هايتي.. من يتحمل الذنب؟

أميركا وفرنسا: صراع سياسي على المساعدات الإنسانية لأول دولة «سوداء» في العالم

تأخر المساعدات الإنسانية لهايتي كشف عن تأثير التاريخ على علاقات فرنسا وأميركا (نيويورك تايمز)
TT

في برنامج «غراندي آند آندي» في إذاعة «دبليو إيه إل إم» في واشنطن العاصمة، الذي يديره رجلان بالاسمين نفسيهما، جرى الحوار الآتي قبل ثلاثة أيام:

آندي: هل سمعت ما قال الفرنسيون؟

غراندي: أخيرا شكرونا لأننا حررناهم من هتلر في الحرب العالمية الثانية؟

آندي: لا. قالوا إننا نريد استعمار هايتي تحت ستار مساعدة ضحايا الزلزال هناك.

غراندي: ما كانوا سيفعلون ذلك لو كنا احتللنا فرنسا بعد أن حررناها.

آندي: لو فعلنا ذلك لكنا طورناهم، وخلصناهم من عقدة النقص.

غراندي: وكنا سنحتل هايتي نفسها، وكنا سنطورها. وكان أهل هايتي سيتكلمون الإنجليزية.

آندي: وكان ذلك سيسهل إنقاذ ضحايا الزلزال؛ لأن اللغة مشكلة الآن، قواتنا تتكلم الإنجليزية وهم يتكلمون الفرنسية.

غراندي: بدلا من «مسيو» هنا، و«مسيو» هناك.

آندي: صحيح يا «مسيو».

هذا الحديث العابر يصور أحاسيس عامة الأميركيين نحو هايتي.. وبالأكثر نحو فرنسا:

أولا: يتحمل الفرنسيون مسؤولية الفقر والفساد هناك.

ثانيا: كارثة الزلازل فرصة لإثبات أن الأميركيين أحسن من الفرنسيين في مساعدة هايتي.

في الحقيقة، لقد ساعد الفرنسيون الأميركيين في تكوين هذا الرأي عنهم. ليس فقط منذ الماضي البعيد، ولكن حتى يوم الأربعاء الماضي. بعد الزلزال، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي: «توجد هنا فرصة لنخلص هايتي من اللعنة التي ظلت واقعة عليها كل هذه القرون». وفسر أميركيون، يمينيون وغير يمينيين، هذا الرأي بأنه عنصري.

وكتبت مجلة «نيشن» الليبرالية الأميركية: «ما الفرق بين الرئيس الفرنسي ساركوزي، والأسقف الأميركي روبرتسون؟ ما الفرق بين من يقول إنها (اللعنة)، وبين من يقول إنه (الشيطان)؟» غير أن برنارد كوشنير، وزير خارجية فرنسا، دعا إلى مؤتمر دولي «لإعادة البناء والتمنية» في هايتي. وصار واضحا أن الفرنسيين يريدون تحسين صورتهم في هايتي، ربما ليس حبا في الهايتيين، ولكن نكاية في الأميركيين.

لكن، يوجد الجانب الآخر: المشكلة الهايتية - الأميركية. فسكان هايتي أفارقة الأصل وفقراء، ودينهم خليط من الكاثوليكية ودينهم الأصلي القبلي «فودو»، ولا ينظر إليهم الأميركيون نظرة إيجابية. لهذا، عندما وقع الزلزال، وأعلن الرئيس أوباما أنه سيبذل كل ما يستطيع لمساعدة الهايتيين. قال سياسيون وصحافيون ومعلقون يمينيون إن أوباما:

أولا: تحمس لأن الهايتيين سود مثله.

ثانيا: سيصرف أموالا كثيرة في هايتي بينما تواجه أميركا كارثة اقتصادية.

ثالثا: يريد تحسين صورته في أميركا بعد أن هبطت كثيرا خلال الشهرين الماضيين.

ويوم الجمعة، قال راش ليمبو، مقدم البرنامج والتعليقات الإذاعية اليومية، اليميني: «يريد أوباما أن يحسن صورته وسط الأميركيين السود، الذين يشتكون من أنه لا يقدم لهم خدمات كثيرة كما توقعوا»، وأضاف: «ظللنا نقدم تبرعات لأهل هايتي منذ أن تركها الفرنسيون خرابا ودمارا وفقرا مدقعا»، فيما قال القس بات روبرتسون، الزعيم الديني والسياسي المحافظ، ولديه جامعة وقناة تلفزيونية وإذاعية: «لسنا مسؤولين عن مشاكل هايتي. المسؤول عنها جانبان: الأول: فرنسا؛ لأنها انهزمت في عهد نابليون، وخرجت وقررت معاقبة الذين هزموها. الثاني: الشيطان؛ لأنه يسيطر على الناس هناك». يقصد انتشار دين «فودو» (خليط من الكاثوليكية وممارسات قبلية قديمة).

