صمام الأمان.. في جازان

تقود المعلومات التي تقدمها القبائل عن الحوثيين إلى القبض على 200 متسلل يوميا.. و360 عنصرا قبليا يتناوبون الحراسة الليلية

مواطنون سعوديون في منطقة الحدود مع اليمن (تصوير: خضر الزهراني)
TT

صباح الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تسلل عدد من العناصر الحوثية إلى جبل دخان في منطقة جازان الحدودية، ونفذوا هجمات استهدفت قوات حرس الحدود، أسفرت عن استشهاد رجل أمن سعودي، وإصابة 11 من زملائه، وهي الحادثة التي كانت شرارة معارك لا تزال مندلعة بين الجيش السعودي، والمتسللين الحوثيين.

غداة تلك الحادثة، توجه ممثلون عن القبائل التي تسكن المناطق الحدودية الملاصقة للمجاميع الحوثية في الجانب السعودي، للجهات الرسمية بطلب للمشاركة إلى جانب القوات المسلحة والأمنية في المعارك القائمة مع الحوثيين.

لكن الجهات المعنية في منطقة جازان قابلت طلب القبائل بالرفض، بحسب مصادر قبلية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، وطلبت منهم فقط «التيقظ» لأي محاولات للتسلل.

تعتبر محافظة الخوبة في منطقة جازان واحدة من 4 محافظات، ملاصقة للمناطق التي يتمركز فيها الحوثيون من الجانب الأيمن. وتعد الخوبة، العاصمة الإدارية لمحافظة الحرث القريبة من مدينة الملاحيظ اليمنية، أكثر المناطق التي تشهد تسللا، والتي تشهد حاليا العمليات العسكرية ضد المتمردين الحوثيين. ويعتقد أن منها تسلل اثنان من قائمة الـ85 الملاحقة، واللذان قتلا في مواجهة أمنية في محافظة الدرب التي تبعد 190 كيلومترا عن المنطقة الحدودية قبل أسابيع.

وكانت القبائل في تلك المحافظة تمارس دورا فعليا في الرقابة الليلية، خصوصا في المناطق المحاذية لجبل الدخان الذي شهد عملية تسلل عناصر حوثية، استمرت 4 أيام، قبل أن تصدر أوامر عليا بإخلاء المحافظة كليا وإعلانها مسرحا للعمليات.

وانطلقت فكرة الاستعانة بالقبائل للترصد للمتسللين، وذلك بعد أن لجأ المتسللون الحوثيون إلى استغلال المجاميع البشرية الهائلة التي نزحت إلى داخل الأراضي السعودية نتيجة المعارك بين الجيش والمتمردين، بالاندساس في صفوفهم وتنكرهم بالأزياء النسائية لبعض القرى الحدودية في الجانب السعودي، وهو ما استدعى من القوات السعودية إخلاءها من السكان.

وبعد إخلاء محافظة الخوبة، وأجزاء من محافظة العارضة، لم يبق سوى محافظتي الداير بني مالك وفيفا الحدوديتين، مجمعتين بشريان، من الممكن أن يستغلا في عمليات التسلل، بعد الأخذ بعين الاعتبار استحالة التسلل من المنطقة العسكرية المحرمة، التي عادة ما يكون مصير من يدخلها القتل برصاص القناصة.

وتوجه وفدان منفصلان من ممثلي قبائل بني مالك وفيفا، لأمير جازان، وعرضا عليه المشاركة في العمليات القتالية ضد الحوثيين، واضعين كل إمكانيات تلك القبيلتين تحت تصرف الدولة.

إلا أن المسؤولين السعوديين، بحسب معلومات «الشرق الأوسط»، لم يستحسنوا فكرة إشراك المواطنين في العمليات القتالية، لاعتبارات تتعلق بعدم وجود عجز لدى الدولة من هذه الناحية، لكن تم التأكيد على قبائل بني مالك وفيفا، بتوخي الحيطة والحذر ورصد عمليات التسلل المحتملة من حدود قراهم.

ويؤكد أحد المسؤولين في محافظة الداير بني مالك، أن المعلومات التي يقدمها المواطنون في المحافظة تقود يوميا إلى القبض على عشرات المتسللين، فيما يؤكد شيخ شمل قبائل فيفا أن الحراسات الليلية التي تسيرها القبيلة تركز على المناطق التي تشهد كثافة في عمليات التسلل، والتي عادة ما تتم سيرا على الأقدام.

وفي محافظة الخوبة، التي تم إخلاؤها بالكامل، بعد 4 أيام من نشوب العلميات العسكرية بين الجيش السعودي والمتسللين، تناوب أفراد من قبيلة الهزازي على عمليات المراقبة الليلية، تدعمهم في ذلك أسلحتهم التقليدية المرخصة.

