تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: لا كهرباء

20% من السودانيين فقط يحصلون على الكهرباء.. والحر في لبنان يفاقم الأزمة.. ومصر تشهد تقنينا.. وغزة قصة أخرى

لبناني يضيء مشغل مولد الكهرباء الذي يوزع الطاقة على سكان أحد الأحياء في بيروت (رويترز)
TT

في كل عام مع قدوم فصل الصيف، تتفاقم أزمات انقطاع التيار الكهربائي في الكثير من البلدان العربية التي تعاني أصلا من مشكلات تمنعها من تزويد سكانها بالطاقة. فمن لبنان إلى مصر والسودان وفلسطين، يعيش السكان أشهرا عصيبة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في وقت هم في أشد الحاجة إليه. ويأملون أن تخف الأزمة مع قدوم كل شتاء، ويصلون كي تتوصل حكوماتهم أخيرا إلى إيجاد حل لأزمة لا يذكرون متى بدأت ولا يعرفون متى، وإذا ما كانت، ستنتهي.

ففي لبنان، أسهمت موجة الحرارة المرتفعة التي شهدتها البلاد طيلة الأسابيع الأخيرة في تفاقم أزمة قطاع الكهرباء في لبنان. وفي حين دفع انقطاع التيار الكهربائي المواطنين اللبنانيين إلى إشعال الإطارات المطاطية وقطع الطرق احتجاجا، في عكار والبقاع والضاحية، كادت مشكلة الكهرباء تشعل سجالا سياسيا على خلفية مواقف الوزير المعني، وزير الطاقة جبران باسيل، لناحية عدم اتخاذ أي تدابير، وتحميل الحكومات السابقة المسؤولية من جهة، وإشارته من جهة أخرى إلى أن الاحتجاجات تحصل في مناطق دون سواها.

ويأتي تقدّم هذه القضية على ما عداها من قضايا معيشية على الساحة اللبنانية، غداة إقرار مجلس الوزراء، الذي تعهّد في بيانه الوزاري بجعل أولويات المواطنين أولوياته، خطة قدمها الوزير باسيل في 21 يونيو (حزيران) الماضي. وتهدف خطة باسيل إلى توفير التيار الكهربائي بشكل متواصل في عام 2014، من خلال زيادة الإنتاج ليبلغ في عام 2015 خمسة آلاف ميغاواط، على أن يتم بلوغ هذه المرحلة عبر برنامج استثماري بقيمة 6.5 مليارات دولار، يشارك في تمويله كل من الدولة (1550 مليون دولار) والقطاع الخاص (2320 مليون دولار)، فضلا عن قروض دولية بقيمة 1000 مليون دولار. ومن شأن خطة باسيل أن تؤدي إلى خفض الخسائر الإجمالية لقطاع الكهرباء، الذي يمثّل ثالث أكبر بند إنفاقي لدى وزارة المال في لبنان، من 4.4 مليار دولار في عام 2010، إلى صفر في المائة في عام 2014.

وعلى الرغم من أهمية هذه الخطة، فإن معاناة المواطنين في الشهرين الماضيين بلغت حدها الأقصى، إذ تشهد بعض المناطق، لا سيما البعيدة عن بيروت، انقطاعا شبه دائم في التيار الكهربائي. وتقتصر ساعات التغذية على ثلاث ساعات في اليوم الواحد، مع ما يفرضه ذلك من تحمل درجات الحرارة المرتفعة، وتلف المواد الغذائية، وصعوبة تخزينها. كما زاد الموسم السياحي «الطين بلة»، وفق التعبير الشعبي اللبناني، بسبب إعطاء الأولوية في التغذية لمناطق الاصطياف.

