«الأردوغانية».. نسمة أم عاصفة؟

من تسمية مواليد غزة «رجب طيب» و«طيب أردوغان» إلى هتافات «يا الله يا رحمن احفظ لنا أردوغان».. هل يمكنه تطبيق رؤيته؟

TT

قال إنه لم يتردد في بيع الكعك في صغره حتى يساعد أسرته على مواجهة مصاعب الحياة اليومية الشاقة، فأصبح زعيما وطنيا وإقليميا يساعد دول المنطقة وشعوبها على تجاوز محنها وأزماتها وحالات الغدر والقمع والتهديد التي تعيشها. كتاب المعارضة الأتراك وصفوه أكثر من مرة بـ«القيادي المسلم الذي يتحرك بإرادة غربية»، لكن حجم تدهور علاقاته مع الكثير من دول الغرب وأميركا تحديدا التي تكاد تصل إلى القطيعة بين لحظة وأخرى خيب آمالهم فيما قالوه وعادوا بندم يرددون هذه المرة أن استمراره فيما هو عليه سيطيح بالعلاقات التركية – الغربية، وخصوصا بالعلاقات مع أميركا الحليف الاستراتيجي الأول لتركيا منذ أكثر من نصف قرن.

حياة شاقة مليئة بالصعاب والعراقيل تجاوز رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الكثير منها ونجح في الوصول إلى السلطة وتولي دفة القيادة في تركيا حيث إن ممارسة السياسة مكلفة في الكثير من الأحيان، فالمؤسسة العسكرية لن تتردد في الدخول على الخط عند أول تهديد تشعر أنه يطال العلمانية و«الأتاتوركية» كما فعلت 4 مرات حتى الآن. الإعلام العالمي يضع أردوغان اليوم في مصاف الشخصيات الدولية الـ25 التي تحدد مسار العلاقات الدولية وتساهم في تنظيمها لكن قبضاي قاسم باشا بسلوكه وتصرفاته ومواقفه داخل تركيا وخارجها يعرف أنه يزعج الكثيرين، وأن ما يردد حول إبعاده والتفريط به لن يكون صعبا وسط كتابات كثيرة عن التصفية والاغتيال وملاقاة مصير زعماء أتراك تجاوزوا الخط الأحمر ولم يقفوا عند حدود رقعة التحرك المسموح بها، مذكرين مثلا بمصير دنيز بيقال زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي أبعد عن القيادة بين عشية وضحاها.

ما هي الأسباب التي دفعت أردوغان إلى اتخاذ قرار الابتعاد عن إسرائيل يوما بعد الآخر والتهديد بالقطيعة الدبلوماسية والسياسية معها؟ ألن يزعج ذلك المعارضة السياسية وأركان المؤسسة العسكرية التي بنت علاقات أمنية واستراتيجية مهمة مع الدولة العبرية؟ لماذا يطارد يوميا حكومة نتنياهو على هذا النحو ويحملها مسؤولية الكثير من المصائب والأزمات في منطقتنا بعدما كانت الشريك الاستراتيجي الأقوى لبلاده قبل سنوات قليلة؟ لماذا يجاهر اليوم وعلى هذا النحو في قول عكس ما تقوله واشنطن حيال أكثر من ملف وأزمة ناسيا أنها الحليف الاستراتيجي وأنه سيحتاج إلى دعمها لبلاده في أكثر من مكان؟

الإعلامي التركي سلجوق غولتاشلي يطرح السؤال نيابة عن الجميع: ما الذي يحاول رجب طيب أردوغان أن يفعله؟

خبراء السياسة الخارجية التركية يجدون في هذه الآونة صعوبة بالغة في متابعة وتحليل مواقف أردوغان وتصريحاته حيال أكثر من قضية ومسألة، ما الذي يريده ويسعى لإنجازه. هو يبدو من خلال مواقفه الأخيرة وكأنه يكتشف لتوه أن الحرب الباردة قد زالت وأن نظام القطبين سقط إلى غير رجعة، وأن أميركا هي التي تصر على إدارة اللعبة منفردة في أكثر من مكان. لكن لماذا يتبرع أردوغان ليكون كفيل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد؟ لماذا المغامرة على هذا النحو في الدفاع عن شرعية حماس ورفضه مصطلحا وصفها بالإرهابية في نظام عالمي يحمل الكثير من التجني والكيل بمكيالين؟

