خبير أميركي: العديد من الدول العربية والإسلامية ستتأثر بسبب ارتفاع حرارة الأرض وارتفاع منسوب مياه البحار

جوك ويتلسي حذر في حديث لـ «الشرق الأوسط» من أن العالم سيشهد هجرات من نوع جديد هي الهجرات المناخية

جوك ويتلسي (تصوير: حاتم عويضة)
TT

يعتبر جوك ويتلسي، القنصل المختص بشؤون البيئة والصحة والعلوم والتكنولوجيا بالسفارة الأميركية في لندن، أحد الخبراء المهتمين بموضوع التغيرات المناخية والتأثيرات البيئية. وقد التقته «الشرق الأوسط» بمناسبة مؤتمر كوبنهاغن قبل توجهه إلى هناك وأجرت معه حوارا حول المخاطر البيئية ومدى جديتها والتأثيرات المتوقعة بما في ذلك المخاطر التي قد تهدد دولا عربية وإسلامية نتيجة ارتفاع حرارة الأرض ومنسوب مياه البحار والمحيطات. وفي ما يلي نص الحديث:

* بعد كل الآمال والتوقعات التي علقت على قمة كوبنهاغن، هل سيتحقق شيء إيجابي كبير وملموس بعدها، أم أنها ستكون قمة مثل كثير من القمم الأخري، أي كثير من التطلعات وبعض القرارات وقليل من الانجازات الفعلية؟

- أعتقد ان اجتماعات كوبنهاغن ستحرك الأمور إلى الأمام، لكنها لن تكون النقاش المكتمل الأخير حول موضوع البيئة والمناخ. وأرى أنه كلما يزداد الاهتمام الشعبي والرسمي في مختلف الدول، كلما تأسس إجماع حول أهمية القيام بعمل إزاء التغير المناخي، فالدول المختلفة لديها مساهمات مختلفة للقيام بها في هذا الشأن.

لا أشك أن قمة كوبنهاغن ستحرك الأمور، فالمطلوب الآن هو أن ننتقل من مناقشة المبادىء والأسس العامة إلى مناقشة التفاصيل الواجب القيام بها الآن وليس غدا، لأنه مع مرور الوقت يصبح التعامل مع الوضع أكثر صعوبة وتعقيدا.

* واقعيا ما هي الأشياء المحددة التي يمكن أن تتحقق بعد هذه الاجتماعات؟

- المشكلة أن الأشياء المحددة المطلوبة تختلف من بلد إلى بلد، لأنه في ظل أي إتفاقية عالمية سنجد واقعا يتمثل في وجود ظروف مختلفة بين دول صناعية غنية وبين دول فقيرة نامية في مناطق مناخية متباينة، وبالتالي فإن الأدوات والإجراءات ستكون مختلفة بشكل كبير. فعلي سبيل المثال إن ما يمكن أن ينجح من إجراءات في النرويج أو السويد يختلف عما يمكن أن ينجح في الجزائر أو تونس أو البرازيل. وأحد اهتمامات السياسة الأميركية في هذا الموضوع هو حث الدول المختلفة على تحديد ما يمكنها القيام به. إن المشاكل المناخية تختلف من مكان إلى آخر، وعلي سبيل المثال نجد أنه في اندونيسيا والبرازيل يشكل انحسار الغابات أحد العوامل الأساسية في انبعاث الغازات نحو الغلاف الجوي، بينما لا يمثل هذا الأمر مشكلة في مناطق أخرى، وبالتالي فإن إندونيسيا والبرازيل تحتاجان إلى التركيز في إجراءاتهما المناخية على موضوع الغابات، بينما في دول أخرى ربما تتمثل الإجراءات المطلوبة في استخدام أكبر للطاقة الشمسية أو في توفير الطاقة لتقليل انبعاثات الغازات.

ومحاولة استيعاب كل ذلك في اتفاقية واحدة دولية ليس بالأمر السهل، كما أن هناك تبعات مالية للإجراءات المطلوبة وهذه أيضا يدور حولها النقاش.

