من يحمل لواء المعارضة في مصر؟

الأحزاب التقليدية فقدت تأثيرها ودورها.. والحركات الاجتماعية وتنظيمات الشباب حلت محلها

أحزاب المعارضة المصرية تحتاج إلى مراجعة وإصلاح (إ.ب.أ)
TT

في مصر تنظر النخبة المثقفة والكثير من فئات الشعب إلى المعارضة السياسة باعتبارها مجرد ستارة مموهة للنظام، وأنه لا جديد، بل لا أمل في معارضة أدمنت الوقوف على يمين النظام، وتتأمل ملامحها في مرآته، وتقيس في ظلال هذه المرآة مدى تأثر مصالحها ووجودها، وشعاراتها التي كثيرا ما تتغير بحسب تدافع الأمواج واتجاه الريح. وتبلغ سخرية المثقفين حين يتساءلون عن جدوى معارضة صنعها النظام، حين قسم كعكة الأحزاب بين يمين ويسار ووسط.

وليس بعيدا عن رأي النخبة المثقفة رأي رجل الشارع العادي البسيط حين يقول «هوّه فيه معارضة في مصر؟»، «دي كلها شوية ناس بتصرخ على الفاضي ولا حد بيعبرها، ولا بتعمل حاجة للبلد»، «والأحزاب دي كلها مكاتب حكومية وجودها زي عدمه»، «بص يا سيدي البلد دي مافيهاش غير الحزب الوطني، هو بس اللي بيحكم ويخطط وينفذ، الباقي كله ولا حاجة».

بهذه العبارات البسيطة لخص عم محمود القاضي تاجر الفاكهة البسيط المشهد السياسي المصري والعلاقة بين النظام الحاكم والمعارضة في مصر بكل تياراتها. ورغم أنه غير مهتم بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد، ولا يشارك في أي انتخابات، فإن آراءه هذه على عفويتها تعكس وجهة نظر قطاع كبير من الشعب المصري تجاه قوى المعارضة الموجودة حاليا، خاصة ممن ينتمون للطبقتين الوسطى والدنيا، الذين أقروا، ربما عن قناعة، باستحالة ممارسة العمل السياسي بعيدا عن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، ويشككون في أي فصيل سياسي يعرب عن رغبته في أن يحل مكانه سواء كان من الأحزاب اليسارية أو اليمينية أو الإخوان المسلمين أو حتى القوة المستقلة الصاعدة حاليا.

ولكن إذا افترضنا جدلا هذه الفرضية، وسلم الجميع بسيطرة الحزب الحاكم على الحياة السياسة في مصر في الوقت الحالي على أقل تقدير وفي الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، بصرف النظر عن شرعية هذه السيطرة ووضعها القانوني أو أحقية الحزب في ذلك وفقا لشعبيته، فإن السؤال يبقى مطروحا وهو: من يستطيع أن يقود المعارضة المصرية في الوقت الحالي ومستقبلا؟ وأي الأحزاب والحركات السياسية الموجودة على الساحة حاليا قادر على منافسة الحزب الوطني الحاكم وفرض بعض القيود على قراراته؟

هذا الوضع المقلق عبرت عنه بشكل واضح نتائج انتخابات مجلس الشورى المصري التي جرت أول يونيو (حزيران) الحالي، وأسفرت عن نتيجة وصفها جل المراقبون بأنها «مخيبة للآمال»، فهي لم تكرس سلطة وسيطرة الحزب الوطني على الحياة السياسية في مصر فقط، بل إنها لم تفرز حتى مجرد معارضة لهذا الحزب، حيث جاءت النتيجة بسقوط مدوٍّ لجماعة الإخوان المسلمين التي لم تحصل على أي مقعد في المجلس، رغم أنها دخلت هذه الانتخابات بعدد كبير من المرشحين. في حين حصل الحزب الوطني الديمقراطي على (80) مقعدا من أصل 88 جرى الانتخاب عليها، وحصلت خمسة أحزاب هي «التجمع، الغد، الناصري، الجيل، والوفد» على خمسة مقاعد، بواقع مقعد واحد فقط لكل حزب، بينما فاز ثلاثة فقط من المستقلين. وهو ما فسره الكثير من المراقبين بأن النتيجة هي صفقة سياسية جرت بين الحزب الوطني وهذه الأحزاب يمنح بموجبها الوطني مقعدا لكل حزب من أجل أن يضيف ولو قليلا من الزخم للحياة السياسية ويكون قادرا على الدخول في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي تفرض على الأحزاب وجود عضو منتخب لها في البرلمان.