للإجابة يجب العودة إلى سيرة أردوغان ودخوله المعترك السياسي. ولد رجب طيب أردوغان في 26 فبراير (شباط) من عام 1954 في حي قاسم باشا في إسطنبول لأسرة فقيرة من أصول قوقازية. والده أحمد ووالدته تنزيلة. عام 1965 أنهى الابتدائية وفي 1973 أنهى الثانوية في مدرسة الأئمة والخطباء. يروى أن مدرس التربية الدينية سأل الطلاب عن الذي يتطوع لأداء الصلاة في حصة تطبيقية فقبل المهمة التي عاد ورفضها عندما قدم إليه المدرس صحيفة ليصلي عليها بسبب الصور الخلاعية التي تحملها. سر ذلك المعلم الذي أطلق عليه لقب «الشيخ رجب»، حيث قيل لاحقا إنه شارك في حلقات للشيخ أسعد جوشقون شيخ الطريقة النقشبندية في إسطنبول منذ صغره. التحق بعد ذلك بكلية الاقتصاد في جامعة مرمرة وتخرج منها حاملا بكالوريوس في التجارة والاقتصاد. تزوج من السيدة أمينة عام 1978 وأنجبا 4 أبناء هم: أحمد بوراق ونجم الدين بلال وإسراء وسمية.

ويروى أن قصة تعرفه على زوجته أمينة بنت مدينة سعرت العربية الأصل كانت مميزة حين أخبرت زوجته إحدى صديقاتها أنها رأت حلما ترجم إلى حقيقة في اليوم التالي عندما شاهدت فارس أحلامها يقف خطيبا أمام الناس وحيث بدأت حكاية غرام كانت صعبة أمام إصرار والدته على عقد قرانه على فتاة من أبناء منطقته في البحر الأسود. كرة القدم كانت تجري في دمه دائما فهو مشجع متشدد لفريق فناربهشا التركي وهو نفسه لعب لسنوات في فرق إسطنبول حيث غرست هذه اللعبة في نفسه مبدأ العمل الجماعي والمشاركة في اتخاذ القرار الجماعي.

عاش وترعرع أردوغان في رحم البيئة الإسلامية فهو خريج مدرسة دينية، كما أنه بدأ العمل السياسي من خلال التيار الإسلامي الذي قاده نجم الدين أربكان، انخرط وهو في سن مبكرة في حزب السلامة الوطنية الذي أسس بزعامة أربكان وتحديدا عام 1969 حيث بدأ وهو ابن الخامسة عشر عاما في التعرف على مسار اللعبة السياسية في البلاد. تولى عام 1976 مسؤولية قيادة الحركة الشبابية في حي بي أوغلو لحزب السلامة الإسلامي، وظل عضوا في حزبي الرفاه ثم الفضيلة اللذين شكلهما أربكان إثر موجات الحظر التي كانت تطال أحزابه. ومع عودة الحياة الحزبية إلى البلاد عام 1983 عاد أردوغان إلى مزاولة نشاطه السياسي داخل حزب الرفاه الإسلامي. وسرعان ما أصبح أهم شخصيات الحزب وأقوى قياداته في مدينة إسطنبول التي كان يريد انتزاعها من يد الأحزاب الأخرى بسبب أهميتها وموقعها التنظيمي الشعبي بالنسبة إلى الحزب وقواعده. وما لبث أن سطع نجمه حتى أصبح رئيس فرع الحزب في إسطنبول عام 1985. قام بتحذير أحد قضاة إحدى المحاكم الذي كان قد رفض طلبه بمراجعة مسألة انتخاب منافسه على رئاسة بلدية حي بي أوغلو عام 1989، قائلا: «لا يمكنك أن تصدر قراراتك وأنت مخمور»، على الرغم من أن قوله هذا كلفه السجن لمدة أسبوع كامل على ذمة التحقيق. عام 1994 انتخب رئيسا لبلدية هذه المدينة حيث حقق خلال فترة رئاسته بلدية إسطنبول إنجازات نوعية للمدينة، الأمر الذي أكسبه شعبية كبيرة في عموم تركيا، وعلى الرغم من صغر سنه، فتجربته ومحيطه وشبكة علاقته الواسعة مكنته من تحقيق ما أراد.

كلمته في مدينة سعرت جنوب شرقي تركيا عام 1997 التي قال فيها: «مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا، والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا»، كانت مكلفة بعدما ألقى خطابا ضمنه تلك المقاطع المعدلة للشاعر الإسلامي القومي ضياء غوكالب التي انتهت بسجنه 4 أشهر بتهمة التحريض على الكراهية الدينية ومنعه من العمل في وظائف حكومية ومنها طبعا الترشيح للانتخابات العامة.

