«السلام الأفغاني».. حلم بعيد المنال

شروطه صعبة.. من إلقاء السلاح وقبول الدستور ونبذ العنف والتخلي عن «القاعدة» في مقابل أموال ومناصب

TT

لا يعطي مسعى الرئيس الأفغاني حميد كرزاي لبدء محادثات سلام مع طالبان بشروط صعبة فشلت من قبل أملا يذكر في وضع نهاية للحرب المستمرة منذ قرابة عشرة أعوام. ولطالما دافع كرزاي عن إجراء محادثات مع المتشددين، واعترف المتحدث باسمه بأن هناك اتصالات متقطعة منذ عامين، وكشف الرئيس مؤخرا النقاب عن قائمة بأعضاء المجلس الأعلى للسلام لإطلاق وإدارة أي عملية للمحادثات.

وأكد الرئيس كرزاي أن حكومة بلاده تجري محادثات «غير رسمية» مع طالبان تهدف إلى إنهاء حرب مستمرة منذ تسعة أعوام، وذلك من خلال تحقيق السلام مع المسلحين. وقال كرزاي في مقابلة مع برنامج «لاري كينغ لايف» الذي بث على شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية قبل أيام «نتحدث مع طالبان حديث مواطن لمواطن». وقال في الوقت نفسه، إنه «لا يوجد اتصال رسمي منتظم مع طالبان في مكان معين، وإنما اتصالات فردية غير رسمية تجرى منذ فترة»، مؤكدا «استحالة أن تشمل عملية السلام عناصر (القاعدة) أو أي شبكات إرهابية تكون لديها أفكار آيديولوجية مناهضة للحكومة والولايات المتحدة».

ويقول مؤيدون للمحادثات، وهم كثر من القصر الرئاسي في كابل إلى العواصم الأوروبية وحتى واشنطن، إن القادة الأفغان بدأوا يتواصلون أيضا مع طالبان بشروط صعبة، تشمل إلقاء السلاح وقبول الدستور ونبذ العنف وتنظيم القاعدة، في مقابل الحصول على أموال ومناصب حكومية، وهو ما فشل سابقا، وهذا لا يعطي أي أمل في وضع نهاية للحرب المستمرة منذ نحو 10 سنوات.

وكشفت مصادر مطلعة في العاصمة كابل لـ«الشرق الأوسط» عن أن الظروف غير الواقعية دفعت عضوا كبيرا سابقا في طالبان، هو الملا عبد السلام ضعيف، صوت الملا عمر حاكم الحركة الأصولية وسفير طالبان في العاصمة إسلام آباد، الذي شارك في محادثات غير مباشرة مع الحركة، إلى رفض دعوة بالانضمام إلى مجلس السلام الذي شكله كرزاي مؤخرا لمحاورة المتمردين. ويرجع محللون رغبة العناصر الأكبر سنا من طالبان في تأييد إنهاء الحرب عبر التفاوض لضمان حصة أكبر في السلطة وقت السلم. ويعتقد الخبراء أن عدم إجراء محادثات الآن مع طالبان سيجعل قيادتها أكثر تشددا، فهناك كثيرون من جيل غوانتانامو سيصبحون قادة، وهم مقربون جدا من «القاعدة» ومتشددون للغاية.

ويتذكر كثيرون الملا عبد السلام ضعيف، آخر سفير لدولة طالبان الأفغانية قبل سقوطها إثر الغزو الأميركي عام 2001.