النائب في مجلس الشعب، رئيس حزب الكرامة تحت التأسيس، حمدين صباحي، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى في انتخابات الشورى هو «تزوير»، ولا ثقة في أي انتخابات قادمة ما دامت القواعد المعمول بها حاليا التي تفرز قوى غير معبرة عن الشعب لم تغير. مؤكدا أن نتيجة هذه القواعد أسفرت عن أن المعارضة الحقيقية غير ممثلة في النظام الحالي.

ووصف صباحي ما حدث في انتخابات مجلس الشورى بأنه «هندسة التزوير»، وأن فوز خمسة أحزاب كل منها بمقعد هو عبارة عن «ديكور ديمقراطي» يقوم به الحزب الوطني والنظام الحاكم من أجل الادعاء بأن هناك ديمقراطية في الحياة السياسية وأن هناك أحزاب معارضة ممثلة في البرلمان، غير أنها في الحقيقة لا تمثل المعارضة بل هي «معارضة تتبع النظام».

وعن رأيه في من يستطيع أن يمثل المعارضة في الفترة القادمة، أكد صباحي أن المعارضة الحقيقية موجودة في الحركات السياسية الجديدة مثل: كفاية، و6 أبريل، والجمعية الوطنية للتغيير، وغيرها فهؤلاء «هم أطراف حقيقيون يعبرون عن رأي الشارع ويتبنون برامج ورؤية واضحة، ويستطيعون الوقوف في وجه النظام، على عكس الأحزاب التي تدعي المعارضة وتتبنى أجندة تخدم النظام الحاكم، ثم تكافأ بمقاعد برلمانية». ورغم ذلك يرى صباحي أن كل فرد أو حزب له الحق في الادعاء بأنه معارض أو يتبنى الأجندة التي يراها صالحة، إلا أنه يجب اختبار ذلك على أرض الواقع.

ودعا صباحي القوى السياسية الحقيقية التي تدعي معارضتها للنظام إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة في حال عدم ضمان انتخابات نزيهة تفرز قوى حقيقية ممثلة للشعب، خاصة جماعة الإخوان المسلمين التي لها قوة تصويتية كبيرة في مجلس الشعب الحالي، وبالتالي فإن مقاطعتها سوف تسفر عن ضغوط سياسية قد تجبر النظام على تغيير مواقفه.

يشار إلى أن حزب الجبهة الديمقراطية، وهو أحدث الأحزاب المنضمة إلى الحياة الحزبية في مصر، حيث تأسس عام 2007، ويرأسه الدكتور أسامة الغزالي حرب، كان قد اتخذ قررا سابقا بمقاطعة أي انتخابات مقبلة ما لم يتم تعديل قوانين الانتخابات، ودعا الأحزاب وكل القوى السياسية المعارضة إلى عدم المشاركة في ما سماه «مسرحية انتخابية تنتهي إلى إعادة إنتاج نظام سياسي امتنع عن المشاركة فيه أكثر من 77% من الناخبين».

وتتوزع خريطة المعارضة المصرية حاليا ما بين 24 حزبا سياسيا رسميا، بعضها مجمد بسبب التنازع على رئاسة الحزب والخلافات الداخلية. بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي تعمل في إطار غير قانوني لذلك يطلق عليها «الجماعة المحظورة». في حين ظهرت مؤخرا جمعيات سياسية وحركات شبابية تنادي بإدخال إصلاحات دستورية وتدشين إجراءات ديمقراطية جديدة، أبرزها: حركات كفاية و6 أبريل وشايفينكم، ومؤخرا «الجمعية الوطنية من أجل التغيير» برئاسة المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، وغيرها من الحركات التي يقودها نشطاء سياسيون.

ورغم هزيمة جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشورى، فقد أكد د.عصام العريان، عضو مكتب إرشاد الجماعة والمتحدث الإعلامي باسمها، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإخوان» لا يعتمدون في وجودهم على مجرد تمثيلهم في المجالس البرلمانية، فهم موجودون في الشارع وبين المواطنين، لكن إذا سمح لهم بالدخول إلى هذه المجالس فهذا أمر جيد، وإذا لم يسمح فهم موجودون أيضا ومستمرون في دورهم ومعارضتهم. مشيرا إلى أن هذه النتيجة أثبتت أنه لم تعد هناك معارضة، وأن المعارضة الحقيقية هي التي لم يسمح لها بالمرور في الانتخابات، وهي مشكلة من جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من القوى الوطنية الحقيقية التي ترفض التزوير والتحالف مع الحزب الوطني في أي صفقات سياسية.

