سؤال التوريث

مسرح لخلافات بين التكتلات والنخب السياسية في مصر

TT

الصعود على درجات عشَّش على جانبيها العنكبوت للوصول إلى فعاليات لناشطين من المعارضة المصرية، يشبه المأساة والملهاة معا. فمنذ وقت طويل كانت المنتديات التي يعقدون فيها فعالياتهم مغلقة، إلى أن برزت من بين الثقوب خلافات، واختلطت الأوراق والأدوار بينهم، بسبب ما أصبح يطلق عليه البعض «عقدة التوريث». بعضهم يعارض ما يسميه «مشروع توريث الحكم من الرئيس المصري حسني مبارك، إلى ابنه جمال»، تشارك فيه جماعة الإخوان وتيارات نخبوية من توجهات مختلفة.

وبعضهم، وغالبيتهم من أحزاب صغيرة يطلقون عليها في مصر «الأحزاب الورقية»، يحذر من الفوضى، داعيا للتمسك بالأطر الدستورية والقانونية، والرد على المحذرين من التوريث، بالقول إن مصر فيها دستور ينظم عملية انتخابات الرئاسة، سواء تقدم للانتخابات جمال مبارك أو غيره.

والبعض الثالث يقف ما بين بين، ويمثلهم في هذا أحزاب معارضة تعرف بأنها «أحزاب قديمة وكبيرة ورئيسية». وحين تجلس في آخر الصفوف، لتشاهد ما يدور على خشبة المسرح، تقع في حيرة.. فكل من أمامك معارضون، لكنهم لا يعارضون الحزب الحاكم فقط، بل أيضا يعارضون بعضهم بعضا، حول الطريقة التي ينبغي التعامل بها مع قضية فرضت نفسها على الأوساط العامة المصرية، وهي كيفية انتقال السلطة في البلاد، وهل الحزب الحاكم سيرشح الرئيس مبارك لهذا الموقع مجددا، أم أن الرئيس سيعتزل، وبالتالي يدفع الحزب الحاكم بمرشح تقول المعارضة إنه سيكون بلا شك جمال مبارك.

من وسط هذه الأصوات المتداخلة على مسرح السياسة المصرية، تستمع لأسماء يقول البعض إنه جرى إقحامها على النص إقحاما، منها اسم الأمين العام للجامعة العربية وزير الخارجية المصري الأسبق، عمرو موسى، ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المصري، محمد البرادعي، وعالم الكيمياء الحاصل على جائزة نوبل، المصري، الدكتور أحمد زويل. على الرغم من أن هذه الأسماء وغيرها من أسماء لشخصيات مستقلة، لا يمكنها التقدم لمنافسة مرشح الحزب الوطني المنتظر، لأن قبول ترشحها يتطلب الحصول على تزكية من 250 عضوا من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية، وهي تزكية صعبة المنال، بسبب خلو مجلس الشورى وغالبية المجالس المحلية، من العدد الكافي من الأعضاء المستقلين أو المعارضين. الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، وهو يراقب كل هذا المشهد المتعدد الفصول، يقول إنه أمر طبيعي في دولة ديمقراطية، أن يحدث مثل هذا الجدل، لأنه «كلما ارتفع صوت الحزب الوطني، ارتفعت أصوات المعارضين». وأكد كل من صفوت الشريف أمين عام الحزب، وجمال مبارك، الأمين العام المساعد، وكذا قيادات حزبية أخرى، خلال مؤتمره الذي اختتم أعماله يوم الثلاثاء الماضي، أن تسمية اسم مرشحه للرئاسة، «أمر سابق لأوانه». لكن الآلاف من الناشطين في الحزب الحاكم، ممن أسسوا مجموعات على الموقع الاجتماعي «فيس بوك»، لم يخفوا تأييدهم لجمال مبارك، في الترشح لرئاسة الدولة، في حال عدم ترشح الرئيس مبارك.

