جرثومة جديدة.. خارقة

ظهرت في الهند وتثير مخاوف بسبب قدرتها على مقاومة جميع أنواع المضادات الحيوية

TT

أعلن الأسبوع الماضي رسميا عن انتهاء وباء إنفلونزا الخنازير، لكن ظهرت جرثومة جديدة تسمى «نيودلهي ميتالو - 1» أو «إن دي إم - 1»، أثارت المخاوف بشأن قدرتها على الانتشار في جميع أنحاء العالم نظرا لمقاومتها لجميع أنواع المضادات الحيوية. وتسبب تقرير نشر مؤخرا في الدورية الطبية البريطانية «لانسيت» حول ظهور «جراثيم خارقة»، وهي سلالة جديدة من البكتيريا تقاوم معظم أنواع المضادات الحيوية في الهند، في إثارة حرب تصريحات بين المجتمع الطبي في المملكة المتحدة والمجتمع الطبي في الهند، بل وحتى جعل الحكومة تدخل على خط المواجهة، حيث إنها رفضت هذا التقرير واعتبرته هجوما على السياحة الطبية العلاجية في البلاد.

وبدأ هذا التقرير بدراسة روتينية في علم الأحياء المجهرية أعدها فريق دولي من الباحثين، بمن فيهم عشرات العلماء من الهند. وحددت هذه الدراسة جينا بكتيريا جديدا يمنح مستويات عالية من المقاومة لمعظم المضادات الحيوية. وتم اكتشاف هذا الجين في البكتيريا المعوية التي تسبب الالتهاب الرئوي الحاد والتهابات المسالك البولية.

وتنتمي هذه البكتيريا القوية، التي تسمى «نيودلهي ميتالو بيتا لاكتاميز»، إلى فصيلة البكتيريا المعوية للميكروبات، والتي تشمل الجراثيم الشائعة مثل «الإشريكية القولونية»، و«كلوستريديوم ديفيسيل» و«السالمونيلا». ووفقا للمعد الرئيسي لهذه الدراسة تيم وولش، من جامعة كارديف بالمملكة المتحدة، كان من النادر رؤية هذا الجين قبل ثلاثة أعوام، لكنه الآن يشيع ذكره في المستشفيات في شبه القارة الهندية ومن المحتمل انتقاله إلى بريطانيا مع الأشخاص الذين خضعوا لجراحة في هذا المنطقة من العالم. وتم اكتشافه في 33 في المائة من المرضى في المملكة المتحدة.

ومن الممكن أن يجعل إنتاج هذا الإنزيم في سلاسة بكتيرية - عن طريق جين متحول - هذه السلالة مقاومة للمضادات الحيوية القوية. والسمة المثيرة للقلق هي أن هذه الجرثومة من الممكن أن تنتقل من سلالة بكتيرية إلى أخرى. وقد يقود ذلك إلى الكثير من صور العدوى الخطيرة التي قد تنتشر بسهولة من شخص إلى آخر. وأصدر التقرير تحذيرا إلى المواطنين البريطانيين بعدم الخضوع إلى عمليات جراحية في هذه المنطقة من العالم مخافة الإصابة بهذه الجرثومة الخارقة.

ومن الغريب أن المعد الرئيسي لهذه الورقة البحثية، وهو كارثيكيان كي كوماراسامي من قسم علم الأحياء الدقيقة في معهد الخريجين للعلوم الطبية الأساسية بجامعة مادراس بالهند، صُدم لرؤية تأثير هذه الدراسة شأنه في ذلك شأن غيره. وقال في محادثة هاتفية مع «الشرق الأوسط»: «لم أفكر قط في أن هذه الدراسة ستتسبب في مثل هذا الجدل المحتدم».

وفي حين اختلف مع استنتاج الدراسة بأن المستشفيات الهندية «غير آمنة»، لم يفكر كوماراسامي في أن هذا التقرير أعيد ترتيبه بطريقة أو بأخرى، كما ذكرت بعض وسائل الإعلام، بهدف تشويه سمعة نظام الرعاية الصحية في الهند. لكن الأمر المثير للجدل على ما يبدو كان تصريحا يدرس ما كتبه الأطباء بقيادة وولش في مجلة «لانسيت»، حيث قال كوماراسامي: «إن هذه البكتيريا المقاومة للعديد من الأدوية وانتشارها في جميع أنحاء العالم قد تنذر بفترة تصبح فيها المضادات الحيوية زائدة عن الحاجة. ومن المحتمل أن تكون هذه هي النهاية. لا توجد مضادات حيوية لها نشاط ضد البكتيريا المعوية المنتجة لجرثومة (نيودلهي ميتالو - 1). لدينا نافذة قاتمة ربما لعشر سنوات، سيتعين علينا فيها استخدام المضادات الحيوية التي لدينا بحكمة بالغة، لكن يجب علينا أيضا التعامل مع الحقيقة التي تقول إنه ليس لدينا أي شيء لمعالجة هذه الأنواع من العدوى».

وبقدر ما يتعلق هذا الجدل باحتمالات خسارة الحرب ضد البكتيريا، يتعلق أيضا بإلحاق هذه الجرثومة الخارقة الأخيرة بالهند. وأعربت الهند عن اعتراضات قوية على تسمية هذه الجرثومة الخارقة، التي تم تعريفها بأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بشبه القارة الهندية، وتسمى «إن دي إم - 1».

