قاسم عطا.. وجه الأمن في بغداد

ذاكرته تحوي كل التفاصيل الأمنية التي وقعت في العراق منذ عام 2003.. وهو أشهر شخصية إعلامية في بغداد

اللواء قاسم عطا («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر اللواء قاسم عطا، المتحدر من عائلة متوسطة الدخل من مدينة الكوت في محافظة واسط، أشهر شخصية إعلامية وأمنية في العراق اليوم. فهو الناطق باسم عمليات بغداد، ويتفاعل مع الأوضاع السياسية بفعل التصريحات شبه اليومية عن الأوضاع الأمنية والعمليات التي ينفذها المسلحون في العاصمة العراقية بغداد. باتت صوره وتصريحاته تظهر بشكل يومي على شاشات التلفزيون، رغم الكثير من الانتقادات التي توجه إليه.. إذ يقول البعض إن تصريحاته تتجنب صدمة المتلقي بالنسبة لحجم الضحايا بعد كل عملية تنفذها جهات مسلحة. ويبرر عطا هذا الأمر بأن «بعض وسائل الإعلام تقوم بالتسابق على حساب دماء الأبرياء، من خلال ذكر أرقام عن عدد الضحايا فور وقوع الانفجار، تحت عنوان السبق الصحافي أو الخبر العاجل». لكن عطا يعتقد أن هذا الأمر «يتنافى مع مفهوم المصداقية والمهنية، لأن المعلومة في بداية الحدث تكون غير دقيقة». ويقول لـ«الشرق الأوسط» غن «الموقف يحتاج إلى وقت، بحدود الساعتين، بعد وقوع الحدث، لإعطاء أرقام دقيقة عن عدد الضحايا وتدقيقها مع وزارة الصحة لأنها هي الجهة التي تقوم بتسجيل جميع الحالات لدى المستشفيات وتقديم العلاج أو تدوين شهادات الوفيات».

ويشير عطا إلى أنه «مع إلحاح وسائل الإعلام فور وقوع الحدث على الحصول على بعض الأرقام، نقوم بإعطاء الحصيلة الأولية ويتم تسلمها من القوات الأمنية الموجودة في موقع الحدث، وقد يفسرها البعض بأنها أرقام لامتصاص قوة الصدمة، وبعد انتهاء عملية الإخلاء تزودنا وزارة الصحة بالبيانات الدقيقة والأرقام الخاصة بذلك، ونقوم بتحديث المعلومة وإعطاء الحصيلة النهائية لجميع وسائل الإعلام». ويرى أن «هذا هو سياق التعامل مع الأحداث إعلاميا في جميع دول العالم، ولا علاقة لذلك بتخفيف الصدمة على المتلقي». ويضيف «إلا أن البعض يبقى على الأرقام الأولية دون أن يحدث المعلومة، ويقوم باستغلال ذلك من خلال التشكيك بدقة المعلومة، بهدف الحصول على غايات معروفة وأهداف مبيتة للتأثير على مصداقية ومهنية المتحدث الرسمي».

عطا، البالغ من العمر 45 عاما، كان من المتفوقين في دراسته، وتم قبوله في الجامعة التكنولوجية قسم المدرسين الصناعيين - الهندسة الميكانيكية - في عام 1981. وفي عام 1982 تطوع للدراسة على نفقة وزارة الدفاع العراقية. وكان والده يعمل معلما، وقد تم اعتقاله بعد أحداث عام 1963 من قبل ما يسمى بـ«الحرس القومي». وبقي في الاعتقال لمدة ستة أشهر. ويقول إنه مُورست بحقه «أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي من أشخاص كانوا يعملون معه في سلك التعليم». وقد تنازل عن حق القانوني ضد الشخص الذي كان يشرف على تعذيبه بعد سقوط النظام عام 2003، ولا يزال الشخص المذكور حيا يرزق. وهو دوما يتذكر والده وقد تنازل عن حقه ممن رفع عليه السوط وعذبه إلى أن شارف على الموت.