السجن كان بالنسبة إليه الفرصة التاريخية التي دفعته إلى مراجعة أسلوبه وخياراته ورسم استراتيجيات المستقبل، فلم يتردد على الفور في القطع مع ملهمه ومعلمه السياسي الإسلامي المخضرم نجم الدين أربكان. وإن كان قد وعد بتعلم الإنجليزية في السجن، فإنه خرج منه ليطلق مشروعا سياسيا كاملا حول ضرورة التغيير في النهج والأسلوب السياسي المتبع في تركيا. التنفيذ بدأ خلال أشهر قليلة بعدما أقدمت المحكمة الدستورية عام 1999على حل حزب الفضيلة فانطلقت حركة التجديد بقيادة أردوغان لتأسيس حزب العدالة والتنمية في 14 أغسطس (آب) عام 2001. خاض الحزب الانتخابات التشريعية عام 2002 وفاز بـ363 نائبا مشكلا بذلك أغلبية ساحقة وسط أزمة سياسية خانقة تعصف بالبلاد.

في 15 مارس (آذار) 2003 تسلم مهام رئاسة الحكومة من أقرب رفاقه غل. وفي 2007 حدثت انتخابات نيابية جديدة أبقته في الحكم منفردا على الرغم من الكثير من المحاولات لإسقاطه وإبعاده. تعهد بعد انتصاره السياسي هذا بعدم المساس بشكل النظام وأسسه وأن حزب العدالة والتنمية لن يدخل في مواجهات مع القوات المسلحة التركية حامية العلمانية وشكل النظام في البلاد وقال: «سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99 في المائة من مواطني تركيا. لكن البعض أصر على أنها مرحلة انتقالية لا بد من الحيطة والحذر خلالها، فأردوغان يقدم شكلا جديدا من الوسطية التي تفرض عليه إمساك العصا من وسطها. وعلى الرغم من أن أردوغان تحاشى استفزاز القوى العلمانية أكثر من مرة فإنه لم يحل من دون حديث الكثير من العلمانيين عن خطر يهدد شكل النظام وأسسه مع وصول هذا الحزب إلى السلطة.

كبار الكتاب والمفكرين الغربيين يتحدثون دائما في كتاباتهم كما يقول الإعلامي غولتاشلي عن الصعود والهبوط في حياة الإمبراطوريات والدول، لكن الكثير من الكتاب في هذه الآونة يتحدثون فقط عن «الصعود والصعود» التركي بقيادة أردوغان. الإعلامي يغيت بولوت يقول إن الكثير من رجال السياسة الأتراك راحوا ضحية لعبة مثلث الصحافة والسياسة والمال، أما أردوغان بسبب أسلوبه المميز فقد نجح في مقاومة هذا الحلف أولا، وإلزامه بقبوله كقوة لا مهرب من الانفتاح عليها والتعاون معها ثانيا. لكن الجميع يعرفون أيضا أن هذا التكتل لن يتردد في تصفية حساباته مع أردوغان الذي لن يتأخر هو الآخر في هدم المعبد المتمركز والمتحكم داخل تركيا وبناء معادلة سياسية وأمنية واقتصادية جديدة يكون للكثير من القوى والمؤسسات المستبعدة والمهمشة والصاعدة الكلمة المسموعة فيها. ترى هل ينطبق كلام بولوت هذا على أسلوب أردوغان في سياسته ومواقفه الخارجية؟ وهل ينجح في تغيير معادلات إقليمية كلاسيكية فرضها البعض منذ سنوات طويلة على دول المنطقة وشعوبها؟

