أميركا اللاتينية الأكثر قبولا لرئاسة المرأة

الولايات المتحدة لم تحكمها رئيسة بعد.. ودول إسلامية وأفريقية سبقتها

TT

أول من أمس، نفت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، في مقابلة مع تلفزيون «سي إن إن» أنها ستترشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2012، منافسة للرئيس باراك أوباما الذي سيترشح مرة ثانية. وفي الأسبوع الماضي، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن أوباما عرض على كلينتون أن تكون نائبته في الدورة الثانية، بدلا عن نائبه الحالي: جوزيف بايدن. ويوجد احتمال كبير بأنها ستقبل، لأنها بعد نهاية دورتين لأوباما، سنة 2016، سيكون عمرها واحدة وسبعين سنة. وغير هيلاري، هناك ساره بالين، الجمهورية التي صعد نجمها بسرعة كبيرة بعد أن اختارها المرشح الجمهوري جون ماكين على تذكرته كنائبة للرئيس. لكن بالين تنتمي إلى الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري، ومن المستبعد أن يرشحها الحزب للمنافسة على رئاسة الجمهورية. لهذا، يبدو أن سنوات كثيرة ستمضي قبل أن تحكم أميركا امرأة.

وبحسب إحصائيات جمعية النساء القائدات في العالم، التابعة لمعهد اسبن (ولاية كولورادو)، فإن أكثر الدول التي تحكمها، أو حكمتها، نساء توجد في أميركا اللاتينية (الوسطى والجنوبية والكاريبي)، وجاء تصنيف الرئيسات كالتالي:

أولا: رئيسات مسلمات، سابقات وحاليات (لا توجد عربيات): ميغواتي سوكارنو (إندونيسيا)، بي نظير بوتو (باكستان)، خالدة ضياء (بنغلايش)، حسينة وازد (بنغلاديش)، تانسو شيلار (تركيا).

ثانيا: أوروبيات، مثل: غرو برونتلاند (النرويج)، ميشيل راي (سويسرا)، اديث كريسون (فرنسا)، يادرانكا كوسور (كرواتيا)، فغديس فينبوغاجوتير (آيسلندا)، تارجا هالونين (فنلندا)، ماري ماكاليس (آيرلندا)، انجيلا ميركل (ألمانيا)، ماري روبنسون (آيرلندا)، جيني شيلي (نيوزيلندا)، حنا سوشوكا (بولندا)، يوليا تيموشنكو (أوكرانيا)، ماغريت ثاتشر (بريطانيا).

ثالثا: آسيويات، مثل: باندرانايكا (سريلانكا، أول رئيسة في العالم، سنة 1960)، شاندرا كومار (سريلانكا)، غلوريا ماكاباغال (الفلبين)، كورازون اكينو (الفلبين)، انديرا غاندي (الهند).

رابعا: أفريقيات، مثل: لويزا دياس (موزمبيق)، ايلين سيرليف (سيراليون)، سلفا كينغي (بورندي)، اغاثا اوينغويلامارينا (رواندا). وهناك أيضا: جيني شيلي (نيوزيلندا)، هيلين كلارك (نيوزيلندا)، جوليا غيلارد (استراليا)، كيم كامبل (كندا)، غولدا مائير (إسرائيل).

لكن، الأغلبية، وخاصة في الوقت الحاضر، موجودون في أميركا اللاتينية:

ميشيل باشيليه (شيلي)، سوزان كاميليا (جزيرة الانتيل)، فيولينا شامورو (نيكاراغوا)، بياتريس ميرينو (بيرو)، ايزابيلا بيرون (الارجنتين)، يوريشيا ميلر (جزيرة جامايكا)، جانيبت جاغان (غيانا)، يوجينا شارلز (جزيرة دومنيكا)، ماريا دي ايرياس( بنما)، ليديا غويلار (بوليفيا)، ارثا تروليه (جزيرة هايتي)، روزاليا ارتيغا (اكوادور)، كريستينا كيرشنر (الارجنتين)، لورا شنشيلا (كوستاريكا)، ديلما روسيف (البرازيل).

ديلما روسيف (البرازيل) كانت آخر رئيسة فازت في انتخابات رئاسة الجمهورية قبل أسبوعين. كان يمكن القول إن ايفيتا بيرون (الأرجنتين) هي أول رئيسة، قبل أكثر من نصف قرن. لكنها كانت زوجة رئيس، وكأنها رئيسة.

