طقس.. على مزاجك

استخدمت الصين تكنولوجيا تمنع هطول الأمطار خلال افتتاح أولمبياد بكين.. ولجأت موسكو إلى «طاردات» للثلوج من العاصمة

طائرات ظلت في مرابضها خلال العواصف الثلجية على واشنطن
TT

في الشهر الماضي، خلال أسبوع واحد ولأيام، أغلقت المكاتب الحكومية بالعاصمة الأميركية واشنطن، بسبب عاصفة جليدية لم تشهد مثلها منذ سنة 1922. وحدث الشيء نفسه في العاصمة الروسية موسكو، حيث هبت عاصفة جليدية لم تشهد مثلها منذ سنة 1966. لكن تفوق يوري لاخكوف، عمدة موسكو، على أدريان فينتي، عمدة واشنطن، لأنه طلب من السلاح الجوي الروسي إرسال طائرات تحمل مادة «سلفر أيودايد» (يوديد الفضة)، رشحت بها السحاب الكثيف لتخفض العاصفة الجليدية. وعلى الرغم من أن النتائج كانت محدودة، فإن صحفا بواشنطن تساءلت: لماذا لم يفعل عمدتها ما فعل عمدة موسكو؟

لكن في الوقت نفسه، انتقدت هذه الصحف ادعاءات عمدة موسكو بأن ما فعل «غير طقس موسكو مثلما لم يغيره شيء في التاريخ». وقوله: «حولنا الجليد عن موسكو، وأرسلناه إلى المزارع القريبة، حيث أسهم في توفير الماء للمزارعين». وتندرت صحف واشنطن بأن عمدة موسكو كان يجب أن يكون عمدتها في سنة 1812. وهذه إشارة إلى عمدة موسكو، الذي عرقل غزو الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت، وساعده جليد موسكو الكثيف على عرقلة الغزو. (تقصد النكتة الأميركية أن عمدة موسكو الحالي كان سيجعل نابليون يغزو روسيا، وذلك بسبب تخفيضه كمية الجليد في موسكو).

وأيضا، أشارت صحف واشنطن إلى ما فعل عمدة بكين في الصين. إذ سخّر عشرين ألف عامل، وأربعين ألف جندي من الميليشيا المحلية، وثلاثمائة ألف متطوع من شباب الحزب الشيوعي الصيني لتنظيف الشوارع من الثلوج الكثيفة. وتندرت صحف واشنطن بعمدة واشنطن، وتساءلت عن ما إذا كان الحزب الديمقراطي (الذي ينتمي إليه العمدة) يقدر على جمع ثلاثمائة ألف متطوع لتنظيف شوارع واشنطن من الجليد.

لكن الحقيقة هي أن العواصف الجليدية على المدن الكبيرة تعرقل الحياة بها. وتكلف حكوماتها أموالا كبيرة لتنظيف الشوارع. وتغلق المكاتب الحكومية والخاصة لعدم قدرة الناس على الوصول إلى أماكن أعمالهم. وتزيد تكاليف التدفئة وترفع أسعارها، وتدمر المباني وتغرقها (في حالة العواصف الرعدية).

والحقيقة، أيضا، هى أن المناخ العالمي لا يتغير بسهولة. وهذه الحقيقة البسيطة أدت إلى توجهات تتزايد مفادها التحكم البشري في المناخ، تماما مثل طلب عمدة موسكو من السلاح الجوي الروسي إرسال طائرات تحمل مادة «سلفر أيودايد» لتطرد السحاب الكثيف والأمطار خارج العاصمة موسكو. وتماما مثلما استخدمت الصين تكنولوجيا متطورة تمنع هطول الأمطار خلال افتتاح أولمبياد بكين. ويقول قاموس «أميركيان هيرتدج» (التراث الأميركي) إن كلمة «ويزر» (الطقس) تعني: أرقام الحرارة والمطر والرياح خلال يوم معين. وتعني كلمة «كلاميت» (المناخ) متوسط أرقام الطقس هذه خلال فترة طويلة، ربما مئات السنين. ويقول كتاب «ويزر» (الطقس)، الذي أصدرته وكالة الفضاء الأميركية (ناسا): «مع نهاية القرن العشرين، زاد الحديث عن الموجة الحرارية التي بدأت تغير مناخ العالم. لكن، لا يؤثر هذا على الطقس الذي يحسب ظواهر يوم معين».

