بلدوزر فاس

عمدة فاس حميد شباط السياسي «الظاهرة».. معارضوه يقولون إنه «مهرج» و«ديماغوجي».. ومؤيدوه يقولون إنه «شجاع ورجل كريم» وينادونه «السيد الرئيس»

TT

«فاس والكل في فاس» قول مأثور يردده المغاربة منذ عقود. هذا الرجل الذي أصبح مالئ دنيا المغرب وشاغل ناسها، من فاس. يتحدر من حي كان في الأصل أحد أحياء الصفيح في مدينة لها ثقلها التاريخي. خصومه يقولون إنه «مهرج» و«ديماغوجي» وسياسي برز بعد أن لم تبق في الساحة السياسية زعامات كبيرة. ينعتونه أحيانا بنعوت قدحية ومهينة للحط من قدره. قال لي مبتسما: يقولون «إنني أمي». مؤيدوه يقولون إنه «شجاع.. كريم.. رجل له كلمة» وينادونه «السيد الرئيس». هو في الواقع «ظاهرة». رجل ما أن يثير زوبعة سياسية، حتى يتبعها بعاصفة. أخباره تملأ صحف المغرب. لديه حاسة سابعة تجعله يعرف ماذا يريد محررو الصحف. أخبار مثيرة أو تعليقات جريئة، وفي بعض الأحيان مواقف عصية على الفهم. خبر الرجل لغة الصحافة، لذلك أصبح يعرف كيف يصنع العناوين. حين يتكلم تصبح تصريحاته أخبارا في الصفحات الأولى. ليس خطيبا مفوها لكن يعرف كيف يحرك مشاعر الناس. يدرك كيف يخاطب عواطفهم. تكتيكي بارع. يتقلب في المواقف كما يشاء، ويعدل المواقف نفسها كما يريد. يلخص السياسية في جملة واحدة «يكون خير إن شاء الله»، لا يقول أبدا «لا» وليس لديه «نعم» جاهزة. لكن «يكون خير إن شاء الله» لأزمة مستمرة.

تحديد موعد معه صعب. يتطلب صبرا. لكن يمكن أن تلتقيه في أي وقت ودون موعد، متجولا في أحد أحياء فاس بسيارة يقودها بنفسه، يبتسم للجميع ويوجه نحوهم قبلة بإحدى يديه. سافرت إلى فاس مرتين لألتقيه. في المرة الثالثة بات ذلك ممكنا.

عند مدخل فاس من جهة الغرب، دلفنا إلى حي «بن سودة»، أحد أحياء الفقراء والمعوزين، بعضهم يسكن مع الموتى في المقابر. في شارع يعج بالحركة. في هذا الحي صعدنا درج بناية، ليس نظيفا وليس متسخا. في الطابق الأول باب شقة لا تختلف كثيرا عن باقي الشقق. عند مدخلها، وقف حميد شباط مبتسما ومرحبا، وإلى جانبه زوجته واثنان من أبنائه. هذا هو شباط عمدة فاس، والنقابي الذي يقود واحدا من ثلاثة اتحادات عمالية هي الأكثر نفوذا وسط الطبقة العاملة المغربية. زوجته عضو في مجلس مدينة فاس الذي يترأسه. رجل لا يمكن أن تخمن له عمرا. لا تجاعيد، شعر فاحم، على الرغم من بدانة نسبية لكنه يتحرك بخفة ونشاط وحيوية. له عبارة ترحيب يرددها باستمرار «مبروك العيد». عبارة يسمعها كل من يلتقي به. لكن أي عيد هذا؟ يقول جادا: «كل أيام الله أعياد».

في بناية مقابلة للبناية التي يقيم فيها حاليا. توجد شقة صغيرة، من تلك التي يطلق عليها شقق «السكن الاقتصادي». شقة عادية تطل على الشارع نفسه نوافذها بيضاء متداعية. هناك كان يسكن شباط في مطلع التسعينات. في ديسمبر (كانون الأول) عام 1990، عاش المغرب ظروفا صعبة، عندما احتقنت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ووصلت حدا لا يطاق. أيامئذٍ قررت النقابات شن إضراب عام. لكن الحكومة تدخلت لإفشال إضراب تحولت بسببه فاس إلى مرجل يغلي. وقعت أحداث عنف بالغة الضراوة. وحين كادت الأمور تصل إلى حد الانفلات تدخلت وحدات عسكرية، استعملت حتى الرصاص الحي. سقط جرحى وقتلى من المتظاهرين. كانت الأحداث في فاس هي الأكثر دموية.

