخفيف من حدة الأزمة، بتنسيق كامل مع الإدارة الأميركية. ويسجلون كل خطوة ويرصدون كل تصريح تركي ويقيسون بمسطرة دقيقة آثار كل موقف. فقد سجلوا بسلبية زيارة أردوغان إلى إيران ولكنهم سجلوا بإيجابية تصريحاته في طهران، التي قال فيها إن علاقاته بإسرائيل جيدة وستستمر. وسجلوا بسلبية، بل أقاموا الدنيا وأقعدوها بسبب المسلسل التلفزيوني التركي الذي يظهر الجنود الإسرائيليين قتلة أطفال، وسجلوا بإيجابية إلغاء بعض المشاهد القاسية ضد إسرائيل منه وسجلوا بإيجابية أكبر أن المسلسل نفسه يظهر رجالا من حماس يغتصبون نساء فلسطينيات. وسجلوا بسلبية تصريحات أردوغان ضد إسرائيل وسجلوا بإيجابية تصريحات نائب رئيس الحكومة، الذي شغل منصب سفير لتركيا في تل أبيب لثلاث سنوات، عندما قال إن تركيا ليست معنية بأزمة مع إسرائيل وأن العلاقات بين البلدين ستعود إلى مجراها الطبيعي. وما زال الإسرائيليون حائرين في هذا التسجيل. ينتظرون أن تظهر الأيام وربما الأسابيع القادمة، إلى أي اتجاه تريد تركيا أن تسير بهذه العلاقات. وقد أقاموا طاقما خاصا في وزارة الخارجية يفتش عن جسور يعاد بناؤها لإعادة ترميم العلاقات من جديد. فإسرائيل، حتى الآن، لا تتنازل عن علاقاتها مع تركيا.