ويؤكد الشيخ عبد الله هزازي، شيخ قبائل الهزازي في محافظة الحرث بالخوبة أن عددا من أفراد القبيلة، قاموا بالمرابطة فيها طيلة الأيام الـ4 التي تلت حادثة تسلل المتمردين على الحدود السعودية.

وقال لـ«الشرق الأوسط» التي سألته حول الدور الذي قامت به قبيلته في هذه الأحداث «لقد قمنا بدور خلال 4 أيام، حيث حملنا الأسلحة وكنا مرابطين في المحافظة حتى جاء أمر بإخلائها، حيث تم إبلاغ المواطنين بالنزوح».

ويبرز هزازي حالة التأهب التي كان يبديها أفراد قبيلته مع بدء العمليات. وقال «في بداية العمليات كنا نحضر بالمحافظة باستمرار. حتى في الليل كنا موجودين».

ويسرد الشيخ هزازي قصة حدثت معه في إحدى الليالي الأربع، التي أدت فيها قبيلته دورا في مكافحة عمليات المتسللين، بقوله «تم إبلاغي من قبل المحافظة في إحدى الليالي أن نكون أنا وأفراد القبيلة في المحافظة متنبهين لعملية تسلل محتملة من جهة الحصابة إلى جبل الدخان، لكن لم يحدث شيء في تلك الليلة والحمد لله».

وتشير القصة التي أوردها هزازي إلى تعاون بين الجانبين السعودي واليمني على المستوى الرسمي في كشف عمليات تسلل الحوثيين. ويسند التعاون الرسمي بين سلطات الرياض وصنعاء، لكشف المتسللين، تعاون قبلي، له أهميته، وذلك لاعتبارات تتعلق بالخبرة الواسعة التي تمتلكها تلك القبائل بمناطقهم، مما يرفع حظوظ التصدي لعمليات التسلل التي تتم بشكل يومي.

وفي محافظة بني مالك يقدر أحد المسؤولين عدد المتسللين الذين يلقى القبض عليهم يوميا، نتيجة بلاغات المواطنين، بنحو 50 إلى 200 متسلل يوميا.

ويشير الشيخ عيسى جابر صدام، محافظ الداير بني مالك، إلى أن غالبية المتسللين الذي يلقى القبض عليهم على حدود المحافظة هم من الجنسيتين الإثيوبية واليمنية، ونزر قليل من الجنسية الإريترية، مؤكدا على محورية الدور الذي تقوم به قبائل بني مالك، وهي قبيلة حدودية، في التصدي وكشف عمليات التسلل عبر المحافظة ومراكزها.

وفي البداية، كانت قبائل بني مالك، تسعى للدخول في العمليات القتالية إلى جانب الجيش السعودي. يقول محافظ الداير لـ«الشرق الأوسط» إن «قبائل بني مالك تقدموا بطلب وعرضوا على الإمارة أولادهم وأموالهم تحت التصرف، وعدوا أنفسهم جنودا مجندين لحماية الوطن». غير أن الجهات الرسمية منعت القبائل من المشاركة بأي أمور قتالية. يقول عيسى جابر صدام «لو أطعناهم لنزلوا بأنفسهم يقاتلون، ولكن نحن منعناهم لخشيتنا عليهم».

ويؤكد محافظ الداير على أهمية الدور الذي يقوم به المواطنون في كشف المتسللين، حيث يصف تعاون المواطنين مع الجهات الأمنية في هذا الإطار بأنه كان كاملا، وعبر عنه بقوله «كان 100 في المائة».

ودعت محافظة الداير بني مالك والتي تحتوي على مجاميع بشرية تتجاوز أعدادها 100 ألف نسمة، أبناء القبائل والمواطنين والمقيمين، بإبلاغ الجهات الأمنية المعنية عن أي اشتباه في متسللين، خصوصا من الجنسيات اليمنية أو الأفريقية.

يقول محافظها عيسى جابر «لقد طلبنا منهم (المواطنين)، الإبلاغ عن المتسللين، سواء كانوا فرادى أو جماعات. نحن نلقي القبض على عشرات المتسللين بسبب الإبلاغ عنهم من قبل المواطنين والمقيمين».

ويشير إلى وجود تعاون رسمي وشعبي في الأزمة الحالية، بالقول «منذ أن بدأت شرارة هذه الشرذمة الفاسدة، وأمير المنطقة دائما معنا قلبا وقالبا، أما بالنسبة لمحافظة الداير ومراكزها ومحافظاتها من جهات أمنية وخدمية، فالتعاون موجود فيما بين الجميع بين الحرس والمجاهدين والشرطة والجهات المعنية الأمنية».. مؤكدا أن «التعاون قائم أيضا على قدم وساق، وبالذات مع مشايخ الشمل والمواطنين والأعيان على الحدود».

