مكتبة الكونغرس.. عالم من الكتب والتراث

الأكبر عالميا.. بدايتها كانت عام 1800.. تحوي أهم الوثائق الأميركية وصورا نادرة من الحرب الأهلية وأشهر الأفلام

البهو الخارجي لمكتبة الكونغرس الأميركية («الشرق الأوسط»)
TT

صحيح أن مكتبة الكونغرس في واشنطن هي أكبر مكتبة في العالم. لكنها ليست مكتبة للكتب والوثائق والتقارير فقط. خلال السنوات القليلة الماضية، صارت تحفظ التراث الأميركي. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت أن 25 فيلما سينمائيا وأفلاما وثائقية «تعتبر جزءا مهما من الثقافة الأميركية».

من الأفلام: «أول ذي بريزيدنتس مِن» (جميع رجال الرئيس) عن فضيحة «ووتر غيت» سنة 1975، التي كانت سبب استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون. كتب الكتاب الصحافيان في صحيفة «واشنطن بوست»: بوب وودورد، وكارل بيرنشتاين اللذان كشفا تفاصيل الفضيحة. وكان بطل الفيلم داستين هوفمان وروبرت ربدفورد. في كل سنة، تأتي إلى مكتبة الكونغرس توصيات من الجمهور لاختيار أفلام توضح في السجل الثقافي. توصيات لاختيار 25. وقال جيمس بيلينغتون، مدير المكتبة، لصحيفة «واشنطن بوست» إنه خلال السنة الماضية تسلم أكثر من ألفي اسم فيلم وفيلم وثائقي، اختير منها 25. وأضاف: «يمكن ضم أي فيلم عمره أكثر من 10 سنوات».

ما هو المقياس؟ قال إن المقياس الوحيد هو «الأهمية الثقافية والتاريخية والجمالية». ولا يشترط أن تكون الأفلام من قبل 10 سنوات فقط. واحد من الأفلام التي اختيرت هذه السنة يعود إلى سنة 1912: «برزرفيشن أوف سين لانغويتش». وهو عن لغة الإشارة، والقصد من المحافظة عليه هو زيادة الاهتمام بالصم والبكم والعمي في المجتمع الأميركي. وأيضا للفت الأنظار وتوعية الناس بسنوات الإهمال مع بداية القرن الماضي، حيث كان المجتمع يضغط على البكم لينطقوا، أو كان يتجاهلهم، أو يظلمهم، هم والعمي والصم. في الحقيقة، اهتمام الأميركيين، وبقية الغربيين، بالعمي والصم والبكم ظاهرة جديدة بدأت خلال النصف الثاني من القرن الماضي.

وهناك فيلم وثائقي: «تريب داون ماركت ستريت» (رحلة في شارع ماركت، في مدينة سان فرانسيسكو). تبلغ مدة الفيلم 13 دقيقة، ويعود لسنة 1906، ويسجل صور شارع بكاميرا ثبتت في مقدمة عربة قطار.

وصورت الحرائق والدمار بسبب زلزال تلك السنة، وهو أكبر زلزال مدون في تاريخ أميركا. وتبدو أهمية الفيلم واضحة لأن السينما كانت ظهرت قبل سنوات قليلة من الزلزال، بل كانت في أطوارها الأولى. وكان ذلك من أوائل الأفلام الوثائقية.

وهناك فيلم «آي إم خواكين» الذي أنتج سنة 1969. وهو عن الهنود الحمر، وخاصة قبيلة الشيكانو، وأنتجه واحد من القبيلة. وعن هذا قال مدير مكتبة الكونغرس: «هذا دليل على أن هذا الوطن فيه مبدعون كثيرون، بصرف النظر عن خلفياتهم. في هذا الوطن، كل شخص لديه شيء يمكن أن يقوله أو يسجله أو يصوره».

ولا بد من ملاحظة أن أفلام الهنود الحمر: أولا: لم تكن كثيرة. ثانيا: كانت سلبية، عن الكاوبويات وهم يقتلون الهنود الحمر مثل الأبقار. ثالثا: لم تكن وثائقية، تدون الحياة الحقيقية لهؤلاء الناس. وكان فيلم «آي إم خواكين» من أوائل الأفلام الوثائقية عنهم.