وهو الرأي الذي يتوافق مع وجهة نظر الدكتور عبد الحليم قنديل، المنسق العام لحركة كفاية، الذي أكد أنه لا يعترف بأي انتخابات تجرى في ظل التقييدات السائدة، وتحديدا منذ التعديل الدستوري الذي جرى عام 2007، وبالتالي لا يعترف بنتائجها، فالأمر لا يتعلق بأنها نزيهة أو يوجد بها تزوير، بل إن العملية بأكملها يمكن وصفها بأنها «فيلم كارتون».

ويوضح قنديل لـ«الشرق الأوسط» أنه من غير الصحيح وصف المعارضة الموجودة حاليا بأنها «معارضة افتراضية» تعمل من خلال شبكة الإنترنت والـ«فيس بوك»، مشيرا إلى أن هناك قوى معارضة حقيقية لها وجود في الشارع، ومن بينها مثلا جماعة الإخوان المسلمين، بصرف النظر عن مدى حب أو كره هذه الجماعة أو عن الانتماء إليها من عدمه، لكنها في الحقيقة هي التي تملك شعبية وأرضية حقيقية، لذلك تم إقصاؤها من مجلس الشورى وفقا لشعار «لا إخواني بعد اليوم» وسيتم ذلك أيضا في انتخابات مجلس الشعب المقبلة.

أما ما يسمى بأحزاب المعارضة الموجودة حاليا في مجلس الشورى بعد الانتخابات، فهي كما يرى معارضة بالتعيين، وفقا لصفقات سياسية معروفة، والأغرب أن معظم هذه الأحزاب بلا أي شعبية ولا وجود في الشارع.

ويرى قنديل أنه «إذا كان (الإخوان) هم من يمثلون المعارضة داخل الكيان الافتراضي للدولة ويحاولون العمل داخل مؤسساتها، فإن هناك قسما آخر من المعارضة يعمل خارج المجال الافتراضي للدولة ويتخذ من الشارع منطلقا له، وهو متمثل في الحركات السياسة الجديدة ككفاية و6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير. وهم ما يطلق عليهم مصطلح (المعارضة الافتراضية)، بالإضافة إلى الحركات العمالية التي تقوم بالاعتصامات والاحتجاجات مع المواطنين وفئات الشعب الغاضبين في الأزمات مثل أزمة المحامين الأخيرة، وهذه تضم فئات متنوعة من الشعب له خلفيات سياسية متنوعة. فهذه هي المعارضة الحقيقية، التي تخرج من الشعب وتعبر عن مشكلاته».

ورغم الحراك السياسي والنشاط الديمقراطي الذي أحدثته هذه الحركات السياسية، فإن هذه الحركات تشهد حاليا انقسامات متعددة وخلافات كبيرة بسبب تباين وجهات نظر المنضمين إليها واحتوائهم على الكثير من الأفكار، التي ربما تفرقها أكثر مما تجمعها. حيث نشب خلاف بين حركة كفاية والقيادي فيها جورج إسحق بسبب سفره لأميركا لحضور مؤتمر حقوقي هناك، واعتبر قياديون في الحركة ذلك استقواء بالخارج، كما تسبب السفر المتكرر لمحمد البرادعي خارج مصر في أزمة بين قيادات الجمعية الوطنية للتغيير، كادت تتفكك على أثرها الجمعية المولودة حديثا، وينسحب أهم أعضائها وأبرزهم الدكتور حسن نافعة المنسق العام للجمعية.

إلا أن قنديل رفض هذه الاتهامات، وأكد أن الحديث عن انقسامات أو اختلافات داخل صفوف هذه المعارضة لا يعني انهيارها أو تراجعها، فهذه المعارضة عمرها لا يزيد على 5 سنوات، بينما الحزب الحاكم عمره 30 سنة، وكذلك الأحزاب التي تعمل في كنفه التي يطلق عليها معارضة رسمية، وبالتالي لا يجب الحكم على هذه المعارضة «الحقيقية» بهذه السرعة، خاصة أنه يرى أنه لا أمل في الأحزاب الحالية لسبب بسيط وهو أنها إن خرجت عن سياق النظام فإن النظام لديه القدرة الكبيرة على محوها، معتبرا أن ما يحدث في حزب الوفد من انتخابات وتسليم ديمقراطي لرئاسة الحزب من محمود أباظة إلى السيد البدوي هو عبارة عن تغيير صوري فقط غير حقيقي أو واقعي، وأن الحزب سيصبح مثل غيره من الأحزاب.

