عندما تتحول الكرة إلى لعبة في السياسة

نجوم السياسة يحرصون على مشاهدة مباريات الكرة بين الجماهير.. لاختبار شعبيتهم

الرئيس الأميركي باراك أوباما ونائبه جو بادين وإلى يمينهما الرئيس السابق بيل كلينتون في لقاء مع فريق كرة القدم الأميركي في البيت الأبيض، قبل توجهه إلى جنوب أفريقيا للمشاركة في كأس العام (رويترز)
TT

من باب خطف الأضواء والمحافظة على عرش النجومية، يتعاطى كثير من السياسيين مع كرة القدم، ليس فقط باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى في العالم، بل باعتبارها فرصة ذهبية للترويج السياسي واكتساب محبة الجماهير، خاصة إذا ما حالف فريقها الحظ، وحقق الانتصار على الخصوم. ويتحول الانتصار إلى ما يشبه الأسطورة، إذا توج بالفوز بكأس العالم؛ البطولة الأكبر، الذي يتجدد طقسها والحلم بها كل 4 سنوات.. ومن الباب نفسه وبطريقة عكسية، يتكئ بعض الرياضيين على شهرتهم كنجوم سابقين لكرة القدم، ويتخذون منها صكوكا للولوج إلى ساحة البرلمان وعالم السياسة، في محاولة للاحتفاظ بنجوميتهم، في مواقع بديلة. وبعيدا عن وجع الرأس وضغوط السياسة، بما تفرضه من توازنات القوى والرؤى والمصالح، يدخل السياسيون حلبة مباريات كرة القدم بروح رياضية، كثيرا ما يفتقدونها في زحمة عملهم. فالرياضة تصلح ما تفسده السياسة غالبا، كما أن كرة القدم لم تعد مجرد لعبة رياضية، بل دخلت في نسيج المجتمعات على شتى المستويات الثقافية والفنية والاقتصادية والسياحية، وازداد إيقاعها سخونة وجمالا ومتعة في عصر العولمة، والسماوات المفتوحة.. حيث أصبح بإمكانك أن تشاهد بطولاتها في أي بقعة من العالم بمجرد الضغط على زر في جهاز التلفاز، وأنت قابع في بيتك، مسترخٍ فوق السرير أو على الأريكة.

لكن كثيرا من نجوم السياسة لا يكتفون بحلول العولمة المريحة، ومشاهدة المباريات في المنزل أو في مكان العمل، بل يحرصون على مشاهدتها في أرض الملعب وسط الجماهير، حيث ينظر بعضهم إلى كرة القدم باعتبارها ساحة حية للممارسة الديمقراطية والعمل السياسي تتجدد فيها صناديق الاقتراع بشكل غير مباشر من مباراة إلى أخرى، ومن فريق إلى آخر، ومن بطولة هنا إلى أخرى هناك.

لذلك لم يكن غريبا أن نشاهد الكثير من الرؤساء والزعماء ومشاهير السياسيين في العالم يشاهدون مباريات فرقهم في أرض الملعب وبين صفوف الجماهير في مونديال 2010 الذي تشهد فصوله حاليا جنوب أفريقيا.. فصورة الزعيم السياسي بين جماهير كرة القدم في الملعب لها وقع السحر، فهم يشعرون بأنه معهم، يشاركهم انفعالاتهم، وهتافهم وصياحهم.. ومع حالة النصر وتكرار المشهد تتحول هذه الصورة إلى تميمة للتفاؤل والحظ الحسن، حسبما يشير بحث اجتماعي، لافتا إلى أن السياسي يعتبر وجوده وسط جماهير كرة القدم بمثابة اختبار لشعبيته وتوسيع لها في الوقت نفسه. كما أنه يدرك أن هذا الوجود يضيف أبعادا حيوية وواقعية إلى صورته كزعيم سياسي.