في الماضي، كانت مكتبة الكونغرس تحتفظ بالأفلام في شرائط، بنفس الطريقة التي أنتجت بها. ثم ظهرت أفلام الفيديو. ومؤخرا الأفلام الرقمية. وهذا التطور الأخير في التكنولوجيا سهل مهمة البحث على الباحثين. ولم يعد الباحث يترك جامعته، ويسافر إلى واشنطن، ويقيم فيها، ويذهب إلى مكتبة الكونغرس، ويطلب فيلما معينا، ويشاهده في غرفة صغيرة مظلمة. ولأنه لا يقدر على أن يدون في الظلام مذكراته، كانوا ينصحونه بحمل مسجل صوت يسجل ملاحظاته. في عصر التكنولوجيا الرقمية، تمكن مشاهدة أي فيلم في مكتبة الكونغرس في واشنطن، أو في واحد من فروعها. أو في قنوات تلفزيونية متخصصة. أو يرسل الفيلم في قرص بالبريد على طريقة «نت فليكس»، حيث يشاهده الشخص، ثم يعيده.

ويقول مدير مكتبة الكونغرس: «في المستقبل، نأمل أن نضع الكثير من هذه المواد في شبكة الإنترنت». مثلا، سيقدر طلاب مدرسة في فصل التاريخ الأميركي دراسة حرب فيتنام عن طريق أفلام مثل «ابوكالبسو» و«بانطون». يعرضونها على شاشة الفصل من كومبيوتر متصل بمكتبة الكونغرس.

في سنة 1800، بعد استقلال الولايات المتحدة بربع قرن تقريبا، وقع الرئيس جون آدامز على قانون نقل مقر الحكومة الاتحادية من فيلادلفيا إلى واشنطن. وكتب على هامش الصفحة: «توجد كتب مهمة تتعلق بتاريخنا. وقد تكون ضرورية لاستخدام الكونغرس. أقترح تخصيص شقة مناسبة بالقرب من الكونغرس توضع فيها».

لكن، في سنة 1814، دمرت المكتبة الصغيرة، عندما غزت القوات البريطانية الولايات المتحدة (بعد طردها واستقلال أميركا بـ40 سنة). كانت القوات البريطانية، مع استقلال أميركا، انسحبت إلى كندا المجاورة، التي كانت لا تزال مستعمرة بريطانية. ومن هناك تحرشت بالثورة الأميركية، وغزتها. بعد هزيمة البريطانيين (للمرة الثانية) وفي سنة 1815، عوضت المكتبة فقدها بشراء مكتبة توماس جيفرسون (واحد من الآباء المؤسسين، وكاتب وثيقة حقوق الإنسان الأميركية، وثالث رئيس). في سنة 1851، تعرضت المكتبة لحريق كبير آخر، دمر 35 ألف كتاب تقريبا، من 55 ألف كتاب كانت كل محتوياتها.

في سنة 1886، بني المبنى الحالي، على غرار الفن المعماري لعصر النهضة في إيطاليا (القرن السابع عشر). لكن، لم يكتمل البناء إلا بعد ذلك بعشرين سنة. في سنة 1928، وحسب طلب من أمين مكتبة الكونغرس، وافق الكونغرس على شراء الأراضي التي تقع شمال المكتبة الرئيسية لبناء ملحق جديد للمكتبة. وبناء نفق يربطه بالمكتبة الرئيسية. وإضافة جناح بالجهة الشرقية للمبنى، يخصص للكتب النادرة.

ورمزا للتنوع الحضاري في الفن المعماري الغربي، بني الجناح على غرار الطراز الأوروبي الكلاسيكي. ووضعت فيه تماثيل من البرونز لشخصيات أوروبية تاريخية. وسمي على اسم جون آدمز، الرئيس الثاني، بعد جورج واشنطن.

وفي سنة 1974، تقرر بناء بناية ثالثة بسبب استمرار التوسع في المقتنيات. وسمي جيمس ماديسون (الرئيس الثالث). وجاء تصميم البناية حسب الفن المعماري الحديث، وذلك ليكون كل واحد من البنايات الـ3 رمزا لفترة معمارية حضارية معينة. في الوقت الحاضر، هي أكبر مكتبة في العالم، والمرجع الأول في العالم للكثير من المراجع. أي أن المراجع تسجل فيها، وكأنها موثق للتأليف والمؤلفين. وتضم أكثر من 130 مليون كتاب ومطبوعة ووثيقة ومخطوطة ومحفوظة وخريطة ومدونات موسيقية ولوحات فنية.

منها 30 مليون كتاب، بـ460 لغة قديمة وحديثة.

