السياسي الذي قتله حارسه

اغتيال حاكم البنجاب على يد حارسه الشخصي بسبب معارضته قوانين التجديف يشعل جدلا في باكستان

TT

أثار اغتيال سلمان تاسير، حاكم إقليم البنجاب، أكبر أقاليم باكستان، على يد حارسه الشخصي، جدلا واسعا في الشارع الباكستاني، لم تشهده البلاد منذ اغتيال زعيمة حزب الشعب السابقة ورئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو في ديسمبر (كانون الأول) 2007. ولكن الاغتيال سلط الضوء أيضا على انكشاف البلاد أمام المتشددين الإسلاميين الذين تمكنوا حتى من اختراق رجال الأمن.

وتاسير لم يكتف قبيل مقتله، بالصراع مع الخصوم السياسيين، بل عمد إلى إثارة غضب جماعات الضغط الدينية في باكستان بتأييده ردة امرأة مسيحية، وبمعارضته لقوانين التجديف المثيرة للجدل في باكستان. وعلى الرغم من التناقضات الكثيرة التي اكتنفت حياته، فإن موته على يد حارسة الشخصي أدخل باكستان في حالة من الجدل تهدد بخلق انقسامات أعظم من تلك التي تسبب فيها قبل مقتله بتصريحاته السياسية.

وقد شارك رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني في مراسم دفن تاسير، الذي أقيمت له جنازة رسمية وووري جثمانه الثرى ملفوفا بالعلم الباكستاني. وأعلنت الحكومة الباكستانية الحداد ثلاثة أيام، في حين قام ناشطون من حزب الشعب الباكستاني بمظاهرات في مناطق متفرقة من البلاد للتنديد بعملية القتل البربرية لأحد زعماء الحزب. وخلال مراسم الجنازة قام العمال الغاضبون من حزب الشعب الباكستاني برفع شعارات تندد بقتلة الحاكم تاسير ووصفوا العملية بأنها جزء من مخطط لزعزعة استقرار باكستان.

وكان تاسير قد لقي مصرعه على يد حارسه الشخصي الذي أطلق عليه 27 طلقة نارية، في إسلام آباد، بعد خروجه من مطعم كان يتناول فيه طعام الغداء. وقد سلم القاتل نفسه للشرطة واعترف بجريمته، مبررا قتله للحاكم بأنه قتله لأنه هاجم قانون الردة الذي يقضي بالموت على المرتد عن الدين الإسلامي.

وعلى الرغم من جهود الحكومة الباكستانية والحزب السياسي الحاكم في تصوير سلمان تاسير كبطل وشهيد، فإن قطاعا كبيرا من الشعب الباكستاني يذهب إلى حد بعيد في تبرير عملية الاغتيال. فقد أثنى أكثر من 500 من رجال الدين المنتمين إلى الطريقة البريلية (وهي فرقة على مذهب الإمام أبو حنيفة نشأت في مدينة بريلي بالهند أيام الاستعمار البريطاني وقد اشتهرت بتقديس الأنبياء والأولياء عامة والنبي محمد صلى الله عليه وسلم خاصة)، على القاتل وحثوا المسلمين في البلاد على مقاطعة مراسم الجنازة. وتحدثت وسائل الإعلام الباكستانية عن انتماء الحارس الشخصي الذي قتل تاسير، إلى جماعة «دولة الإسلامي»، وهي جماعة إسلامية غير عنيفة متفرعة من الطائفة البريلية.

وقد أصدرت أضخم هيئة للطريقة البريلية، والمعروفة باسم «جماعة أهل السنة الباكستانية» التي تعتبر توجيهاتها ملزمة لكل الجماعات التي تعتنق مذهب الطريقة البريلية، بيانا قالت فيه: «لا ينبغي لأي مسلم حضور جنازة سلمان تاسير أو حتى الدعاء أو التعبير عن أي نوع من الندم أو التعاطف معه إزاء الحادث».

وكان سلمان تاسير قد أثار غضب الجماعات الدينية عندما أعلن عن دعمه لباكستانية اعتنقت المسيحية بعد إدانة المحكمة لها بالردة. وقال مسؤولو الشرطة إن حارس الأمن القاتل معتز قادري قال لمحققي الشرطة إنه قتل الحاكم تاسير لأن الأخير وصف قانون الردة «بالقانون الأسود». وكان قد التقى بامرأة مسيحية تدعى آسيا بيبي، وهي أم لثلاثة أولاد، حكم عليها بالإعدام، بعد أن اشتكت امرأتان مسلمتان تعملان معها، من أنهما سمعتاها تطلق عبارات ازدراء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم خلال جدل حول الماء معهما. وتعود قوانين التجديف التي تعتمدها البلاد إلى أيام الاستعمار البريطاني في القرن الـ19، ولكنها اتخذت منحى خطيرا في ظل حكم الجنرال ضياء الحق عام 1980. وغالبا ما يتم استغلال النظام لملاحقة الأقليات في باكستان أو لتسوية حسابات شخصية، إلا أنه يحظى بتأييد كبير من رجال الدين الذين يدافعون عنه ويقولون إنه أساسي لهوية باكستان كبلد إسلامي.