* ألا يعتبر هذا الأمر تحديدا جزء أساسيا من المشكلة، بمعني ترك كل دولة تحدد ما يمكنها أو لا يمكنها القيام به؟

- صحيح، لكننا لن نستطيع أن نفعل شيئا إذا لم نتحرك على مستوى ما هو مطلوب من كل بلد، لأن التأثيرات المناخية تتفاوت مثلما أن الأوضاع الاقتصادية والقدرات المالية تتفاوت. فتحديد الخطوات المطلوبة وفقا لمتطلبات ومشاكل كل بلد، أسهل بكثير من التوصل إلى اتفاقية دولية تتناول العموميات. وكل بلد سيكون أقدر على تحديد المشاكل التي يواجهها، إضافة إلى تحديد قدراته المالية والبشرية. الإتحاد الأوروبي مثلا استطاع أن يفعل ذلك لأن لديه الآليات المشتركة لبحث الموضوع وتحديد كيفية معالجته على مستوى الإتحاد، ولكن تطبيق الأمر ذاته على المستوى الدولي يكون مختلفا لأن لكل بلد أهدافه ومشاكله فيما يتعلق بالبيئة.

* هل نتعامل هنا مع سيناريو الأخيار والأشرار، بمعنى أن الدول الصناعية ظلت لسنين طويلة تلوث المناخ وتطالب الآخرين الآن بالحد من نموهم لمواجهة التأثيرات المناخية. كما أن دولا صاعدة مثل الصين والهند تقول إن من حقها أن تسعى لتحقيق نموها مثلما حقق الغرب نموه.

- الجميع متفقون على ضرورة مراعاة تطلعات الدول التي تريد النمو إقتصاديا، لكن هذا يجب أن يتحقق بالشكل الذي يحد من التداعيات البيئية، بمعنى أن يتحقق النمو على المدى الأطول وتتم في الوقت ذاته معالجة المشاكل المناخية. نعم صحيح أن الدورة الصناعية في الغرب أوجدت الانبعاثات التي أسهمت في الاحتباس الحراري الذي نعيشه اليوم، وهذا يحتم ما يسمى بالمسؤولية التاريخية في المناقشات البيئية الجارية، ونحن نقر بذلك. ولكن علينا أيضا أن نكون صريحين في تحديد أين نقف اليوم إزاء المشكلة التي تواجه العالم كله، وكيف سنعالجها. وليس من المنطق ولا من المصلحة أن نقول «نعم فعلنا ذلك، وأنتم أيضا يمكن أن تفعلوا الأمر ذاته». الأفضل أن ننظر إلى الأمر من زاوية أن الدول النامية لها الحق في تحقيق نموها ولكن من المصلحة العامة أن يتحقق ذلك بطريقة مختلفة عما حدث في الماضي.

* لكي نوضح الصورة دعنا نتحدث عن أربعة نماذج بعينها وهي أميركا والإتحاد الأوروبي والصين والهند. ماهو المطلوب من كل جهة من هذه الجهات؟

- دعني أتحدث عن الولايات المتحدة فربما يعطى ذلك فكرة عن الأدوات المتاحة، فأميركا بلد شاسع ويغطى منطقة متنوعة المناخ، وبعض الأدوات المتاحة لدينا فيما يتعلق بالحد من انبعاثات الغازات وتقليص التأثيرات البيئية يمكن أن يساعد في أماكن أخرى. وواحدة من وسائلنا لمواجهة التأثيرات البيئية هي تحقيق نوع من الكفاءة والترشيد في استخدام الطاقة، فعلى سبيل المثال يمكن استخدام لمبات الإضاءة التي تحقق نفس درجة الإضاءة باستخدام طاقة أقل، كما يمكن استخدام وسائل التقليل من تسرب الحرارة في البيوت لخفض فاتورة استخدام الطاقة، وتحسين نوعيات بنزين السيارة بحيث تحقق مسافة أطول بطاقة أقل، ومثل هذه الأشياء تتم بتكلفة قليلة لأن التقنية متاحة ومتوفرة، وهي أشياء يمكن استخدامها في أي بلد. وهناك تقنيات أخرى موجودة لكنها لم تكن شائعة الاستخدام في السابق مثل طواحين الهواء والطاقة الشمسية والعضوية التي يمكن أن تعوض أو تحل محل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، كما أن بمقدور الناس تركيب شرائح توليد الطاقة الشمسية على أسطح منازلهم.