الملا ضعيف الذي كان مترجمه ينطقه «ظعيف» تحدثت إليه «الشرق الأوسط» عبر الهاتف في منزله الذي يعيش فيه الآن تحت الحراسة بضاحية خوشحال خان غرب العاصمة كابل، فأكد أنه غير صحيح ما يردده الإعلام الغربي، من أن الملا عمر مجاهد حاكم طالبان سيلجأ إلى السعودية من أجل مزاعم إنهاء الحرب، مشيرا إلى أن ترديد أنباء مثل أن الملا عمر سيتخلى عن الجهاد وسيلجأ إلى السعودية أشبه بمؤامرة صامتة لشق صفوف طالبان، بل أكد أن جميع المجاهدين بمن فيهم جماعة جلال الدين حقاني يعملون تحت راية الملا محمد عمر وبإمرته، وكذلك ما يعرف باسم «مجلس شورى كويتا»، وهو أشبه بالهيئة الشرعية ومجلس إدارة الحركة. وأماط الملا ضعيف اللثام عن انتهائه من كتابه الثالث خلال أيام، وسيطبع باللغتين الإنجليزية والبشتونية بعنوان «تاريخ طالبان» في 500 صفحة من القطع المتوسط، بعد كتابه الأول «صورة غوانتانامو» الذي اقتصر طبعه على البشتونية فقط، وكتابه الثاني «أيام مع طالبان»، الذي كشف فيه عن الكثير من الأسرار المهمة التي اعتبرها المحللون في الغرب بالغة الأهمية لصدورها عن شخص مهم داخل الحركة، كان واجهتها في التفاوض مع الغرب ونقل أخبارها وقراراتها للإعلام العالمي.

ويرى المحللون أن هذا التطور مهم لأنه دليل على رغبة واشنطن والحكومة الأفغانية في التحادث مع جماعات المقاومة الطالبانية الرئيسية التي كانت الحكومة الأميركية تعتبر أن الاتصال معها يعتبر خطا أحمر. ومع أنه لا يعرف بعد من دفع الآخر إلى طاولة المفاوضات، فإن الصحيفة تقول إن ما يدفع طالبان هو أنها تعاني كثيرا من آثار الغارات الأميركية عليها ورغبة الجيل القديم من المقاتلين الذين يعرفون منفعة السلام في التوصل لصفقة قبل أن يخسروا الساحة للمتشددين الإسلاميين. إلا أن عبد السلام ضعيف في حديثه مع «الشرق الأوسط» قال إن جميع القيادات الجهادية خلال أي لقاءات ستصر على أنها تعمل تحت مظلة الملا محمد عمر حاكم طالبان. وأكد مصدر مطلع في العاصمة كابل أن المخابرات الباكستانية ستعرقل مسيرة المفاوضات إذا جرت من وراء ظهرها، وقد شاهدنا ذلك بعد اعتقال القائد العسكري الأعلى لطالبان، الملا عبد الغني برادر، الذي لعب دورا أساسيا في إعادة بناء حركة طالبان لتكون قوة محاربة فعالة، وفي إدارة الشؤون اليومية للحركة على مدار هذه الفترة وخلال وجوده داخل الأراضي الباكستانية بقصد إعاقة حركة المفاوضات. ويعتبر الملا برادر الرجل الثاني في قيادة حركة طالبان الأفغانية بعد زعيمها الملا محمد عمر، كما يعتقد أنه أحد أصهار القائد الأعلى لطالبان، وأنه كان عضوا في مجلس قيادة طالبان وقائدا لمنطقة غرب أفغانستان خلال المدة من 1996 إلى 2001 قبل أن يسقط النظام بعد دخول القوات الأميركية. وقال خبراء في باكستان وأفغانستان إن اعتقال برادر في كراتشي في فبراير (شباط) الماضي يشكل ضربة قوية لحركة طالبان، كما أن اعتقاله يشكل تحولا في سياسة باكستان حيال طالبان. ويعتبر برادر المسؤول عن إعادة تنظيم حركة طالبان، وإعادتها إلى العمل الجهادي المسلح ضد الاحتلال في عام 2003. ومعروف أن قوات طالبان قد تبعثرت بعد صدمة الاحتلال الأميركي في 2001. وكانت مهمة إعادة التنظيم وبدء المقاومة الجهادية المسلحة عملا شاقا، خاصة مع تبعثر العناصر الفاعلة داخل أفغانستان ومناطق القبائل الحدودية مع باكستان، ورسم استراتيجية العمل العسكري لم يكن أيضا بالعمل السهل، خاصة أن الخصم هو الأقوى عسكريا وسياسيا واقتصاديا في العالم.