وفي أعقاب تصريحات الحاكم تاسير عن دعمه للسيدة المسيحية التي أدينت بالردة، بدأت الأحزاب الدينية في إصدار الفتاوى ضده. وفي آخر بيان لها، أثنت الجماعة البريلية على شجاعة القاتل، فقالت: «إننا نحيي ونثني على شجاعة وبسالة ممتاز قادري»، مؤكدة على ضرورة أن يتعلم الوزراء والسياسيون ومن يسمون بالمفكرين والمعلقين من موت الحاكم. وذهب مولانا شابير عضو اللجنة المركزية لجمعية العلماء الباكستانية إلى أبعد من ذلك بالقول إنه «كان واجبا قتل سلمان لأنه وصف قانونا سماويا، بالقانون الأسود، وحاول حماية متهمة بالردة».

وأوردت القنوات الإخبارية الباكستانية أن قطاعا كبيرا من الشعب الباكستاني يرى أن قتل تاسير مبرر على أسس دينية. بيد أن القضية يتوقع أن تثير انشقاقا في المجتمع الباكستاني الذي ظهر جليا في المظاهرات التي قام بها أنصار حزب الشعب الباكستاني في كثير من المدن الباكستانية للتنديد بعملية الاغتيال.

وتصريحات سلمان منذ توليه منصبه عام 2008 كانت مصدر تسلية للجمهور الباكستاني، فقد كانت هذه التصريحات مثار سخرية خصومه السياسيين، ودائما ما كانت تصريحاته المثيرة للجدل تضفي نوعا من الحيوية على المشهد السياسي الباكستاني. وتاسير كان رجل أعمال ثريا ناجحا ويحظى بنفوذ كبير على المستويين الاجتماعي والسياسي، وكان مقربا بشكل كبير من الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف والرئيس الحالي آصف علي زرداري، زوج بي نظير بوتو، وهو ما أحدث له نوعا من الزهو.

وكان تعالي سلمان دائما واضحا في سخريته من خصومه السياسيين عبر التصريحات العامة. والجدل الأخير الذي تسببت فيه بيانات سلمان كلفته حياته. نشأ سلمان في عائلة وسط الطبقة المتوسطة بعد وفاة والده المفكر الشهير الدكتور إم دي تاسير، وكانت والدته كريستابل، ناشطة سياسية يسارية من أصول بريطانية. من مثل هذه البدايات المتواضعة، حصل سلمان على بكالوريوس المحاسبة من إنجلترا وأنشأ شركة للمحاسبة لدى عودته إلى باكستان، ثم اتجه بعد ذلك إلى منطقة الخليج المزدهرة لإنشاء شركة جعلته في ما بعد واحدا من أبرز رجال الأعمال الباكستانيين.

ويقول رشيد رحمان، الصحافي البارز إن «ارتباطه بحزب الشعب الباكستاني كان عاطفيا ودائما، وقد ألف السيرة الذاتية لمؤسس حزب الشعب الباكستاني ظفار الحق علي بوتو، الذي أعجب به إعجابا كبيرا، وكان قارئا وكاتبا نهما ورجلا لم يخش من التعبير عن رأيه دون خوف».

لم يشغل سلمان تاسير أي منصب مركزي في حكومة حزب الشعب الباكستاني، لكن نظرا لأنه كان يؤدي عملا مهما في إدانة وإذلال الخصوم السياسيين للرئيس زرداري، فقد أصبح تاسير عضوا نافذا في حزب الشعب الباكستاني.

ولكن هذه الجرأة السياسية كانت دائما ما تتسبب له في المتاعب؛ فقد ألقي القبض عليه خلال الحركة الاحتجاجية ضد الحكومة العسكرية عام 1983. وخضع حينها للتعذيب في حصن لاهور السيئ السمعة. بيد أن ذلك لم يثنه، فترأس زعامة المعارضة في جمعية البنجاب عام 1988. ويقول رشيد رحمن: «شدد ذلك من خصومته للوزير الأول في البنجاب نواز شريف ورئيس حزب الرابطة الباكستانية (جناح نواز) بانتقاداته الصريحة لحكومة شريف داخل المجلس وخارجه».