وانتقدت صحيفة «بوسطن غلوب» الليبرالية مثل هذه الاتهامات والتفسيرات العنصرية والدينية. وقالت: «يجب ألا ينسى اليمينيون أن سكان هايتي الأصليين لم يكونوا سودا. كانوا من الهنود الحمر، سكان أميركا الأصليين. لكن الأوروبيين غزوهم وأبادوهم. ثم جاءوا بالسود جيلا بعد جيل. كلما تمرد عليهم جيل، قضوا عليه. ثم استوردوا جيلا جديدا من أفريقيا». وأضافت الصحيفة: «إذا كان هناك شياطين في هايتي، فهم الأوروبيون (أو البيض): فرنسيون في الماضي البعيد، وأميركيون في الماضي القريب».

وسط تلك الحرب الدعائية بين أميركا وفرنسا حول هايتي يدفع السكان الثمن، فمنذ الزلزال المدمر ما زال الوضع الإنساني في هايتي مأساويا، والمساعدات الإنسانية بطيئة الوصول والتوزيع، والوضع الأمني مهتزا، ولا كيان لدولة أو بنية تحتية.

ومع أن المساعدات الغذائية والمادية الدولية، التي تقدم في الكوارث والأزمات الكبرى إلى بعض الدول، وبخاصة الفقيرة منها، هي واجبات دولية وإنسانية يفرضها النظام الدولي والقيم الأخلاقية للبشرية، خصوصا إذا كانت هذه المساعدات من كبرى دول العالم اقتصاديا، فإن هذه المساعدات قد يتم تسييسها واستخدامها لأغراض أخرى، بحيث تقدم وكأنها إما مكافأة على مواقف تتخذها الدولة المضارة لصالح الدولة المانحة، وإما أن تكون وسيلة للتدخل مستقبلا في شؤون هذه الدولة.

بهذه الطريقة فسرت كل من فرنسا وفنزويلا ونيكاراغوا وغيرها من دول العالم، حملة المساعدات الأميركية لدولة هايتي بعد الكارثة التي لحقت بها جرَّاء الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في 12 يناير (كانون الثاني) الحالي، وخلف ما لا يقل عن 75 ألف قتيل و250 ألف جريح، وشرد نحو 5 ملايين شخص.

وما أثار حفيظة وانتقادات عدد من دول أميركا الجنوبية وأوروبا، إقدام الولايات المتحدة على إرسالها ما يقرب من عشرة آلاف جندي لتقديم المعونة، وسيطرتها على مطار العاصمة «بورت أوبرنس» لتلقي المساعدات وتوزيعها، وإعلانها القيام بأكبر حملة مساعدات في تاريخها بقيادة الرؤساء الأميركيين الثلاثة: الحالي بارك أوباما، والسابق جورج بوش، والأسبق بيل كلينتون.

ففي حين طالبت فرنسا الأمم المتحدة بـ«أن تحدد دور الولايات المتحدة في عمليات الإغاثة في هايتي، وبخاصة في مطار العاصمة»، أكدت «أن المطلوب مساعدة هايتي وليس احتلالها». واتهم هوغو تشافيز، الرئيس الفنزويلي، الولايات المتحدة باستغلال الزلزال للقيام بـ«احتلال عسكري». وبدوره انتقد دانييل أورتيغا، رئيس نيكاراغوا، قرار واشنطن إرسال قوات عسكرية إلى هناك.

فهل حقا تسعى واشنطن من وراء تقديم هذه المساعدات والتدخل، الذي وُصف بـ«غير المبرر»، إلى إعادة احتلال دولة هايتي مرة أخرى واعتبارها الولاية (51) ضمن الولايات المتحدة الأميركية، أم أنه مجرد شعور من قادتها بالمسؤولية تجاه شعب دولة جارة فقيرة من ناحية، ومستعمرة أميركية سابقة لمدة تقارب العشرين عاما من ناحية أخرى؟

الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب البحث في تاريخ العلاقات بين البلدين خلال الفترة الماضية، ومراحل تطورها.. وكيف تعاملت الولايات المتحدة مع الأزمات السابقة في هايتي، وكيف احتلتها ثم خرجت منها. تعد هايتي، التي تبلغ مساحتها 27.750 كيلومتر مربع، إحدى دول البحر الكاريبي، حيث تقع هايتي في الثلث الغربي من جزيرة هسبانيولا، في شرقها جمهورية الدومنيكان، وتفصلها من الغرب مياه البحر الكاريبي عن كوبا وجامايكا. وفي الشمال الولايات المتحدة، والتي لا يفصلها سوى 700 ميل إلى الجنوب الشرقي من ميامي، تقطعها الطائرة في ساعة واحدة.