لقد عملت في الأردن ثلاث سنوات وزرت معظم دول الشرق الأوسط والخليج وشمال افريقيا وفي كل هذه المناطق يمكن تركيب شرائح توليد الطاقة الشمسية التي ستوفر الكثير من احتياجات الطاقة المنزلية، ومثل هذه الأشياء ستساعد البيئة لأن مواجهة المشاكل البيئية الراهنة ليست أمرا يمكن تحقيقه باجراء أو تغيير وحيد بل عبر مجموعة متنوعة من الخطوات. وأميركا مثلا تتوسع اليوم في برنامج محطات الطاقة النووية، لأننا والصين نستخدم كميات هائلة من الفحم لتوليد الطاقة وهو أمر له تأثيراته البيئية ولذلك نسعى للحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بالتوسع في الطاقة النووية أو باستخدام تقنيات جديدة يجري تطويرها لتقوم بتخزين ثاني أوكسيد الكربون في باطن الأرض لمنع تسربه إلى الغلاف الجوي، وهذا يعني أنه يمكن الاستمرار في استخدام الفحم في محطات الطاقة حيث يتم استخدام التقنيات الجديدة لسحب ثاني أوكسيد الكربون من مداخن المحطات وضغطه في عبوات يمكن حقنها في باطن الأرض وبالتالي منع وصولها إلى الغلاف الجوي. وهذه واحدة من الجوانب التي يمكن لدول الشرق الأوسط أن تستفيد منها اقتصاديا لأنه يمكن وضع ثاني أوكسيد الكربون في الخزانات الأرضية التي تتولد عندما يتم سحب الغازات الطبيعية من باطن الأرض. وبريطانيا مثلا تدرس تطبيق هذا الأمر في بحر الشمال في المناطق التي استنفد منها الغاز الطبيعي، بحيث تجمع وتحفظ ثاني أوكسيد الكربون في الآبار أو الخزانات الأرضية وتستفيد من عملية التخزين هذه إقتصاديا مستخدمة ذات التقنيات والوسائل التي تستخدمها لاستخراج الغاز الطبيعي.

هذه التقنية مهمة جدا لأن الولايات المتحدة تستخدم الفحم في 50 في المئة محطاتها الكهربائية، بينما الصين تستخدم الفحم بكميات أكبر بكثير من الولايات المتحدة حيث تصل نسبة محطاتها الكهربائية التي تستخدم الفحم الحجري حوالي 70 في المئة. وبما أن الفحم موجود بكميات كبيرة ورخيص الثمن فإن الناس سيستخدمونه، وبالتالي لابد من ايجاد وسائل لمعالجة التلوث الناجم من استخدامه والحد من تأثيراته على البيئة. إن المطلوب اليوم من كل الدول وليس من الولايات المتحدة وحدها هو ايجاد الوسائل والتقنيات المناسبة وتكييف ذلك مع التكلفة المالية وأوضاع كل بلد للمساهمة في احتواء مشاكل البيئة.

إن هناك خطرا مشتركا وهناك أيضا بعض الفرص التي تتمثل في أن دولا في الشرق الأوسط أو شمال افريقيا على سبيل المثال يمكن أن تستثمر الطاقة الشمسية وتجمعها بشكل تجاري واسع لكي تزود اوروبا مثلا بالطاقة الشمسية خصوصا في الوقت الذي تسعى فيه الكثير من الدول للحصول على الطاقة النظيفة.

* إذا نظرنا إلى الجانب الآخر من الصورة وإلى دول مثل الصين والهند مثلا حيث ينتشر الفقر وحيث ترى القيادات تقول إنها تحتاج إلى تسريع التنمية قبل أن تفكر في أي من الإجراءات التي ذكرت، ما هو ردك على مثل هذه الحجج المنطقية؟

- إن بعض الناس قد يفكرون أن المناخ أمر للمقايضة أو أنه سلعة كمالية أو رفاهية، ويقول بعضهم دعنا نتطور الآن ولا نفكر في التبعات وسنقلق بشأن المناخ لاحقا. لكنني أرى اننا بحاجة إلى تحريك الأمرين في ذات الوقت، بمعنى العمل من أجل التنمية وفي الوقت ذاته حماية البيئة من المزيد من التلوث، ففي أي تلوث سواء كان ذلك في المياه أو في الجو أو في نسبة ثاني أوكسيد الكربون، كلما تركت الأمر يتراكم كلما ازدادت صعوبة معالجته وارتفعت تكلفته.