وأضافت المصادر أن «مجلس شورى كويتا» قد يضطر إلى التعاون مع المخابرات الباكستانية، لكنه «زواج غير شرعي»، ولن يستمر طويلا. وعلى الجانب الآخر، يقول مقاتلو طالبان الذين أرهقهم القتال إنهم لا يثقون بنوايا مضيفيهم في باكستان على المدى الطويل، ويخشون من أنهم إذا سيطروا سيطرة عسكرية كاملة على أفغانستان سيجف الدعم الدولي، وقد يهمشهم جيل جديد صاعد من المتشددين. ولحركة طالبان اليد العليا من الناحية العسكرية على الرغم من وجود نحو 150 ألف جندي أجنبي. وينتشر النفور من القوات الأجنبية على نطاق واسع، وتنظر الغالبية إلى حكومة كرزاي على أنها فاسدة أو تفتقر للكفاءة. والشروط التي يقترحها كرزاي تكرار للاتفاق الذي كان يحاول تسويقه لسنوات من دون أن يحالفه النجاح، وهي إلقاء السلاح، وقبول الدستور، ونبذ العنف، ونبذ تنظيم القاعدة، في مقابل الحصول على مكان في حكومته. وقال الكاتب والمحلل الأفغاني محمود الرحمن لـ«الشرق الأوسط»: «ماذا ستجني طالبان من المحادثات والانضمام إلى الحكومة؟.. تعتبر حركة طالبان نفسها منتصرة في الحرب منذ سيطرت على الجنوب والشرق واخترقت الشمال. في ظل هذا الوضع يعتبر أي أمل بأنه هزلي». وتبنى مجلس قبلي كبير في يونيو (حزيران) خطة كرزاي لتشكيل مجلس للسلام لمحاولة إقناع قادة طالبان بالانضمام إلى المحادثات، مع استخدام الأموال والمساعدات الأخرى لإغراء المقاتلين بتغيير ولاءاتهم. وكان المتحدث باسم طالبان قاري أحمدي يوسف قد أكد لـ«الشرق الأوسط» في حديث سابق أن حركة طالبان تشترط طرد القوات الأجنبية كشرط للانخراط في أي محادثات مع كابل.

من جهته، يقول خبراء في الشأن الأفغاني «إذا لم يجروا محادثات الآن مع طالبان فستصبح قيادتها أكثر تشددا. هناك كثيرون من جيل غوانتانامو سيصبحون قادة وهم مقربون من (القاعدة) جدا ومتشددون للغاية». ويضيف محللون في العاصمة كابل «إذا قتلت القيادات الأكبر سنا ولم تتعامل معها، فإن هذه الدفعة الجديدة ستسيطر خلال عامين، ولن ترغب في إجراء محادثات على الإطلاق، وستكون في وضع أخطر كثيرا». وتتزامن تلك التقارير مع موعد اجتماع «مجلس السلام بأفغانستان»، الذي شكله الرئيس كرزاي من أجل دفع جهود المصالحة مع الجماعات الأفغانية المسلحة، ومن بينها حركة طالبان، بهدف إنهاء الحرب التي تشهدها أفغانستان منذ 9 سنوات.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر خاصة عربية على اتصال بالمفاوضات أن اتصالات جرت مع أقوى شبكة للمجاهدين في أفغانستان، وهي جماعة جلال الدين حقاني. فقد عقد حميد كرزاي محادثات مباشرة مع أعضاء بارزين في الجماعة أثناء الصيف، فيما تمت الاتصالات الأميركية عبر وسطاء واستمرت لأكثر من عام. وتوصف المحادثات الأفغانية والأميركية بأنها أولية. وتوصف جماعة حقاني بالشراسة حتى مع المقاومين الأفغان، ويعتقد أن لها علاقات مع تنظيم القاعدة. وتأتي الاتصالات مع حقاني بعد أن توصلت واشنطن وحلفاؤها في كابل إلى أنه لا يمكن استثناء الحركة من أي محادثات إن أُريد تحقيق سلام دائم في أفغانستان. وأكد مسؤول باكستاني بارز أن الحديث عن اتصالات بين كرزاي وجماعات المقاومة ليس عاريا عن الصحة، لكنه رفض تقديم تفاصيل. وقال مصدر غربي إن الولايات المتحدة تعتبر الآن جماعة حقاني الأقوى والأكثر تأثيرا على الساحة الأفغانية من «مجلس شورى كويتا»، الذي يضم 14 عضوا برئاسة الملا محمد عمر. وقال المصدر إن المجلس لا يزال قويا، لكن ليس بقوته التي كانت قبل عامين. وأضاف أن زعامته وقوته تراجعت في الميدان، ولم يعد مؤثرا مقارنة مع قوة جماعة حقاني. وبحسب المصادر المطلعة، فإن حقاني بات يعلم أن الحل عبر التفاوض هو النتيجة الطبيعية للصراع. ونقل عن دبلوماسي له علاقة بالمفاوضات قوله إن سراج الدين حقاني، الذي تولى قيادة الحركة من والده المريض جلال الدين حقاني، يرى أن دخول الحرب عامها العاشر جعله وجماعته يشعرون بالقلق من استبعادهم حالة تحقق أي حل. وأضاف الدبلوماسي قائلا إن «الجليد تكسر، فقد بات يشعر بأنه سيفقد كل شيء إن لم يدخل العملية».