في ظلال كل هذا الغبار تمتلئ وسائل الإعلام المحلية، الخاصة والمعارضة، بالعشرات من الافتراضات، وبشكل يومي، عمن سيخلف الرئيس مبارك، وعما إذا كان الرئيس سيستمر في الحكم، وإلى أي مدى يمكن لابنه أن يتقلَّد مقاليد الحكم من بعده. ويقع الكثير من المراسلين الأجانب في مصر، في حيرة، مثلهم مثل عديد من الدبلوماسيين والاقتصاديين العاملين في القاهرة.. الكل أصبح يقف أمام أنشوطة اسمها «عقدة التوريث» دون أن يعرف أحد من الذي أوجدها، ولماذا.. هذا على الرغم من أن انتخابات الرئاسة في مصر مقرر لها سبتمبر (أيلول) عام 2011. ونحن نصعد درجات سلالم مركز الدراسات الاشتراكية في رقم 7 من شارع مراد بمحافظة الجيزة، الملاصقة للقاهرة، كانت خيوط العنكبوت منسوجة على جانبي الدرجات التي تؤدي إلى الطابق الثاني.. هنا اجتماع لنشطاء فيما أصبح يعرف باسم «الحملة المصرية ضد التوريث»، بعد أيام من لقاءات أخرى عقدوها في مقرات لهم ظلت مغلقة لزمن طويل بسبب قلة النشاط السياسي. كانت هذه الحركة الموجهة ضد ترشح جمال مبارك للرئاسة، تطلق على نفسها «ما يحكمش»، لكن تم تغيير اسمها بعد استهجانه في أوساط عامة بمصر، حيث إن هذه الكلمة كانت ترد على لسان سيدات في مناطق مصرية شعبية، للتعبير عن رفضهن الوصاية عليهن من قبل أزواجهن أو أقربائهن أو حمواتهن، وتحتفظ ذاكرة السينما المصرية باستخدامات فضفاضة لهذا التعبير في أفلام شهيرة، وعلى لسان ممثلات مثل تحية كاريوكا وسامية جمال.

أول اجتماع تأسيسي لحركة ضد التوريث شارك فيها، منذ الإعلان عنها بداية الشهر الماضي، 13 شخصية سياسية من بينهم الدكتور أيمن نور مؤسس حزب الغد، الذي جاء تاليا للرئيس مبارك بفارق كبير في انتخابات الرئاسة عام 2005، وكذا عضوا البرلمان محمد البلتاجي والدكتور فريد إسماعيل، ممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين، وحمدين صباحي وكيل مؤسسي حزب الكرامة، ومحمد أنور السادات وكيل مؤسسي حزب الإصلاح والتنمية، والدكتور عبد الحليم قنديل، المنسق العام لحركة كفاية. وظهرت حركات أخرى مماثلة، لحركة «ضد التوريث»، منها «الحركة المصرية من أجل انتخابات نزيهة»، و«مصريون ضد تزوير الانتخابات»، و«مصريون من أجل رقابة دولية على الانتخابات البرلمانية والرئاسية»، وغيرها من المسميات المشابهة، التي تدور جميعا حول «عقدة التوريث».. لكن كل هذه الحركات تعمل بدون ترخيص من السلطات، لأنها ليست أحزابا ولا جمعيات أهلية.