لقد عملت في الصين ولمست التنمية الهائلة التي تحدث هناك، ولكنني أعرف أيضا حجم مشكلة التلوث البيئي الموجود، وهو أمر يفرض تكلفة عالية على الاقتصاد الصيني أيضا من ناحية متطلبات معالجة مشاكل تلوث المياه والهواء وخلافه.

والنجاح الحقيقي هو في تحريك عجلة النمو الاقتصادي بشكل متعادل مع جهود حماية البيئة والحد من التلوث المناخي.

* بعض أنصار نظرية المؤامرة يقولون إن الغرب يستخدم ورقة الخطر البيئي كوسيلة لتعطيل نمو القوى الصاعدة الجديدة مثل الصين التي باتت تهدد مركز الغرب والولايات المتحدة تحديدا وربما تتقدم لتصبح القوة الأكبر عالميا. ما رأيك في هذا الطرح؟

- بالتأكيد هذا ليس رأينا، فنحن نريد لنمو هذه الدول أن يستمر، كما أن مساعداتنا للدول النامية مستمرة، وفي الوقت ذاته نحن نطور تقنيات جديدة للحد من التلوث البيئي وهي تقنيات ستكون مفيدة للدول النامية والفقيرة أيضا. وأية دولة إذا استخدمت كل الامكانات المتاحة لمواجهة مشاكل التلوث البيئي الآن، فإن ذلك سيوفر عليها الكثير مستقبلا. ولذلك أقول إن الصيغة الأفضل هي الاستمرار في النمو المتوازن الذي ينتبه لمسألة احتياجات البيئة والمناخ.

إن الانبعاثات التي تصدر من أي بلد تؤثر على بقية العالم فيما يتعلق بالتأثيرات المناخية التي لن تقتصر على بلد واحد أو منطقة معينة، فنحن جميعا نواجه التأثيرات والمخاطر المناخية، وبالتالي لا يمكن لبلد أن يقف بعيدا ويقول: نحن لم نتسبب في هذه المشكلة وبالتالي لن نساعدكم في حلها. إن التغير المناخي سيؤثر، بل وبدأ في التأثير على كل بلد في العالم، وإذا لم يتكاتف الجميع لمواجهة هذه المشكلة فإنها ستصبح أسوأ. هذه ليست مشكلة تواجه الدول الغنية وحدها بل تواجه العالم كله فقيره وغنيه.

* كثير من الدول تشعر انها متضررة مما يطرح حاليا بشأن ما يسمى بالطاقة النظيفة خصوصا الدول النفطية والدول التي تنتج الفحم الحجري، حيث يمثل التوجه الراهن تهديدا لمواردها الطبيعية التي تعتمد عليها وعلى مداخيلها. كيف يمكن توفيق احتياجات هذه الدول لمواردها مع الدعوات في الدول الغنية للتوجه نحو «الطاقة الخضراء» أو النظيفة؟

- إن النفط والغاز ضروريان للاقتصاد العالمي الراهن، والحديث عن المصادر البديلة للطاقة مثل طواحين الهواء أو الطاقة الشمسية، لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من احتياجات العالم للطاقة، والاعتماد على النفط والغاز لن يتغير لعقود قادمة وستبقى هذه الموارد الطبيعية ضرورية للاقتصاد العالمي. فلا يمكنك الآن أن تتحدث عن طائرات تعمل مثلا بالبطاريات، وبالتالي حتى مع الحديث الدائر حاليا عن بدائل الطاقة سيكون هناك دور مهم للنفط والغاز، خصوصا مع الاستهلاك المتزايد للطاقة حيث يرتفع معدل استهلاك الفرد من الطاقة مع زيادة استخدام المعدات الالكترونية في المنازل اضافة إلى الاستخدامات التقليدية الأخرى للطاقة. فبينما يتحدث الناس عن السيارات الكهربائية مثلا هناك أعداد كبيرة من البشر لا تملك كهرباء في بيوتها، وتستخدم الحطب للوقود، ومع استمرار عجلة التنمية فإن هؤلاء الناس سيطالبون بالكهرباء في منازلهم وبالتالي يتزايد الاعتماد على مصادر الطاقة الموجودة حاليا. ومع تزايد نسب السكان تتزايد احتياجات العالم للطاقة، وبالتالي سيستمر الطلب على النفط والغاز لعقود طويلة قادمة.

