الضاحية الجنوبية.. الإعمار السياسي

قليلة هي الأماكن التي تستفيد من التجاذب السياسي كما فعلت الضاحية في بيروت التي تشهد موجة بناء قلّ نظيرها

حركة البناء في الضاحية الجنوبية لا تتوقف (أ.ف.ب)
TT

قليلة هي الأماكن التي تخلع عنها ثوب الخراب وتعود إلى واجهة العمران كما هي الحال في الضاحية الجنوبية لبيروت التي أطاح القصف الإسرائيلي في يوليو (تموز) 2006 أبنيتها وطرقها وبناها التحتية. وقليلة هي الأماكن التي تستفيد من التجاذب السياسي والصراع على السلطة في المجال العمراني كما فعلت هذه الضاحية التي تشهد موجة بناء قلّ نظيرها في لبنان، مع الإشارة إلى أن هذه الموجة لا تقتصر على إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي بل تمتد إلى غالبية المساحات التي يمكن استثمارها، لتصبح المنطقة الممتدة من الطيونة وصولا إلى المطار والتفافا باتجاه الحدث غابة كثيفة من الأبنية المتلاصقة.

قبل الدخول في التفاصيل لابد من العودة إلى 14 أغسطس (آب) 2006، تاريخ انتهاء العمليات الحربية بين إسرائيل وحزب الله بموجب القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. قبل هذا الموعد كانت الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة قد أعدت عدتها وأطلقت حملة لاستقطاب المساعدات. ثم بدأت بوضع آلية عمل للمساهمة في إعادة الإعمار بالاعتماد على الهبات التي وعدت بها الدول المانحة لبنان، ولهذه الغاية سارعت إلى وضع القوانين والأطر اللازمة لتقديم المساهمات التي شملت جميع المتضررين. وبدأت الهيئة العليا للإغاثة التنسيق مع مجلس الجنوب لدفع تعويضات إلى المواطنين المتضررين هناك. أما ملفات الضاحية فقد نسقتها مع صندوق المهجرين، على أن تتولى الهيئة تباعا تسليم الشيكات المنجزة ملفاتها إلى الجهتين المخولتين الدفع إلى المواطنين. وعلى خط مواز وتحديدا في 14 أغسطس (آب) تعهد الأمين العام لـ«حزب الله» إعادة إعمار ما تهدم وحدد الآليات التي سيسلكها الحزب غداة ذلك الخطاب لإطلاق العمل وفق الآليات المحددة، سواء لجهة دفع بدلات الإيجار لأصحاب المنازل المهدمة كليا أو بدل أثاث أو تقديم مساعدات فورية للترميم. بعد ذلك أنشأ الحزب مؤسسة «وعد» التي اعتمدت صيغة تسلم التعويضات المخصصة للمتضررين من الدولة لتتولى المؤسسة إعادة بناء ممتلكاتهم. المشكلة التي ميزت ملف الضاحية الجنوبية عن غيره من المناطق المتضررة كانت في الأبنية المشتركة، إذ إن هناك أكثر من 250 مبنى تتألف غالبيتها من 20 وحدة سكنية أو مكتبية، بعضها مباع، وبعضها مؤجر، وهي تحتاج إلى صيغ مختلفة في التعامل. كما أن ثمة أبنية كثيرة كانت خضعت لتسويات نظرا إلى وجود مخالفات فيها، والقانون الذي وضعت بموجبه التسويات لا يعطي الأبنية المخالفة حق تكرار المخالفة التي تسقط مع تهديم المبنى، الأمر الذي أدى إلى تأخير عملية دفع التعويضات واستوجب تسويات تولاها رئيس تجمع بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت مع المدير العام لوزارة المهجرين.