من هذا المنطلق، يؤكد أحمد جمال مسؤول العلاقات العامة بأحد النوادي الرياضية الكبرى في القاهرة على أهمية العلاقة بين الرياضة والسياسة، ويقول: «الوجود الرياضي مهم بالنسبة للسياسي، وأيضا بالنسبة للرياضي، فالرياضة والسياسة كلتاهما مسرح للجماهير، ومن دون هذا المسرح يفقدان بريقهما. لذلك نجد رياضيين يحترفون العمل السياسي بعد اعتزالهم العمل الرياضي، ويحققون نجاحا ونجومية لا تقل عن نجوميتهم كلاعبين سابقين، الأمر نفسه بالنسبة للسياسي، فهو يتوكأ على عصا الرياضي للاحتفاظ بنجوميته السياسية». ويذكر جمال أنه تحت هذه المظلة كان الدعم القوي من الزعيم سعد زغلول للنادي الأهلي المصري كناد وطني مستقل في طور نشأته في مطلع القرن الماضي، وفي مواجهة «النادي المختلط» الذي سيطر على إدارته آنذاك الإنجليز إبان فترة احتلالهم لمصر، كما أن بعض السياسيين في العالم فطنوا إلى أهمية استغلال الرياضة في الاحتفاظ بشعبيتهم، فسعوا إلى تأسيس نواد رياضية، مثل رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني الذي يمتلك نادي إيه سي ميلان. وفي مصر أنشا الزعيم مصطفى كامل ناديا رياضيا باسم نادي المدارس العليا، لكنه انفض تحت وطأة محاربة الإنجليز له، ومع ذلك شكل أعضاؤه النواة الأولى للنادي الأهلي.

ويعتبر جمال النوادي الرياضية في مصر بمثابة برلمانات كبيرة، فهي تضم كل الأطياف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في المجتمع، لذلك تشكل تربة صالحة للانطلاق منها سياسيا، وتحقيق نجومية في هذا المجال. وعلى ذلك، حينما أُعلنت النتائج الرسمية لانتخابات مجلس الشعب المصري (الغرفة الأولى بالبرلمان) عام 2005، لم يلتفت أحد من المراقبين لفوز حارس مرمى منتخب مصر ولاعب النادي الأهلي السابق أحمد شوبير بالمقعد عن دائرة طنطا، صحيح أن الأمر بدا غير مألوف لكنه لم يشكل ظاهرة، وقد ترافق وصول شوبير إلى قبة البرلمان الشهيرة، مع توالي أنباء فوز مرشحي جماعة الإخوان المسلمين أكبر فصائل المعارضة المصرية بمقاعد المجلس، مما أثار دويا هائلا في الشارع السياسي المصري، خاصة مع حصولهم في المرحلتين الأولى والثانية من تلك الانتخابات على 88 مقعدا. لكن ما حدث لم يكن فوز لاعب كرة قدم سابق بمقعد في البرلمان، فقد شهدت الانتخابات نفسها تقدم حسام حسن عميد الكرة المصرية مهاجم منتخب مصر الذي كان حينها (عام 2005) قائد فريق النادي المصري البورسعيدي بأوراق ترشيحه رسميا لانتخابات مجلس الشعب عن دائرة حلوان كمرشح مستقل، ليسجل تاريخيا أنه أول لاعب كرة قدم يخوض الانتخابات التشريعية، قبل أن يعلن انسحابه رسميا من المنافسة.

لكن حسن كان واحدا من ضمن ثماني شخصيات من الوسط الرياضي أعلنت عن رغبتها في خوضها انتخابات المجلس في ذلك العام. فقد تقدم لخوض تلك الانتخابات كل من مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك السابق، وسيد متولي رئيس النادي المصري الراحل، وعبد الوهاب قوطة رئيس النادي المصري الأسبق، والدكتور كمال درويش رئيس نادي الزمالك الأسبق، وعادل هيكل حارس مرمى الأهلي والمنتخب الأسبق، وسيد جوهر نائب رئيس نادي الترسانة السابق، بالإضافة لأحمد شوبير.

في العام نفسه (2005) كانت دور العرض السينمائي في مصر تعرض الكوميديا السياسية الساخرة «ليلة سقوط بغداد»، حيث قدم مخرج ومؤلف الفيلم محمد أمين شخصية الأستاذ شاكر، مدير إحدى مدارس القاهرة، الذي أخذ على عاتقه التوصل إلى فكرة «سلاح ردع» بعد أن هالته المشاهد الآتية من بغداد منذ سقوطها على يد قوات التحالف الدولية. واختار لهذه المهمة أحد تلامذته السابقين. وقد منح الأستاذ شاكر تلميذه هذا شريط فيديو يحمل بحسب تقديره أهم لحظات المجد في تاريخ مصر منذ ما بعد نصر أكتوبر (تشرين الأول) 1973، لرفع معنوياته إن مر بعثرة هنا أو هناك في رحلة بحثه. وحين أتت هذه اللحظة استعد الشاب لمشاهدة شريط الفيديو.