وفي فيفا، وهي منطقة حدودية، تحتوي على الكثير من الأماكن التي يمكن استغلالها للدخول غير المشروع للأراضي السعودية، تمت الاستعانة بـ20 عنصرا، من كل قبيلة من قبائل التي يصل عددها لـ18 قبيلة.

ويؤكد الشيخ علي حسن الفيفي، شيخ شمل قبائل فيفا لـ«الشرق الأوسط»، أن كل القبائل الحدودية، تشارك مشاركة فاعلة في رصد الحدود ضد عمليات التسلل.

ويتناوب 360 عنصرا قبليا، في مراقبة حدود محافظة فيفا، طيلة الـ24 ساعة. وطبقا للشيخ الفيفي، فإنه «يعمل في الوردية الواحدة (فترة المناوية)، وبالأخص الليلية، 20 شخصا».

ويشير شيخ شمل قبائل فيفا إلى وعورة الأماكن التي يتم فيها زرع الحراسات الليلية. ويقول إن الوصول إلى الأشخاص الذي يقومون بتأمين الحدود أمر ليس بالسهل، وذلك لوعورة المكان الذي يتواجدون فيه، والذي يستغله المتسللون بدورهم في عمليات الدخول غير المشروع للأراضي السعودية.

وقبائل فيفا هي واحدة من 3 قبائل حدودية، تقوم بتسيير دوريات ليلية بغرض كشف أي عمليات تسلل محتملة قد يتم استخدام حدود مناطقهم لتنفيذها، إلى جانب قبيلتي بني مالك وآل تليب، وهما أيضا قبيلتان حدوديتان تسهمان إلى جانب الأولى في تأمين الحدود ضد عمليات التسلل.

وتختلف السعودية عن التجربة العراقية الخاصة بعشائر الصحوات.

ويؤكد الدكتور ظافر العاني، عضو البرلمان العراقي، أن مجاميع الصحوات تم تشكيلها لمواجهة مجموعات آيدلوجيا هدامة، وجدت بحكم الاحتقان السياسي والاحتلال وضعف الدولة، على عكس تجربة القبائل جنوب السعودية والتي تأتي كـ«دور مساند للدولة».

ويرى ظافر العاني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن وجود تعاون من القبائل السعودية مع الجهات الأمنية «سيخدم على المستوى الميداني كثيرا جدا».

ولا يجد ظافر العاني تماثلا كبيرا بين تجربة عشائر الصحوات، والقبائل التي تقف ضد تسلل الحوثيين، حيث يشرح كيفية نشوء الصحوات بقوله «حينما أصبحت الجماعات التكفيرية تمثل خطرا على المجاميع البشرية والقبلية التي تسكن في بعض المحافظات، ما كان من أبناء العشائر إلا أن كان لهم رد فعل في ظل ضعف الدولة. لأنه بعد الاحتلال تم إلغاء الدولة العراقية والمؤسسة الأمنية والعسكرية، فلم يكن هناك بد للأهالي إلا أن يدافعوا عن أنفسهم في ظل غياب مؤسسات حكومية قوية وعادلة».

ولخص المقارنة بين دور العشائر العراقية والقبائل السعودية بأن الأولى كانت تسعى لتأمين حماية أكبر في ظل انعدام الأمن، فيما كانت الثانية تسعى بالوقوف إلى جانب الدولة ومساعدتها على المجموعات التي تريد التأثير على الأمن».

ولذلك لا يجد عضو البرلمان العراقي من التشابه الكثير بين قتال العشائر للجماعات التكفيرية وتصدي القبائل للحوثيين، لاعتبار أن الحوثيين «ليسوا مجموعة سياسية بل هم مجموعة سكانية إثنية، لديها هوية دينية مختلفة عن الآخرين كمذهب».

وتقع المجاميع السكانية للحوثيين بالقرب من المنطقة الحدودية الفاصلة بين السعودية واليمن. وتشترك السعودية واليمن بشريط حدودي، يمتد حتى 1500 كيلومتر، كثاني أطول حدود برية في العالم، فيما تشكل الجبال الغالبية العظمى من الحدود المشتركة بين البلدين، فيما تشترك جازان مع اليمن بحدود بحرية وبرية واسعة.

وتعتزم السعودية بناء سياج أمني على حدودها مع اليمن، للحد من عمليات التسلل، وتأمين حدودها ضد الكثير من المخاطر، كالحوثيين، وتنظيم القاعدة.