* إن خطر المناخ الزاحف يتضح عندما يسمع المرء سكانا في مونروفيا عاصمة ليبيريا مثلا يتحدثون عن كيف أن ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات أدى إلى تدمير عدد من بيوتهم الواقعة على الساحل، هل لك أن تعطي فكرة عن حجم الخطر البيئي الراهن؟ وما هي التأثيرات المتوقعة مثلا في الخليج أو في العالمين العربي والإسلامي؟

- هناك نوعان من التأثيرات المناخية إحداها ارتفاع حرارة الأرض مما سيؤثر على كثير من الدول بشدة، والشرق الأوسط ضمن المناطق التي ستتأثر كثيرا بهذا الأمر. وقد تسأل ماذا سيعني ذلك للمواطن العادي، والجواب إنه سيعني الكثير. فالفرد في هذه المنطقة يعيش في بيئة حارة أصلا ولك أن تتخيل ماذا سيعني ارتفاع درجات الحرارة مما سيصل بالإنسان إلى حدود القدرة على التحمل في الصيف، وإذا لم يتواجد الناس في بيوت أو سيارات مكيفة فإنهم قد يموتون من ارتفاع درجة حرارة الجسم والاجهاد، ففي أوروبا مثلا مات عدد من الناس في عام 2005 بسبب موجة حر شديدة.

كذلك في بعض المناطق التي تعتمد على المواشي فإن هذه ستنفق بسبب الحر والعطش، كما سينخفض المنتوج الزراعي لأن عددا من النباتات لن تتحمل الحرارة الشديدة والنقص في المياه. وأعتقد أن أكبر خطر سيتمثل في موضوع نقص المياه، لأن من تأثيرات التغير البيئي حدوث جفاف في عدد من المناطق، وعلينا أن نضع في الاعتبار أن العالم العربي يعاني أصلا من نقص المياه. مصر مثلا تعتمد على مياه النيل، وإذا انخفض منسوب المياه بسبب الجفاف وبسبب ارتفاع نسبة التبخر، فإن هذا سيمثل تهديدا لحياة الملايين من البشر.

من الناحية الأخرى فإن التأثير المناخي المتمثل في ارتفاع منسوب مياه البحار سيؤثر على سكان السواحل في عدد كبير من الدول، وستحدث موجات هجرة من مناطق ساحلية، كما سيفقد عدد من الناس مساكنهم أو تفقد أرواح بسبب الغرق.

ولك أن تتخيل أنه مع زيادة معدلات السكان في العالم فإن أي نقص في امدادات الغذاء نتيجة التغير المناخي ستكون له نتائج كارثية. وستحدث هجرات من نوع جديد في العالم هى الهجرات المناخية، إذ أن النازحين من مناطق متأثرة بالتحولات المناخية سينتقلون إلى مناطق أخرى مما سيشكل ضغطا على الموارد وقد يتسبب في بعض النزاعات. وفي الوقت الراهن هناك ضغوط على النظم السياسية بسبب نقص الموارد أو الجفاف والمجاعات، وأي ارتفاع في معدلات الهجرة والنزوح سوف يسبب المزيد من الضغوط والمشاكل. لذلك فإن الولايات المتحدة تدعم عمليات التنمية في الدول الفقيرة، لأن تهيئة الظروف للناس لكي يعيشوا في بلدانهم في ظروف تنموية معقولة، سيكون أفضل من مواجهة تبعات الهجرة أو معالجة آثار الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات في بنغلاديش أو المجاعات في مناطق أخرى.

* إن بعض التقديرات للهجرة المناخية المتوقعة بسبب المشاكل البيئية تتراوح بين 200 مليون إلى مليار شخص، هل هذه المعدلات معقولة؟

- الأرقام والتقديرات كبيرة ومتفاوتة، وإذا وضعنا في الاعتبار المشاكل الناجمة عن معدلات الهجرة والنزوح الحالية التي تمثل نسبة ضئيلة من التوقعات المستقبلية، فلك أن تتخيل حجم المشاكل الإنسانية التي ستحدث نتيجة الهجرة المناخية أو ما يسمى باللجوء البيئي. إن هذا أحد الأسباب القوية التي يجب أن تجعلنا نقول دعونا نتعاون من أجل أن يبقى الناس في منازلهم وفي بلدانهم وأن يكونوا أصحاء ومنتجين اقتصاديا، هذا هو الحل وليس تحريك الطائرات التي تنقل المساعدات إلى مخيمات اللاجئين.