مجلس الإنماء والإعمار قدّر في حينه الأضرار في مجال المساكن والأبنية السكنية والتجارية جراء الحرب في الضاحية الجنوبية بـ 730 مليون دولار مع هامش تقديري لكلفة أضرار لم يتم التمكن من مسحها، بلغت نسبتها 20 في المائة. إلا أن الصراع السياسي الذي احتدم بعد حرب يوليو (تموز)، أدخل ملف الإعمار في بازار التجاذبات الحادة بين «حزب الله» وحلفائه في المعارضة على الحكومة اللبنانية وتحديدا على رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الذي كان يتولى الإشراف الدائم على عملية إعادة الإعمار لجهة تأمين المساعدات من الدول المانحة، وكذلك لجهة متابعة عمل الهيئة العليا للإغاثة بصفته رئيسها المباشر. وقد أسهمت تعقيدات إعمار الضاحية في تأجيج الصراع. أما السبب فكان محاكاة فئة من اللبنانيين تعيش هناك وشحنها في اتجاه محدد، انطلاقا من كون هذا الملف يحاكي مصالحها في رقعة جغرافية محدودة وقريبة من العاصمة، وبالتالي كانت المزايدة في هذا المجال «مثمرة». وقد شكلت هذه الحرب الإعلامية، التي شنها الحزب، مادة ابتزاز للحكومة في ظل الصراع السياسي الدائر، مما دفعها بعض الأحيان إلى التغاضي عن الآليات القانونية حتى لا تبدو وكأنها تضطهد فريقا من اللبنانيين أو تعاقبهم طائفيا. وبرزت النتيجة بعد مرور ثلاث سنوات لتدل الأرقام على أن الدولة تحتل المرتبة الثانية على امتداد الأراضي اللبنانية في لائحة المساهمين في إعادة الإعمار بعد المملكة العربية السعودية التي تحتل المرتبة الأولى. أما نصيبها من إعادة إعمار الضاحية الجنوبية لبيروت فيبلغ ما يقارب 95% من حجم التعويضات التي تم الالتزام بها. ذلك أن عدد الأبنية المتضررة في الضاحية يبلغ 2218 مبنى، وفي حين تولت السعودية إعادة إعمار 36 مبنى والكويت تسعة مبان وسلطنة عمان التزمت إعادة إعمار ثلاثة مبان، التزمت الحكومة المساهمة في إعادة بناء 2170 مبنى. وتضم كل هذه المباني 4817 وحدة سكنية مدمرة كليا تتوزع على 282 مبنى و34181 وحدة سكنية متضررة في المباني الباقية. ونصت آلية التعويض التي تسدد على مرحلتين على دفع حوالي 54 ألف دولار لكل وحدة سكنية هدمت كليا، على أن يتم دفع عشرين ألف دولار للمحال التجارية المهدمة كليا. كما نصت الآلية على أن تتولى لجان متخصصة تقدير تعويضات الأبنية التي تضررت جزئيا. وقدرت القيمة الإجمالية للتعويضات التي التزمت بها الدولة والدول المانحة بحوالي 309.86 مليون دولار. وحتى نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي بلغ عدد المستفيدين من الدفعة الأولى 26124 مستفيدا تضررت وحداتهم السكنية، أما الدفعة الثانية فشملت 2489 مستفيدا، ليصبح مجموع الدفعات للمتضررين في الضاحية 249.11 مليون دولار ويبقى للتسديد حوالي 61 مليون دولار، مما يعني أن الملف من جانب الحكومة اللبنانية يكاد ينجز. وبعد تأليف الحكومة العتيدة سيتم الطلب إلى مجلس النواب إقرار قانون لتأمين المبالغ المتبقية التي التزمت بها الدولة. من جهتها، قدرت مؤسسة «وعد» الكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار بـ 400 مليون دولار. وهي تتولى إعادة بناء 241 مبنى من أصل 282 مدمرة كليا، في حين تولت مؤسسة «جهاد البناء» التابعة أيضا للحزب ترميم حوالي ألف مبنى. ويطيب لمسؤولي «وعد» التأكيد أن البناء يتم بمواصفات أفضل بكثير من السابق لجهة مقاومة الزلازل واحترام المعايير البيئية وخلو الأبنية من المخالفات. ومن حيث مصادر التمويل، إضافة إلى مساعدات الدول المانحة والدولة اللبنانية التي تدفع عبر شيكات صادرة عن «الهيئة العليا للإغاثة»، تتلقى «وعد» مساعدات عينية تضيفها إلى ما قدمته الدولة، لتتكفل مؤسسة «جهاد البناء» بكل ما يتبقى. وبالطبع من دون أي تفاصيل تتعلق بمصادر واضحة. كما أن الحرب الإعلامية لا تعكس الكثير من «التنسيق الانتفاعي الضمني». ويقول مصدر مطلع إن «رفع الركام تولته شركة محسوبة على فريق الحريري، لكن البحث في الأمر يظهر أن هناك فئات قريبة من حزب الله استفادت مع هذه الشركة. فالمصالح بقيت متبادلة حتى في عز الصراعات السياسية». ويبدو واضحا، وفق هذه المعايير، أن إعمار الضاحية الجنوبية يكرس نفوذ حزب الله، الذي يتهم، من جهته، الدولة بالتقصير. إلا أن الرد الرسمي على هذا الاتهام يبين أن الفارق بين المبالغ التي تدفعها الدولة وتلك التي يطالب بها «حزب الله»، مردها إلى أن تعويضات الدولة مبنية على وضع المساكن قبل تدميرها، بينما وضعت «وعد» «مخططا توجيهيا» تضمن مواصفات مختلفة.