وأمام ازدياد الطلب على الطاقة، تبدو مؤسسة «كهرباء لبنان» عاجزة، بقدرتها الإنتاجية المتوفرة في الوقت الراهن على تلبية الارتفاع في الطلب، لا سيما أن موجة الحر رفعت المنسوب الاستهلاكي في معظم المناطق اللبنانية. وذكرت المؤسسة، في بيان أصدرته في وقت سابق، أن موجة الحر «تضاعف من الطلب على الطاقة بما يتجاوز إلى حد كبير القدرة الإنتاجية القصوى لجميع المعامل، من مائية وحرارية، وتتسبب في ارتفاع حمولة المخارج، مما يؤدي إلى عدم استقرار التغذية بالتيار الكهربائي في معظم المناطق اللبنانية».

ويضاف إلى تلك الأسباب، توقف استجرار الطاقة الكهربائية من سورية ومصر، بسبب الضغط الذي تتعرض له الشبكات في البلدين.

وتعتبر أزمة قطاع الكهرباء شبه مستفحلة بعد التسعينات، على الرغم من أن حجم الإنفاق في الفترة الماضية يقارب 11 مليار دولار أميركي، ومع ذلك لم يتم إصلاح القطاع أو تطويره أو الحد في الهدر منه. والهدر لا يتوقف على مستوى معين، إذ يشمل الهدر الفني على مستوى الإنتاج والنقل والتوزيع، والهدر على مستوى الجباية، التي تؤدي لوحدها إلى خسائر مادية كبيرة. وتبدو زيادة القدرة الإنتاجية وإصلاح القطاع بأكمله حاجتان لا غنى عنهما في انتظار تنفيذ خطة باسيل في السنوات الثلاث المقبلة، التي لا يزال البدء في تطبيقها ينتظر إقرار الموازنة. وأعادت المطالبة السياسية، بوجوب اللجوء إلى وسائل بديلة لإنتاج الطاقة لحل أزمة قطاع الكهرباء، طرح المشروع الذي سبق أن قدمه رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في عام 1996. ويقضي هذا المشروع بإنشاء محطات لتوليد الكهرباء من الغاز الطبيعي. وذكر رئيس الحكومة سعد الحريري، خلال إفطار رمضاني الأسبوع الماضي، بالرفض الذي لاقاه مشروع والده لدى طرحه عام 1996، وقال: «لو نفذ في ذلك الوقت لكنا تداركنا المشكلة التي نعانيها اليوم».

وأمام عجز وزارة الطاقة عن اتخاذ أي تدابير فورية بشكل سريع للحد من الأزمة، ما على المواطن اللبناني إلا حل من ثلاثة: الصبر والانتظار، أو شراء راحته عبر الاشتراك الدائم بالمولدات الكهربائية، التي باتت فاتورتها الشهرية تكلّف أضعاف تكلفة الاشتراك في مؤسسة «كهرباء لبنان». ويتمثل الحل الثالث في قبول وزير الطاقة عبر مجلس الوزراء العرض الإيراني الذي جاء على لسان السفير الإيراني في بيروت، غظنفر ركن أبادي، إذ أعلن «استعداد بلاده لحل مشكلة الكهرباء إذا طلب المسؤولون اللبنانيون ذلك، وتوفيرها على مدى 24 ساعة»، على أن ينفذ المشروع في «مدة ستة أشهر وبأفضل الأسعار عالميا».

وفي السودان، تعتبر أزمة الكهرباء الأسوأ بين البلدان العربية، إذ إن 20 في المائة فقط من سكان السودان يتمتعون بالطاقة الكهربائية، علما بأن عدد السكان يبلغ 40 مليونا، في حين يبلغ عدد المشتركين في العاصمة الخرطوم نحو 700 ألف مشترك فقط، بما في ذلك المؤسسات والشركات والدواوين الحكومية، في وقت لا تتجاوز فيه الطاقة المنتجة ثلاثة آلاف ميغاواط.