كانت جماعة الإخوان المسلمين، كما لاحظ القيادي في الحزب الحاكم، اللواء محمد عبد الفتاح عمر، قاسما مشتركا بين هذه الحركات التي تجمع بين الشامي والمغربي (من أقصى التشدد اليساري لأقصى التشدد الديني لأقصى التشدد الليبرالي). ويشير عبد الفتاح إلى أنه لم تعد هناك حركة ولا مجموعة تخلو من عضو يمثل جماعة الإخوان التي تتعامل معها الحكومة على أنها «جماعة محظور نشاطها في البلاد»، لأنها تستغل الدين في العمل السياسي، ولأنها «ليست حزبا ولا جمعية أهلية، وليس لها أي إطار قانوني يسمح لها بممارسة العمل السياسي». وحظيت الحركة المصرية ضد التوريث (ما يحكمش، سابقا) على اهتمام مماثل للاهتمام الذي حظيت به حركة «كفاية» عند ظهورها لأول مرة قبل خمس سنوات، رافعة شعار «لا لتوريث جمال مبارك ولا للتمديد لحسني مبارك».. إلا أن حركة «ما يحكمش»، وعلى خلاف تجربة «كفاية»، تواجه العديد من المصاعب في عملها لارتباطها أولا بجماعة الإخوان الملاحقة أمنيا، وبمؤسس حزب الغد الذي يحظر القانون اشتغاله بالسياسة، كونه صدر ضده حكم بالسجن في قضية مخلة بالشرف هي قضية تزوير توكيلات تأسيس حزبه عام 2005. بيد أن منسق الحركة المصرية ضد التوريث، الدكتور حسن نافعة، والنائب البلتاجي، الذي يمثل جماعة الإخوان في الحركة، يأملان في طرق أبواب الأحزاب، كما فعلوا مع حزب الجبهة الديمقراطية المعارض أخيرا، مع أنهم يقولون إن هذه الأحزاب، التي تعمل بتراخيص من لجنة شؤون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى المصري (وهو مجلس يهيمن عليه الحزب الحاكم)، أحزاب صغيرة وهشة، وليس لها قواعد شعبية تذكر في الشارع. أو كما قال نافعة «لا توجد حركات سياسية كبيرة ولا صغيرة في مصر.. الأحزاب التقليدية الكبيرة، كحزب الوفد مثلا، دخل في صراعات هائلة، وضعف كثيرا، والحزب الناصري، هناك عدد كبير من الناصريين خارج الحزب، وحزب التجمع تقريبا انهار ولم يعد له أي ثقل بعد التخريب الذي تعرض له». حسنا.. ومع ذلك تواصل قيادات من «اللجنة المصرية ضد التوريث»، الدعوة إلى توسيع نطاق الحركة لتضم «جميع الراغبين في إقامة نظام ديمقراطي».. لكن غالبية أحزاب المعارضة المصرية ردت على مثل هذه الحركات، محذرة هي الأخرى من مغبة أن تستغل جماعة الإخوان المسلمين الأحوال التي تمر بها مصر في محاولة للوصول إلى السلطة، وتحول البلاد إما إلى نظام حكم ديني، أو إلى فوضى. ولا يرى البلتاجي في اشتراك الجماعة في هذه الحملة أي جديد.. «الموقف المبدئي لجماعة الإخوان من التوريث معروف ومكرر وسبق إعلانه عدة مرات، على لسان المرشد ومسؤولين في الجماعة.. الإخوان المسلمون لا يقبلون بالتوريث كآلية لانتقال السلطة بأي شكل من الإشكال. ومشاركتنا في هذه الحملة تأكيد على أن الإخوان يعلنون عن موقفهم الرافض للتوريث.. الإخوان داعمون لهذا الحراك وجزء رئيسي من هذا الحراك».