من تلك الشقة في حي بن سودة، قاد شباط المواجهات مع قوات الأمن. في بعض الأحيان قتل عمال بالقرب منه، لكنه أفلت من الموت عدة مرات، كان يتنقل من تلك الشقة إلى مقر الاتحاد العمالي (الاتحاد العام للشغالين). قالت الروايات الرسمية وقتها إنه كان يؤجج المشاعر ويهيج الجماهير، ويحرض الناس على العنف. أحرقت حافلات وسيارات، ومحطات للوقود ونهبت أسواق ومتاجر، وكسرت واجهات، وأشعلت النيران في فنادق. سادت الفوضى والخراب، وملأت الجثث والجرحى الشوارع. ضربت السلطات حصارا مشددا على المدينة، وحالت دون تسرب الأخبار.

بعد أن تمت السيطرة على الأوضاع، وهدأت المواجهات. أصبح حميد شباط مطلوبا. ليس على مستوى المغرب فحسب، بل مطلوبا عبر الإنتربول. يومها قال إدريس البصري وزير الداخلية القوي: «شباط مطلوب لأنه هو الشخص المسؤول عن حرق فاس». بعد تلك الأحداث اختفى شباط، كأنه فص ملح ذاب. لم يكن أحد يدري أين يختفي النقابي الذي قاد المواجهات من حي بن سودة الشعبي. أصبح أقرب إلى الأسطورة. يعرف شباط شوارع وأزقة فاس جيدا. لكن كل الاحتمالات كانت تشير إلى أنه فر خارج المدينة.

اعتقلت زوجته وابنه نوفل، وكان آنذاك في سن العاشرة، وتعرض لضرب مبرح في مركز الشرطة. أدرك شباط أن زوجته وابنه اعتقلا لإجباره على تسليم نفسه. لكنه لم يفعل. بعد فترة اعتقال قصيرة طُلب من زوجته الانتقال إلى منزلها لإرضاع ابنتها، كما قيل لها. فهم شباط أن ذلك فخا له، حتى يزور أسرته لكنه لم يفعل. عندما بلغه خبر اعتقال زوجته وهو في مخبئه، قال: «إنها مناضلة عليها أيضا أن تدفع الثمن».

سألته: هل فعلا أنت الذي حرض الناس على إحراق فاس؟

أجاب بنبرة واثقة: «هم الذين أحرقوا المدينة». شرح وجهة نظره قائلا: «بعد إعلان الإضراب الشامل، أحضروا الجنود لقيادة الحافلات، وأجبروا أصحاب المتاجر على فتحها، كانوا يطلقون النار على الأقفال ويتركون الناس ينهبون المحلات، حتى سيارات المواد الغذائية جندوا شبانا يافعين على قيادتها، الناس لم يرضوا بذلك، وانتفضوا ضد هذه الإجراءات، حرقوا الحافلات والسيارات والمتاجر وهاجموا منازل مسؤولين محليين كانوا ناقمين عليهم، جلبوا لهم جنودا كانوا في الصحراء، أطلقوا الرصاص على المظاهرات، أنا لم أحرق شيئا هم الذين فعلوا ذلك، أعددنا كتابا حول تلك الأحداث سننشره قريبا». لكن أين كان يختفي حميد شباط الذي كان المطلوب رقم واحد في المغرب. يجيب: «كنت أوجد في مقر النقابة، في المكان الذي لم يكن يخطر على بالهم» تلك الأحداث الدموية تعرف في الذاكرة المغربية باسم «أحداث فاس» وفي بعض الأحيان يطلقون عليها «أحداث بن سودة والمرينيين». حيان من أحياء المدينة يغوصان في الفقر والفاقة، ووقعت فيهما أشرس المواجهات. تلك الأحداث بقيت في ذاكرة من عاشوها. الآن فاس مدينة أخرى، وحميد شباط شخص آخر. لكن اسمه ارتبط بتلك الأحداث. من حي بن سودة خرج هذا الرجل دائم الابتسامة، صاحب عبارة «مبروك العيد». لم يعد مطلوبا للعدالة بل أصبح مطلوبا للناس. اللقاء به يعني حل مشكلة أو إطلاق مشروع.