قرب هايتي من الولايات المتحدة شكل على مدار تاريخها وحتى الآن ميزة إيجابية فيما يتعلق بالصادرات والتجارة، فالولايات المتحدة هي أكبر وجهة لتجارة السلع الهايتية (70% من الصادرات)، بينما ارتفعت الواردات من الولايات المتحدة بنسبة 34%. كما ساعد الموقع كثيرا من مواطني هايتي على العيش والهجرة إلى الولايات المتحدة.

لكن، وفي المقابل، كان هذا القرب يعني تدخل الولايات المتحدة في كل صغيرة وكبيرة في هذه الدولة، التي تصنف على أنها من أفقر دول العالم، وهي أيضا أكثر دول العالم من حيث الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار على مر تاريخها، حتى أنها غيرت علمها تسع مرات.

فمنذ أن اكتشفها الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس عام 1492، وهي تتنقل من احتلال إلى آخر، وظلت مستعمرة إسبانية حتى احتلتها فرنسا عام 1697، وجاء الفرنسيون بأعداد كبيرة من الأفارقة لاستعبادهم في الزراعة، ولذلك فإن معظم سكان هايتي البالغ عددهم حاليا البالغ عددهم 9.035.536 نسمة، من الزنوج الأفريقيين، إضافة إلى الهنود الحمر السكان الأصليين.

بدأ الأفارقة حرب تحرير هايتي عام 1790 بزعامة «توسان لوفرتور»، فيما يسمى بـ«ثورة العبيد»، واستمرت هذه الثورة حتى استقلت هايتي في 1 يناير 1804، كأول دولة سوداء تتحرر من الاستعمار والعبودية في العالم، وثاني دولة، بعد الولايات المتحدة، تنال استقلالها عن أوروبا.

وقد رفضت الولايات المتحدة الاعتراف باستقلال هايتي، على اعتبار أنها تأسست على يد عبيد سابقين، وظلت تنظر إليها باعتبارها مصدر تهديد بسبب استمرار الاحتجاجات فيها، إلى أن اعترفت بها عام 1862 من قبل الرئيس أبراهام لينكولن.

وخلال تلك الفترة وحتى بداية القرن العشرين، عاشت هايتي حياة غير مستقرة مليئة بالاضطرابات الداخلية، وبخاصة في القترة من عام 1911 إلى عام 1915، والتي شهدت ستة رؤساء، منهم من قتل ومنهم من أجبر على النفي، وهو الأمر الذي هدد المصالح الأميركية فيها، ومهد لها الطريق للتدخل بسرعة للحفاظ على الهيمنة الاقتصادية في هايتي. بالإضافة إلى أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر، زادت قوة الولايات المتحدة ونموها، حيث فرضت سيطرتها على المناطق المحيطة بها في المحيطات، أو في كل من نيكاراغوا وبنما ومنطقة البحر الكاريبي، من أجل تأمين المحطات البحرية في جميع أنحاء المنطقة، ولذلك بدأت إدارة الرئيس وودرو ويلسون التخطيط لاحتلال هايتي.

وبالفعل، وتحديدا في 28 يوليو (تموز) عام 1915، وخلال انشغال أوروبا بالحرب العالمية الأولى، أمر الرئيس الأميركي وودرو ويلسون قوات المارينز بقيادة الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت، والذي كان قائدا للقوات البحرية، باحتلال هايتي، في مهمة وصفت بأنها «لإعادة إحلال السلام والنظام في البلاد»، وهو الاحتلال الذي استمر تسعة عشر عاما.

وفي تبريره للتدخل في هايتي كتب روزفلت عام 1928، يقول: «كان الرؤساء يقتلون والحكومات تهرب عدة مرات في السنة، ونحن لم نرسل مشاة البحرية والبحارة إلا بعدما لقي كبير القضاة هناك مصرعه، حيث تم سحبه خارج دار المفوضية الفرنسية وقتله، واستعدنا النظام ونفذنا أشغالا عامة، وأسسنا حكومة تعمل على أساس صحيح وشريف».