توفيت إيفيتا قبل ولادة كل رئيسات أميركا اللاتينية الحاليات. لكنهن، كلهن تقريبا، قلن إنها كانت رمز المرأة المناضلة بالنسبة لهن. وذلك لأكثر من سبب: أولا: طبعا، امرأة. ثانيا: قادت رفع الظلم عن نساء وطنها. ثالثا: قادت رفع الظلم عن الفقراء والضعفاء، ليس فقط في الأرجنتين، ولكن أيضا في كل أميركا اللاتينية. بل صارت رمزا لذلك حول العالم. ولا تذكر ايفيتا بيرون، إلا وتذكر مسرحية «ايفيتا» التي مثلت الممثلة ليزا مانيليي دورها، وإلا ويذكر فيلم «ايفيتا» الذي مثلت الممثلة مادونا دورها، وإلا وتذكر أغنية: «لا تبكي علي يا أرجنتين».

كانت ايفيتا الزوجة الثانية للرئيس الجنرال خوان بيرون، الذي جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري، وسط سلسلة انقلابات عسكرية استمرت نصف قرن تقريبا في كل دول أميركا اللاتينية.

كان الزوج جنرالا يمينيا ومحافظا، وكانت الزوجة يسارية ثورية، وكان زواجا غريبا من هذه الناحية الأيدلوجية. كانت قوته داخل القوات المسلحة، وكانت قوتها داخل نقابات العمال والنساء والصحافيين وأساتذة الجامعة. دافعت عن منح المرأة حق التصويت في الأرجنتين، وأسست أول حزب نسائي هناك أول حزب سياسي. لهذا، لم يكن غريبا أن زوجها اختارها وزيرة للعمل والصحة.

وخلال عشر سنوات، وبسبب قوة الزوج العسكرية والزوجة الثورية، أسسا حزبا باسمهما: «بيرونيستا» (البيروني). حتى اليوم، يحكم الحزب الأرجنتين، وبجناحيه: اليميني، الذي ينتقد أحيانا بأنه فاشتسي. والجناح اليساري، (الذي ينتقد أحيانا بأنه ثوري).

توفيت إيفيتا وعمرها 33 سنة فقط. ويتعجب بعض الناس ماذا كانت ستفعل لو عاشت أكثر من ذلك. حتى فيدل كاسترو، قائد ثورة كوبا، وربما زعيم الحركات الثورية في كل أميركا اللاتينية، اعترف بأنها أثرت عليه. (بعد خمس سنوات من وفاتها، قاد الثورة في كوبا، وأسقط الدكتاتور باتستا، صديق الولايات المتحدة).

اشتهرت إيفيتا، رغم أنها لم تكن رئيسة، ورغم أن الزوجة الثالثة للرئيس بيرون، إيزابيل، صارت رئيسة بعد وفاته (لسنة واحدة، حتى أجريت انتخابات لم تفز فيها). لكن، كانت الزوجة الثالثة أقل سياسية وأقل ثورية وأقل جمالا من الزوجة الثانية إيفيتا. وربما لهذا خلد التاريخ إيفيتا.

كريستينا كيرشنر، أول امرأة تنتخب رئيسة للأرجنتين، قبل أربع سنوات، والرئيسة الحالية، تقول دائما: «النساء من جيلي مدينات لتلك المرأة غير العادية. لم تشهد الأرجنتين، وربما كل العالم، امرأة مثل ايفيتا. جمعت بين العاطفة والنضال، بين العائلة والوطن، بين التضحية في سبيل العائلة والتضحية في سبيل الوطن». خلفت كريستينا زوجها نوسير كيرشنر (توفي في الشهر الماضي). وكان الاثنان محاميين، ثم عملا في السياسة. في البداية، سارا على خطى الحزب البيروني، حزب إيفيتا. وكانا ثوريين في الجامعة، حيث درسا القانون، وتقابلا وتحابا وتعاهدا على الكفاح المشترك وتزوجا.