بعد ذلك تخلى عن النشاط السياسي لفترة وتحول إلى التركيز على إنشاء إمبراطورية تجارية، ثم أعاد الدخول إلى المعترك السياسي كوزير فيدرالي في حكومة تصريف الأعمال التي أشرفت على الانتخابات في فبراير (شباط) 2008. ثم عين بعد ذلك في مايو (أيار) 2008 حاكما لإقليم البنجاب في حكومة حزب الشعب الباكستانية. وفي عام 1994، أسس أول شركة للأوراق المالية ورأس المال المحدود، التي تقدم خدمات الوساطة، ونشطت في مجال إنشاء الشركات الأخرى في مجال الخدمات المالية والاتصالات والإعلام والتأمين والتنمية العقارية في باكستان.

في عام 2001 أنشأ تاسير أول مجموعة إعلامية تحت اسم «تايمز ليميتد»، وأصدر أول صحيفة باللغة الإنجليزية في باكستان هي «ذا ديلي تايمز»، التي لا تزال تؤيد إلى حد كبير وجهة النظر الأميركية، ودعمت الرئيس مشرف والرئيس الحالي زرداري. وقد توسعت المجموعة الإعلامية في ما بعد لتشمل صحفا أخرى ومحطة تلفزيونية.

وبعد تعيينه حاكما لأكبر إقليم باكستاني، شن تاسير حربا كلامية على قادة حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، على الرغم من خوض حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز) انتخابات 2008 البرلمانية ضد الرئيس السابق برويز مشرف الذي أزيح ويعيش اليوم في المنفى متنقلا بين لندن ودبي والولايات المتحدة.

بيد أنه في أعقاب تنحي مشرف عن الرئاسة، بدأت الخلافات في الظهور بين زرداري ورئيس الوزراء نواز شريف، وتجلت في سياق حرب كلامية بين المسؤولين المحليين لحزب الرابطة الإسلامي وحاكم الإقليم سلمان تاسير. وقد اعتاد سلمان أن يسخر من شريف ويتهمه بالفساد، في الوقت الذي بدأ فيه حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز) بنشر روايات عن نمط حياته وأفراد عائلته الغربي إلى حد بعيد. إلا أن أسوأ ما نشره زعيم حزب الرابطة الإسلامية بين الصحافيين وأعضاء البرلمان، صورا لعائلة تاسير كانت مثار سخط كبير، تظهر ابنتيه في لباس البحر.

وخلال عمله كحاكم للبنجاب واصل سلمان صدامه مع عائلة نواز شريف. وقد وصلت الصدامات بين عائلة نواز شريف وتاسير إلى ذروتها معه اتهام الأخير لنواز شريف بدعم الجماعات المسلحة في البنجاب، حتى إن تاسير قدم صورة لزعيم حزب الرابطة الإسلامية مجتمعا مع قادة الجماعات المسلحة المحظورة أحدثت جدلا استمر لشهور في وسائل الإعلام الباكستانية.

والمثير للمفارقة كرجل أحب إثارة الجدل، أنه لن يتوقف عن إثارة الجدل حتى بعد وفاته. وعلى الرغم من أن الأغلبية الساحقة من الباكستانيين متأكدة من أن تصريح سلمان تاسير المثير للجدل بشأن قانون الردة هو الذي تسبب في موته، فإن أعضاء حزبه ينوون لي عنق الحقائق وإحداث جدل آخر. فيقول راجا أحمد، المسؤول البارز في حزب الشعب الباكستاني إن مقتل تاسير كان ذا دوافع سياسية، وأضاف أن «عناصر محددة دأبت على لي الحقائق لكي يلبسوها ثوبا دينيا».

وشدد فوضياء وهاب، المسؤول البارز في حزب الشعب الباكستاني، مرة أخرى على أن مقتل تاسير تقف خلفه دوافع سياسية، فقال إن عملية القتل ليست من عمل المتعصبين الإسلاميين، بل ذات دوافع سياسية. ويشير قادة حزب الشعب الباكستاني إلى أن لديهم شكوكا متزايدة لأن عددا من المسؤولين أكدوا أن مالك ممتاز قادري، الحارس الذي أردى تاسير، طرد من قوة العمليات الخاصة التابعة لشرطة روالبندي بعد تقرير من مفوض الشرطة الإقليمي أكد فيه على أنه «تهديد أمني». وقال مسؤولو حزب الشعب إنهم علموا أن رئيس قادري وصفه بالتهديد الأمني بسبب آرائه المتطرفة، وأوصى ضابط آخر بأن لا يلحق بحراسات الشخصيات المهمة. والمؤشرات هنا واضحة نظرا لأن شرطة البنجاب يسيطر عليها حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز) في اتهام غير مباشر للحزب بالتآمر لقتل سلمان تاسير، ومن ثم الدخول في شقاق آخر.