ومن أجل القضاء على المقاومة، أعلنت القوات الأميركية حالة الطوارئ في البلاد كلها. كما فرضت على حكومة هايتي معاهدة تسلمت بموجبها الولايات المتحدة الإدارة المدنية والعسكرية والمالية والجمارك والمصرف المركزي، وسلطة تعيين المستشارين، وقد أقرها المجلس التشريعي في هايتي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1915.

وفي عام 1917، تم حل المجلس التشريعي لهايتي بعد رفض أعضائه الموافقة على إنشاء دستور جديد وضعه فرانكلين روزفلت، كان يسمح للأجانب بشراء الأراضي، إلى أن تم إقراره في استفتاء جديد عام 1918. وقد علق روزفلت فيما بعد، عندما ترشح عن الحزب الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس عام 1920، قائلا: «لقد كان لي دور في إدارة جمهوريتين صغيرتين (يقصد هايتي ونيكاراغوا)، والحقيقة أنني أنا شخصيا من وضع دستور هاييتي، وأعتقد أنه دستور جيد».

وقد شهدت فترة الاحتلال الأميركي عدة اضطرابات بلغت ذروتها في تمرد عام 1918. كما كان للاحتلال بعض الآثار الإيجابية، فقد تحسنت البنية التحتية كثيرا في هايتي، كما تحسنت إلى حد ما الصحة العامة، وبخاصة في الحملات الموجهة ضد مرض الملاريا.

لكن بحلول عام 1930، أصبحت إدارة الرئيس الأميركي هيربرت هوفر تشعر بالقلق إزاء الآثار المترتبة على الاحتلال، لا سيما بعد الحادث الذي وقع في ديسمبر (كانون الأول) 1929، حينما قتلت قوات المارينز ما لا يقل عن عشرة من الفلاحين في هايتي خلال مسيرة للاحتجاج على الظروف الاقتصادية المحلية.

حيث عين هوفر لجنتين لدراسة الوضع، خلصا إلى الإشادة بالتحسينات المادية في البلاد، لكنها انتقدت استبعاد الهايتيين من مناصب السلطة الحقيقية في الحكومة. واستمر هذا الوضع المضطرب بين قوات الاحتلال والشعب الهايتي إلى أن قررت الولايات المتحدة الانسحاب في منتصف أغسطس (آب) عام 1934.

ومنذ الانسحاب الأميركي وحتى بداية التسعينات، لم تشهد هايتي إلا اضطرابات وانقلابات، الأمر الذي فرض على الولايات المتحدة التدخل مرات أخرى، وإن كان في صور مختلفة.

فقد حدث انقلاب أطاح ببعض من قادة الجيش عام 1991، أوقف بموجبه العمل بالدستور حتى عام 1994، وحينئذ تدخلت الولايات المتحدة، حيث أمر الرئيس بيل كلينتون بإرسال 20.000 جندي، من سبتمبر (أيلول) عام 1994 إلى مارس (آذار) عام 1995، لإرغام النظام العسكري الذي استولى على الحكم، على السماح بإعادة الرئيس الشرعي للبلاد برتراند أريستيد إلى منصبه.

وتم عقد صفقة بين واشنطن وأريستيد، تعهدت فيها واشنطن بتنحية الحكم العسكري وعودة أريستيد للحكم، مقابل أن يتعهد هذا الأخير بألا يدعم حركة الطبقات الكادحة الاحتجاجية، وألا يصور الرأسمالية لدى الرأي العام على أنها خطر قاتل.

وعاد أريستيد إلى الحكم عام 1994 في عملية سميت بـ«إحلال الديمقراطية»، وبدأت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تولي زمام الأمور من القوة متعددة الجنسيات التي تتزعمها الولايات المتحدة، ثم انسحبت قوات حفظ السلام في ديسمبر عام 1998.

إلا أن البلاد عانت مجددا من اضطرابات متزايدة، وفي فبراير (شباط) عام 2004، تم الإطاحة بأريستيد من منصبه كرئيس لجمهورية هايتي، وهرب إلى مكان مجهول، وبعد أيام قليلة شاعت الاضطرابات والفوضى في البلاد، وقد قيل إن ذلك تم بأياد ومؤامرة أميركية بعد أن قررت واشنطن الإطاحة به، وهي الاتهامات التي نفتها إدارة بوش في ذلك الوقت. ثم أرسلت واشنطن، وبدعم من باريس قوات لحفظ السلام دون انتظار مجلس الأمن. إلى أن تم إرسال حوالي 8.000 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في بعثة تحقيق الاستقرار في هايتي.

