اللوبي الأرمني.. الأكبر بعد اللوبي اليهودي في أميركا

أكثر من 20 دولة في العالم اعتبرت ما حدث عام 1915 «إبادة»

TT

بعد مرور ما يقرب من 90 عاما، لا يزال الجدل حول ما يعرف بـ«مذابح الأرمن» في تركيا خلال الحرب العالمية الأولى، مُثارا بشكل تصاعدي، وموضع خلاف دولي كبير. بل إنه يشكل مصدر نزاع ليس فقط بين تركيا وأرمينيا، بل بين أنقرة ومعظم عواصم العالم خاصة الغربية.

وجهة النظر الأرمينية في هذا الشأن تؤكد أن الدولة العثمانية ارتكبت الكثير من المذابح الجماعية وعمليات الإبادة ضد الأرمن في فترات سابقة من التاريخ، منها خلال الحرب العثمانية - الروسية بين عامي 1877 و1878. لكن الأعنف كانت أثناء الحرب العالمية الأولى، وتحديدا في منتصف عام 1915، والتي قتل فيها مليون ونصف المليون أرمني، وبعض الطوائف المسيحية الأخرى كالسريان والكلدان والآشوريين وغيرهم، بزعم أنهم تحالفوا مع الروس ضد الدول العثمانية للاستقلال بدولتهم. وأن روسيا قامت بإثارة الأرمن الروس القاطنين قرب الحدود الروسية العثمانية، وحرضتهم وأمدتهم بالمال والسلاح والقيام بتدريبهم في أراضيها وتشكيل الجمعيات المسلحة من أمثال «خنجاق» و«طشناق» من أجل تفتيت الدولة العثمانية.

على الجانب الآخر، تنفي تركيا هذه الوقائع، بل تؤكد استحالة قتل مليون ونصف المليون أرمني، لأن عدد الأرمن في كل المناطق العثمانية كان حينذاك يتراوح بين مليون ومائتي ألف إلى مليون ونصف المليون. من بينهم أكثر من سبعمائة ألف أرمني هاجروا إلى دول أخرى.

كما يقول الأتراك إن الحكومة العثمانية لم تتمكن آنذاك من حل أزمة خيانة بعض الأرمن للدولة وتعاونهم مع روسيا، إلا بالقيام بتهجير الأرمن من المناطق الحدودية، لتقطع الصلة بين الأرمن والجيوش الروسية، فقامت بعملية تهجير إلى سورية ولبنان والعراق، ونظرا لضخامة عدد المهاجرين 600 ألف، وعدم توافر الإمكانيات لدى الدولة العثمانية لتنفيذ هذه العملية في ظل فقر الدولة وأهوال الحرب العالمية، تم هذا التهجير بطرق بدائية جدا، فمات من هؤلاء أعداد كبيرة من البرد والجوع والمرض.

لكنها في الوقت ذاته تؤكد أن الأرمن الذين ماتوا في الحرب العالمية الأولى يبلغون ثلاثمائة ألف أرمني فقط، وتعترف بحدوث عمليات قتل لأفراد بسبب تعاونهم مع القوات السوفياتية في الحرب العالمية الأولى.

وعلى المستوى الدولي تبنت أكثر من عشرين دولة في العالم وجهة النظر الأرمينية ضد تركيا، فبالإضافة إلى دولة أرمينيا بطبيعة الحال، وقبرص التي كانت أول دولة تعترف بالمذبحة في أبريل (نيسان) 1982، أقرت كل من الأرجنتين، بلجيكا، كندا، شيلي، فرنسا عام 2006، ألمانيا، اليونان، إيطاليا، ليتوانيا، هولندا، بولندا، روسيا، سلوفاكيا، السويد، سويسرا، أوروغواي، الفاتيكان، فنزويلا، إسرائيل، بوقوع مجازر جماعية بحق الأرمن.

في حين أن البرلمان اللبناني هو البرلمان العربي الوحيد الذي أصدر موقفا في 9 مايو (أيار) 2000 يتفق مع وجهة النظر الأرمينية.

بالإضافة إلى أن الكثير من المنظمات الدولية خلصت إلى أن مصطلح «الإبادة الجماعية» ينطبق بكل أوصافه على مذبحة الأرمن في العهد العثماني، من 1915 - 1918، ومنها: البرلمان الأوروبي عام 1987، مجلس الكنائس العالمي، رابطة حقوق الإنسان في تركيا، التحالف الأوروبي لجمعيات الشبان المسيحية، الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية (IAGS). أما بريطانيا فتؤكد أنها ترفض في الوقت الحالي الاعتراف بشكل صريح بإبادة الأرمن نظرا لأهمية علاقاتها مع تركيا، لكنها تدين المجازر.

وتعد جماعات الضغط الأرمنية أو اللوبي الأرمني على مستوى العالم قوة لا يستهان بها، فهو صاحب الفضل الأول في التعريف بقضية الأرمن واكتساب هذا التعاطف العالمي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يشكل الأرمن جالية كبيرة في أميركا، ولهم الكثير من الجمعيات مثل «اللجنة الوطنية للأرمن بأميركا»، وهي أكبر منظمة أرمنية في أميركا، ومدعومة من جانب اللوبي اليهودي. كما أن هناك أكثر من مليون ونصف المليون أميركي أرمني، ولديهم عضوان في مجلس النواب، وعدة صحف تصدر باللغة الإنجليزية، وبالتالي فهم أكبر تأثيرا من أي جالية أخرى بعد الجالية اليهودية على السياسة الأميركية.

وفي فرنسا، هنالك نحو نصف مليون أرمني بات لهم نواب في البرلمان ووزير أو اثنان في كل حكومة يجري تشكيلها، وقد نجح اللوبي الأرمني في فرنسا في استصدار اعتراف من البرلمان الفرنسي بأن ما حدث للأرمن «إبادة» وذلك عام 2006.

*وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»