حميد شباط الآن نائب برلماني عن فاس. عمدة المدينة. قياديي في حزب الاستقلال الذي يترأس الائتلاف الحكومي، والأمين العام للاتحاد العام للشغالين. رجل يمكن أن يضع أي مشكلة في هذه المدينة العريقة على طريق الحل.

كان يقود سيارته بنفسه عندما اقترح أن نتجول في أحياء فاس الشعبية. بدأنا من حي بن سودة الذي كان في وقت مضى قنبلة سكانية موقوتة. شباط ما يزال يسكن في الحي نفسه ويرفض مبارحته على الرغم من أنه الآن عمدة المدينة، يقول: «هذا الحي أصبح يحتوي الآن على مبان جديدة شيدت على أنقاض أحياء الصفيح». الناس في الشوارع والأزقة تعرفه جيدا. يحيونه ويحييهم. كل صاحب حاجة يقصد سيارته. بعضهم يطارده حتى تقف سيارته، ثم ينقل له شكواه.

أوقفه مجموعة من الكناسين في أحد الشوارع، اقترحوا عليه تمديد فترة عملهم. استجاب. أوقفنا سائق دراجة نقل نارية في أحد الطرقات وطلب منه أن يتدخل لدى جمعية خيرية ساهم في تأسيسها، توزع الدراجات بأقساط مريحة، من أجل خفض قيمة الأقساط الشهرية. لم يعد بشيء لكنه طلب من سائق الدراجة النارية أن يضاعف عمله، حتى يستطيع الإيفاء بالتزاماته. شاب في مقتبل العمر، يطلب منه التدخل من أجل الحصول على رخصة قيادة لسيارة أجرة، يتسلم منه طلبه، ويشرح له «إذا لم يكن مضى على حصولك على رخصة القيادة خمس سنوات ليس لدي ما أفعله لك» لكن الشاب لا يكل من الإلحاح ويجيب شباط إجابته المعتادة «يكون خير».

الناس في الأزقة الضيقة والمتربة، ما أن رأوا سيارته حتى سارعوا إلى لقياه، يردد لازمته «مبروك العيد». شاب آخر يطلب منه رخصة لمتجر في السوق الشعبية للحي. يعده خيرا. عجائز يلعبون في ساحة صغيرة تتوزع فيها دكات أسمنية، يمضون الوقت في لعب الورق. يقفون لتحيته. يقول «هل تعتقد أنني سأطلب من هؤلاء الناس التصويت لي؟ هذا شأنهم أنا لا أطلب منهم ذلك في الانتخابات، لأنني معهم في كل الأيام، في الأعياد أذهب لبعض المحسنين ليجودوا علينا بما فاض عليهم، نأتي بمواد غذائية لهؤلاء الناس، وفي عيد الأضحى نوزع عليهم أكباش العيد».

في حي بن سودة تسكن الآن فئتان، سكان أحياء الصفيح التي كانت توجد في المنطقة، أو أصحاب الدور التي كانت آيلة للسقوط في فاس العتيقة. يقود شباط سيارته إلى حيث تجري أشغال بناء مجمع رياضي يضم عدة قاعات. يرحب بنا عمال البناء بتقديم الشاي الأخضر والفول السوداني واللوز. يتفقد الأشغال، يقول مخاطبا المهندس والمقاول اللذين يشرفان على البناء «عندما تكتمل القاعة الكبرى يمارس فيها الشباب الألعاب الرياضية وفي الليل يمكن أن تقام فيها حفلات الزفاف». من حي بن سودة انتقلنا إلى حي المرينيين. شقق هذا الحي تتراوح ما بين 20 إلى 30 مترا، ليست سوى مقابر للأحياء. يقع الحي على ربوة تطل على كل فاس، تحت الحي حفرة كبيرة في اتساع ملعب لكرة القدم، يصل عمقها إلى 40 مترا كانت تأخذ منها الرمال للبناء. يقول شباط: «نقوم حاليا بردم هذه الحفرة حتى تتحول إلى متنزه أخضر لسكان الحي».