لكن شاهندة مقلد، منسقة حركة مصريات مع التغيير، وهي جمعية جديدة أنشأتها مجموعة من السيدات الناشطات من أجل زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية، أكدت أن هذا العبث يرجع إلى أن القواعد المنظمة للممارسة السياسية في مصر لا يمكن أن تفرز معارضة حقيقية تعبر عن رأي الشعب ومطالبه، وإنما تفرز معارضة ضعيفة، والنتيجة أن الشعب لا يختار ممثليه في أي انتخابات، وإنما هي عملية تزوير تفرز نظاما ومعارضة غير حقيقيين.

وأشارت مقلد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن من يمثل الشعب المصري والمعارضة الحقيقية هم المعتصمون والمضربون من العمال والمحامين والمزارعين والحركات الشعبية الثائرة اليوم الذين يزداد يوميا سخطهم للنظام ويسعون إلى تغييره، وليس الأحزاب المُشكلة من أعلى التي وضع النظام أمامها العراقيل حتى تصبح غير قادرة على ممارسة العمل السياسي الصحيح على الرغم من وجود كفاءات صالحة فيها. لكنها تشدد على أن «دوام الحال من المحال»، و«سكوت الشعب لن يستمر طويلا وللأبد، وسيستجيب النظام لضغط هذه الحركات الشعبية».

هذه الآراء عبر عنها أحمد الدرملي، وهو أحد العمال المصريين الذين كانوا معتصمين على رصيف مجلس الشعب من أجل زيادة رواتبهم وتحسين ظروفهم المعيشية، بالقول «إنني لا أثق في أي من الأحزاب الموجودة حاليا، فحينما قررنا الاعتصام من أجل حقوقنا لم نجد أيا منها مساندا قويا لنا، في حين كانت المساندة الحقيقية من القوى المدنية والجمعيات الحقوقية والحركات السياسية الشابة الجديدة ولذلك ندعمها».

لكن الأحزاب الموجودة حاليا خاصة التاريخية منها كحزب الوفد وحزب التجمع والناصري، ترفض هذه الاتهامات، وتؤكد دائما أن الحياة السياسية في مصر محاصرة بقوانين مكبلة للعمل السياسي، والأحزاب ضحية لهذا الحصار، وبالتالي لا يجب إلقاء اللوم عليها وإنما على النظام الذي تعمل فيه. ولذلك طالب الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع المعارض، في مؤتمر للحزب أثناء انتخابات الشورى، بضرورة إدخال تعديلات دستورية من أجل تحقيق تكافؤ في الفرص، وضرورة إصدار قانون صارم يمنع الإنفاق والبذخ في العملية الانتخابية، قائلا «هذه أبسط قواعد الديمقراطية التي نطالب بها بشكل حقيقي، فإذا نجحنا في تعديل الدستور، فيعني هذا أن هناك تغييرا كبيرا سيحدث».

ومن جهته، أكد مشهور إبراهيم أحمد، وهو محلل سياسي، أن كلا من الأحزاب والحركات السياسية الموجودة في الشارع حاليا هي تمثل المعارضة، لكن لا يمكن تجاوزها أو وضعها جميعا في سلة واحدة، خاصة عند توجيه النقد إليها، مشيرا إلى أن أحزاب المعارضة تنقسم بطبيعتها إلى قسمين، أحزاب صغيرة، وهي لا تمارس دورها بشكل جيد فهي لا تسعى للوصول إلى السلطة في حين يفترض أن يكون هذا هو مطلبها الحقيقي، وبالتالي يتنافى ذلك مع طبيعة الأحزاب. وأحزاب كبيرة لها تاريخ وزعامات كبيرة، وهي غير قادرة على التحرك في الشارع وتعاني من تكبيل لحركتها، كما تعمل في ظل مناخ وأوضاع قانونية غير مشجعة.

وأشار مشهور إلى أنه يرفض المشاركة والتصويت في أي انتخابات أو الانضمام إلى أي من الأحزاب والحركات الموجودة، قائلا «ليس لدي مانع من الانضمام لأي من الأحزاب بشكل مطلق، لكن لا بد من تغيير الوضع الحالي، فجميع الأحزاب تعاني من مشكلات داخلية ونزاع على الرئاسة داخل الحزب، بالإضافة إلى أنها تعاني من صعوبة ممارسة نشاطها السياسي والاجتماعي في ظل القوانين الحالية. بينما الحركات الجديدة ما زالت طرق الانضمام إليها والخروج منها هلامية، فهي تعمل خارج النظام المؤسسي وبالتالي تعد كيانا غير موجود، رغم أنها أكثر فاعلية في التعبير عن المعارضة ومطالب الجماهير، وأكثر وجودا في الشارع».