من التأثيرات المناخية أيضا هطول الأمطار الغزيرة أحيانا وحدوث سيول وفيضانات. وعندما سمعت أخيرا عن أمطار جدة تذكرت انني زرت جدة قبل بضع سنوات ومشيت على الكورنيش. وأشير هنا إلى ما سمعته من عدد من المختصين والخبراء وهو أن من بين التأثيرات المناخية ارتفاع درجة حرارة الأرض وان هذا الارتفاع سيكون في مناطق أكثر من مناطق أخرى، صحيح أن هناك متوسط عالمي لدرجة ارتفاع الحرارة لكن الاختلاف قد يكون كبيرا بين منطقة وأخرى. كما ستكون هناك بعض الظواهر غير الطبيعية مثل موجات الحر الشديدة أو موجات الجفاف أو هطول أمطار غزيرة، وهي ظواهر لا يمكن التنبوء بمتى وأين ستحدث، لكنها حتما من ضمن الأشياء التي يتوقع تكرار حدوثها والتي ستؤدي إلى وفاة ناس وتدمير منشآت وتخريب البني التحتية.

* إن العديد من الناس يرون أن المخاطر البيئية أمر سيحدث في المستقبل البعيد ولذلك ليس هناك ما يبعث على قلقهم في المستقبل القريب. هل هذه المخاطر البيئية تشكل خطرا حقيقيا ماثلا أم أن هناك تضخيما للأمر؟

- إننا نشاهد اليوم مخاطر بيئية وظواهر ناجمة عنها تحدث بالفعل، وهناك أمور أخرى أكبر خطرا يتوقع حدوثها في المستقبل. فمع ارتفاع درجات الحرارة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية بدأنا نرى هجرة بعض الحيوانات مثلا من الجنوب إلى الشمال، ورغم أنه من الصعب أحيانا الربط المباشر بين ارتفاع درجات حرارة الأرض وبعض الظواهر الأخرى إلا اننا نلحظ بعض الأشياء غير الطبيعية مثل موجات الحر الشديدة المفاجئة في بعض المناطق أو شح الأمطار والجفاف في مناطق أخرى.

لقد أجريت دراسات عديدة بواسطة العلماء لرصد التأثيرات المناخية وهي دراسات أثبتت بما لا يدع مجالا للشك ارتفاع درجة حرارة الأرض. صحيح أن هناك بعض الناس الذين ما يزالون ينظرون بعين الشك إلى ما يقال حول الأمر، لكن في المقابل هناك العديد من اللجان الدولية وبعضها يتبع للأمم المتحدة توصلت إلى نتائج وبراهين قاطعة. وهناك نقاش كبير سواء في أميركا أو خارجها حول التكلفة المالية لمواجهة التأثيرات المناخية، وبعض الدول تقول إنها لا تملك الموارد الكافية خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية، وهذا هو جوهر النقاش الدائر حاليا.

إنني إذا كنت أعيش في بلد مثل المالديف يرتفع بمقدار متر أو مترين فقط عن مستوى سطح البحر، لشعرت بالقلق الشديد، ولذلك رأينا الحكومة هناك تعقد أحد اجتماعاتها تحت الماء للتنبيه لحجم الخطر الذي يتهدد الدولة بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات. كذلك هناك بلد مثل هولندا يقع تحت مستوى البحر يواجه مخاطر حقيقية، ومدينة مثل لندن يمكن أن تواجه متاعب حقيقية إذا ارتفع منسوب المياه في نهر التيمس. وبعض الناس يشيرون إلى مدن مثل نيويورك أو لوس أنجليس أو ولاية مثل فلوريدا ستواجه كلها مشاكل إذا ارتفع منسوب المياه، وكلما انتظر العالم أطول قبل مواجهة التأثيرات المناخية كلما أصبحت تكلفة احتواء التداعيات أكبر.

