الإرهاب الهندوسي

الأهداف الكبرى طويلة الأمد تجاوزت استهداف المسلمين بكثير.. إلى الإطاحة بالدولة الهندية

TT

اكتسبت واحدة من أشهر العبارات وأكثرها شيوعا من حيث الاستخدام حاليا، وهي «الإرهاب الإسلامي»، شقيقة جديدة هي «الإرهاب الهندوسي».

وقد أثارت هذه الظاهرة الأخيرة قلقا بالغا في الهند التي تواجه واقعا مؤلما من «الإرهاب الهندوسي» أطل بوجهه الكئيب في وقت يعكف فيه محققون هنود على تقصي الكثير من أعمال العنف التي استهدفت مسلمين بمناطق مختلفة من البلاد على مدار السنوات القليلة الماضية. ورغم رفض الهند التصريح باسم الظاهرة، كشفت أعمال العنف الأخيرة أن جماعة هندوسية إرهابية خططت لقتل حميد أنصاري، نائب الرئيس، وتآمرت لإقامة شبكة سرية لقتل المسلمين.

في أواخر عام 2002، بدأت تظهر دلائل على أن جماعات هندوسية تسعى لامتلاك قدرات إرهابية. في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، عثر على متفجرات بدائية الصنع في محطة السكك الحديدية في مدينة بهوبال، ومن الواضح أنها كانت تستهدف المسلمين الوافدين إلى المدينة للمشاركة في تجمع ديني. وبعد عام، عثر على قنبلة أخرى في ضواحي بهوبال، في اليوم الأخير من التجمع الديني السنوي لجماعة «التبليغ» الدينية المسلمة. وقد صنعت القنبلتان من نتروغليسرين يباع تجاريا، ومحشور داخل ماسورة يبلغ طولها أربع بوصات. وكانت العبوة الناسفة مرتبطة بجهاز تفجير يجري التحكم فيه عبر ساعة زمنية وهاتف نقال. إلا أن معظم مسؤولي الاستخبارات الهندية لم يروا في هذه النشاطات خطرا حقيقيا بالنظر إلى أن جميع العبوات الناسفة كانت ضئيلة الخطورة.

بدءا من عام 2006، توافرت مزيد من الأدلة حول سعي جماعات إرهابية هندوسية لتعزيز قدراتها الفتاكة. وفي أعقاب وقوع تفجير عام 2008 داخل مدينة ماليغاون في ولاية ماهاراشترا الغربية بدأ يجري استخدام مصطلح «الإرهاب الهندوسي» أو «الإرهاب الزعفراني» على نطاق واسع. ويرجع ذلك إلى إلقاء فرقة مكافحة الإرهاب في الشرطة الهندية القبض على 10 من الهندوس في أعقاب التفجيرات، وإعلانها أن التحقيقات أكدت ضلوع جماعات هندوسية إرهابية فيها.

تولى قيادة التحقيق هيمانت كاركاري، رئيس فرقة مكافحة الإرهاب في ماهاراشترا، الذي قتل فيما بعد مساء 26 نوفمبر (تشرين الثاني) في تفجيرات مومباي الدموية. ووجه التحقيق أصابع الاتهام إلى «أبهيناف بهارات»، وهي منظمة تنتمي إلى التيار اليميني المتطرف تأسست عام 2005 - 2006، وتورط أعضاؤها في ظاهرة الإرهاب الهندوسي المفزعة.

تستقي «أبهيناف بهارات» اسمها من جماعة إرهابية تكونت على يد نشطاء هندوس عام 1904 لمحاربة بريطانيا الاستعمارية. وجرى تعيين هيماني سافاركار، ابنة شقيق فيناياك دامودا سافاركار، مؤسس الحركة الهندوسية، وهي أيضا من أقارب ناثورام غودز، الذي اغتال غاندي، رئيسة للمنظمة. وفرت ماليغاون عام 2008 فرصة ثمينة لمراجعة دور الجماعات الهندوسية. وأسفرت التحقيقات عن إلقاء القبض على براغيا سنغ ثاكور، كاهنة هندوسية، التي جرى استخدام الدراجة البخارية الخاصة بها في تفجير العبوة الناسفة، بجانب 13 آخرين، بينهم داياناند باندي وليفتنانت كولونيل براساد شريكانت بوروهيت، من الجيش الهندي، وهو أول عسكري على الإطلاق يتهم في هذا الإطار.