من هناك دلفنا إلى المدينة القديمة. هنا فاس العتيقة، وجامع القرويين، والأمكنة التي اعتبرتها اليونسكو تراثا عالميا يجب الحفاظ عليه. هنا الأحياء التي جعلت فاس تحمل اسم «العاصمة الروحية للمغرب».

يشعر شباط بشيء من الغبطة مشيرا إلى السور الذي يشيد حول المقابر يقول: «سيكتمل قريبا هذا السور، قررنا بناء سبعة أبواب حول فاس العتيقة، بعض أثرياء المدينة الذين نزحوا منذ عقود طويلة إلى الدار البيضاء يمولون المشروع». في حي سايس، وهو أفضل حالا من بن سودة والمرينيين، نتوقف قرب ساحة تعج بالناس وتتوسطها نافورة مياه. يقول شباط: «طموحنا أن تكون في كل أحياء فاس ساحات مماثلة».

يحمل شباط معه هاتفين محمولين، لا يكفان عن الرنين. لا يذهب الرجل إلى مكتبه في بلدية فاس إلا نادرا، ويفضل التجول يوميا في أحياء المدينة، يذرعها طولا وعرضا. يقول «مكاني هنا وسط الناس وليس في المكتب ماذا أفعل هناك». يجيب على المكالمات بين الفينة والأخرى، وهناك رقم خاص يتصل به الصحافيون، يرد عليهم دون لجلجة.

سألته: «يقولون إن هناك ملفات فساد ضدك ونزاهتك ملطخة؟» يجيب: «ماذا ينتظرون لماذا لا ينشرون هذه الملفات، لدي خصوم كثيرون، لماذا لا يسلمونهم هذه الملفات، مرت عدة انتخابات لماذا لا يفتحون هذه الملفات، هذه ترهات لا أكترث لها». قلت له يقال إنك تعتمد على الميليشيات في إرهاب خصومك؟ أجاب متسائلا: «هل الميليشيات هم هؤلاء الناس البسطاء الذين التقيناهم في حي بن سودة يطلبون قضاء مصالحهم».

يقرأ كثيرا، زاده من القراءة واضح في لغته، يمزج كلامه أحيانا بالشعر. لغته العربية فصيحة، لا يغرغر بها كما يفعل المثقفون، لكنه يطوعها لتصبح واضحة ومفهومة، دون تقعير. خبر السياسة من خلال العراك الانتخابي. يدرك كيف يدفع الناس نحو صناديق الاقتراع للتصويت له ولمرشحيه في بلديات فاس.

يقول حول مساره السياسي والنقابي «بدأت نشاطي النقابي عام 1974، في مصنع لإنتاج الأسلحة تحول إلى صناعة الدراجات النارية، بعد أن التحقت به عقب حصولي على دبلوم من معهد فني». يضيف مازحا: «يقولون إنني مجرد سيكلست (ميكانيكي دراجات) كان صعبا علينا تأسيس نقابة داخل مصنع يديره عسكريون لكننا فعلنا ذلك». يضيف: «بعد أحداث فاس ترشحت لأول مرة عام 1992 لعضوية المجلس البلدي، وأصبحت نائبا لرئيس إحدى البلديات وبهذه الصفة استقبلت من طرف الملك الراحل الحسن الثاني ضمن وفد يضم رؤساء البلديات، على الرغم من ذلك اعتقلت أربع مرات، لان اسمي كان ضمن المطلوبين ولم يحذف من القوائم السوداء، وبقيت أمثل أمام المحاكم حتى عام 1996، عندما صدر عفو ملكي عني». يضيف: «لم أترشح في انتخابات 1992 التشريعية، لأن قرار الحزب كان أن أتنازل لمرشح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية محمد عامر (وزير الجاليات المغربية حاليا) إذ إن حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي قررا خوض الانتخابات بمرشح واحد في كل دائرة. في انتخابات عام 1997، طلب مني أن أتنازل من جديد لمرشح الاتحاد الاشتراكي، قلت سأخوض الانتخابات لأعرف فقط عدد الأصوات التي سأحصل عليها، وعندما جرى الاقتراع وكان الفرق في حدود أكثر من خمسة آلاف صوت مع منافسي، لم يكن هناك بد من أن يعلنوا فوزي بالمقعد».