ويبدو هذا الفارق واضحا في الجولة الميدانية لـ«الشرق الأوسط» في الضاحية الجنوبية. تقول حوراء، وهي من سكان حارة حريك: «لطالما تمنيت تغيير أشياء كثيرة في منزلي كخزائن المطبخ والمغاسل وحتى بلاط قاعة الاستقبال. ولم أكن أملك المال اللازم لذلك لأن العين بصيرة واليد قصيرة. أما بعد العدوان الإسرائيلي ووعد السيد حسن نصر الله فقد تمكنت من تحقيق كل ما أريده وعاد منزلي جديدا».

أما الرجل الذي يملك متجرا في بئر العبد وبيتا في منطقة صفير، والذي اشترط عدم ذكر اسمه الأول، فيقول: «المبنى الذي أملك متجرا فيه (في المربع الأمني) تهدم كليا فحصلت من الدولة اللبنانية على 30 مليون ليرة لبنانية (عشرين ألف دولار). أما لإعادة ترميم منزلي فقد حصلت من الدولة على أربعة آلاف دولار ومن حزب الله على 1400 دولار». ويضيف «لم أكلف أحدا إصلاح المنزل مع أن التعويض الذي حصلت عليه لا يكفي نصف الأشغال الضرورية. أما المحل في بئر العبد فقد اجتمعت لجنة المبنى وقررنا أن نسلم إعماره إلى مؤسسة «وعد». فهي تبني بمواصفات جيدة وبعد أن حصلت على الدفعة الأولى البالغة عشرة آلاف دولار أواخر عام 2006 سلمت الشيك إلى «وعد». والدفعة الثانية أوكلت أمرها إلى الشركة لتقبض الشيك مباشرة وتستكمل العمل». إلا أن الرجل اشتكى من التأخير في إنجاز البناء وتسليمه محله. قال «كل أول شهر يقولون لنا نسلمكم آخر الشهر. ولكن يبدو أن العمل سيستغرق أشهرا عدة. خطأ حزب الله أنه صنف أصحاب المحال التجارية وكأنهم أغنياء وقادرون على تحمل كل هذا الوقت من دون مردود محالهم. لكن هذا المحل هو ما يسمح لي بتعليم أولادي ودفع أقساطهم المدرسية. وقد استدنت منذ أن هدم وأعيش حاليا في ضيق بانتظار تسلمه من جديد، مع أن بإمكان «وعد» تجهيز المحلات بما يسمح لنا بالعمل فيها أو تأجيرها ليتابعوا إنجاز الشقق في المبنى. الأمر غير مكلف لكنهم يتأخرون ونحن ندفع الثمن. أما أصحاب الشقق فلا مشكلات لديهم. الحزب يدفع لهم إيجارات حيث يقيمون مؤقتا بانتظار انتهاء العمل في شققهم. وهم يتطلبون كثيرا ويتدخلون في كل شاردة وواردة مما يؤخر العمل حتى تنتهي المفاوضات بين الطرفين. كنا نتمنى لو أن «وعد» سلمتنا المحال. الأمر الذي يسمح بعودة الحياة التجارية إلى سوق بئر العبد. الآن كل شيء متوقف. حتى المحال في الأبنية التي لم تتضرر لم تعد إلى سابق عهدها. فالشارع مشلول. كذلك كنا نتمنى لو أن الحزب دفع تعويضات لأصحاب المحلات أسوة بما دفع لأصحاب الشقق. فأصحاب الشقق لم تتضرر أعمالهم مثلنا. نحن نتكل على محلاتنا لنعمل ونصرف على أولادنا. أنا صاحب مدخول محدود وبحاجة إلى كل قرش. أنا لم أرث وكل ما أملكه حصلت عليه بعرق جبيني، فثمنه عشرون عاما من العمل المضني في الغربة. واليوم عدت كما كنت قبل غربتي».