وقد حاول البشر تغيير حالة الطقس منذ آلاف السنين، ويصلى المسلمون صلاة الاستسقاء. وهى سنة، وحسب حديث نبوي: «اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني، ونحن الفقراء. أنزل علينا الغيث. واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا». ويقول الإنجيل: «بينما ذهب إهاب ليأكل ويشرب، ذهب إليجا إلى أعلى جبل الكرمل. ركع على الأرض، ووضع رأسه بين يديه، وصلى. وبعد وقت قصير، صارت السماء سوداء بسبب السحب الداكنة، وهبت الرياح، ونزل مطر غزير».

وفي الولايات المتحدة، وحتى اليوم، يصلى للمطر الهنود الحمر أو ما تبقى منهم، في مستوطنات في ولايات مثل أريزونا ونيومكسيكو. وتقول واحدة من دعواتهم: «لتهب رياح الكون ناعمة على منزلك. لتبارك الروح المقدسة كل من يدخله. لينزل المطر ويخضرّ زرعك. ليظهر قوس قزح ويلمس كتفيك».

وقال كتاب «رين ماجيكال كونترول» (السيطرة السحرية على المطر)، الذي صدر قبل سبع سنوات، إن الفايكنغ وهى شعوب شمال أوروبا القدماء كانوا يقدرون على السيطرة على إنزال المطر، ونافسهم في ذلك شعب فنلندا.

وفي القصص الخرافية اليونانية، كان «إيولوس»، إله الرياح، وهو ابن «بوسيدون»، إله البحار. وربطته صلة قرابة مع «زيوس»، ملك الآلهة، وإله البرق والرعد. وأيضا، مع هيراكليس، إله القوة. وفي التاريخ الروماني، اشتهر حجر «مانيس» الذي وضعوه في معبد خارج روما. وعندما تجف المياه بروما، كانوا يربطون الحجر بحبل، ويجرونه في شوارع روما، وهم يبتهلون لإنزال المطر. كان «حجر المطر» في مدخل مغارة عملاقة اعتقدوا، قبل أن تصلهم الأديان السماوية، أنها تقود إلى «العالم الخفي».

وفي سنة 1590، في اسكوتلندا، قُدمت جماعة من المشعوذات إلى المحاكمة لأنهن كن يبتهلن للمطر. اتُّهمن بأنهن ابتهلن لينزل مطر غزير، فأغرق الملك جيمس السادس مع سفينته وهو عائد من الدنمارك بعد أن تزوج أميرتها. وخلال التحقيق معهن، عذبن، واعترفن بأنهم ذهبن إلى كنيسة، وصلين لينزل مطر يغرق الملك.

وخلال تلك الفترة نفسها، كانت مشعوذات اسكندنافيات يبعن للسفن المحيطية الشراعية صناديق قلن إن في داخلها «رياحا سحرية». وكلما تحتاج السفينة إلى رياح، يفتح الملاحون صندوقا.

بعد كل هذه السنوات من الخرافات في أوروبا، كان أول اختراع علمي لتغيير الطقس هو «لايتنغ رود» (مانع الصواعق البرقية). وفي القرن الثامن عشر، وضعوه في أعلى كنائس أوروبية حتى لا يصيبها البرق. قبل ذلك، كان الأوروبيون يتحاشون الكنائس خلال المطر والرعد والبرق، لأنها كانت أكثر المباني تعرضا للاحتراق. لم يكونوا يعرفون أن البرق يصيب أعلى نقطة معدنية. وكان القساوسة يصلون وهم محتارون: «يا إله، ارفع عنا غضب السماء، ودمار الرياح، وحريق البرق». حتى سنة 1753، عندما اخترع فاكلاف ديفيز، عالم في براغ في تشيكوسلوفاكيا، أول مانع للصواعق. وفي منتصف القرن العشرين، صار تغيير الطقس مجال أبحاث علمية واختراعات في دول غربية كثيرة. ففي سنة 1956، وضع جون فون نيومان (أميركي هاجر من المجر) نظرية لتخفيض درجة الحرارة بتقليل اللون الأبيض وبزيادة اللون الأسود (الذي يمتص الحرارة أكثر). واقترح رش الجبال الجليدية بفحم وتراب وحشائش تجذب حرارة الشمس. ومن المفارقات أن هذه النظرية، على الرغم من أنها لم تطبق، صارت نقيضا للمحاولات الحالية لمواجهة انخفاض الحرارة، التي صارت تذيب الجبال الجليدية وترفع مستوى سطح الماء.

وفي سنة 1956، أعلن الاسترالي ويلهم رايخ نظرية «كلاود باست» (هزيمة السحب)، وقال إن هناك قوة خفية تؤثر في الطقس، وتقدر على تحريك ذرات الماء المكثف في السحاب من مكان إلى آخر، لتهطل كمطر (كان يريد حل مشكلة الجفاف في صحاري أستراليا). لكن، أهمل كثير من العلماء هذه النظرية، واعتبروها خرافة. وبعد ويلهم رايخ، حاول جاك توير، أيضا أسترالي، جمع السحب عن طريق مرايا عملاقة توجه نحو أشعة الشمس، وتزيد تبخر الماء في المنطقة.