لكن نافعة يقول إن جزءا كبيرا من التيار الناصري واليساري موجود داخل حركته. وحين صرح أحد قياديي حركة ضد التوريث، بأن «أحزاب المعارضة تقف مع نشاطها المعادي للتوريث»، بدأت أقدام ناشطين حزبيين في عدة أحزاب معارضة «شرعية»، تدافع عن موقفها الذي لا يدعم مثل هذه الحركات.. وبدأت أقدام ناشطين حزبيين تدب هي الأخرى على الدرجات المؤدية إلى مقرات كان عدد منها مهجورا منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2005. «الأحداث الجارية وما يتردد عن التوريث، من جانب حركات غير شرعية، تستدعي أن نجتمع، لأننا نخشى أن تتسبب مثل هذه الحركات، مثل حركة ضد التوريث، والإخوان، في عمل شرخ في النسيج الاجتماعي المصري». هكذا قال رئيس حزب الخضر المعارض، عبد المنعم الأعصر، وأضاف: «نحن أحزاب المعارضة جزء من النظام السياسي ونحن حراس الشرعية الدستورية. وبالنسبة لما يثار حول التوريث فنحن نرفض مبدأ التوريث، لأن نظام مصر جمهوري، والمادة 76 من الدستور، وبعد تعديلها في عام 2005 و2007، أصبحت تتيح لكل مواطن أن يرشح نفسه بالضوابط الموجودة في الدستور.. أعضاء الهيئات العليا للأحزاب الشرعية لهم الحق في التقدم لمنصب رئيس الجمهورية.. نريد أن تكون الرؤية أمامنا واضحة.. هل مبارك هو من سيترشح في انتخابات 2011، أم جمال مبارك.. وحين تتضح الرؤية سيكون لنا موقف، وما إذا كانت ستوضع ضمانة لانتخابات نزيهة من عدمه». رئيس حزب الأمة، خالد العطفي، قال إن حزبه الذي خاض انتخابات الرئاسة الماضية ضد الرئيس مبارك، له، في الوقت الحالي، ظروف خاصة، على خلفية ما يدور من ترتيب للبيت من الداخل، من بعد وفاة الحاج أحمد الصباحي، رئيس حزب الأمة الذي ترشح لانتخابات الرئاسة في 2005 وأعلن في نهاية المطاف تأييده لمبارك. العطفي أضاف: «حتى الآن الصورة لم تتضح في الحياة السياسية المصرية بعد.. لا نريد أن نقول الآن كلاما بهدف الكلام فقط.. إذا تم التوافق على شخص من الهيئة العليا لحزب الأمة، أيا كان، سنخوض الانتخابات الرئاسية مجددا، حتى لو كان مرشح الحزب الوطني هو جمال مبارك.. نحن لن نقبل بأي مرشح ذي أجندة أميركية أو أوروبية، لأنه في الوقت الحالي تتردد أسماء لمرشحين للرئاسة، نحترمها، لكن لم يمارسوا العمل السياسي داخل مصر، ويجهلون دهاليز البلد، مثل ما يروج عن البرادعي أو زويل أو عمرو موسى، مع احترامنا لكونهم قمما نحترمها.. ونتمنى أن يكونوا بمنأى عن مهاترات بعض الحركات الموجودة حاليا في مصر، وكأن مصر ليس لها هوية دستورية، ولا قانونية، ولا شرعية.. هناك فقط من يبحث عن دور في محاولة لإحداث فوضى في البلد». ومع ارتفاع أصوات تتساءل عن مستقبل الحكم في مصر، أصبحت تتزايد أيضا أصوات المحذرين من الفوضى، وكذلك من مغبة صعود الإخوان إلى مقاليد الدولة، كما تتزايد أصوات من يرون أن تركز الحديث والجدل حول «عقدة التوريث»، يهدف بالأساس إلى زعزعة الاستقرار في البلاد، وإيهام الشعب بأن الرئيس المصري يملك صلاحيات تعيين ابنه في موقع رئيس الدولة، بينما الدستور هو من يحدد هذه العملية من بين أكثر من مرشح. رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، حسن ترك، وجه انتقادات شديدة لمحاولات البعض شغل الرأي العام بـ«موضوع مُختلق، اسمه توريث الحكم»، وأردف موضحا لـ«الشرق الأوسط»، بقوله إن.. «ما يدور وما يحدث في بعض وسائل الإعلام، ومن جانب حركات موجودة في الشارع المصري، والأضواء المسلطة عليها، خاصة حركة «لا للتوريث»، وجماعة الإخوان، كلها حركات غير مرخصة، وتنشر أخبارها في بعض الصحف الممولة من الخارج والتي لها أهداف خاصة، وتلك الصحف تغطي أخبار الحركات أكثر من أحزاب المعارضة، لأنهار تريد أن تضعف الأحزاب في مصر، على حد قوله. وأضاف: «نحن شكلنا اتحادا من 12 حزبا، وجميع رؤساء هذه الأحزاب اجتمعوا ليقولوا لحركة ضد التوريث، إننا لسنا متضامنين معها». وأصدرت هذه الأحزاب بيانا أكدت فيه على «الثوابت الدستورية وشرعية النظام»، وأعربت عن استنكارها ورفضها لـ«كل المحاولات التي من شأنها القفز على تلك الشرعية والالتفاف حولها، تحت دعاوى عديدة وبأسباب مختلفة».

