خريف القلق

غسان الإمام

TT

* مُسيءٌ، مُحسنٌ، طوراً وطوراً

* فما أدري عدوي أم حبيبي

* أبو العَتاهية ـ ــ استأذنتَ بالانصراف. خرجتَ من الباب. عدتَ من النافذة!.

ــ استأذنتُ بالانصراف. لم أستأذن بالغياب.

ــ انتقلتَ بلا مقدمات. بلا مرحلة انتقالية. من خريف الغضب. إلى خريف القلق.

ــ كنتُ غاضباً على السادات. الآن. أنا قلق على مصر المحروسة.

ــ ألقيتَ حجرا في الغدير. أشعلتَ غضبا. كسبتَ رضاً. زدتَ المحروسة قلقاً. ثم. ثم انسحبت.

ــ أنا صحافي. الصحافي المحترف يشاهد. يكتب. يبدي رأياً. يتَّخذ موقفا. يمارس نقداً. يتقبل نقداً. لكن لا يشارك. لا ينحاز.

ــ كنتَ منحازاً إلى ناصر. انحزتَ إلى السادات ضد الناصريين.

ــ ضد الناصرين السلطويين. كان لابد من سحبهم. ثم انسحبت.

ــ تنسحبُ دائماً. انسحبتَ من مصطفى أمين. انسحبتَ من الناصريين. انسحبتَ من السادات. أفرج عنك مبارك. فانسحبتَ من مبارك.

ــ خرجتُ من السجنُ. جلستُ في النافذة. قريباً من الباب. مَنْ قرع الباب. سمع الجواب.

ــ آه. لم يطرق النظام الباب. ربما كانت نصيحتك متعالية. ثقيلة الوطأة على الأذن. ــ أُوافقك. لعلي ارتكبتُ خطأ. الصحافي المحترف، كبيرا أو صغيرا، لا ينصح. كنتُ أهمس في أذن ناصر والسادات. الصحافي المحترف يكتب بجرأة. يُوالي. يعارض. لكن لا يفرض نفسه على الحاكم. ــ ها أنت قد فرضتَ نفسك. طالبتَ بمجلس وصاية على الحكم والشعب.

ــ لا تخطئ. سَمَّيْتُهُ مجلس أمناء الدولة والدستور. هو في الواقع مجلس حكماء.

ــ فرضتَ أعضاءه. وانسحبتَ منه. سَمَّيْتَهُم بالاسم. محترمون. لكن عواجيز. فوق الستين. والسبعين.

ــ اخترتُ جيلا يملك الخبرة. التجربة. الحكمة.

ــ مصر بحاجة إلى جيل يملك المبادرة. جيل الشباب. جيل قادر على الحركة.

ــ جمعتُ أنا بين الجيلين. اقترحتُ الأب وصياً على مجلس الأمناء. أشدتُ بذكاء الابن. ماذا تريد أكثر من ذلك؟

ــ لماذا لم تُدرج اسم مهدي عاكف بين الحكماء؟

ــ قال: طظ في مصر!. طظ في المحروسة. ــ حكماء. لكن سيختلفون على الشاشة. وفي الغرفة. ماذا يجمع الناصري عمرو موسي. مع المتدروش طارق البشري. مع النووي البرادعي؟! ــ (يحكّ رأسه) ليست مشكلة. مصر المحروسة يَسْهُلُ حكمُها.

ــ وتصعُب إدارتُها.

* ــ سناتور جون كيري. لا مؤاخذة. أنت فشلتَ في الانتخابات أمام الرئيس دابليو. لماذا لم تتهمه بتزييف الاقتراع؟

ــ (يضحك) نحن الأميركيين لا نزيِّف الانتخابات عندنا. نزيفها عند غيرنا.

ــ هل زيفتم انتخابات العراق؟

ــ العراقيون قالوا ماكو بطاقات شخصية. فقدوها في عمليات الخطف والقتل. دعوناهم للاقتراع بالبطاقة التموينية. صندوق الاقتراع صندوق العجائب. كانت النتيجة تموينية: حكومة سمك. لبن. برلمان تمر هندي.

ــ برافو. مستر كيري. هل كانت مهمتك في أفغانستان تزييف الانتخابات؟

ــ ليدي كلينتون مشغولة بخلع أنياب إيران النووية. كنت مهتما في أفغانستان بإقناع المرشحين بالتخفيف من التزييف.

ــ أظن. تزييف الانتخابات كتزييف العملات.

ــ أُوكِّيه. تبقى العملات المزيفة رائجة. إلى أن يُكتشف التزييف.

ــ عندئذ. تعاقبون المزيفين.

ــ نُوْوْ. العقوبة لمزيفي العملات. نحن لا نسحب مزيفي الانتخابات من التداول.

ــ تكافئونهم؟! ــ في السياسة. كما في البزنس. العملة القديمة تطرد العملة الجديدة.

ــ يعني الدائرة ستدور على العملة الجديدة. على عبد الله x عبد الله؟! ــ الانتخابات حروب. في كل حرب. هناك رابح وخاسر. الدورة الثانية ضرورية. دورة مياه لغسل ذمة المرشحين الذين «شرشحوا» الدورة الأولى.

ــ قل لي. من مارس، حقاً، التزييف؟

ــ اللجنة الانتخابية الدولية. بان كي مون استعان بـ 160 ألف مراقب أفغاني. مارس هؤلاء حقهم المشروع في التزييف. ملؤوا صناديق العجائب بمليون ورقة مزيفة. أميركا لا تقبل تزييف الملايين.

ــ ماذا فعلت بهم أميركا؟

ــ يتمتعون بالحصانة الدولية. اكتفينا بنقل «ثُلثهم المُعَطِّل» إلى مراكز تزييف أخرى. طالبان تتعاون معنا. قالت ستتكفل بتزييف الباقين. ستحلق لحية كل مراقب يسمح للناخبين بالتصويت.

ــ برافو. سناتور كيري. يبقى الناخبون. هل تعتقد أن الأفغان سيُلدَغون من صندوق الاقتراع مرتين؟

ــ قلت للرئيس كرزاي: إذا لم يقترع الأفغان. سيقترع الأميركان والطليان والألمان. أوباما مستعد لإرسال 40 ألف ناخب آخر مسلح. لا احتلال بلا ديمقراطية. شرعية الانتخاب ضرورية لتغطية شرعية الاحتلال.