وخلال تلك الفترة نفسها، ظهرت نظرية «كلاود سيدنغ» (تبذير السحاب) بإطلاق ذرات ترابية ومعدنية ومغناطيسية وملحية نحو السحاب لزيادة تكثف ذرات الماء فيه، وبالتالي، زيادة المطر. اخترعها، في سنة 1948، فينست شيفر، وهو أميركي كان يعمل مع شركة «جنرال إلكتريك». وكان في صحبة إيرفنغ لانغميور، الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء، يتسلقان جبل واشنطن (بولاية نيوهامبشير). وهم في موقع عال، أطلقوا ذرات ملح وتراب أوضحت صحة النظرية، سواء لزيادة المطر أو زيادة الجليد. وفي الوقت الحاضر، تستعمل طائرات (مثل التي ترش مبيدات الحشرات، أو ماء إطفاء الحريق) لرش هذه المواد، وزيادة ذرات الماء في السحاب.

وقبل خمسين سنة تقريبا، طورت وزارة الدفاع الأميركية النظرية السابقة. ولكن للوصول إلى هدف معاكس. كانت تريد تقليل تكثف ذرات الماء في السحاب لتخفض العواصف الجليدية أو الرعدية. (كانت السحب الكثيفة والعواصف الرعدية تعرقل قصف الطائرات العسكرية الأميركية في فيتنام خلال التدخل الأميركي هناك خلال السنوات 1960-1975).

في ذلك الوقت، استعمل الأميركيون مادة «سلفر أيودايد» (يوديد الفضة) لتجميد ذرات الماء، وعرقلة عملية التكثف. هذه هي المادة نفسها التي استعملها السلاح الجوي الروسي، في الشهر الماضي، لتخفيف حدة العاصفة الجليدية على موسكو. واستمرت محاولات الانتصار على العواصف الرعدية والجليدية. ففي تقرير عن الموضوع قبل أربع سنوات، أشارت مجلة «نيوساينتست» (العالِم الجديد) إلى علماء عملوا في هذا المجال، منهم: أولا: ألكساندر شورين، أستاذ فيزياء بجامعة كاليفورنيا الذي أجرى تجارب لرش سطح المحيطات بطبقة من النفط لمنع تبخر الماء ونزول المطر أو الجليد.

ثانيا: موشى ألامارو، الأستاذ بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا (إم تي آى)، الذي أجرى تجارب لوضع سفن تطلق صواريخ هوائية نحو السحاب لإبطال مفعولها قبل أن تقترب من منطقة معينة.

ثالثا: كيرى إمانويل، أيضا، أستاذ بمعهد «إم تي آى» وأجرى تجارب لاستعمال مادة «بوليمر»، التي تمتص ماء يساوى أضعاف حجمها أكثر من ألف وخمسمائة مرة. يطلقها نحو السحاب لتمتص ذرات الماء فيه. وفي السنة الماضية، قدم تلفزيون «إيه بي سي» برنامج «كيف تعرقل عاصفة؟»، ومن النظريات التي قدمها: اولا: استعمال أشعة «ليزر» لعرقلة التكثف. ثانيا: إسقاط سائل «نتروجين» في المحيط لعرقلة التبخر. ثالثا: رش رماد لامتصاص أشعة الشمس وعرقلة التبخر.

ولاهتمام عامة الناس بالموضوع، أخرجت مسلسلات تلفزيونية وأفلام إعلامية للمدارس والجامعات، بالإضافة إلى روايات خيالية وتجارب واقعية. مثل روايات: «ويزر ميكر» (صانع الطقس) عن مكتب حكومي يغير الطقس حسب طلب المواطنين. و«ويزر واردن» (حارس الطقس) عن جمعية في مدينة تغير طقس المدينة كما يريد سكانها. و«دارك» (ظلام) عن أسطول بحري يعرقل العواصف. لكن، ليس هذا موضوع روايات وترفيه فقط، ففيه الجانب العسكري والاستراتيجي. ففي سنة 1977، أقرت الأمم المتحدة «قانون منع الاستخدامات العسكرية، وأي استخدامات عدائية، لتكنولوجيا تغيير البيئة». صدر القانون خلال سنوات الحرب الباردة، وبعد نقاش على مستوى عالمي عن محاولات في المعسكرين الغربي والشرقي لتطوير تكنولوجيات تغرق أوطان الأعداء أو تجففها، وتسلط عليهم عواصف رعدية أو جليدية في حرب تستخدم الطقس أداة.