وأضاف أن «محاولات البعض جماعات وأفرادا النيل من الشرعية الدستورية ومؤسسات الدولة، سوف يؤدي إلى أن تفقد البلاد ميزة الاستقرار السياسي والاجتماعي»، كما أن «الالتفاف غير الواعي بدافع التنفيس عن معاناة أو رفض سلبيات موجودة بالضرورة في كل المجتمعات، سوف يؤدي إلى تناحر فئات المجتمع وانقسامه إلى جماعات تتطاحن فيما بينها ويؤدي ذلك إلى تخليق فوضى هدامة وليست بخلاقة كما تبنتها دولة بعينها»، في إشارة للولايات المتحدة الأميركية. اتحاد الأحزاب المعارضة الـ12 أكد على «حرية الترشح لانتخابات الرئاسة وفق ما أشار إليه الدستور في تعديله الأخير للمادة 76.. ونحن نرفض مبدأ التوريث، فمصر دولة جمهورية تقوم على التعددية الحزبية»، وفقا لنص المادة الخامسة من الدستور. الأحزاب الـ12 أعلنت مجتمعة، وبشكل صريح، أنها ستقف على طول الخط ضد الحركات التي تشيع أن انتقال السلطة سيكون توريثا، وقال في بيان للرأي العام، إن «تصريحات البعض في الصحف والفضائيات هي آراء فردية لا تنم عن تضامن أحزاب أو رأي جماهيري، وترشيح بعض الأسماء لانتخابات الرئاسة القصد منها النيل من النظام الدستوري، والاستقرار الحالي، وضرب فئات الشعب بعضها ببعض.. إن الإعلام والفضائيات لهثوا وراء الأخبار اللامعة والبراقة لجذب القارئ والمشاهد، من أجل التميز الإعلامي، وجذب القارئ، والمشاهد، والتي صعدت بالعديد من هؤلاء إلى مستويات أعلى مما يستحقونه، ولو تم تجاهل تلك الآراء التي هدفها الأول والأخير إحداث انقسام بالشعب المصري، وإحداث الفتن والصراعات بين طبقات الشعب المختلفة، لكان ذلك أدعى للاحترام لهذه الجهات».

واتحاد الأحزاب الـ 12 هي: «الخضر المصري»، و«الجيل الديمقراطي»، و«المحافظين»، و«مصر العربي الاشتراكي»، و«الاتحاد الديمقراطي»، و«الأحرار»، و«الشعب الديمقراطي»، و«السلام الديمقراطي»، و«الأمة»، و«الوفاق القومي»، و«شباب مصر»، و«الجمهوري الحر». على الجانب الآخر، يظهر على خشبة المسرح، كذلك، ائتلاف آخر يضم أربعة أحزاب معارضة، منها ثلاثة هي «الوفد»، و«التجمع»، و«الناصري»، تعتبر هي أقدم أحزاب المعارضة المصرية، إضافة إلى حزب «الجبهة الديمقراطية» المؤسس حديثا. وبينما تحتفظ الأحزاب الثلاثة الأولى بدرجة كبيرة من التماسك، يبدو حزب الجبهة أكثر ميلا للتحالف مع جبهة «ضد التوريث». ويستعد هذا الائتلاف الرباعي المعارض لعقد اجتماع للتنسيق في الأسبوع المقبل. الأمين العام لحزب التجمع، سيد عبد العال، قال إن آخر اجتماع عقده الائتلاف الرباعي كان في مقر حزب الوفد، وقرر فيه ألا يقف ضد الحركات المناوئة للتوريث، وكذلك ألا يؤيدها.. وأضاف أن حزب التجمع لن ينضم للدعوة التي أطلقتها جبهة «ضد التوريث»، لسببين.. «لأن هذه الدعوة لم تكن دعوة لمؤتمر ضد التوريث، ولكنها دعوة للتحالف، والتحالف يقوم بين أناس يكون بينهم مشترك ما، والشيء المشترك الذي بينهم يكون في مواجهة خصم ما.. ومع أننا ضد التوريث، لكننا أيضا ضد الاستبداد، وضد الانقضاض على حق تداول السلطة.. حركة ضد التوريث المدعوين للتحالف معها، تضم قوى استبدادية، مثل جماعة الإخوان المسلمين». وتابع عبد العال قائلا: «نحن لا نتحالف مع هذه الجماعة لأننا سنكون كمن يستبدل قوى مستبدة من المعارضة، هي جماعة الإخوان، بنظام مستبد»، قائلا إن «الدستور الحالي يعطينا الحق القانوني في خوض الانتخابات الرئاسية، لكن الممارسة السياسية والإعلامية أثناء الانتخابات لن تعطي أي مساحة للمنافس للسلطة، في أن يكون لديه حرية الحركة أو حرية الدعاية أو حتى حقه في أن يقيم مؤتمراته وندواته في أمان وسلام».