خلال التحقيقات، كشف المسؤول العسكري أنه قدم مادة «آر دي إكس» لاستخدامها في تنفيذ تفجيرين آخرين ضد مسلمين، لكن تلقت فرقة مكافحة الإرهاب طلبا بعدم الكشف عن هذه المعلومات مع إلقاء شرطة حيدر آباد القبض على مجموعة إرهابية مقرها بنغلاديش تدعى «حركة الجهاد الإسلامي».

في تعليقه على هذا الأمر، قال السياسي البارز ديغفيجاي سنغ، هندوسي «سادت دوما فكرة أن الهندوس أناس وديعون مسالمون يمقتون العنف، وأن الهند أرض الوحدة والتنوع، وأن الإرهاب يقع دوما من جانب المسلمين. تلك كانت النماذج النمطية التي عايشناها وأعمت عيوننا عن حقيقة آخذة في التكشف يوما بعد آخر. لكن أعمال العنف التي اقترفتها بعض الجماعات الهندوسية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك وجود ظاهرة بالفعل يمكن وصفها بـ(الإرهاب الهندوسي) يتعين تناولها بجدية لحماية الهيكل العلماني للهند».

وتعد بعض أكبر الهجمات التي نفذتها جماعات هندوسية انعكاسا واضحا لأي مدى يمكن أن تصبح هذه الجماعات دموية حال عدم كبح جماحها. وتضمنت الهجمات تفجيرات لعبوات ناسفة في ماليغاون في 8 سبتمبر (أيلول) 2006، مما خلف 37 قتيلا. ورغم أن إجراءات إلقاء القبض التي وقعت فور وقوع الهجمات شملت بعض الشباب المسلم، فإن الشكوك تتركز حاليا على جماعات هندوسية.

في 18 فبراير (شباط) 2007، وقعت تفجيرات في قطار «سامجهوتا إكسبريس»، مما خلف 68 قتيلا، معظمهم من الباكستانيين. ووقع تفجير مسجد مكة في 18 مايو (أيار) 2007. وشملت عمليات إلقاء القبض الأولى قرابة 80 مسلما احتجزوا للتحقيق معهم، بجانب احتجاز 25 آخرين. إلا أن الكثيرين من هؤلاء أخلي سبيلهم الآن. ومرة أخرى، اتضح أن منفذي التفجير متطرفين هندوس.

في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2007، وقع تفجير في أمجير شريف خلف 3 قتلى. ومن جديد، ألقي القبض في البداية على مسلمين ووجهت الاتهامات إلى جماعتي «حركة الجهاد الإسلامي» و«عسكر طيبة». هذا العام، ألقى المحققون القبض على ثلاثة متطرفين هندوس.

في 16 أكتوبر 2009، وقعت تفجيرات غوا، مما أسفر عن مقتل اثنين. ووجهت الاتهامات إلى اثنين ينتميان إلى جماعة «ساناتان سانسثا». وجرى تنفيذ التفجير عبر زلاجة «سكوتر» مفخخة انفجرت عن غير قصد. وكان من شأن هذه التفجيرات وعمليات إلقاء القبض التي أعقبتها خلق وعي على نطاق واسع بشأن هذه الجماعات الهندوسية المتطرفة، التي تعمل بمثابة تروس من داخل تروس وتعمد في هدوء إلى تعبئة الهندوس للقيام بثورة دينية.

وسلطت التحقيقات الضوء على نحو مثير للقلق على الخطة الكبرى التي وضعتها «أبهيناف بهارات» والجماعات الأخرى التابعة لها. وقد عمدت هذه الجماعات إلى الاتصال ببعضها بعضا للتخطيط «للانتقام من التفجيرات التي نالت أضرحة هندوسية»، ونفذت بالفعل سلسلة من التفجيرات ترمي لتحقيق هدف أكبر يتمثل في إقامة «دولة هندوسية منفصلة».

إلا أن الأهداف الكبرى لـ«أبهيناف بهارات» طويلة الأمد تجاوزت استهداف المسلمين بكثير، حيث يسعى أعضاء الجماعة للإطاحة بالدولة الهندية واستبدال نظام ديني استبدادي بها. وتتحدث «مسودة دستور» وضعتها الجماعة عن نظام يقوم على حزب واحد يترأسه زعيم «يجري اتباعه على جميع المستويات من دون التشكيك في سلطته». ودعت المسودة إلى إنشاء «أكاديمية للتلقين الفكري». أما التعليق الختامي الوارد بمسودة الدستور فكان صادما «الأفراد الذين تضر أفكارهم بهندو راشترا ينبغي قتلهم».