ويؤكد عطا أن 20 محاولة اغتيال كادت تودي بحياته. وقد كُشف أغلبها من قبل جهاز المخابرات الوطني العراقي ووزارة الدولة لشؤون الأمن الوطني وأجهزة الاستخبارات في وزارتي الداخلية والدفاع. وكانت أكثر تلك المحاولات بقاء في ذاكرته، محاولة اغتياله عبر ضربه بثلاث قذائف هاون عندما كان يتجول بعد الإفطار في سوق المشتل عام 2008 بصحبة اللواء الرابع شرطة اتحادية وجميع وسائل الإعلام المرافقة له. وعملية أخرى في منطقة المحمودية، وعملية إرهابية أخرى في منطقة أبو غريب، وأخرى في منطقة العامرية.

في ذاكرة عطا الكثير من الحكايات التي جعلت منه يرتبط بالعسكر. منها بندقية تعود لجده زاعل استعملها خلال الثورة على الإنجليز في الحرب العالمية الأولى، عندما حوصرت الكويت وأصيب جده برصاصة بريطانية في كتفه اليمنى. ما زال يتذكر الحادثة وهو يافع قبيل وفاة جده عام 1975. وما زالت بندقية جده معلقة في أحد بيوت أعمامه فخرا بها.

في اجتماع لخلية الأزمة في بغداد وإبان تردي الأوضاع الأمنية بشكل ملحوظ عام 2006 و2007، تم تداول اسم قاسم عطا ليكون ناطقا باسم خطة فرض القانون في بغداد. وكان أغلب الضباط يخشون الظهور أمام شاشات التلفزة خوفا من استهدافهم. يقول عطا عن هذه المرحلة «نتيجة للوضع الأمني السائد في تلك الفترة، ولحداثة تجربة الناطق الرسمي، لم يكن أحد يرغب في العمل أمام الإعلام، والظهور أمام الشاشة، فالجميع كان يرفض ذلك. إضافة إلى الدورات التدريبية المهمة التي أهلتني للعمل والتصدي لهذه المهمة الصعبة. وتم طرح اسمي بين آخرين من زملائي للعمل بهذا المنصب، وتم الإقرار على اختياري باجتماع خاص لخلية الأزمة العامة برئاسة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة ووزراء الدفاع والداخلية والأمن الوطني، والمستشار الإعلامي لدولة رئيس الوزراء وقائد عمليات بغداد وقائد القوات المتعددة الجنسيات. لذلك كانت المهمة صعبة للغاية».

تدرجه العسكري لم يكن وليد لحظات. فهو وبعد أن تطوع في الجيش ونال شهادة البكالوريوس في هندسة الميكانيكا من الجامعة التكنولوجية، بدأ تدرجه. يقول عطا عن ذلك «تم إشراكي بالدورة التأهيلية الخاصة بالكلية العسكرية، ودورة الصنف الاختصاصي (طباعة)، وتم منحي بعد ذلك رتبة ملازم أول مهندس، وتم تنسيبي للعمل كضابط قسم في مديرية المطابع العسكرية، وعملت في الأقسام الفنية (التصحيف والتجليد والطبع بالأوفست والطبع البارز)، وتم إشراكي بدورة تصليح ماكينات الأوفست في ألمانيا الشرقية عام 1990. وعندما كنت هناك حدث انهيار جدار برلين وتوحيد الألمانيتين، الشرقية والغربية، وكانت دورتي لمدة شهر كامل».