وينظر الكثير من الأطباء والبرلمانيين في الهند إلى هذه الملاحظات على أنها تشوه سمعة نظام الرعاية الصحية في الهند وتقوض آفاق السياحة الطبية في البلاد. وأعربت الهند عن اعتراضات قوية على تسمية هذه الجرثومة الخارقة باسم العاصمة الهندية نيودلهي، وقال البعض إن هذه الجرثومة ظهرت في الكثير من الدول الأخرى، حيث تم الإبلاغ عنها في اليونان وإسرائيل وكندا وأستراليا وهولندا والولايات المتحدة.

وأعرب خبراء الصحة أيضا عن شكوكهم بأن يكون ذلك إحدى حيل الشركات الطبية الغربية لإحباط ازدهار صناعة السياحة الطبية في الهند. وقال وزير الصحة الهندي غلام نبي أزاد «إننا جميعا نشعر بالقلق إزاء هذا الأمر. تعد الجرثومة الخارقة ظاهرة عالمية، وليست منطقة أو دولة معينة».

وفي الوقت الذي يتواصل فيه الجدل حول أصل هذه البكتيريا الجديدة المقاومة للمضادات الحيوية، أيدت منظمة الصحة العالمية العلماء البريطانيين، الذين أصدروا تحذيرا ضد انتشار هذه البكتيريا في شبه القارة الهندية، ودعوا حكومات الدول لأن تكون «حذرة بشأن مشكلة مقاومة المضادات الحيوية واتخاذ إجراء مناسب». ومن دون ذكر اسم الهند، قالت منظمة الصحة العالمية «ينبغي أن تكون الدول مستعدة لتنفيذ إجراءات مكافحة العدوى بالمستشفيات لتحديد انتشار السلالات المقاومة للأدوية وتعزيز السياسة الوطنية حول الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية، وتقليص جيل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية».

وعلى الجانب الآخر، انتقدت وزارة السياحة الهندية بشدة تحذير السفر إلى الهند الذي نشتره مجلة «لانسيت». ويتلقى قطاع السياحة 5 ملايين مريض من خارج الهند كل عام. وتعد الهند الاختيار المفضل للسياحة الطبية في الفترة الحالية، حيث إن العلاج بها أقل تكلفة ويتم على مستوى عال. وقال الدكتور كي إم كابور، كبير الأطباء الاستشاريين في جراحة التجميل في مستشفى فورتيس «إن تسمية الجرثومة الخارقة على اسم نيودلهي، في حين لم تأت أي عينة من العينات التي تم تجميعها من نيودلهي، يبدو عنصريا وله، دوافع تجارية هدفها الإساءة إلى قطاع السياحة الطبية في الهند».

ووفقا للدكتور كابور، يكتسب الرأي القائل بأن التسمية متحيزة عنصريا ضد الهند مزيدا من المصداقية حيث أن الدكتور وولش ذكر جرثومة خارقة مماثلة، لكن أكثر خطورة، في مستشفى في هيوستن، بولاية تكساس، عام 2006. وكان اسم هذه الجرثومة «في آي إم 7»، ولم تتم تسميتها «جرثومة هيوستن»، ولم يتم التحدث علنا عنها كثيرا. وكان «في آي إم 7» أكثر خطورة من «إن دي إم - 1»، حيث إنه كان مقاوما لجميع الأدوية باستثناء «بوليميكسين بي»، في حين أن «إن دي إم - 1» حساس لـ«تيجيسيكلين» و«كوليستين». ويعد السجل الخاص بالمملكة المتحدة فيما يتعلق بمكافحة العدوى سجلا قاتما، حيث يحتوي على معدلات عالية لانتشار العدوى. ويقوم النظام الأوروبي لمراقبة مقاومة مضادات الميكروبات برصد مقاومة مضادات الميكروبات في أوروبا. ويحافظ هذا النظام على مراقبة شاملة ونظام معلوماتي يقدم بيانات صحيحة حول مدى انتشار الأنواع الرئيسية من البكتيريا التي تغزو الجسم، مثل بكتيريا العنقوديات الذهبية المقاومة للمثسلين أو «إم آر إس إيه». وأظهرت بيانات عام 2002 أنه في مستشفيات المملكة المتحدة، 44.5 في المائة من طاقم العاملين مصابون بهذا النوع من البكتيريا.

وقادت التكاليف العالية والخوف من الجرثومة الخارقة «العنقوديات الذهبية المقاومة للمثسلين» في المملكة المتحدة إلى نمو السياحة الطبية القادمة من المملكة المتحدة، وكانت الهند هي المستفيد الأول من ذلك. وبحسب دراسة حول السفر للعلاج في الخارج عام 2006 للخضوع إلى عمليات تجميل مثل زيادة حجم الثدي وشفط الدهون وإزالة التجاعيد من الوجه، سافر نحو 14500 مريض من المملكة المتحدة إلى الخارج للعلاج، وأنفق كل منهم نحو 3500 جنيه إسترليني، مما أنشأ سوقا بلغت قيمتها نحو 50 مليون جنيه إسترليني (تحصل الجراحات التجميلية على حصة قدرها 31 في المائة من هذا السوق). وازداد هذا الاتجاه بصورة سريعة منذ ذلك الحين.

لذا، يتطلع المجتمع الدولي الطبي أن تتخذ الهند خطوات لمعالجة المشكلة لوقف انتشار سلالات هذه الجرثومة الخارقة. ويقود ذلك إلى الكثير من الأسئلة غير المريحة. هل العالم مستعد لمواجهة مثل هذه الجراثيم الخارقة؟ هل المضادات الحيوية قادرة بما فيه الكفاية للتعامل معها؟ وإذا لم تكن قادرة على ذلك، كيف نستطيع وقف تقدم هذه الجراثيم القاتلة؟ هل يعني ذلك نهاية عصر المضادات الحيوية؟ هل هناك أي أدوية بديلة تلوح في الأفق؟