النساء في مواجهة الرجال

يحتكر الرجال شركات التكنولوجيا.. والنساء ينافسن عمليا ولا ينافسن نفسيا

TT

فازت كارلي فيورينا للترشح سيناتورة باسم الحزب الجمهوري للكونغرس من ولاية كاليفورنيا، في الانتخابات التمهيدية التي جرت قبل بضعة أسابيع. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عندما تجرى الانتخابات العامة، ربما ستفوز على باربرا بوكس، السيناتور الديمقراطية التي ظلت تمثل كاليفورنيا لثماني سنوات.

فازت فيورينا، أو لم تفز، صارت فيورينا أحسن مثال لصعود، ثم هبوط، امرأة أميركية على سلم قيادة شركة أميركية عالمية عملاقة، وخاصة شركة إلكترونية «هيوليت باكارد إتش بي».

وربما أيضا، ستصير أحسن مثال لتحول من سيدة أعمال إلى سيدة سياسة. فازت فيورينا على رجلين صرفا أموالا كثيرة في الحملة الانتخابية. وبفضل عشرين مليون دولار، مكافأتها بعد أن فصلتها شركة «إتش بي»، نافست الرجلين في الإمكانيات المالية. بعد أن جمعت تبرعات زادت على تبرعاتهما، صرفت ستة ملايين دولار من مالها الخاص.

وفي الانتخابات التمهيدية تلك، وفي ولاية كاليفورنيا نفسها، وباسم الحزب الجمهوري نفسه، فازت ميغان ويتمان للترشح حاكمة لولاية كاليفورنيا (لتخلف السياسي والممثل السينمائي أرنولد شواترتزنيغار). لم تصعد ويتمان إلى قمة شركة كومبيوتر عالمية مثل فيورينا. لكنها صعدت إلى قمة شركة إنترنت عالمية «إي باي» التي تبيع وتشتري كل شيء بالإنترنت، من موس حلاقة إلى آثار تاريخية يونانية. وإذا كانت فيورينا صرفت ستة ملايين دولار من مالها الخاص، فقد صرفت ويتمان سبعين مليون دولار من مالها الخاص.

هل هذا نجاح أو فشل لنساء صعدن إلى قمة شركات الكومبيوتر والإنترنت؟ هل يهون كل شيء في سبيل الصعود (لأن مشكلات أخلاقية واجهت المرأتين)؟ هل يعني هذا تحطم «غلاس سيلينغ» (السقف الزجاجي) الذي ظل يمنع المرأة من الصعود إلى قمة شركات عالمية، وخاصة في المجال الإلكتروني؟ أم هل لا يزال السقف الزجاجي قائما، بالنسبة للنساء وللسود وللسمر، أمام سيطرة قوية لرجال بيض على قمة الشركات العالمية؟

للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، أسست نيكي غلمور شركة وصارت رئيسة لها «غلاس هامر» (مطرقة الزجاج) أي تكسير الزجاج، أي الزجاج الذي يمنع المرأة من الصعود إلى قمة الشركات الإلكترونية وغير الإلكترونية. وفي إجابة عن أسئلة من «الشرق الأوسط»، قالت: «لنبدأ من نقطة بسيطة، يجب على المرأة التي تريد أن تصل إلى قمة السلم التكنولوجي أن تظل على السلم. وألا تتركه، وتذهب إلى سلم آخر، ثم تعود إليه، ويكون دورها قد فاتها، وسبقها غيرها نحو قمة السلم. أنا لا أتحدث عن وظيفة رئيسة مكتب أو قسم، ولكن عن رئاسة شركة عملاقة، أو عضوية مجلس إدارة شركة عملاقة».

في السنة الماضية، أصدر معهد «وومان أند تكنولوجي» (النساء والتكنولوجيا) في ولاية كاليفورنيا، تقريرا جاء فيه: «داخل شركات إلكترونية عملاقة كثيرة، يزيد عدد المديرات في قسم التكنولوجيا على عدد الرجال. لكن، يتفوق الرجال في الوصول إلى رئاسات هذه الشركات».

وإذا كانت نيكي غلمور أسست شركة «غلاس هامر»، وصارت رئيسة تنفيذية لها، فقد أسست معهد النساء والتكنولوجيا، أنيتا بورغ، وصارت رئيسة تنفيذية له. لكن، لم يكن هذا المنصب جديدا على أنيتا بورغ. قبل ذلك، كانت رئيسة تنفيذية لشركة إنترنت عملاقة «سيسترز سيستم» (نظام الأخوات). وكانت من أوائل الأميركيات اللائي حصلن على دكتواره في الكومبيوتر (سنة 1980).

في وقت لاحق، تغير اسم المعهد إلى «معهد أنيتا بورغ للنساء والتكنولوجيا».