عمل عطا كضابط قسم في مديرية المطابع العسكرية، وهي مطابع تعنى بطبع كراسات الجيش العراقي السابق. وكان عدد ضباط هذه المديرية لا يتجاوز العشرين ضابطا، كون صنف الطباعة من الصنوف الفنية البحتة، وهذا ما أتاح لجميع الضباط والفنيين والرتب العاملين فيها عدم المشاركة في المعارك التي خاضها النظام السابق ضد إيران ودولة الكويت. ويؤكد عطا أنه في عام 1993 تم نقله إلى مطبعة جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا كضابط مطبعة، واستمر الحال في العمل بمطبعة الجامعة حتى سقوط النظام في عام 2003. ويروي «كنت حينها برتبة عقيد مهندس، ومضت على ترقيتي سنتان متكاملتان، عائلتنا قدمت الشهداء من أولاد عمومتي (كاظم دبعون فرج، وعلي حسين قاسم، ومحمد حسين قاسم، وسعد عناد قاسم) وآخرين من الذين أعدموا أو من الذين هربوا خارج الوطن، (منهم الدكتور عبد المحسن فرج محمد الموسوي)، بسبب انتمائهم إلى حزب الدعوة في بداية عام 1980». ويضيف «باشرت العمل في صفوف الجيش العراقي الجديد بتاريخ 1/5/2004 في منصب ضابط قسم إعلام في هيئة الاركان المشتركة، وتم على الفور إشراكي بدورات إعلامية تدريبية من قبل الجانب الأميركي، وكذلك في دورتين تدريبيتين في بريطانيا عامي 2006 - 2007 للمتحدثين الرسميين، ودورة أخرى في الولايات المتحدة الأميركية عام 2009، وفي عام 2006 تم نقلي إلى منصب المتحدث الرسمي باسم مكتب القائد العام للقوات المسلحة، وتمت ترقيتي استحقاقا للرتبة إلى عميد». ويقول إنه في 1/2/2007 تم نقله إلى منصب الناطق الرسمي باسم خطة فرض القانون. ويضيف «واكبت العمل مع وزراء الدفاع علي عبد الأمير علاوي وحازم الشعلان وسعدون الدليمي، ورئيسي الأركان الفريق أول عامر أحمد بكر، والفريق أول بابكر الزيباري، وعملت مستشارا إعلاميا لهما في عامي 2005 و2006، إضافة لمنصبي كضابط قسم الإعلام في هيئة الأركان المشتركة».

يتعامل مكتب عطا من خلال متخصصين، فهو يضم ضابطا برتبة مقدم وخمسة من الموظفين المتخصصين في مجال العمل الإعلامي، وكذلك من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بخطة فرض القانون. وعطا لا يتعامل بعيدا عن مواقع الأحداث، فهو يقوم بالتوجه إلى موقع الحدث، وتغطية الأخبار ميدانيا من خلال اصطحاب جميع وسائل الإعلام في جولة ميدانية لنقل الحدث ميدانيا.

ويحمل دائما قائمة هواتف جميع القادة والضباط إلى أدنى المستويات، ويقوم بالاتصال بقائد عمليات بغداد لضمان دقة المعلومة وبثها إلى الرأي العام عبر وسائل الإعلام المختلفة. وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على عمله كناطق رسمي باسم خطة فرض القانون، فإن عطا يرى نفسه يبتعد تماما عن التأثيرات العاطفية أو الآراء الشخصية سواء بالتحليل أو الموقف بالنسبة للحوادث الأمنية اليومية. وعطا الذي لم يتمتع سوى بعشرة أيام فقط كإجازة رسمية خلال تلك السنوات، قضاها بعيدا عن الأجواء الأمنية في بيته المتواضع داخل المنطقة الخضراء مع ابنه محمد البالغ من العمر 13 عام وابنته مينا 10 أعوام، لديه ذاكرة مليئة بالمعلومات الأمنية والأحداث السياسية والاقتصادية والخدمية التي عاشتها بغداد، حيث كان حاضرا في خضم تلك الظروف.