لكنهما لم يتفقا مع ازدواجية حزب «بيرونيستا» (الحزب البيروني) الذي جمع بين جناحين: يميني ويساري، خاصة عندما اشتبك اليمينيون «الفاشستيون» في شوارع بيونس آيرس مع اليساريين «ثوار مونتونورس». لهذا، تركا بيونس ايرس وذهبا إلى الريف، وأسسا حزب «جيستياليو» (العدل)، وكان فرعا محايدا من الحزب البيروني. وترشحا في مناصب محلية، ومناصب ولايات، ثم عادا إلى بيونس آيرس، وتحالفا مع الحزب البيروني، بل صارا جزءا منه. وفي سنة 2003، فاز الزوج نستور كيرشنر برئاسة الأرجنتين، وساعدته زوجته كثيرا في الحملة الانتخابية. ورغم أنها كانت السيدة الأولى فقط، سماها الصحافيون «نائبة الرئيس» أو «الرئيس الخفي». وفي انتخابات سنة 2007، ترشحت وفازت، وفي هذه الحالة ساعدها زوجها. وصار الزوج «الرئيس الخفي». مع زوجها، سارا على الخط البيروني اليساري، وتحالفا مع يساريين مثل كاسترو (كوبا)، شافيز (فنزويلا). ولهذا، لم ترض الولايات المتحدة عنهما (خلال سنوات الرئيس السابق بوش الابن). الزوج تعارك مع بوش بسبب ديون صندوق النقد الدولي على الارجنتين، والتي كادت أن تحطم البلاد. وكان بوش وراء ذلك بسبب تحالف الأرجنتين مع فنزويلا. والزوجة تعاركت مع بوش بسبب تدخل السفير الأميركي في شؤون الأرجنتين الداخلية، وأمرته ألا يغادر العاصمة بيونس آيرس، وألا يجتمع مع مسؤولين إلا بأذن منها. في الشهر الماضي، انتخبت جمعية رئيسات الدول في معهد اسبين (ولاية كولورادو) ميشيل باشيليه، رئيسة لها. وفي نفس الوقت، انتخبتها الأمم المتحدة رئيسة للمجلس النسائي التابع لها، وهو أول مجلس من نوعه في الأمم المتحدة، وهدفه هو رفع الظلم عن نساء العالم. حتى السنة الماضية، كانت ميشيل رئيسة لشيلي. وأيضا، رئيسة ليبرالية. كانت أول امرأة تتولى الرئاسة في تاريخ البلاد. فازت على الملياردير، والرئيس الحالي، بينيرا. كانت حملته الانتخابية تركز على سياسات السوق الحرة، وكانت حملتها تركز على تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء. فازت عليه سنة 2006، وفاز عليها سنة 2010.

ميشيل طبيبة أطفال، وأيضا درست الاستراتيجية العسكرية. في عرض لحياتها كتبت مجلة «تايم» الأميركية: «ربما أول امرأة في العالم تتخصص في الأطفال والعسكرية». وقالت هي عن نفسها، وهي تتندر: «يقولون إن الرجال يحبون العسكرية، والنساء يحببن الأطفال. أنا أقول إننا كلنا نحب الأطفال والعسكرية». لهذا، لم يكن غريبا أنها صارت وزيرة الدفاع في عهد الرئيس لاغوس (الليبرالي الذي سبقها). لكنها أبعد ما تكون عن التشدد، والديكتاتورية، والخشونة التي دائما ترتبط بالعسكريين. إنها أم لثلاثة أطفال. وتتحدث الإسبانية (لغتها الأم) والإنجليزية والألمانية والبرتغالية والفرنسية. في عام 2009 وضعتها مجلة «فوربس» الأميركية في قائمة أهم 100 امرأة في العالم. الأكثر نفوذا في العالم. وفي عام 2008، وضعتها مجلة «تايم» في قائمة أهم 100 شخص في العالم.

ولا تذكر شيلي إلا ويذكر الرئيس الثوري سلفادور الليندي (قتل سنة 1973 في انقلاب عسكري خططت له وكالة الاستخبارات المركزية سي آي إيه). قاد الانقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه، الذي حكم شيلي حكما قاسيا حتى سنة 1990، عندما عادت الديمقراطية. ومثلما اشتهرت رئيسات في أميركا اللاتينية بنضالهن (ودخولهن السجون) خلال العهود العسكرية في بلادهن، مثل رئيسة البرازيل الحالية، ورئيسة الأرجنتين الحالية، وجدت رئيسة شيلي السابقة نصيبها من النضال والتعذيب. بل زادت عليهن بشيء آخر: نفيت خارج وطنها.

كان والدها وزير الأغذية في حكومة الليندي اليسارية. وعندما جاء الجنرال بينوشيه إلى الحكم، اعتقله بتهمة الخيانة. وعانى شهورا من التعذيب. وتوفي بالسكتة القلبية وهو في السجن. ثم اعتقلت البنت ميشيل، وكانت طالبة في كلية الطب، ووالدتها. ثم نفيتا إلى خارج وطنها. غادرتا إلى استراليا، ثم ألمانيا الشرقية، حيث أكملت البنت شهادتها في طب الأطفال. هناك قابلت الزوج الأول، دافالوس، اليساري أيضا. وفي سنة 1979، عادا إلى وطنهما بعد وعد من الجنرال بونيشه. لكنه أخلف الوعد، وبدأ يضايقهما، وخاصة هي، بالأجهزة الأمنية والاستخبارات.