ضجة قاعة العرض بالضحك في اللحظة التي كشفت عن المشهد الوحيد الذي ضمه ذاك الشريط، هدف مصر الوحيد في كأس العالم 1990 الذي أحرزه مجدي عبد الغني لاعب المنتخب السابق ونجم النادي الأهلي الذي قرر الانخراط في العمل السياسي والخدمي (الذي سيعلن عام 2010 رغبته في الترشح للبرلمان على قائمة الحزب الوطني). على هذا النحو الساخر لخّص الفيلم المكانة التي شكلتها كرة القدم في حياة المصريين، الأمر الذي سمح لاحقا بالحديث عما سمي في حينها بـ«روح 2006» للتدليل عن ميلاد حالة من الانتماء ترافقت مع تنظيم مصر لنهائيات كأس الأمم الأفريقية وحصولها على لقبها، قبل أن تضم إليه لقب البطولة نفسها عامي 2008 ثم 2010.

ونعلم الآن أن عددا من لاعبي كرة القدم يفكر، على الأقل، فبعضهم حسم أمره بالفعل، في الترشح بعد ثلاثة أشهر، في انتخابات مجلس الشعب المقرر لها أكتوبر المقبل، منهم النجم أحمد حسن الذي أصبح عميد الكرة المصرية وقائد المنتخب الوطني ونجم النادي الأهلي، الذي يفكر في الاعتزال والترشح عن دائرة مغاغة بمحافظة المنيا (جنوب القاهرة)، وشوقي غريب مدرب المنتخب الوطني، وكذلك مشير حنفي لاعب الأهلي السابق الذي يرغب في الترشح عن دائرة شبرا الخيمة التي سبق وخاض عنها انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وحازم إمام نجم نادي الزمالك السابق وعضو مجلس إدارته، عن دائرة الجيزة، بالإضافة لمجدي عبد الغني عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم الذي سيترشح عن دائرة روض الفرج. ربما لا يكفي رغبة لاعبي كرة القدم في الحصول على الحصانة التي تمنحها عضوية المجلس لتفسير تسابقهم للوصول إلى قبة البرلمان، فهذه الحصانة أثبتت التجربة أنها لم تكن درعا كافيا حتى بالنسبة لرجالات الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، فقد شهدت الدورة الأخيرة سقوط هذه الحصانة عن عدد من النواب أبرزهم رجلا الأعمال هشام طلعت مصطفى وهاني سرور.. ناهيك عن أحمد شوبير الذي دخل في صراع مرير مع رئيس نادي الزمالك السابق مرتضى منصور ليتم التحقيق مع شوبير أكثر من مرة ويصدر حكم قضائي بوقف برامجه الرياضية، على إحدى القنوات المصرية الخاصة.

التفسير الذي يقدمه الناشط السياسي أحمد بهاء يرتكز على فكرة أساسية هي «عجز الحزب الحاكم عن خلق كوادر حقيقية لأنه لا يملك ببساطة قواعد حزبية تتفاعل مع هموم الجماهير، هذا العجز لا بد من تجاوزه بالاتكاء على شعبية لاعب الكرة وجماهيريته التي حققها في الملاعب، خاصة أن المصريين شعب مولع كبقية الشعوب بكرة القدم».

يضيف بهاء: «لكن باقي الشعوب، على الأقل التي تملك رصيدا في الممارسة الديمقراطية، لا تعاني من ضعف الوعي السياسي وغياب الكوادر، وبالتالي لا تلجأ لمثل هذا الخلط».. وإذا ما أضيفت إلى هذه الأسباب الطبيعة الخدمية لنائب الشعب التي تبعده تماما عن جوهر دوره التشريعي يصبح مفهوما السبب وراء انتشار هذه الظاهرة، بحسب بهاء. يحمل أحمد عبد العزيز (25 عاما) وجهة نظر مختلفة تماما، فهو لا يرى عيبا في استقطاب السياسة لنجوم الرياضة بشكل عام وكرة القدم على وجه الخصوص، قائلا: «إن لاعب كرة القدم يعرف أكثر من غيره قيمة الجمهور في حياته، فهو يدرك تماما أن العطاء وحده القادر على أن يبقيه في منزلة بعينها، نجم الكرة يملك رادارا شديد الحساسية تجاه شعبيته ويعلم أن الثواب والعقاب في الملاعب فوري وأن بذل الجهد هو المعيار الوحيد».