اشتهر شباط بتصريحاته النارية ضد الاتحاديين (حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، تصريحات طالت حتى المهدي بن بركة، الذي يعتبر زعيم اليسار في المغرب، واغتيل عام 1965 في باريس. يشرح شباط قائلا: «الاتحاديون كانوا دائما خصوما لنا (حزب الاستقلال) في فاس، منذ أن بدأت العمليات الانتخابية كنا نتناوب معهم على تولي مسؤولية رئاسة بلدية فاس، لكنهم خلال الفترات التي تولوا فيها رئاسة البلدية لم يقدموا شيئا للسكان، لذلك الناس لم تعد تصوت لهم، هذه هي كل الحكاية، لذا ومنذ عام 2003 أتولى رئاسة مجلس المدينة (عمدة المدينة)». يقول بشماتة واضحة: «عندما ينهزم الاتحاد الاشتراكي في الانتخابات يطالب بتعديل الدستور، نحن في حزب الاستقلال سواء كنا في الحكومة أو المعارضة مع النظام الملكي، ولم يحدث قط أن طالبنا بتقليص سلطات الملك».

بعد تراجع الاتحاديين أصبح «الإسلاميون» أشد خصوم شباط. وجه الرجل نيرانه نحو حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي المعارض، يقول: «في انتخابات العام الماضي جاءوا بأستاذ جامعي ليقود مرشحيهم، لم يحصلوا إلا على سبعة مقاعد من بين نحو 97 مقعدا». في أوج الخصام معهم قال: «هؤلاء يودون أن يقولوا لنا ما هو الإسلام ونحن مسلمون، هؤلاء هم النذالة والتعمية (بدلا من العدالة والتنمية)».

لكن شباط الذي يجيد خلط الأوراق بمهارة، دخل منذ أسابيع معركة «مقاهي فاس» عندما تبنى مشروعا في مجلس المدينة يدعو إلى إغلاق مقاهي الشيشة والحانات والملاهي. هذا المشروع وضعه في مواجهة حزب الأصالة والمعاصرة حديث النشأة الذي يعتبر فؤاد عالي الهمة، وهو شخصية مقربة من العاهل المغربي الملك محمد السادس، أقوى شخصياته والأكثر نفوذا على الساحة السياسية المغربية. وبالمقابل أعاد الأمور بينه وبين العدالة والتنمية إلى وضعية أقرب ما تكون إلى التحالف. لا تزال معركة المقاهي مستمرة. على الرغم من أن حزب الأصالة والمعاصرة يقول إن شباط «لا يفقه شيئا في القوانين وإنه مهرج» فإن شباط يعقد مقارنة زمنية بين حزبه، حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، يقول: «لا يجوز أن نقارن بين حزب له سبعون سنة وآخر له سبعة أشهر». في فاس بدا لي شباط أكثر شعبية من الحزب الذي ينتمي له.

يشرح معركة المقاهي بلغته البسيطة والمباشرة قائلا: «مشكلتنا هي الرشوة الصغيرة التي أدت إلى استمرار هذه المقاهي، يقولون إن القرار سيضر بالسياحة، ونحن نقول لا يوجد سائح واحد يدخل هذه المقاهي والحانات الرديئة، استمرارها هو الذي سيضر بالسياحة لأن مرتاديها من القاصرين والمنحرفين الذي يقضون مضجع السياح».