في وقت لاحق، اختلفت مع زوجها في كيفية النضال. كان واضحا أنها أكثر ثورية منه. ثم زادت المشكلات بينهما عندما انضمت إلى منظمة «رودريغوز» الثورية العسكرية. تعلمت العمل العسكري النضالي. لم تشترك في المحاولة، لكن المنظمة حاولت اغتيال الجنرال بينوشيه. ثم زادت المشكلات مع زوجها عندما وقعت في غرام الكيس تراير، وكان من قادة المنظمة القتالية.

بعد أن عادت الديمقراطية إلى وطنها، اختلفت مع الثاني. كانت حصلت على منحة في كلية عسكرية أميركية، ووقعت في غرام انيبال كوناسيدا، الذي كان على نقيض الاثنين السابقين. كان يمينيا وله صلات بنظام الجنرال بينوشيه. وهكذا تنقلت بين ثلاثة رجال: الأول المناضل السلمي (أنجبت منه طفلتين)، الثاني المناضل القتالي (لم تنجب منه)، الثالث البرجوزاي (أنجبت منه طفلة). ثم طلقته أيضا. لكنها، وهي المرأة الطيبة، لم تقطع علاقاتها بالثلاثة، خاصة بسبب الأطفال. وكررت القول بأن العائلة أهم من السياسة. قالت مرة «الدم أقوى من الماء».

نفس هذه الجملة قالتها رئيسة البرازيل الجديدة، ديلما روسيف، التي فازت في الشهر الماضي.

قبل ثلاثين سنة من فوزها برئاسة البرازيل، تزوجت بزميل مناضل ضد نظام جنرالات دكتاتوري آخر. وعندما اعتقل، قررت أن تحمل السلاح. ذهبت إلى معسكرات سرية في الريف البرازيلي، حيث أقام الثوار مدارس لتدريس الثورة، وأيضا، لتعليم استعمال المسدسات والبنادق والكلاشنكوف.

واشتركت في محاولة للهجوم على السجن الذي فيه زوجها، ومناضلون آخرون، لإطلاق سراحهم. لكن، فشلت المحاولة، وهربت. ثم اشتركت في محاولات للسطو على بنوك لسرقة أموال لتمويل الثورة. وكادت أن تقتل أو تعتقل، في سنة 1969، عندما هجمت الشرطة على منزل سري كانت فيه مع ثوريين وثوريات. واستخدمت في الاشتباكات قنابل ومسدسات وأسلحة رشاشة. وقتل ثوري وجنديان. في وقت لاحق أطلق سراحها. لكن، بعد زواج عشر سنوات، تطلقا، ووقعت في غرام ثوري آخر: بولا ايولو الذي رافقها لثلاثين سنة تقريبا. لم يكن الزوج الثاني ثوريا أقل من الزوج الأول. لكن، تغيرت الظروف. وانتهت عهود الديكتاتورية العسكرية.

صار واضحا أن ديلما البرازيلية، مثل ميشيل الشيلية، لم تكن سعيدة الحظ في الحب، مثلما في الثورة والسياسة. قبل عشر سنوات، طلقت زوجها الثاني بعد أن اكتشفت أنه أنجب طفلة من عشيقة. ومثلما كانت طيبة مع الزوج الأول بعد طلاقهما، فعلت نفس الشيء مع الثاني. بعد طلاقها من الأول (الثوري المقاتل) ظلا صديقين. وبعد طلاقها من الثاني (الثوري المدني) ظلا صديقين. وعندما اعتقل الثاني وأدين وسجن بتهمة الفساد، زارته في السجن، وهي السياسية المشهورة، التحقت بعمل مؤقت داخل السجن لتكون قريبة منه.

جملة «الدم أقوى من الماء» استعملتها رئيسة البرازيل الجديدة. وأيضا، رئيسة شيلي السابقة.

ربما لأن النساء المناضلات في أميركا اللاتينية يردن أن يكن زوجات وأمهات، وأيضا مناضلات، وحتى إذا اختلفن مع أزواجهن في النضال، لا يختلفن في أهمية العلاقات العائلية. وربما لأنهن، وهن المسيحيات الكاثوليكيات المحافظات، يردن الجمع بين رفع الظلم وقوة العائلة.