وحتى في العاصمة، فإلى وقت قريب، كان كلما جيء على ذكر الكهرباء، تتجه الأذهان إلى تلك الأيام العصيبة التي خرج فيها السودانيون إلى شوارع الخرطوم، في مظاهرات احتجاج على قطع الكهرباء المتكرر، وهو السمة البارزة لعلاقة السودانيين بالكهرباء. فالبيوت مظلمة مساء ونهارا، فتكاد أصوات المولدات تصم الآذان قرب الشركات والمؤسسات والدواوين الحكومية.

لكن يلاحظ وجود استقرار نسبي في السنة الأخيرة، وربما زيادة إنتاج الكهرباء بعد دخول سد مروي كان لها أثر الإيجابي على توليد الطاقة الكهربائية في السودان. وتبلغ الطاقة المنتجة من سد مروي نحو 1250 ميغاواط، سيتم إدخالها تدريجيا وعلى مراحل. وقد نجحت الحكومة السودانية في إدخال نحو 300 ميغاواط العام الماضي من إنتاج سد مروي، وهو أكبر السدود لإنتاج الكهرباء في السودان. وفي الغالب فإن السودان يعتمد على الكهرباء المائية المولدة من السدود مثل الدمازين على النيل الأزرق، وسد مروي على نهر النيل، مع وجود محطات طاقة حرارية قليلة الإنتاج، وتتلخص الموارد الكامنة لإنتاج الكهرباء في السودان في النفط والغاز والطاقة المتجددة الطاقة المائية والشمس والرياح وحتى الطاقة الجوفية الحرارية.

ومع قلة الاستهلاك الكهربائي في السودان، فإن استقرار الإنتاج يظل محفوفا بالمخاطر. ويؤكد مهندس بوزارة الكهرباء والسدود، وهي وزارة حديثة قامت على أنقاض الهيئة القومية للكهرباء، أن الطمي يشكل أهم العقبات التي تواجه الإمداد الكهربائي بالسودان، حيث يتراكم الطين عند خزان الروصيرص في مواسم الأمطار الغزيرة، واندفاع المياه المقبلة بقوة من أعلى الهضبة الأثيوبية شرقا إلى مناطق منخفضة غربا، ويتسبب ذلك في تعطيل التوربينات. ويضيف: «لا تتوقف مشكلة الخريف في الطمي الذي يوقف عجلة التوربينات، حيث تتسبب الرياح والأعاصير في قطع أسلاك الكهرباء في الشوارع، بينما يسقط عدد من الأعمدة التي تحمل الأسلاك عند هطول أمطار غزيرة خاصة في مناطق ولاية الجزيرة ذات الأراضي الطينية».

إلا أن المشكلة لم تتوقف عند موسم الأمطار. ففي موسم الصيف تطل أزمة أكبر في إنتاج الكهرباء بسبب قلة مياه النهر في مفارقة غريبة، فعندما يعلو النهر العنيف تتوقف التوربينات، وعندما تتوقف المياه تتعطل التوربينات أيضا، مما يعني أن الأزمة مستفحلة حسب رأي الفنيين والمختصين بالكهرباء في السودان.

وعندما تتوفر الكهرباء، أو تستقر نسبيا، يشكو السودانيون من ارتفاع سعر الكهرباء، حيث تقدر تعريفة الكهرباء بنحو (9 سينتات) في حين تبلغ تكلفة الكهرباء في القطاع الصناعي 11 ضعفا عن تكلفة القطاع ذاته في مصر، و22 ضعفا عن دول الخليج. ويقول مسؤول في وزارة الكهرباء لم يرد الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك خطة ربع قرنية ممتدة إلى عام 2030، بتوسيع الشبكة القومية لربط أرجاء البلاد، وإنشاء المزيد من المحطات الفرعية، والبحث عن مصادر جديدة ورخيصة وآمنة للتوليد الكهربائي، فكانت المشاريع التي بدأ العمل في بعضها، واكتمل العمل في بعضها الآخر؛ بينما لا يزال جزء منها قيد الدراسة والتصميم، كل ذلك صاحبته ووازته خطة طموحة لزيادة عدد المشتركين ليصل إلى نسبة تزيد على 80 في المائة من عدد السكان بحلول عام 2030، كما نفذت الهيئة عدة مشاريع لضمان انسياب آمن وفاعل لكهرباء سد مروي إلى الشبكة القومية، وذلك عبر إنشاء خطوط ناقلة ذات جهد عال؛ فالإنتاجية المتوقعة من الكهرباء المنتجة من سد مروي تقدر بـ1250 ميغاواط ينتظر أن يكتمل دخولها إلى الشبكة القومية.