وهو يعتبر أن «الدولة قدمت تعويضا معقولا للجميع. وهذا التعويض هو ما سمح لـ«وعد» الانطلاق في إعادة الإعمار». ويقول «نحن كأهل ضاحية جنوبية لسنا ضد الدولة، نحن معها. لكننا ضد الفئات التي تتقاسم حصص الدولة على حسابنا. هناك دولة حزب الله وهناك دولة سعد الحريري وهناك دولة ميشال عون وغيرهم وغيرهم... ونحن ندفع الثمن. في البداية دفعنا ثمن النكايات بين الحزب ورئيس الحكومة. فالحزب كان يستغل كل خطأ صغير ليكبره ويشن من خلالنا حربه السياسية. في المقابل كان في الدولة من يعذب الناس أكبر مدة ممكنة وكأنه يريدنا أن نسدد ثمن خلافه مع الحزب. الناس ضاعوا بين هذا المذهب وذاك. المشكلة المذهبية هي أكثر ما أضر بسكان الضاحية الجنوبية لبيروت. ومافيات الفساد التي تضم جميع الأطراف ومن دون استثناء تاجرت بنا. في النهاية المواطن متروك من الجميع. وحزب الله فريق في الدولة ومسؤوليته لا تقل عن مسؤولية أي فريق آخر. هناك فئات استأثرت بخيرات الحزب وفئات أخرى استأثرت بخيرات الدولة. من لديه معارف استطاع أن يقبض أكثر مما يستحق. البعض لم يخسر سوى زجاج منزله الذي كان يمكن إصلاحه ببضع مئات من الدولارات لكنه قبض الآلاف».

إلا أن الرجل غير نادم على تسليم مؤسسة «وعد» إعادة الإعمار. يقول «أعطيت الشيك إلى «وعد» لثقتي أنها ستعيد الإعمار. هذا أمر لا يستطيع حزب الله اللعب به. لأن ذلك من شأنه أن يقضي عليه».

لكنه يضيف «لم نكن مضطرين لكل هذا العذاب. إذا حاولت إسرائيل أن تعتدي علينا كلنا نقف لها بالمرصاد. ونقاومها بكل ما لدينا. لكن لا أقبل أن تُطلق النار على إسرائيل لإعطائها سببا لتعتدي علينا بهذا الشكل. لا اقبل أن ادفع ثمن هذه الذريعة التي قد تقدم إلى دولة مجرمة تصطاد الفرص لتصل إلى غاياتها».

ويذكر الرجل معاناته في التعامل مع صندوق المهجرين. يقول: «وقفت ساعات طويلة ولمدة أيام حتى أنجزوا لي ملفي. كنت أشعر بأن فريقين يتقاذفانني». وعن العداء الشعبي للحكومة على الرغم من أنها كانت المساهم الأكبر في إعادة الإعمار يقول «الناس تعتقد أنه لولا ضغط حزب الله على الحكومة لما دفعت التعويضات وتمكنت شركة «وعد» من إعادة الإعمار. أما الانتقادات التي نسمعها في الضاحية الجنوبية فمنبتها طائفي. معروف أن النسبة الكبيرة من الأموال جاءت عن طريق الدولة أما الصيت فهو لحزب الله». الاعتراضات لا تغير في موقع «حزب الله» شيئا. ويمكن القول إن الحزب وبعد توظيفه هذه الإمكانات الهائلة، أيا كان مصدرها، لإعادة الإعمار حصد ولاء الناس كمرجعية يمكنهم الاعتماد عليها. فقد أثبت قوته وقدراته البشرية والتنظيمية والمالية. وبمعزل عن الاعتراضات أو الحساسيات، تبين الجولة الميدانية أن حوالي 90% من الأبنية أعيد إعمارها وهي على وشك الانتهاء. وهذا بحد ذاته إنجاز إذا ما أعيد النظر في الصراعات القاسية والدموية أحيانا. رغم كل شيء. ما حصل في الضاحية يصنف كمعجزة.

الجولة الميدانية تشير أيضا إلى حيوية جديدة تعيشها الضاحية بعد حرب يوليو (تموز) عام 2006، تدل عليها وسائل النشاط الاقتصادي من مصارف ومتاجر ومراكز كبرى للتسوق بمواصفات عالية ونهضة عمرانية تستغل كل المساحات المتوفرة وتمدد رقعة الضاحية حتى تلتصق بالجبل وتنال حصتها من وسائل الترفيه والتسلية عبر سلسلة من المطاعم والملاهي والنوادي التي بدأت تنتشر في شكل سريع، ولعل أشهرها «باب الحارة» ومطعم وفندق «الساحة» و«نسمات ومسايا»، ونايت كلوب يحمل اسم «اللمبي» وغيرها.

