العلاقات الأردنية الإسرائيلية بين المد المعلن.. والجزر المخفي

بعد مرور 16 عاما على توقيع اتفاقية وادي عربة

حرق العلم الإسرائيلي خلال إحدى المظاهرات في عمان (رويترز)
TT

تعيش العلاقات الأردنية الإسرائيلية بين المد المعلن والجزر المخفي وإعطائها صبغة السرية والتكتم الشديد حيال الكثير من أوجهها المتداخلة منذ توقيع معاهدة السلام في 24 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1994 والتي أنهت 46 عاما من حالة اللا حرب واللا سلم بين الجانبين.

فبعد مرور 16 عاما «على مراسم إشهار الاتفاقية أمام العالم، وإيداع نسخ من المعاهدة لدى الأمم المتحدة، لا تزال عمان تتصرف مع تل أبيب على استحياء، على نحو أقرب إلى السرية، لاعتبارات متعددة أهمها حساسية مشهد الساحة الداخلية.

متانة العلاقة يعكسها مع ذلك مستوى التعاون الثنائي المستمر، خاصة في شقها الأمني، رغم غياب السفير الأردني عن الساحة الدبلوماسية في تل أبيب أكثر من مرة لفترات متقطعة منذ أن اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في نهاية 2001 وترك أمور إدارة الشؤون الثنائية لقائم بالأعمال وكان آخرها تعيين السفير الأردني علي العايد وزيرا للدولة لشؤون الإعلام لكي يبقى المنصب شاغرا وسحبه بطريقة هادئة ردا على اعتداء إسرائيل تجاه أسطول الحرية نهاية شهر مايو (أيار) الماضي.

من يطالع الصحف المحلية، أو يراقب نشرة أخبار التلفزيون الرسمي، يظن أن الأردن لا يزال في حالة عداء مع إسرائيل، رغم متانة العلاقة التي تعكس عمق المصالح الاستراتيجية المشتركة.

حتى طريقة تقديم أخبار النشاطات الثنائية تنطوي على حذر شديد. فمثلا لا مشكلة في إظهار مسؤول أردني يستقبل وفودا من عرب إسرائيل تمثل الكنيست أو الفعاليات الاقتصادية والسياسية، لكن ثمة تغييب شبه تام لأغلب لقاءات التعاون الثنائي منذ نجاح حزب الليكود الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو وتراجع إسرائيل عن تعهداتها بمقتضى اتفاقات السلام مع الفلسطينيين.

ربما اختارت الحكومة الأردنية اللجوء إلى أسلوب الحذر الشديد بسبب أجواء الواقعية السياسية، ولكي لا تثير حفيظة أغلب الأردنيين، سيما أن نصفهم من أصول فلسطينية اضطروا إلى الهجرة من بلادهم عقب حرب 1948 وما زالوا يتمسكون بحق العودة والتعويض حسب نصوص قرارات الأمم المتحدة.

وهناك عدد كبير من المعارضين، على أسس آيديولوجية، لحق إسرائيل في البقاء، إضافة إلى سيطرة مشاعر العداء الشعبي تجاه حكام تل أبيب بسبب ممارسات القمع، ومخاوف من أطماعهم التوسعية. كذلك يبرز إمعان إسرائيل باستئناف الاستيطان وخاصة في القدس لأنه سيضيق الخناق على المدن الفلسطينية والأحياء العربية في القدس التي تطالب السلطة بأن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة.

وهناك أيضا ملف الأسرى الأردنيين الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية بسبب عمليات قاموا بها ضد إسرائيل، وترفض إسرائيل الإفراج عنهم كبادرة حسن نية تجاه الأردن، مع أنه سبق أن أفرجت عن أسرى لعدوهم التقليدي حزب الله في صفقة سياسية أحرجت الأردن كثيرا.

يتراوح عدد الأسرى بين 11 شخصا حسب سجلات وزارة الخارجية و30 أسيرا حسب رصد «لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي». وعلى مضض وبعد مفاوضات شاقة أفرجت إسرائيل عن 7 أسرى أمنيين كما أخلت سبيل 14 معتقلا على خلفية تجاوز حدود الإقامة، لكنّ هناك أسرى أردنيين ترفض إسرائيل البحث في مشكلتهم على الرغم من أنها سلمت السلطات الأردنية أربعة أسرى أمضوا محكوميات في السجون الأردنية وتم إخلاء سبيلهم بعد الاتفاق على المدة التي سيمكثونها في هذه السجون.

تطالب أحزاب المعارضة ولجنة مقاومة التطبيع بوقف كافة أشكال التطبيع مع إسرائيل، وإغلاق السفارة الإسرائيلية في عمان وإرجاع السفير الإسرائيلي وطاقم سفارته من الدبلوماسيين والإداريين وهذا الشعار حاضر في كل مظاهرة أو مناسبة أو تجمع سواء للأحزاب والنقابات المهنية.

خلال سنوات أدرجت أسماء تجار وقانونيين وصحافيين على لائحة سوداء تابعة للنقابات كعقاب وتشهير لكل من أعضائها الذين ثبت أنهم زاروا إسرائيل للنقاهة، أو أقاموا علاقات تجارية مشروعة ضمن اتفاقية السلام.