شارع الحسن الثاني يتوسط مدينة فاس. شارع يتباهى شباط بما حققته فيه البلدية. نافورات ومصابيح كهربائية ومقاعد من الرخام، ومتنزهات يزدحم فيها الناس. إلى هذا الشارع جلب شباط تمثالين كبيرين لأسدين من بوركينا فاسو، واحد واقف في بداية الشارع والثاني جالس في نهايته. كتبت بعض الصحف المحلية تقول إن شباط يبدد أموال البلدية في مشاريع دعائية واستعراضية، يرد قائلا: «كل أسد من هذين الأسدين يتحلق حوله 20 مصورا يصورون المارة، إذن خلقنا 40 وظيفة، ثم إننا لم ندفع درهما واحدا ثمنا لهما، مؤسسات ومحسنون هم الذين سددوا قيمتهما وتكلفة شحنهما من بوركينا فاسو وليس البلدية، من كتبوا ضد المشروع لم يسألونا لنقول لهم من أين جئنا بالأموال، ماذا نفعل لهم». يقول شباط: «طموحي أن تكون جميع شوارع فاس مثل شارع الحسن الثاني، تزينها المصابيح والنافورات والنخيل والزهور، نحن الآن شرعنا في ذلك وجلبنا دكات من الرخام من الصين ومصابيح كهربائية من إسبانيا. انتقلنا إلى بعض الشوارع التي بدأت فيها عمليات الإصلاح حيث تتوسط أشجار النخيل والمصابيح الكهربائية التي تحمل باقات ورد جميع هذه الشوارع». يشدد على كلماته: «سنستمر في عملنا».

ربما في أعماقه يريد أن يقال: «من أحرق فاس ينهمك حاليا في تجديدها».

بعد جولة استغرقت زهاء ست ساعات يقول شباط: «دعنا نحتسي فنجان قهوة وإذا كان لديك سؤالا أجيبك عليه».

يقفز من سيارته، مثل شاب في العشرين، يخطو مسرعا في مشيته. يصافح كل من يلتقيه. كثيرون ينادونه باسمه «سي حميد». لا أحد لا يعرفه. رجل يسهل على الذين يعرفونه أن يحبوه لمزايا شخصية يجدونها فيه، ذكاء فطري لماح وشهامة تجهد نفسها لإرضاء الجميع، وابتسامة حاضرة طول الوقت. لا يجيد الحديث المسترسل، جمله متقطعة، لكنه يحدث تأثيرا واضحا في نفوس الذين يتحدث إليهم. يملك شجاعة النمر وحيلة الثعلب. البعض يرى في أسلوبه دهاء. رجل مثل النسر قادر أن يعاين الأمور التفصيلية على الأرض سواء كان الأمر يتعلق بالعراك السياسي وفتح المعارك، أو تقديم الخدمات.

يدافع عن مواقفه السياسية بغطرسة وشراسة وبلغة خشنة. جريء إلى حد الوقاحة أحيانا في مواجهة خصومه. ينتظر الفرصة ليوظف الوقت لتقوية أوراقه الرابحة، ثم يرميها دفعة واحدة إلى حد أقرب ما يكون أحيانا إلى الانتحار السياسي. لا يتراجع عندما يكون ضعيفا ولا يتساهل عندما يكون قويا. يطبق أساليب الغموض والتمويه، ولا تعرف في ماذا يفكر. يتصدى للمشاكل بلا أفكار أو معرفة مسبقة، ويعرف كيف يجعل من المشكلة حلا. تبدو عليه رواسب من أصل قروي. يقول ضاحكا: «أنا لست من فاس بل من حي بن سودة وأهلي من ضواحي تازة (شرق المغرب). بارع جريء لا يهاب التيارات الجارفة. عنيد طموح شجاع وشعبي. لا يحقق نفسه إلا عبر التصادم مع خصومه السياسيين. يعطي الأحداث المعنى الذي يريد. يحارب بالآخرين ويحتفظ بهم حتى في حالة خسارتهم. رجل لا تروعه الأخبار السيئة. حيويته متدفقة بأكثر مما يسمح به عمله ودوره.

قلت له هل تطمح لقيادة حزب الاستقلال؟ أجاب: «حزب الاستقلال حزب صعب، لا بد فيه من التوافق».

قيادات حزب الاستقلال عندما يغضبون يعودون إلى منازلهم، لا يقودون انقسامات. حميد شباط استقلالي وسياسي على طريقته. لسان حاله يقول «فاس والكل في فاس».