ومع استقرار التوليد في الأشهر الأخيرة فإن 80 في المائة من السكان لا يعرفون الكهرباء في حياتهم، بما في ذلك سكان مدن كبرى كالخرطوم.

وفي مصر، تسود حالة من التذمر الشعبي نتيجة الانقطاع المتكرر للكهرباء في مناطق كثيرة من القاهرة والمحافظات لفترات طويلة يوميا، مما تسبب في خسائر اقتصادية متعددة للكثير من المصانع والشركات، خاصة بعد الخطة التي أعلنتها وزارة الكهرباء والطاقة لترشيد الاستهلاك. وبدأت تطبيق سياسة قطع الكهرباء منذ شهرين؛ حيث يقطع التيار عن الأحياء السكنية بالتبادل، لمواجهة زيادة الاستهلاك والضغط على الأحمال، وهو الأمر الذي بررته مصادر بوزارة الكهرباء «بأن قطع التيار بهدف تخفيض الأحمال يتم بنسبة 5 في المائة، ولمدة قصيرة، يوميا، بهدف الحفاظ على الشبكة القومية للكهرباء».

وتتخذ الحكومة المصرية بعض التدابير لمعالجة الأزمة، حيث حصلت مؤخرا على قرض بقيمة (385 مليون دولار) من بنك الاستثمار الأوروبي لتمويل مشروع شمال الجيزة خارج العاصمة القاهرة، إلا أنه من المستبعد أن يبدأ العمل فيه قبل عام 2014. وقال خبراء حكوميون إن مصر تعاني من نقص في الطاقة الكهربائية، منبعه زيادة الاستهلاك، وإن سد العجز الحالي يتكلف 17 مليار جنيه (نحو 3 مليارات دولار)، وإن الأزمة في مصر نتيجة سوء حالة شبكات التوزيع، مدللين على ذلك بقدرة مصر على بيع 1022 غيغاواط خلال العام الماضي إلى أربع دول عربية هي ليبيا والأردن وسورية ولبنان ضمن مشروع الربط الكهربي، وحذر الخبراء من تباطؤ الحكومة المصرية في مسألة تنويع مصادر الطاقة الكهربائية.

ومن جانبه، كشف وزير الكهرباء والطاقة المصري حسن يونس أن الوزارة قامت بإجراء تجارب ناجحة لاستخدام إضافات خاصة للمازوت المصري، حتى يتوافق مع متطلبات تشغيل محطات توليد الكهرباء، وأن قطاع البترول المصري سيقوم بتوفير المادة الجديدة التي من المقرر أن تساعد في رفع الكفاءة التشغيلية لمحطات الكهرباء، تمهيدا لتعميم المادة الجديدة، لتشغيل جميع محطات توليد الكهرباء.

وقال الوزير إن مصر لجأت إلى هذه التجارب بعد انخفاض الكفاءات التشغيلية لمحطات توليد الكهرباء نتيجة انخفاض الغاز المورد لمحطات الكهرباء والمستخدم كوقود أساسي في تشغيلها من 98 في المائة إلى 79 في المائة، ومن ثم الاستعانة بمازوت غير مطابق للمواصفات في التشغيل كوقود احتياطي، مما أدى في النهاية إلى نقص في قدرات التوليد، وانخفاض قدرة الوحدات بنحو 1600 ميغاواط، مما اضطر شركات الكهرباء إلى اللجوء لإجراء عمليات تخفيف أحمال تسببت في انقطاع التيار الكهربائي في مناطق كثيرة من مصر، وبصفة أصبحت شبه ثابتة، وبالأخص في أوقات الذروة.