وتعد منطقة الحرث، القريبة من التوتر الأمني الجاري في اليمن، والتي تحولت هذه الأيام إلى مسرح للأحداث العسكرية بين الجيش السعودي وعناصر التمرد الحوثية، هي أكثر المناطق المرشحة لأن تكون قد استغلت من قبل تنظيم القاعدة للدخول إلى الأراضي السعودية، وهو ما يعطي مؤشرات بوجود تسهيلات حوثية لعناصر القاعدة الذين نفذوا هجمات داخل المملكة، على اعتبار أن منطقة الملاحيظ مسيطر عليها من قبل عناصر التمرد.

وفرضت انتهاكات العناصر الحوثية لسيادة الأراضي السعودية في بداية نوفمبر الحالي «حتمية» بناء السياج الأمني بين السعودية واليمن، والذي بات خيارا مهما، مع تصاعد نشاط تنظيم القاعدة على الأراضي اليمنية من جهة، وبروز خطر التمرد الحوثي من جهة أخرى.

وطبقا لمعلومات «الشرق الأوسط» فإن عقد إنشاء السياج الأمني بين السعودية واليمن قد تمت ترسيته أخيرا على شركة «إيداس»، وهو في إطار وضع اللمسات النهائية على المراحل الإجرائية، قبل البدء الفعلي للخطوات التنفيذية.

وفي الوقت الذي تبرز فيه صعوبة التسلل من منطقة تهامة والحدود البحرية المشتركة بين السعودية واليمن، والتي تقدر بـ30 ميلا بين جازان واليمن، تظل مئات الكيلومترات من الجبال الوعرة خيارا مفضلا للراغبين في التسلل إلى الأراضي السعودية، أو القيام بأي عمليات تهريب محتملة. ولا تستطيع الأجهزة الأمنية وحدها التصدي لعمليات التسلل، وهو ما جعل فكرة مشاركة القبائل في المراقبة أمرا بالغ الأهمية، حتى اكتمال بناء السياج الأمني.

وهذه ليست المرة الأولى التي يشترك فيها أفراد المجتمع السعودي في حرب ضد جماعات تريد الإخلال بالأمن الداخلي لبلادهم. فقد أسهمت المعلومات التي أوصلها مئات السعوديين للأجهزة الأمنية ما بين عام 2003 وحتى هذا اليوم، في القضاء على كل قيادات تنظيم القاعدة في الداخل السعودي، بالإضافة إلى إحباط الكثير من المخططات الإرهابية التي كان يعتزم تنفيذها في الداخل.

ويقول اللواء منصور التركي، المتحدث الأمني بوزارة الداخلية السعودية، متحدثا عن الدور الذي لعبه مواطنو بلاده في القضاء على «القاعدة»: «يسهم المواطن بدور أساسي في العمل الأمني بكل أبعاده، وقد وصفه النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بأنه رجل الأمن الأول». وأضاف اللواء التركي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «فقد أسهم المواطن في مساندة العمل الأمني بمده بالمعلومات التي أدت في حالات كثيرة إلى إحباط مخططات إرهابية»، فيما أكد أن «التعاون المستمر والمثمر للمواطن يجسد سر النجاح المتميز لرجال الأمن في مواجهة إرهاب (القاعدة) بالمملكة، حيث قاد العمل الأمني بالمعلومة، وسانده بالتصدي لمحاولات تجنيد أبنائه».

ومن الأمور التي تحسب لصالح السعوديين في حربهم على «القاعدة» تقبلهم لكل انعكاسات متطلبات العمل الأمني، كما يذكر اللواء التركي، والذي قال «لقد تقبل المواطن كل انعكاسات متطلبات العمل الأمني على حياته اليومية بروح عالية وتعاون في تحقيق أهدافها».

وعلى الرغم من ذلك، فلم يدر المجتمع ظهره للسعوديين الذين تم التغرير بهم، على الرغم من إلحاقهم الكثير من الأذى في بنية المجتمع، وذلك باستهداف المصالح الأمنية أو الاقتصادية أو الحيوية.

ويشير المتحدث الأمني بوزارة الداخلية في هذا الصدد إلى أن المجتمع «يؤدي دورا فاعلا في برامج المناصحة والرعاية للموقوفين لدى الجهات الأمنية باحتضان أبنائه الذين تم التغرير بهم، ودمجهم فيه، ورعايتهم بعد عودتهم إليه».

وبخوض أبناء المجتمع السعودي والقبائل تجربة الترصد للحوثيين وعناصر «القاعدة»، يكونون قد تحولوا فعليا إلى «الرقم الصعب» في معادلة القضاء على كل الحركات والاتجاهات التي تريد الإخلال بالأمن الداخلي.