يضيف عبد العزيز: «كرة القدم لا تحتاج لصناديق انتخابات ولا فرز أصوات، فهي أصدق ممارسة ديمقراطية في بلادنا»، ولا يعول عبد العزيز على تجربة النائب أحمد شوبير، التي مرت بعثرات اعتبرها عبد العزيز خارج سياق العمل البرلماني، وتابع بقوله: «خلافات شوبير كانت شخصية ونوعا من تصفية حسابات لا علاقة لها بعضويته في مجلس الشعب كما أنها تجربة واحدة لا يمكن القياس عليها فقط».

لا تخلو وجهة نظر عبد العزيز من منطق، يؤكده الاستقطاب الذي يحدث من وقت لآخر بين عالم كرة القدم وعالم السينما في مصر.. فقد شهدت السينما المصرية حالات مشابهة باستقطابها عددا من مشاهير اللاعبين منهم الراحل صالح سليم رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي السابق وأسطورة الملاعب المصرية الذي قدم للسينما تجربتين، ورغم جماهيريته الطاغية لم يكتب له النجاح.

التجربة ذاتها خاضها حارس مرمى النادي الأهلي إكرامي ونجم الزمالك جمال عبد الحميد، قبل أن يدرك منتجو الأفلام في مصر أن جماهيرية اللاعب وحدها لا تكفي لنجاحه في ميادين أخرى. لا يختلف وليد عبد الحميد (30 عاما) واحد من أبناء دائرة أحمد شوبير، مع هذا التفسير، ويدلل بإنجازات نائبه أحمد شوبير بقوله: «عمل حاجات كتير للبلد، نقل سجن طنطا وردم الجزء المتبقي من ترعة الشباب بعدما تحولت إلى مزرعة للأمراض، وألغى قرارات هدم المحلات المجاورة للسيد البدوي (أشهر مساجد المحافظة الذي يعد مزارا للمصريين) وعمل مركزا لغسيل الكلى.. حاجات كتيرة».

على هذا النحو يفسر مشير حنفي لاعب الأهلي السابق رغبته في الترشح لعضوية البرلمان، ويقول: «المصريون بطبيعتهم شعب مثقف سياسيا، واللاعبون غير بعيدين عن طبيعة هذا الشعب بل هم جزء منه ومن حقهم الاهتمام بالسياسة».. ويشير حنفي إلى أن «هناك نماذج كثيرة من نجوم عالم كرة القدم لهم تجارب سياسية مثل جورج وايا». (لاعب كرة قدم من ليبيريا كان أول لاعب كرة قدم يتم اختياره كأحسن لاعب من قبل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والاتحاد الدولي، لكن طموحات جورج وايا كانت أكبر من مقعد بالبرلمان لقد ترشح على مقعد الرئاسة في بلاده). من جهته، اعتبر أمين إسكندر وكيل مؤسسي حزب الكرامة المعارض (تحت التأسيس) أن الأمر يرتبط بتنامي دور الدولة وطغيان هذا الدور بحيث أصبحت من يعطي ويمنع، «صحيح أن لهؤلاء اللاعبين جماهيرية كبيرة لكن، الحزب الوطني والنظام عموما في مصر لا يراهن كثيرا على الجماهيرية فالانتخابات لها في بلادنا حسابات مختلفة ليس من بينها صناديق الاقتراع».

ويتابع إسكندر: «الأمر لم يعد يتعلق بلاعب كرة هنا أو هناك، ولا حتى نجوم الفن، لقد أصبحت أحزاب المعارضة جزءا من هذه اللعبة السخيفة وغدت تنتظر أن ينعم عليها الحزب الوطني بمنحها مقعدا هنا أو هناك، فلا فرق بين أحزاب المعارضة - على الأقل بعضها - ولاعبي كرة القدم، فكلاهما في انتظار إرادة الحزب الحاكم مع الأسف».

ورغم اختلاف المنطلقات بين إسكندر والنائب أحمد شوبير، فإن الأخير يقدم وصفة النجاح في الانتخابات البرلمانية في حوار له مع إحدى الصحف المصرية، قائلا: «إنه طموح مشروع ومن حقهم ولكن أنصحهم بعدم خوض الانتخابات إذا لم يأت بهم الوطني على قوائمه».

وأضاف شوبير قائلا: «الذي يري في نفسه أنه يملك القدرة على خدمة بلده ودائرته فأهلا به، ومن يقرر منهم أنه يخوض الانتخابات لمجرد أنه نجم كرة فسوف يخسر». يتفق مجدي عبد الغني مع تصور شوبير، لكنه يؤكد أنه أول من أكد ضرورة الترشح من خلال الحزب الوطني، لكنه برر ذلك بالتزامه الحزبي، وقال: «علينا أن نكون أول من يلتزم، لقد كنا دائما قدوة بالنسبة للجماهير وعلينا أن نواصل في هذا الاتجاه».

