اليمن.. المحاصر

محللون سياسيون لـ «الشرق الأوسط»: نظام الرئيس صالح في مأزق وأمامه فرصة أخيرة

تسببت أزمة الطرود في إعادة اليمن إلى واجهة الأحداث العالمية بعد أزمة المدمرة الأميركية في العام 2000 (أ. ب)
TT

يعيش اليمن على وقع التطورات وردود الفعل المحلية والدولية التي خلفتها أزمة الطرود المفخخة، وكشف محللون سياسيون وأكاديميون يمنيون لـ«الشرق الأوسط » أن اليمن وعقب الحادثة، أصبح يواجه ضغوطا غربية لا قبل له بها، وتنبئوا بسيناريوهات عديدة تجعل اليمن مرشحا لاحتلال الصدارة في قائمة الدول التي تعد مسرحا وساحة ميدانية للحرب على الإرهاب.

ويعتقد مراقبون أن الحكومة اليمنية تمر، في الوقت الراهن، بأول موقف صعب جراء الضغوط الأميركية خصوصا، والدولية عموما بشأن أدائها في محاربة الإرهاب، منذ ما بعد حادثة تفجير السفينة الحربية الأميركية «يو إس إس - كول» عام 2000، وأيضا عندما برز اسم اليمن ضمن الدول المرشحة لتلقي ضربة عسكرية، إبان أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001، بعد أفغانستان.

هذه الظروف التي يمر بها اليمن حاليا، جاءت بفعل اكتشاف الطرود المفخخة المرسلة من اليمن إلى الولايات المتحدة، رغم أن هناك من يعتقد أن حدة الغضب الغربي من اليمن، خفت بعد اكتشاف طرود مفخخة مماثلة في بلدان أخرى، في عقر دار الغرب.

الجزء الأبرز والأعظم من الضغوط التي تواجهها حكومة الرئيس علي عبد الله صالح جراء أزمة الطرود، هو الإجراءات التي أقدمت عليها بعض الدول الغربية التي منعت بشكل كلي أو جزئي، الطيران اليمني من الهبوط في مطاراتها، بسبب المخاوف الأمنية من ضعف الأداء الأمني وتقليدية أساليب التفتيش المتبعة على طرود الشحن في المطارات اليمنية.

غير أن هذه الحالة التي يمكن أن تكون عارضة ومؤقتة سيجري إعادة النظر فيها من قبل الدول الغربية. لكن المحور الأساسي في مخاوف الولايات المتحدة والغرب عموما، ينبع من تنامي نشاط تنظيم القاعدة في مناطق عدة من البلاد، حتى إن عناصر ومسلحين باتوا يظهرون علانية في بعض المناطق كمحافظة أبين الجنوبية ويقتلون، يوميا، ضباط المخابرات ورجال الأمن. الأمر الآخر لمصدر تلك المخاوف هو الاعتقاد السائد الذي جرى التعبير عنه، في أكثر من مناسبة، ومن قبل أكثر من دولة والمتعلق بقدرة اليمن على مواجهة «القاعدة» والإمكانات لدى أجهزته الأمنية، سواء القدرات البشرية أو العسكرية والتقنية، رغم أن الولايات المتحدة رفعت، مطلع العام الجاري، من حجم مساعداتها العسكرية لليمن إلى أكثر من النصف، وذلك لجعله قادرا على مواجهة الإرهاب و«القاعدة»، هذا عوضا عن المساعدات العسكرية واللوجستية والتدريبية والمالية التي تتلقاها صنعاء من دول أوروبية عديدة.

وفي ضوء هذه التطورات، فإن هناك من يعتقد أن الحكومات الغربية سوف تمارس المزيد من الضغوطات على الحكومة اليمنية. ويقول الدكتور فؤاد الصلاحي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه الضغوطات ستكون عبارة عن تهديدات بعدم «تمويل المشاريع الاقتصادية، أو بالإعمال العسكرية المباشرة عبر القواعد الأميركية». واعتبر أن هذا الأمر «سيخلق قلقا شديدا للرئيس صالح في الداخل وفي الجوار الإقليمي».