ومن هنا، كما يقول أمين التجمع «نرفض المشاركة في هذا المهرجان الإعلامي لانتخابات الرئاسة القادمة، والتي ستنتهي بانتخاب رئيس هم يعلمون سلفا أنه سيفوز لأنه الوحيد الذي ستتاح له الحركة والإعلام.. القيود الخاصة بالترشيح واحتكار الدولة للإعلام وأجهزة الأمن وغياب الإشراف القضائي.. كل هذه تجعل من يتقدم من السلطة للترشيح، هو الفائز، وعدا ذلك سيكون مجرد ديكور في العملية الانتخابية.. لسنا ضد التوريث لأن القادم هو جمال مبارك، ولكن نحن ضد عدم إتاحة مناخ ديمقراطي يكفل حق الترشيح والتنافس بين أكثر من مرشح».

«عقدة التوريث» أيقظت أيضا حركات علمانية تتخوف من «ركوب الإخوان الموجة»، واستغلال أي فرصة للقفز على السلطة، وتأسيس ما أسماه أمين التنظيم في الحزب الحاكم، أحمد عز، «دولة المرشد».

أماني الوشاحي، وهي ناشطة سياسية وأديبة وإعلامية مصرية، وتعمل هذه الأيام كمنسق عام لحركة تطلق على نفسها «تماسك»، تقف بحركتها، التي تمثل تيارا علمانيا، ضد إقامة دولة دينية في مصر، وهي تتنقل ما بين الحركات الرافضة للتوريث والحركات المناوئة لها.. «نحن مع أي مرشح قادر على إقامة دولة مدنية ترفع شعار المواطنة، سواء كان هذا المرشح هو جمال مبارك أو غيره». ومضت الوشاحي تقول: إذا نزل جمال مبارك الانتخابات فهذا لا يسمى توريثا. والصندوق الانتخابي هو الحكم. من الممكن إقامة انتخابات حرة نزيهة في مصر لأن العالم أصبح قرية صغيرة، وكل ما تفعله يراه الآخرون داخل البلاد وخارجها». ولا تعول الوشاحي كثيرا على أحزاب المعارضة الشرعية.. «لأنه ليس لها وجود في الشارع. كل حزب عبارة عن صحيفة أسبوعية أو يومية.. لا يمكن أن تقول إن هناك أحزابا تصدر صحفا ولكنها صحف تعبر عن أحزاب.. أعتقد أن المناخ العام في مصر هو السبب. وكذلك التيار الديني يعلب دورا في ضعف أحزاب المعارضة. وتعمل حركة «تماسك» وسط النخبة المصرية السياسية والثقافية، لكن الحركة ما زالت تحبو هي الأخرى على المستوى الشعبي.. «بسبب تغلغل التيار الديني المتشدد في المجتمع المصري، خاصة في السنوات الأخيرة»، بحسب الوشاحي التي أضافت قائلة إن «جماعة الإخوان المسلمين غيرت منهجها للوصول إلى السلطة، من مناطحة قمة السلطة، إلى طريقة جديدة تهدف إلى جمع أكبر عدد من الأنصار والمتعاطفين معها للوصول للسلطة عبر الانتخابات البرلمانية وبالتالي الانتخابات الرئاسية». وأضافت أن «حركة الإخوان ما زالت، للأسف، المنافس القوي للحزب الحاكم.. رغم عدم شرعيتها الدستورية والقانونية. الإخوان لهم تأثير على القاعدة الشعبية.. عملوا خطة ونجحوا فيها.. هم تخلوا عن توجههم للتغيير الفوقي في نظام الحكم. وبدأوا في الفترة الأخيرة العمل للتغيير التحتي، للاستحواذ على مزيد من مقاعد مجلس الشعب، ثم على الرئاسة». وبعد أن انتهت من المشاركة في لقاء لحزبيين معارضين ومناهضين في الوقت نفسه للحملات الرافضة لما يسمونه «التوريث»، أضافت الوشاحي، وهي تصعد درجات تؤدي إلى تجمع آخر مغاير، لنشطاء معارضين لـ«توريث جمال مبارك»، قائلة، وهي تشير لخيوط العنكبوت على جانبي درجات السلم: على الأقل، الجدل حول «عقدة التوريث»، بدأ يحرك المياه الراكدة.. بدأ يفكك خيوط العنكبوت.