هذا الوجه المنفتح لا يلغي أن الضاحية ممسوكة من الحزب بعناصر انضباط تنتشر في الشوارع وتضبط الأمور وتراقب كل ما يدور في المكان. كذلك يخصص الحزب غرفة عمليات للشكاوى يتلقى من خلالها اتصالات المواطنين الذين يتعرضون إلى أي اعتداء أو سرقة أو سلب، ويتابع هذه الشكاوى بغية حلها، هذا بالإضافة إلى اللجان الأمنية التي تسيّر دورياتها في الليل، وبالطبع من دون إغفال الدراجات النارية التي تراقب كل ما يحصل ليلا ونهارا والتي جرى ترقيمها وبالتالي شرعنتها وفق القرار الأخير لوزارة الداخلية بعد أحداث عين الرمانة التي أدت إلى مقتل مواطن طعنا بالسكاكين.

نشاط حزب الله تظهره كذلك شركات المياه التي يديرها مقربون منه لتأمين حاجات أهالي الضاحية ومؤسساتها ومطاعمها. أيضا نشطت عملية تنظيم استخدام الطاقة الكهربائية والحد من سرقة الكهرباء التي كانت تؤدي إلى أعطال في محطات مولدات الكهرباء في الضاحية. باختصار تحسنت الحياة في هذه المنطقة المكتظة والتي توسعت شبكة طرقها، ولا تزال، مع المشاريع التي خصصتها الدولة لها. أما مظاهر الترف فتدل عليها السيارات الفخمة الرباعية الدفع التي كثر عددها بعد حرب 2006. كما تدل عليها استثمارات متمولين كبار ومؤسسات رعوية تقدم خدمات اجتماعية وصحية بأسعار تشجيعية. لكن تبقى الضاحية منطقة نفوذ الحزب. يقول كامل، وهو أحد سكان حي الأميركان: «هناك انفتاح كبير في المنطقة. لا شيء ممنوعا. بإمكان أي كان أن يفعل ما يشاء شرط عدم التدخل في السياسة إلا إذا كان محسوبا على أصحاب النفوذ وحلفائهم. فقد أصبح متوفرا المتاجر الفخمة والمنتجعات الراقية وأماكن السهر. وبالتالي أصبحت الحاجة أكثر إلحاحا لضبط الأمن. ربما انطلاقا من هذه الحاجة كانت جولة نواب الحزب وحلفائه على المرجعيات الأمنية وتنظيمهم حملة «النظام من الإيمان»، ورفع الغطاء عن أي مرتكب يخل بالأمن، والمطالبة بتفعيل دور قوى الأمن الداخلي بعدما كان ممنوعا على العناصر الأمنية الدخول بحرية إلى المنطقة المحسوبة على حزب الله». ويضيف كامل «بعد فترة من الكبت والقمع، شهدت الضاحية مرحلة فوضى وفلتان، مما هدد الحزب بانقلاب الوضع الأمني على إنجازاته. فقد كبر عليهم من كان يتلطى بهم ليرتكب المخالفات والجرائم. وبدأت المشكلات مع العشائر التي تقيم في أحياء مقفلة وتصاعدت نقمة العائلات الأساسية في الضاحية. وتجنبا للاصطدام بهم فضل الحزب دعوة الدولة لتقوم بواجباتها. واليوم أصبح مسموحا أن يدخل مباشرة المحكمة ليبلغ الناس أوامر قضائية بعدما كان الأمر محظورا في السابق». ويشير إلى أن «ظاهرة حافلات النقل الصغيرة (فانات) غير الشرعية تشكل وحدها مشكلة. ففي كل حافلة أسلحة للاستخدام عند أي سوء تفاهم، مما يتسبب باضطرابات أمنية. ناهيك بفوضى سيارات الأجرة بلوحاتها المزورة». ويضيف «يبدو أن اللعبة تغيرت. لذا عادوا إلى الدولة ولكن بمقدار محدود يتيح لهم التخلص من الذين يثيرون الاضطرابات الأمنية إنما من دون إغفال حماية المحسوبين عليهم».