ومؤخرا، نشر المعهد إحصائيات أوضحت أن 37 في المائة من المديرات التكنولوجيات يصلن إلى رئاسات شركاتهن، مقابل 20 في المائة من الرجال. لكن، يصل إلى رئاسات الشركات 80 في المائة من الرجال في كل أقسام الشركة، مقابل 60 في المائة من النساء.

في جانب، تبدو هذه الأرقام إيجابية بالنسبة للنساء. وفي جانب آخر، يوجد فرق بين كلمة «مدير تنفيذي» و«مدير مشروع». ويعنى هذا أن النساء أكثر من الرجال في إدارة مشاريع تكنولوجية. لكن الرجال أكثر من النساء في إدارة الشركة بكل أقسامها.

لكن الحديث عن منافسة النساء للرجال في رئاسة شركات إلكترونية (وغير إلكترونية) عملاقة يجب ألا يكون فقط عن المنافسة بين الجانبين. وعن عددهن هنا، وعددهم هناك. وذلك لأن أبحاثا أكاديمية أثبتت أن الاختلافات بين طريقة تفكير المرأة وطريقة تفكير الرجل تلعب دورا كبيرا. ليس لأن تفكير النساء أحسن أو أسوأ من تفكير الرجال، ولكن لأنه مختلف.

وعن هذه النقطة، قال تقرير معهد أنيتا بورغ: «أهم من المنافسة، الاستعداد للمنافسة».

وكان المعهد أجرى دراسة نفسية سأل فيها الرجال والنساء في قيادة أقسام الشركات وقيادة الشركات عن رأيهم في أنفسهم، وخاصة إذا كانوا يعتبرون أنفسهم «مبدعين»؟ وفوجئ المعهد (أو ربما لم يفاجأ لأنه معهد نسائي) بأن 60 في المائة من الرجال في مناصب كبيرة في شركاتهم قالوا إنهم «مبدعون» و«مخترعون»، بينما قالت ذلك نسبة 38 فقط من النساء.

وقال التقرير: «يوجد اعتقاد وسط الرجال والنساء بأن الإبداع والابتكار خاصة رجالية».

وعلقت نيكي غلمور لـ«الشرق الأوسط» على هذا التقرير، وقالت إن هناك ثلاثة أسباب لا تشجع النساء على الإبداع والابتكار في المجال التكنولوجي:

أولا: يجعل المجتمع الناس يعتقدون أن «تكنولوجيا» عبارة رجالية.

ثانيا: تقل أهمية المرأة في مكان عملها لاعتقاد عام بأنها لا تقدر على العمل متفرغة لسنوات كثيرة.

ثالثا: لا تتحمس الشركات لتقديم دعم وتأييد للمرأة (من دون أن تجعلها تحس أنها أقل من الرجل).

قبل ثلاث سنوات، وفي كتاب مذكراتها «خيارات صعبة»، كتبت فيورينا أنها عندما اختيرت رئيسة لشركة «هيوليت باكارد» (إتش بي) لصناعة الكومبيوترات، أحسست بأن «الدنيا كلها مفتوحة أمامي. بأني سأقدر على أن أفعل أي شيء».

لكنها، بعد سنوات في منصبها، ومع اقتراب «طردها» من الشركة، أحست بأن «الدنيا مليئة بمعوقات أمام تقدم المرأة في أجواء يسيطر عليها الرجال».

توضح هذه الآراء شيئين عن عدم وجود أعداد كبيرة من النساء في قيادات شركات عملاقة، وخاصة شركات الكومبيوتر والإنترنت:

أولا: لأسباب تاريخية واجتماعية، لا يزال تقدم المرأة، في أميركا وغير أميركا، أقل من تقدم الرجل. وبالتالي لا تزال مكانتها أقل مرتبة من مكانة الرجل.

ثانيا: حتى إذا تقدمت امرأة، ووجدت نفسها على مرتبة واحدة مع رجال، أو ربما أعلى منهم مرتبة، تواجه ما يسميها علماء النفس «ساتيل ديسكريمينيش» (تفرقة خفية). ليست هذه تفرقة علنية، ولا يمكن إثباتها، لكن يمكن الإحساس بها، ويمكن اكتشاف نتائجها العملية والنفسية.

قضت فيورينا ست سنوات في منصب رئيسة شركة «إتش بي» وصارت أشهر سيدة أعمال في أميركا. ، واختارتها – مرتين - مجلة «فوربز» الاقتصادية «أقوى أميركية ترأس شركة». لكنها، عندما تركت الشركة، تركتها وسط زوبعة شملت فضائح جنسية وصحافية وسياسية.

لهذا، صارت قصة فيورينا قصة نجاح وفشل في الوقت نفسه.

نجحت، كما قالت في الكتاب: «أعترف بأن صعودي إلى رئاسة الشركة كان غير مسبوق. لم يحدث أن قفزت امرأة إلى مثل هذا المنصب بمثل هذه السرعة. وحقيقة، وخلال سنوات كثيرة، ما كنت أتوقع أن أقدر على أن أفعل ذلك».