وطالبت النقابة العامة للعاملين في الصناعات الهندسية والمعدنية والكهربائية في تقرير عاجل تلقاه الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء المصري، بضرورة استخدام مصادر جديدة للطاقة، من بينها طاقة الرياح، وبناء ما يقرب من 8 محطات نووية جديدة توفر الواحدة منها 1000 ميغاواط، وإيقاف سيل الزيادات المستمر في أسعار الكهرباء،‏ وإلغاء الزيادات المقررة خلال ساعات الذروة،‏‏ وتوحيد سعر التيار طوال ساعات اليوم‏.‏ وفي السياق نفسه‏، قررت وزارة الموارد المائية والري زيادة كميات المياه المنصرفة من السد العالي إلى ‏250‏ مليون متر مكعب يوميا‏، وذلك لزيادة الطاقة الكهرومائية الناتجة من توربينات السد‏، وحل مشكلات نقص الكهرباء‏.

وفي غزة، وإن تختلف أسباب انقطاع التيار الكهربائي، فإن النتيجة واحدة: حرمان أهالي القطاع من الطاقة، فحتى تشكل السلطة الفلسطينية في عام 1994، ظل قطاع غزة يعتمد على التيار الكهربائي الذي تنقله إسرائيل عبر خطوط أقيمت خصيصا، وتصل القطاع بمحطة توليد الكهرباء الرئيسية جنوب إسرائيل، التي تقع للشرق من مدينة أشكلون الإسرائيلية. ولم تكن إسرائيل حتى ذلك الوقت ملتزمة بتوريد الكهرباء للقطاع بصفتها دولة احتلال ملزمة بتوفير المتطلبات الرئيسية للشعب المحتل، بل أيضا بسبب تواجد مستوطناتها وقواعدها العسكرية داخل القطاع.

لكن مع انطلاق السلطة الفلسطينية، بدأت إسرائيل بتوظيف التيار الكهربائي تدريجيا في العقوبات الجماعية التي كانت تستخدمها في الرد على عمليات المقاومة التي كانت تنفذها حركات فلسطينية، وللضغط على قيادة السلطة الفلسطينية لكبح جماح هذه الحركات.

ولم تكن تتوانى سلطات الاحتلال عن قطع التيار الكهربائي عن مناطق محددة. وقد أدى هذا الواقع إلى تحرك السلطة، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، لإقامة أول محطة لتوليد الكهرباء في قطاع غزة، التي تأسست لتضع حدا للاعتماد على إسرائيل في الحصول على التيار الكهربائي، حيث إن المولدات خصصت للعمل عبر استخدام الغاز الطبيعي، وليس عبر الوقود المسال، حيث كان الطاقم المسؤول عن المشروع يتطلع إلى اليوم الذي يتم تزويد المحطة بالغاز الواصل من مصر عبر الحدود.

لكن محطة توليد الكهرباء حتى في ذروة نشاطها، لم تكن قادرة على الوفاء بأكثر من 40 في المائة من احتياطات القطاع من الكهرباء، إذا ظل القطاع يعتمد على التيار الكهربائي الإسرائيلي، الذي يغطي المناطق الشمالية والوسطى من القطاع، في حين قامت مصر بمد مدينة رفح بالكهرباء، في الوقت الذي تم تخصيص إنتاج محطة توليد الكهرباء لتزويد مدينة غزة وضواحيها.

وقد تغيرت الظروف رأسا على عقب، بعد تنفيذ خطة فك الارتباط، حيث قامت إسرائيل بتفكيك مستوطناتها وقواعدها العسكرية. ولم يعد هناك من مسوغ موضوعي يلزمها بمواصلة مد القطاع بالكهرباء، فضلا عن أنها نجحت في تسويق فكرة أن قطاع غزة لم يعد يخضع للسيطرة الإسرائيلية، وبالتالي فإنها في حل من تزويده بالقطاع.