تستمر سياسة التعتيم الرسمي يوما بعد يوم، لكن التعاون الثنائي يجري تحت أقدام الجميع دون توقف، فمعظم المؤتمرات التي تعقد في منطقة البحر الميت أو في العاصمة عمان أو العقبة تشارك إسرائيل فيها تحت اسم الولايات المتحدة الأميركية أو بريطانيا أو كندا أو غيرها من الدول الأجنبية، كما أن الاجتماعات التنسيقية تعقد باستمرار لمناقشة مواضيع مشتركة سواء مكافحة الحرائق في غور الأردن أو مكافحة آفة من الأمراض التي ضربت محصول البندورة أو غيرها من الاجتماعات الأمنية التي لم يعلن عنها، كذلك الحال في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، فالتعاون جار على قدم وساق منذ أسس الجانبان لجنة عليا لتطوير العلاقات بين مدينة العقبة الأردنية على البحر الأحمر ومدينة إيلات الإسرائيلية المجاورة.

لا يكاد يمر أسبوع إلا وتجتمع إحدى اللجان الفرعية الثماني المنبثقة عن اللجنة الأم، لمتابعة شؤون مشتركة منها اقتصادي وعمالي، ومياه وبيئة في منطقة تشكل نواة لمنطقة جذب سياحي واقتصادي مستقبلي للمنطقة.

هناك أيضا حراك اقتصادي وسياحي ولكنه ليس كما كان قبل ثلاثة أعوام، على الرغم من أن معاهدة السلام بين الجانبين أنهت المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل واستبدلت بها علاقات تعاون ومناطق تجارة حرة وإبرام عشرات الاتفاقيات والبروتوكولات الثنائية بين الطرفين، وبين عامي 1994- 1998 ازدادت اللقاءات والزيارات والاتصالات بين المسؤولين الأردنيين ونظرائهم الإسرائيليين، والاتفاق على مشروع قناة البحرين وإجراء مناورات بحرية مشتركة.

ولكن هذه العلاقات تعاني من مشاكل أبرزها الموقف الشعبي الأردني المعارض للتطبيع مع إسرائيل وعدم استجابة الأخيرة لمبادرة السلام العربية التي تبناها العرب في مؤتمر قمة بيروت عام 2002 والتأكيد المستمر على تبني تلك المبادرة لحل الصراع العربي - الإسرائيلي، حيث تؤكد المبادرة استعداد العرب للحوار والوصول إلى اتفاق للسلام بشرط انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها سنة 1967 والقبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعودة اللاجئين الذين خرجوا من فلسطين سنة 1948 إلى ديارهم.

ولعل ما يبرهن على التراجع في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، أن السفير الإسرائيلي في عمان دانييل نيفو قد اشتكى مؤخرا من تراجع حجم صادرات بلاده للأردن وإحجام المستوردين الأردنيين عن شراء البضائع الإسرائيلية، كما أطلقت لجان مقاومة التطبيع النقابية الأردنية مؤخرا حملة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية تحت شعار «نحو أردن خال من بضائع العدو الصهيوني» تزامنا مع الذكرى الـ 62 لنكبة فلسطين في 15 مايو (أيار) الماضي.

وتقود لجان مقاومة التطبيع الأردنية حملة ضد الاستيراد من إسرائيل باعتبار أن ذلك شكل من أشكال التطبيع معها وتناشد اللجان باستمرار التجار الأردنيين بعدم الاستيراد من إسرائيل.

ويذكر أن حجم التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل بلغ العام الماضي 2009 نحو 231 مليون دولار أميركي متراجعا عن قيمته المتحققة في عام 2008 الذي بلغ نحو 342 مليون دولار.

ويندرج التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل، في إطار اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي التي تم توقيعها عام 1995، وأنهت المقاطعة الاقتصادية بين الدولتين، على أثر توقيع اتفاقية السلام في وادي عربة عام 1994.

وبموجب اتفاقية السلام بين الجانبين ترتبط عمان مع تل أبيب أيضا باتفاق تجارة «الكويز» إلى جانب الولايات المتحدة والذي كان قد وقع عام 1996.

ويرى مراقبون أن تصاعد الانتقادات اللاذعة، التي يوجهها العاهل الأردني باستمرار لحكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، يعكس مدى التدهور والفتور الحاصل في العلاقات الأردنية الإسرائيلية، حيث دأب الملك عبد الله الثاني في الفترة الأخيرة على توجيه انتقادات لاذعة لإسرائيل خاصة بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن «القدس ليست مستوطنة وأنها عاصمة إسرائيل» وتأكيده على أن الاستيطان سيتواصل بها كما كان الحال قبل 42 عاما، «أي منذ احتلال القدس».

وكان العاهل الأردني أكثر وضوحا عندما صرح لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية مؤخرا بأن سياسة نتنياهو القائمة على الاستيطان في القدس الشرقية دفعت العلاقات بين الأردن وإسرائيل إلى أدنى مستوى لها منذ معاهدة السلام بينهما في العام 1994، وقال إنه وغيره من الزعماء العرب «المعتدلين»، تساورهم الشكوك بشكل متزايد في «قدرة نتنياهو على تقديم التنازلات الضرورية لبناء دولة فلسطينية مستقلة تقوم على حدود عام 1967 وتكون عاصمتها القدس الشرقية»، كما أدت تصرفات نتنياهو في السنة الماضية إلى تراجع العلاقات بين الجانبين إلى مستوى متدن جدا. ويرى المراقبون أنه على الرغم من الشعور بالفتور بالعلاقات الأردنية والإسرائيلية فإن التنسيق الثنائي بين الجانبين ما زال قائما دون ضجيج إعلامي، وأن التبادل الاقتصادي والتجاري قليل عما كان قبل ثلاثة أعوام، مؤكدين أن هذه الحالة لن تستمر طويلا إذا حدث انفراج على المسار السياسي الفلسطيني الإسرائيلي.