أردوغان الذي يصر على حمل تركيا لتأخذ مكانها بين الدول العشر الأولى اقتصاديا في العالم، الذي قال حزبه «لا للحملة على العراق عام 2003»، المنتقد الدائم للعدوان الإسرائيلي على لبنان وشراسة ووحشية هذه الهجمات، المدافع الأبرز عن غزة والمهاجم لسياسة المضي في محاصرتها وتجويعها على هذا النحو، الرافض لسياسة عزل إيران باسم تسلحها النووي على حساب تجاهل القوة الإسرائيلية ورفضها أي طلبات تعاون إقليمي ودولي في الكشف عن مخابئها النووية - يغامر ويتحدى كما قال الإعلامي أيوب جان الذي أكد أن ما يميز أردوغان هو أسلوبه القائم على «المخاطرة الحذرة» التي لم تعرفه تركيا من قبل. فهو يغامر في أكثر من مجال من دون تردد محاولا إشراك بلاده في صناعة السياسة الإقليمية والدولية وهو يعرف تماما أن الثمن قد يكون باهظا وقاسيا عند الفشل. نمط جديد من القيادة في العالم وفي تركيا تحديدا علينا أن نعتاد عليه من الآن وصاعدا، فهل يكون أردوغان وسيلة وفرصة لبروز نماذج «أردوغانية» مشابهة في مواقفها وأسلوبها وسياساتها؟ هل يمكن فعلا «تصفير المشكلات» وخلق نظام إقليمي ودولي خال من الصراع؟ هل تركيا قادرة على صناعة هذا الواقع؟

الأقلام والآراء المتضاربة حول سلوكه السياسي منقسمة بين مؤيد ومنتقد. فمحمد بارلاس الصحافي في جريدة «صباح» التركية يرى أن هناك من ينتقد أردوغان، لكن هؤلاء مطالبون أيضا بمتابعة القوة الشعبية والسياسية التي تقف من ورائه اليوم داخل تركيا وخارجها. لا يمكن الاستخفاف بالالتقاء الحاصل للمرة الأولى على هذا النحو في التنديد العالمي بسياسة إسرائيل وأساليبها والمطالبة بإدانتها، لأسباب أكثر من مجرد تصرف أردوغان. محمد علي بيراند يقارن بين روبن هود وأردوغان النجم الساطع في الشرق والغرب، هذا الرجل الذي ينتقد ويندد ويهاجم باسم الفقراء والمغدورين والمهمشين والمبعدين، إنه من حطم الكثير من المعادلات داخل تركيا وخارجها. أما قدري غورسال القلم المعارض في جريدة «ميليت» التركية واسعة الانتشار فيذكر أن أردوغان يعد نفسه لاستلام السلطة وقيادة دفة الحكم عبر نظام رئاسي يريد تكوينه في البلاد يجعله القوة الأساسية في بناء أكثر من معادلة داخلية وخارجية. أما هاقان شليك، إعلامي تركي آخر، فيحذر من أن «الثقة المفرطة بالذات» قد تدفع في بعض الأحيان إلى ارتكاب الأخطاء. وأنه على أردوغان أن «يتأنى ويكون أكثر حذرا ودقة» ويبتعد عن السرعة المفرطة في إطلاق مواقفه وتحديد سياساته، فالكثير يراهن على أخطاء يرتكبها للانقضاض وتصفية حساباتهم معه. الوقوف في وجه العقوبات الدولية ضد إيران والدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل على هذا النحو قد يتحول إلى حمولة ثقيلة يعجز أردوغان عن رفعها.

جان أولوسفر من صحيفة «حرييت» التركية طرح أمام الجميع عبارة «السلطان العثماني الأخير رجب الأول»، التي رفعتها إحدى اللافتات خلال احتفال للحزب، لافتة لا تغضب أردوغان لأن القواعد الشعبية هي التي تقولها، لا الإعلام. فحربه الدائمة مع الإعلام لن تنتهي بهذه السهولة، وخصوصا أنه هاجم مؤخرا من يحاول الوصول إلى السلطة بـ«المانشيت»، مذكرا أنه سيذهب بـ«المانشيت» أيضا، وغامزا من قناة الانقلاب الحزبي الأخير في صفوف حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي أبعد دنيز بيقال وأوصل كمال كلينش أوغلو بين عشية وضحاها ليكون منافسا قويا له في الداخل.

عصمت بيرقان، رئيس تحرير «راديكال» التركية، يقول إن سر نجاحه (أردوغان) ليست قدرته على إدارة اللعبة السياسية في صفوف حزبه وحكومته فحسب، بل في صفوف المعارضة التركية أيضا التي يختار لها الحدث والمسألة التي تناقشها. إنه يرجح دائما أن يلعب في موقع الهجوم ونادرا ما اختار الدفاع. وهنا تحضرنا الطرفة التي ترددها المعارضة السياسية التي بالكاد تحاول التفوق عليه في مجال إطلاق النكات، وهي أن أردوغان سئل مرة عن أكثر ما يعجبه في السياسة فقال: افتعال أزمة ثم العمل على حل هذه الأزمة التي افتعلها. وتقول طرفة أخرى إنه طلب إليه مرة تعريف وحدة الرأي داخل حزبه فقال: أن يأخذ الجميع بما أقوله أنا.