وبناء على ما حدث وما يمكن أن يحدث، يعتقد الصلاحي أنه «لا بد من اعتماد رؤية سياسية استراتيجية للمصالح اليمنية، في إطار الإجماع الشعبي في الداخل ووفق التقاء المصالح اليمنية والغربية، عموما، والأميركية بوجه خاص»، ويتحدث الأستاذ الجامعي عن أن الأيام المقبلة «ستظهر أزمات في العلاقات الإقليمية والدولية، أيضا»، وأن هذه الأزمات «لن تنفرج إلا بالرضوخ للشروط الغربية»، على حد تعبيره أو اعتقاده.

وباعتبار أن قضية الطرود هي المحور الأساسي لكل ما يواجهه اليمن والعالم اليوم، فإن أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، الدكتور عبد الله الفقيه، يعتقد أن الأهمية الاستراتيجية لقضية الطرود، تكمن في أنها «أزاحت الستار عن 3 مسائل هامة لبقاء اليمن واستمراره في المستقبل القريب». والمسألة الأولى هي «وجود أزمة عميقة في علاقات اليمن الإقليمية والدولية تكاد تصل إلى مستوى فقدان النظام لشرعيته الإقليمية والدولية وهذه تمثل حصيلة لتراكمات سنوات من السياسات غير المنضبطة وغير العقلانية». أما المسألة الثانية «التي كشفت عنها قضية الطرود فتتمثل في حدوث انحدار مخيف في فاعلية النظام اليمني وبحيث بدا خلال الأزمة تائها تماما وفي انتظار ما سيصله من الخارج وغير قادر على التعاطي مع أزمة كان يمكن أن تمثل بالنسبة له نهاية محتومة لو أن الطرود لا سمح الله انفجرت». وأخيرا المسألة الثالثة التي يطرحها الفقيه وهي أن «التغطية الإعلامية المصاحبة لقضية الطرود والإجراءات التي اتخذتها الدول، تضمنت كلها رسائل صريحة وواضحة إلى اليمن وإلى الرئيس صالح شخصيا وكشفت في ذات الوقت السيناريوهات المستقبلية للتعامل مع اليمن».

ويقول الدكتور الفقيه لـ«الشرق الأوسط» إن حادثة الطرود المفخخة «قد تكون آخر فرصة للنظام اليمني لاستعادة ثقة المجتمع الدولي وللتكيف مع التوجهات الجديدة إقليميا ودوليا». وردا على سؤال حول ما يجب على اليمن القيام به وعمله بسرعة، يرد الفقيه أن على الحكومة اليمنية القيام، وخلال الأشهر الثلاثة المقبلة، بـ«أولا في ملاحقة الإرهابيين الأجانب وإلقاء القبض عليهم وتسليمهم إلى بلادهم بأقصى سرعة ممكنة وبأي ثمن»، ثانيا «تحقيق تقدم كبير وملحوظ في الحوار الوطني الشامل الذي يمثل كل الأطراف ويؤدي إلى احتواء الحراك الجنوبي والتمرد الحوثي»، والنقطة الثالثة والأخيرة فتكمن، حسب الفقيه، في «أن يقبل الرئيس صالح وحزبه بالمجتمعين الإقليمي والدولي كشركاء كاملين في ترتيب الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية»، ويضيف: «ومن وجهة نظري الشخصية فإن أمام صالح ولأول مرة خيارات واضحة وعليه أن يختار من بينها ويستوعب ما سيقود إليه كل خيار، وفي كل الأحوال فإن هذه قد تكون آخر فرصة أمام صالح لإنقاذ نظامه وبلاده».