* إذا كان العلم المتعلق بتأثيرات المناخ موجودا منذ مئات السنين، لماذا لم يتحرك العالم سابقا؟

- لقد كانت عملية التوعية والتفهم تدريجية وبطيئة، كما أن مسألة التشريع للترشيد في استخدام الطاقة أو تمويل الخطوات التي تحد من تأثيرات تغير البئية تستغرق زمنا طويلا خصوصا وأن هذه التأثيرات لم تكن مفهومة وواضحة لدى الكثيرين. لقد تطورت الأمور الآن وازداد حجم المخاطر كما أن العلم تقدم وأصبح أفضل في مجال قياس التغيرات المناخية. وتأثيرات انبعاثات الغازات على البيئة سوف تستمر لأجيال مقبلة، وحتى إذا بدأنا في علاجها اليوم فإن التأثيرات والانعكاسات سوف تستمر لعقود عديدة مقبلة، وهو سيناريو مخيف. فالمناخ ليس مثل الشخص المدخن الذي يقول سأتوقف الآن عن التدخين وسأشعر إنني أفضل حالا بشكل فوري، علما بأنه حتى المدخن الذي يمتنع عن التدخين سيواجه مضاعفات في المسقبل.

إن العالم أكثر تفهما اليوم لحجم التأثيرات والمخاطر ولذلك فإن الأمور تسير نحو الأفضل في ما يتعلق بضرورة التحرك لاتخاذ خطوات فاعلة لمواجهة التغيرات المناخية والحد من المؤثرات على البيئة. وتفهم الناس لموضوع البيئة مهم للغاية لأنه من دون تفهم وتأثير الرأي العام فإن السياسيين يكونون أقل قدرة على التحرك.

* خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كان الناس ينظرون إلى أنصار البيئة وحركات مثل «السلام الأخضر» (غرين بيس) على أساس أنهم مثيرو فوضى أو يساريون متطرفون، في حين ينظر لهم اليوم على أنهم أناس محترمون وناشطون من أجل إنقاذ البشرية. هل هذه علامة على التقدم الذي حدث في مدى التفهم للمخاطر المحدقة بالبيئة؟

- أتذكر في هذا الصدد اننى قرأت أخيرا عن قصة سيدة منحت في أميركا جائزة عن مساهماتها في مجال الزراعة في قطع الارض الصغيرة التي تمنح أحيانا لهذا الغرض داخل المدن، وخلال تقبلها للجائزة قالت إنك قبل تصبح بطلا في أعين الناس تكون مخبولا في نظرهم. وهذا بالفعل ما يحدث للناس الذين يتقدمون على عصرهم ويرون الأمور قبل غيرهم. ومناصرة البيئة التي كانت أمرا غير مفهوم في السابق أصبحت اليوم شيئا شائعا ومقبولا.

* مشكلة التمويل لبرامج الحد من التلوث البيئي ومواجهة التغيرات المناخية، ما تزال حقيقية وتعطل الجهود الدولية. وهناك العديد من الانتقادات لعدم التزام الدول بسداد تعهداتها ضمن اتفاق ما يسمى بـ»التزامات بون» مما يعطل قدرة الأمم المتحدة على التحرك بسبب قلة الأموال المتاحة. هل ستستمر هذه المشكلة وتصبح المعرقل لمؤتمرات البيئة الدولية؟

- يجب بناء عوامل الثقة بين الدول المانحة والدول المتلقية للمساعدات، مثلما يجب اقناع كل بلد بتقديم ما يستطيع تقديمه من أجل المساهمة في مشكلة تواجه العالم كله.

* رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون طرح اقتراحا بتأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار سنويا من أجل مواجهة تداعيات البيئة والمناخ. هل هناك أرقام محددة لما هو مطلوب أو فلنقل لتكلفة فاتورة التأثيرات المناخية؟

- الأرقام والتقديرات تتفاوت بشدة، ولا أظن أن هناك رقما محددا لأن الظاهرة مستمرة وتأثيراتها متغيرة. والمهم هو أن تحدد الدول ما تستطيع تقديمه من موارد أو اتخاذه من خطوات للحد من انبعاثات الغازات والتأثيرات المناخية.