وقالت فيورينا إن الخيارات الصعبة واجهتها، مثلا، عندما كانت في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس. كان هدفها أن تدخل كلية القانون لأن والدها درس في الكلية نفسها، وصار عميدا للكلية ومحاميا ناجحا. وضغط عليها لتكون محامية مثله. لكنها كتبت: «منذ أول يوم أحسست بأني لا أنتمي إلى ذلك المكان. احترمت الكلية لكني لم أحبها. لشهور، كان يصيبني صداع حاد، وما كنت أقدر على النوم. عندما جاء والدي لزيارتي، نظرت في وجهه، وتمعنت فيه عينيه، وأنا عادة لا أفعل ذلك، وقلت: (آي هيت ذيس) (أنا أكره هذا المكان). وكما توقعت، جلس وهو المحامي، وتحدث كثيرا عن أن الانسحاب ليس هو الحل، وأن التراجع يشبه الفشل».

في وقت لاحق، درست علمها المفضل، إدارة الأعمال، في جامعة ماريلاند. ومن أسفل السلم، عملت سكرتيرة في شركة «إتش بي». وفي سنة 1980، انتقلت إلى شركة «آي تي أند تي»، وصعدت سلم الوظيفة صعودا سريعا ومدهشا. وفي سنة 1995، أثارت اهتمام الأميركيين عندما عقدت اتفاقية مع شركة «لوسنت» للكومبيوترات، غيرت مسرح المنافسات وسط شركات الكومبيوتر الأميركية. وفي سنة 1999، اختارتها شركة «إتش بي» رئيسة لها ومديرة تنفيذية. وصارت أول امرأة ترأس واحدة من أكبر عشرين شركة أميركية، وترأس شركة إلكترونية أميركية عالمية. وفي سنة 2004، اختارتها مجلة «فوربز» (لرجال وسيدات الأعمال) العاشرة في قائمة أشهر مائة امرأة في العالم. واختارتها مجلة «فورشن» (لرجال وسيدات الأعمال) أقوى امرأة في القطاع الخاص في أميركا. واختارتها مجلة «تايم» واحدة من أشهر الشخصيات الأميركية.

لكن، في سنة 2005، طلب منها مجلس الإدارة أن «تنظر في وضعها» داخل الشركة، وكان واضحا أن معنى ذلك أن تقدم استقالتها، أو في الحقيقة، طردها.

ماذا حدث؟

وتابع الصحافيون والصحافيات باتريشيا دان، التي خلفتها في شركة «إتش بي»، خاصة لأن الأخيرة أمرت بإجراء تحقيقات داخل الشركة عن الذين سربوا معلومات إلى الإعلام. وسماها الإعلام «فضيحة التجسس». وأشار إلى أن والدها كان يملك كازينو مقامرات في لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، وأن والدتها كانت راقصة.

رغم أنها تركت الجامعة لمساعدة والدتها بعد وفاة والدها. وعلى الرغم من أنها بدأت من أسفل السلم حتى صارت رئيسة الشركة.

مثل فيورينا، وأمام إشاعات وإثارات، اضطرت دان لأن تستقيل، وقدمت إلى محاكمة، لكن عفا القاضي عنها (كانت أصيبب بسرطان الثديين، ثم سرطان مبايض).

فيورينا نفسها أصيبت بسرطان الثديين. وفقدت شعر رأسها بسبب العلاج الكيماوي. لكنها، وهي المناكفة، ناكفت الرجال والنساء، الذين تعمدوا أن يقللوا من قيمتها السياسية بعد أن ظهرت على المسرح السياسي (كانت مستشارة اقتصادية للسيناتور جون ماكين، مرشح الحزب الجمهوري ضد أوباما سنة 2008).

والآن، بعد أن رشحها الحزب الجمهوري لتكون سيناتورة ضد السيناتور الديمقراطية باربرا بوكسار، يتوقع مراقبون وصحافيون في واشنطن أن تكون فيورينا مناكفة أكثر مما كانت في تاريخها الاقتصادي والسياسي. وفعلا، قالت مؤخرا إنها لا تكاد تنتظر منافسة السيناتور بوكسار. وقالت: «بعد أن واجهت سرطان الثديين، لا بد أن أقدر على مواجهة باربرا بوكسار».

وهكذا، يبدو أن النساء يقدرن على النجاح في الشركات العملاقة (بما في ذلك الشركات الإلكترونية. لكن، ليس النجاح سهلا، بسبب عوامل تاريخية وحضارية واجتماعية ونفسية).

جاء في كتاب «كلاس سيلينغ» (عرش الزجاج) أن قانون الحقوق المدنية لسنة 1964، أوقف التفرقة العنصرية وبين الجنسين. لكن قال الكتاب: «لا نقول سرا إن التفرقة، بعد نصف قرن تقريبا من القانون، لا تزال موجودة. إن لم تكن واضحة، موجودة سرا، وإن لم تكن علنا، موجودة باطنا».