وإزاء المأزق المتعدد الذي تمر به اليمن، فإن السلطات تعول كثيرا على دور أميركي لإخراجها مما تواجهه، ولعل ذلك تجلى في المحادثة الهاتفية التي دارت، قبل يومين، بين الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ونظيره الأميركي باراك أوباما، حيث طلب صالح من أوباما التدخل لدى الدول الغربية التي منعت الطيران اليمني من الهبوط في مطاراتها في ضوء أزمة الطرود. ولعل الولايات المتحدة استشعرت حجم المصاعب التي تواجه اليمن وسعي قيادته الإفلات من عواقب تعاظم «القاعدة» في اليمن والأخطار التي يمكن تصديرها من الأراضي اليمنية إلى الخارج، وذلك عندما أعلن السفير الأميركي في صنعاء جيرالد فايرستاين، أن الحكومة اليمنية لا تتحمل تبعات قضية الطرود.

ويتوقع المراقبون أن تسرع قضية الطرود بطرح قضايا كانت مؤجلة أو مجدولة لمناقشتها من قبل مجموعة «أصدقاء اليمن»، على مؤتمر الرياض المقرر الشهر المقبل في المملكة العربية السعودية، وهو ضمن سلسلة مؤتمرات واجتماعات مكوكية عقدت في لندن ونيويورك والرياض، فتلك الاجتماعات تهدف إلى مساعدة اليمن للخروج من أزماته والحؤول دون أن يتحول إلى دولة فاشلة وملاذا آمنا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. ولذلك فإن القضايا التي تنتظر طرحها في الرياض وربما أي لقاء استباقي، ستحدد ملامح الخطط الأميركية والدولية والإقليمية للتعامل مع اليمن وأزماته وانعكاساتها في الوقت الراهن وفي المستقبل.

وضمن السيناريوهات المتوقعة في حرب اليمن على الإرهاب والتي تتداولها الأوساط اليمنية المختلفة والمتعلقة بالضغوط، هي أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على الحكومة اليمنية للقيام بالتالي:

- تسليم مطلوبين في قضايا الإرهاب مثل الشيخ عبد المجيد الزنداني، رئيس جامعة «الإيمان» المتهم من قبل وزارة الخزانة الأميركية بدعم الإرهاب وغيره، طبعا وإلى جانب أنور العولقي وقادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

وبالطبع ترفض الحكومة اليمنية هذه المطالبات منذ فترة طويلة وتقول إن الدستور اليمني يمنع تسليم أي مواطن يمني إلى دولة أخرى، وعادة ما تطالب الولايات المتحدة بتقديم أدلة على تورط أي مواطن لمحاكمته أمام القضاء اليمن، لكن ومع التطورات الأخيرة، هل يمكن أن يختلف الحال؟.

- إرسال قوات خاصة لملاحقة مطلوبين أمثال أنور العولقي ومطلوبين يمنيين وسعوديين آخرين، وهذا الأمر، أيضا، ترفضه الحكومة اليمنية وتقول إن قواتها الأمنية قادرة على ملاحقة أي من المطلوبين، ويبقى هذا الأمر دون إجابة، حتى اللحظة، أيضا، خاصة أنه من القضايا الحساسة جدا والتي قد تؤلب الشارع اليمني وبالأخص الفئات الدينية أو المحافظة ضد النظام.

وبين صراع الأجهزة الأمنية مع «القاعدة» والمخاوف الدولية من تنظيم القاعدة ونشاطه في البلاد، هناك المواطن اليمني الذي نزلت قضية الطرود المفخخة كالصاعقة عليه وبات بلده في عشيه وضحاها مصدر أكبر خطر إرهابي يهدد العالم.

وضمن ما يتوقع أن تقدم عليه صنعاء لامتصاص غضب المجتمع الدولي، الحد من تساهلها مع الجماعات الدينية المنتشرة في طول وعرض البلاد والتضييق عليها ومنعها من الاستمرار في التحريض ضد الآخر. وخلاصة القول إن سماء اليمن السياسية والأمنية ملبدة بغيوم ما تحمله ما زال في رجم الغيب، والغيب هنا يثير مخاوف بسطاء الناس وهم ينظرون لما يجري في العراق والصومال وأفغانستان وباكستان، وهذا هو طرح المواطن اليمني اليوم.