لكن عن السبب الذي دفعه لخوض الانتخابات، أكد عبد الغني أن لاعب الكرة لا يمكنه الوصول إلى تحقيق نجومية في عالم كرة القدم إلا عبر احتكاكه بالناس، هذا الاحتكاك يراه سببا كافيا لقدرته على الإحساس بهموم الناس وآمالهم.. يقول: «المسألة ليست في اهتمام لاعبي الكرة بالمشاركة في الحياة السياسية فهذا واجب كل مصري». ويظهر عبد الغني إلماما بالإشكاليات والقضايا المطروحة على الساحة ويحاجج المعارضة المصرية بقوله: «إن أساس نزاهة الانتخابات البرلمانية يعتمد على وعي الناس ورغبتهم في المشاركة الفاعلة وليس في إشراف قضائي كامل على الانتخابات»، لكنه يرى أن هذا الوعي لم يكتمل بعد، وهنا تأتي أهمية مشاركة الشخصيات العامة في الحياة السياسية فهي بحسب تصوره أقرب إلى الجماهير وقادرة على التواصل معها.

لقد ظل الاعتقاد الشائع عن اعتماد «النظام الرأسمالي» على لعبة كرة القدم من أجل صرف أنظار الناس عن هموم الواقع الاجتماعي، أساس التفكير في العلاقة بين كرة القدم والسياسة، وهو ما أكده تيم إيغلتون، أحد أبرز المفكرين اليساريين الماركسيين في بريطانيا، بحسب مقال سعيد ميحو، المنشور في صحيفة «الخليج» الإماراتية، بقوله: «لو أن كل مركز أبحاث خرج بخطة لصرف أنظار الشعب عن الظلم السياسي وتعويضه عن حياة الأشغال الشاقة التي يعيشها، فإن الحل لدى كل من هذه المراكز لن يخرج عن كونه واحدا: كرة القدم».

إذ يرى إيغلتون أن كرة القدم تجعل الناس يعتقدون أنهم سيحصلون على ما حرمتهم منه الرأسمالية: التضامن الاجتماعي، التوازن بين العبقرية الفردية وعمل الفريق، وبين التنافس والتعاون، وإطلاق الغرائز الصاخبة في شكل ولاء أعمى للفريق الوطني والعلم الوطني والنشيد الوطني.

كما توحي كرة القدم لكل فرد من الأنصار بأنه بات خبيرا في شؤون الاستراتيجيات الرياضية ومشاركا في بطولات كبار لاعبيها، لمجرد أنه يقفز من مقعده ليطلب من هؤلاء الأخيرين الهجوم أو التسديد أو تمرير الكرة.

وبصورة أخرى يتفق أحمد طه (ناقد ومحلل رياضي) مع رأي إيغلتون، مشيرا إلى أن تركيبة النوادي المصرية تشكل عجينة خاصة ومهمة لاختبار مسارات العملية الديمقراطية في المجتمع. ويلفت طه هنا إلى المعركة الانتخابية على رئاسة النوادي، مشيرا إلى أنها تشكل بكل تداعياتها بروفة على شكل الانتخابات العامة في المجتمع، سواء كانت نيابية أو رئاسية، أو نقابية. ويرى طه أن انتخابات النوادي الرياضية برغم حدة صراعاتها تمتاز بقدر كبير من الشفافية، ويصعب التزوير فيها، لأن الأعضاء يعرفون جيدا من سينتخبون، ويقدرون مدى صدقية ما يرفعونه من شعارات وما يوعدون بتحقيقه في البرامج الانتخابية.. لذلك ـ بحسب طه ـ تعد هذه الانتخابات مدخلا حقيقيا لتطبيق الديمقراطية في المجتمع.

وحول صورة الرياضي سابقا في عباءة السياسي حاليا، يقول طه: «نجوم الرياضة أصحاب خبرة في التعامل مع الجماهير، وهي خبرة حية، ترتبط بالمتعة، وصناعة الفرح والبهجة، لذلك هم مؤهلون على المستوى النفسي لتجديد هذا الخبرة، وصناعة الفرح بإيقاع جديد في أدوار أخرى يلعبونها في الحياة.. وفي حياتنا السياسية نحن في أمس الحاجة إلى الروح الرياضية، لكي نتحاور بشكل صحيح، وتكون لدينا قدوة نحتذي بها، ونتعلم منها كيف نحيا بشكل أفضل».