وخلال تلك الفترة، أسهمت الولايات المتحدة بشكل أو بآخر في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في هايتي، بسبب سياسة فرض العقوبات الاقتصادية بداعي إجبار البلاد على التوجه الديمقراطي.

ونظرا إلى أوضاعها الاقتصادية الصعبة جدا، وكونها أفقر دول العالم، كانت هايتي آخر دولة في العالم ربما تحتاج إلى كارثة إنسانية طبيعية بهذا الحجم. والأهم لم تكن تحتاج إلى «تنافس» فرنسي أميركي على المساعدات. وقبل ست سنوات، كتب نعوم تشومسكي، الأستاذ الجامعي الأميركي التقدمي، ومؤلف كتب كثيرة انتقدت السياسات الأميركية نحو دول العالم الثالث بحثا عن هايتي في مجلة «زي»، قال فيه: «خلال القرن الثامن عشر، كان الفرنسيون يستوردون خمسين ألف أفريقي كل سنة ليحلوا محل الذين ماتوا، إما قتلا، لأنهم تمردوا على الفرنسيين، وإما جوعا في حقول قصب السكر». وأشار تشومسكي إلى أن الهايتيين، على الرغم من ذلك، ثاروا على الفرنسيين، وطردوهم من جزيرتهم. لكن، وعلى الرغم من أن ماضي أميركا مع هايتي لم يكن أسود مثل ماضي فرنسا مع هايتي، فإنه لم يكن ناصع البياض أيضا، فمنذ استقلال هايتي سنة 1804، أحس الأميركيون بعدم الراحة: أولا: خافوا من أن ثورة رقيق هايتي سوف تنتقل إلى رقيق أميركا. «فعلا، تأسست منظمات عنصريين بيض لنقل رقيق أميركا إلى هايتي». ثانيا: خافوا من أن استقلال هايتي سوف يشجع ثوار أميركا اللاتينية والوسطي. «فعلا لجأ الثائر سيمون بوليفار إلى هايتي سنة 1815».

وفي سنة 1888، نزلت قوات عسكرية أميركية في هايتي «لحماية مصالح أميركية» (شركات سكر وبن). وسنة 1892، تعاون الأميركيون والألمان لإسقاط حكومة في هايتي موالية لفرنسا. وسنة 1914، نزلت قوات أميركية وبريطانية وألمانية في هايتي تحديا لفرنسا. وفي سنة 1915، تحول الغزو الأميركي إلى احتلال استمر عشرين سنة.

في كتابه «هايتي: من يتحمل الذنب؟»، قال بول فارمر، أستاذ جامعي أميركي: «لعشرين سنة، تناقش أميركيون عن (محاسن الاحتلال)، وقالت أغلبيتهم إنه يفيد هايتي ويطورها. ولم تقل إلا أقلية إن الاحتلال خطأ».

وقال: «ربما كانت النيات سليمة لولا تدخل رجال الأعمال والشركات والمستثمرين». وأشار إلى استغلال هؤلاء لهايتي. وأشار أيضا إلى قرض أربعين مليون دولار (سنة 1922)، قال إنه ذهب إلى جيوب سياسيين ورجال أعمال هايتيين. وفي الجانب الآخر، زادت سيطرة رجال أعمال أميركيين على اقتصاد هايتي. وقال: «في رأي (وول ستريت)، لم تكن هايتي غير حقل استثمار». كان البنك المركزي الهايتي مملوكا لبنك أميركي في «وول ستريت». وفي سنة 1937، عندما غادرت القوات الأميركية هايتي أمام ثورة شعبية، قتلت عددا ليس قليل من الجنود الأميركيين، مهدت للشركات والمستثمرين الأميركيين ليبقوا هناك ويواصلوا استغلال البلاد. بالإضافة إلى الجانب الاستراتيجي في الموضوع، وهو عدم ترك هايتي للفرنسيين.

وفي برنامج «غراندي آند آندي» الأميركي الإذاعي الصباحي سأل آندي: هل تعتقد أننا يجب أن نتعاون مع الفرنسيين لإعادة بناء هايتي؟ فرد غراندي: هل تعتقد أننا يجب أن نتعاون مع الفرنسيين في أي شيء؟