في 29 يناير (كانون الثاني) من عام 2009 غادر أردوغان منصة دافوس على ألا يعود إليها متحديا الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس بعنف: «إنك أكبر مني سنا ولكن لا يحق لك أن تتحدث بهذه اللهجة والصوت العالي الذي يثبت أنك مذنب. الجيش الإسرائيلي يقتل الأطفال في شواطئ غزة، ورؤساء وزرائكم قالوا لي إنهم يكونون سعداء جدا عندما يدخلونها على متن دباباتهم». موقفه أثار موجة غير مسبوقة من الإعجاب في العالم الإسلامي والعربي، وشعبية بدأت من يومها تتسع عرضا وطولا. منحته السعودية قبل أشهر جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز، لجهوده البناءة في المناصب السياسية والإدارية التي تولاها، ونجاحاته الكبيرة ومواقفه الوطنية والإسلامية والعالمية.

ما إن اعتدى الجيش الإسرائيلي على «أسطول الحرية» في عرض البحر المتوسط الذي كان في طريقه إلى قطاع غزة، حتى ظهر أردوغان ليهاجم حكومة نتنياهو بكل ما في جعبته من تعابير ومصطلحات حولته إلى «المخلص» و«الشجاع» و«الشهم» و«رجل العالم الإسلامي القادم»، وغيرها من المصطلحات والتعابير التي تسابقت الصحافة التركية والعربية والدولية على وصفه بها. كيف لا وهو لا يتردد في اتهام الإسرائيليين بـ«القراصنة» وأن إسرائيل دولة تمارس الإرهاب وأنهم سيدفعون الثمن وأن تركيا لا تشبه الآخرين. قيل له إنه يحظى بشعبية جارفة في العالم العربي والإسلامي لمواقفه المشرفة، فرد: «لا ألهث خلف شعبية، فما أقوم به هو جزء من واجبي. نحن لا نحب أن نذكر بأننا شعب قد انقطع عن جذوره، نحن شعب حافظ على قيمه، وفي هذا الموضوع تحديدا فإننا لا نستطيع السكوت على الظلم الذي يمارس من حولنا».

دولت بهشلي، زعيم حزب الحركة القومية المعارض، ذكر أكثر من مرة أردوغان أن من يزرع الريح يحصد العاصفة، ومع ذلك فأردوغان نجح حتى الآن في زرع الرياح ومقاومة العاصفة وهو يستعد لمقارعة إعصار سياسي يحمل توقيع أكثر من جهة محلية وإقليمية ودولية يزعجها تصرفات أردوغان وارتفاع شعبيته الواجب إيقافه عند هذا الخط الأحمر. كل ما يستطيع البعض فعله هو مواصلة طريقه وإطلاق النكات، فآخر طرفة تطارده على لسان الحساد والراغبين في الانتقام هي أن أحد الأتراك اقترب من مقر رئاسة الوزراء يخبر الحارس أنه يريد مقابلة أردوغان فقال له: إن أردوغان لم يعد رئيسا للوزراء وإنه غادر المكان. جاء الرجل في صباح اليوم التالي يطرح السؤال نفسه ليسمع الإجابة عينها، ولما كرر ذلك طيلة أسبوع كامل غضب الحارس وقال: أنت تحضر منذ أسبوع لتطرح السؤال نفسه وتسمع الإجابة ذاتها، ألم يتعبك ذلك؟! فقال الرجل: بل على العكس أنا أحضر فقط لأسمع هذه الإجابة التي تريحني! لكن لمعان أردوغان لا لبس فيه، وصعود دور تركيا لا لبس فيه أيضا وشعبيته في الشارع العربي والإسلامي في أوجها، ففي مصر وصف أحد قراء صحيفة «المصري اليوم» المستقلة أردوغان بأنه «خليفة المسلمين». وخلال الأسبوعين الماضيين، سمت عائلات من الفلسطينيين في غزة والضفة مواليدها من الذكور «رجب طيب» أو «طيب أردوغان»، وفي تجمع حاشد في بيروت لوح آلاف اللبنانيين بالأعلام التركية ووضعوا 9 نعوش ملفوفة بالعلم الأحمر تكريما لقتلى القافلة الأتراك. وردد المحتجون هتافا قائلين: «يا الله يا رحمن احفظ لنا أردوغان»، مستخدمين لغة يقتصر استخدامها على حسن نصر الله، زعيم حزب الله.