وازدادت الأمور تعقيدا بعد أن واصلت حركات المقاومة إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية انطلاقا من قطاع غزة، وتوعدت الحكومة الإسرائيلية بقطع التيار الكهربائي وإمدادات الماء عن قطاع غزة في حال لم تتوقف عمليات إطلاق الصواريخ.

وقد شكلت الانتخابات التشريعية الثانية التي فازت فيها حركة حماس في يناير (كانون الثاني) 2006، واختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في يوليو (تموز) 2006 نقطتي تحول فارقتين في كل ما يتعلق بتزويد القطاع بالكهرباء. فقد قامت إسرائيل بوقف إمداد محطة توليد الكهرباء الوحيدة بالوقود الذي تزوده إحدى الشركات الإسرائيلية الخاصة للشركة، وفي الوقت نفسه، قامت بتعطيل بعض خطوط الكهرباء التي تمد القطاع بالكهرباء. لكن مما لا شك فيه أن أكبر عمل قامت به إسرائيل هو قصف محطة التوليد ذاتها بمهاجمتها بطائرات «إف - 15»، مما أدى إلى توقفها عن العمل كليا، وذلك في مطلع الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة أواخر عام 2008.

وقامت محطة توزيع الكهرباء في قطاع غزة بتوزيع بعض التيار الذي يصل من إسرائيل ومن مصر على أرجاء قطاع غزة، عبر برنامج خاص يتم فيه قطع التيار الكهربائي عن كل منطقة لفترة أكثر من 15 ساعة متواصلة، وفي بعض المناطق كانت الكهرباء تنقطع لعدة أيام.

وبعد انتهاء الحرب، عمل الاتحاد الأوروبي على ترميم المحطة، ومع تعاظم الضغوط الدولية على إسرائيل لرفع الحصار، أعلنت إسرائيل أنها لن تعترض على إمداد محطة توليد الكهرباء بالوقود، وأن الأمر يتوقف على قدرة السلطة الفلسطينية على تسديد فاتورة الوقود. حتى ذلك الوقت كان الاتحاد الأوروبي يحول المخصصات المالية اللازمة لشراء الوقود لوزارة المالية في حكومة رام الله، وكانت الوزارة بدورها تقوم بتحويل الأموال للشركة الإسرائيلية.

وقبل عام نشب خلاف حاد بين حكومة رام الله وشركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة، إذ إن حكومة رام الله تقول إن الشركة لا تقوم بجباية إلا نسبة قليلة من المستحقات على المستهلكين في قطاع غزة، وأن الحديث لا يدور عن العاطلين عن العمل، بل عن معظم الموظفين، في حين ردت الشركة أنها غير قادرة على جباية معدلات أكثر من الجباية، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، فلم تعد وزارة المالية في رام الله تقوم بتحويل المخصصات المالية لشراء الوقود، مشترطة أن تزيد شركة توزيع الكهرباء من كفاءاتها في تحصيل قيمة الكهرباء. وزادت معاناة الناس في القطاع بشكل غير مسبوق، لدرجة أن معدل عدد الساعات الذي تحصل عليه كل منطقة في القطاع من الكهرباء لا يتجاوز الست ساعات.

ويسود تفاؤل حذر حاليا في أعقاب قبول حكومتي غزة ورام الله بالمبادرة التي تقدمت بها شبكة المنظمات الأهلية، التي اقترحت أن يتم اقتطاع مبلغ 170 شيقلا (خمسين دولارا أميركيا) من راتب كل موظف لا يسدد الفاتورة، سواء يعمل لصالح حكومة غزة أو رام الله، ويتم تحويله لوزارة المالية في رام الله لتتمكن من تسديده من قيمة ثمن الوقود.