ومع أن الجميع يعرفون أن هذا النزاع لن يحل إلا بالمفاوضات الجادة، فإن هذا لم يتم التوصل إليه. وتتهم مصادر أفغانية الحكومة الباكستانية التي يعتقد أنها مؤثرة على جماعة حقاني، بمحاولتها السيطرة على المحادثات مع «طالبان كويتا»، مما أدى لتعقيد مهمة الاتصال. ومع أن عددا من المصادر قال إن المحادثات تعبر عن تغيير في تفكير أوباما حول الاتصال مع طالبان والجماعات المقاتلة، فإن هناك خلافا حول مكان انعقاد الاتصالات، فقد أشار مصدر إلى دبي، حيث قال إن ممثلي طالبان طرحوا أفكارا حول شروط السلام، منها شرط يضم نفي الملا محمد عمر إلى السعودية. لكن مسؤولا سعوديا أكد أنه لا علم لبلاده بأي محادثات مع طالبان منذ أن انتهت محاولتها جمع الأطراف الأفغانية، بينما أكد الملا عبد السلام ضعيف لـ«الشرق الأوسط» أن مثل هذه الأنباء تهدف إلى شق الصفوف.

وبحسب مصادر عربية وأفغانية، فإن ممثلين عن طالبان والحكومة الأفغانية التقوا في لقاءات سرية بعد تلك التي انتهت العام الماضي واستضافتها السعودية. وأشارت المصادر إلى أن المحادثات لا تزال في بدايتها، وهذه هي المرة الأولى التي تصادق فيها الحركة على قيام ممثلين عن مجلس الشورى بالحديث مع الحكومة الأفغانية. ونقل عن مصدر له علاقة بالمحادثات قوله إن هناك رغبة جادة من طالبان في التوصل لمخرج. وقال المصدر إن «مجلس شورى كويتا» بدأ محادثات شاملة قد تؤدي إلى مشاركة أفراد من طالبان في الحكومة، واتفاق على انسحاب أميركي حسب جدول زمني يتم الاتفاق عليه. وما يدفع مجلس الشورى للجلوس مع الحكومة بعد أن رفض كل دعواتها للحوار هو ما يراه المصدر من خوف الحركة من التهميش. وتقول المصادر الأفغانية إن هناك اتصالات تمت بمبادرات فردية من قيادات طالبانية وعلى مستويات مختلفة. وأكد المصدر أن المحادثات لم تصل بعد إلى درجة التفاوض.