وهو يؤكد أن بإمكانه كتابة مؤلفات عن العمل الأمني في بغداد. ويقول «لدي أرشيف لكل الأحداث.. ذاكرتي تحمل كل التفاصيل التي حصلت في العراق من عام 2003 وحتى عام 2010، لكن هذا الموضوع يحتاج إلى تفرغ كامل، إضافة إلى تهيئة المبالغ الكبيرة لغرض طبع مثل هكذا مؤلفات أو مذكرات». ويضيف «لدي إحصاءات كثيرة وأرقام كبيرة أحتفظ بها، وانشغالي المستمر بالأحداث الأمنية في بغداد حال دون كتابة مذكراتي، لكن الحمد لله ذاكرتي مليئة بالمذكرات إضافة إلى التوثيق الموجود في مكتبي كفيل بتأليف الكثير من المؤلفات المهمة وأتمنى أن يتم تدوين تلك المذكرات لتكون جزءا وثائقيا من تاريخ العاصمة بغداد».

وحول ما إذا كان عطا يتلقى أوامره مباشرة من القائد العام للقوات المسلحة، يقول «كنت حاضرا في جميع الاجتماعات الخاصة باللجان المشكلة لخطة فرض القانون، والتي كانت تعقد مساء كل يوم جمعة برئاسة دولة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، فتصدر لي الأوامر مباشرة، وفي أغلب الأحيان عن طريق المستشار الإعلامي للرئيس أو عن طريق قائد عمليات بغداد أو مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة. وفي أحيان أخرى مباشرة في الظروف الطارئة من خلال مقابلتي لرئيس الوزراء أو من خلال الاتصال الهاتفي أو الاجتماعات مع القادة الأمنيين».

عائلة عطا تنزعج ربما من كثرة مشاغله وعدم تفرغه لرعايتهم في جميع الأيام، لكن رغم ذلك لا يتدخلون في مفردات العمل العسكري أو الميداني. هم دائما قلقون على سلامته عند خروجه إلى الميدان بسبب الوضع الأمني. لكن الملاحظ في ابنه محمد أنه عادة يمسك بدفتر وقلم ويقوم بتدوين ملاحظاته على أبيه عندما يظهر على شاشة التلفزيون ليؤشر له أخطاءه ويبدي ملاحظاته التي تبدو في عيني والده من المنتقدين اللاذعين له. لكنه يقيم عمله بالشكل الصحيح. ويشعر بالإرهاق لقلة نومه. فساعات النوم لا تتجاوز الساعات الخمس يوميا. ورغم التعب الذي قد يبدو باديا عليه في بعض الأيام، فإن عطا لا يمانع عندما يطلب أحد المواطنين التقاط صورة تذكارية معه أثناء تجواله في مواقع الأحداث. يقول بهذا الشأن «عندما أنزل إلى الشارع يحدث تجمع وازدحام كبير حولي من المواطنين البسطاء وهم يرغبون بالتقاط الصور التذكارية بأجهزة الموبايل أو الكاميرات الشخصية أو من الذين يصافحونني أو يقبلونني، وهذا الشيء حدث لي من اللحظات الأولى لظهوري أمام وسائل الإعلام، كوني أمثل المؤسسة الأمنية بمهنية عالية، وهذا يضعني أمام مسؤولية مضاعفة أمام شعبي الكريم والقيادة الأمنية التي أعمل فيها».

وبعد كل تلك الأحداث التي مرت بقاسم عطا هل ينوي العمل في مكان آخر بعيدا عن الأضواء، أو ربما يدخل العمل السياسي؟ يقول عطا إنه بعيد كل البعد عن العمل السياسي ولن ينخرط فيه أبدا. ويضيف «بعد أن أديت عملي الإعلامي خلال السنوات الثلاث الماضية دون تأشير أي سلبيات، وإنما حصلت على العشرات من كتب الشكر والتقدير والتكريم من دولة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة ومعالي السادة الوزراء وجميع قادة القوات المتعددة الجنسيات وحصلت على العشرات من الأوسمة والدروع التقديرية، فإنني أتطلع إلى إكمال مهمتي بتحقيق الأمن والاستقرار في ربوع بلدنا العزيز، ولا توجد لدي أي رغبة للعمل في المجال السياسي أو المجالات الأخرى في الوقت الحاضر». لكنه يتابع قائلا «إذا تم تكليفي بأي منصب آخر أرى فيه خدمة لشعبي العزيز فأنا على استعداد للعمل من أجل ذلك».