وفي الكتاب الذي أصدره عن المكتبة، قال مديرها، جيمس بيلينغتون: «ليست المكتبة فقط لحفظ الكتب. لكنها، وهذا هو الأهم: أولا: مكان لتحفيز الناس على التفكير الحر. ثانيا: مكان لتفاعل الثقافات‏. ثالثا: مكان لتطوير العلوم». وفي مجال العلوم، أشار إلى جانبين: الأول: حفظ كتب وتراث التطورات العلمية. والثاني: الاستفادة من هذه التطورات العلمية. ويظهر هذا في حرص المكتبة على مواكبة الاختراعات الحديثة لتطوير خدماتها، وتسهيل استفادة الناس منها. وبفضل العلوم التكنولوجية، بدأت المكتبة تنفتح على كل العالم.

وقال مديرها: «نأمل أن يعزز التفاهم والاطلاع التفاعلات الثقافية العالمية». وأشار إلى دخول المجال الرقمي، ليس فقط داخل المكتبة، ولكن، أيضا، في التعاون مع مكتبات أخرى داخل وخارج أميركا. ومن بين هذه: مكتبة الإسكندرية في مصر، ومكتبات في ‏بريطانيا‏‏ وفرنسا‏‏ وروسيا‏‏ والبرازيل‏‏ والصين. بالإضافة إلى أنها مكتبة، هي أيضا متحف.

فيها أهم الوثائق الأميركية، مثل: إعلان الاستقلال الأصلي، والدستور الأميركي الأصلي، وصور نادرة من الحرب الأهلية، والوثيقة الأصلية لإعلان إلغاء العبودية، ووثائق الهجرة والتجنس لمشاهير أميركيين‏.‏ ومثلما تتعاون المكتبة مع مكتبات أخرى في مجال الكتب، بدأت تتعاون في المجال الثقافي والحضاري. وفي هذا، تتعاون مع منظمة «يونيسكو» من أجل زيادة الاهتمام بالثقافات الأخرى. ومد جسور أكثر بين الشعوب. وتقريبها بعضها مع بعض. وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء عن طريق تسخير ثورة المعلومات والاتصالات.‏ لأن مباني المكتبة متحف وأيضا مكتبة، يزورها كل سنة مليون ونصف المليون شخص تقريبا. لكن، في عصر تكنولوجيا الإنترنت، صار يزورها مليون شخص آخر عن طريق موقعها، وهو واحد من أشهر المواقع العالمية في الإنترنت. ويتوقع أن يزيد العدد عندما تحقق المكتبة المشروع الإلكتروني العملاق الذي سيجعل كل شخص، في أي مكان في العالم، يقدر على أن يزور المكتبة. ويطلع على كتبها وبقية محتوياتها. ويجري أبحاث دكتوراه وماجستير، أو أبحاث كتب، أو حتى ورقة لفصل في مدرسة ابتدائية أو متوسطة.

لكن طبعا، تضيف الزيارة الشخصية لمباني المكتبة العملاقة معلومات وانطباعات أكثر. ليس فقط تقليب كتاب عمره مائتي سنة صفحة صفحة. وليس فقط مشاهدة أول فيلم سينمائي. وليس فقط الاطلاع على الفن المعماري داخل قاعات القراءة مثلا. ولكن أيضا الاطلاع على سلسلة لا تتوقف من المعارض، واحتفالات تخليد هذا، أو ذكرى هذا.

وهنا عينة من نشاطات المكتبة خلال الشهرين الماضيين: أولا: مناظر طبيعية من سان فرانسيسكو. ثانيا: رسائل خاصة وبرقيات أرسلت إلى الرئيس لنكولن بعد انتخابه سنة 1838. ثالثا: صور من الحرب الأهلية الأميركية (1861 - 1865). رابعا: خطب السيناتور الراحل دانيال موينهان. كان مستشارا لثلاثة رؤساء، وسفيرا، وسيناتورا من ولاية نيويورك، وكاتبا غزير الإنتاج، وصاحب آراء مهمة وفلسفية عن كل شيء تقريبا. خامسا: معرض عن المقابر وشواهد القبور. سادسا: معرض عن الطبخ وكتب الطبخ. سابعا: معرض عن اللغة اليديشية (اليهودية القديمة). ثامنا: معرض يبحث في العلاقة بين الترفيه والسياسة. تاسعا: أوراق بوب هوب، ممثل فكاهي توفي قبل 20 سنة. عاشرا: ندوة عن أدب الكوميديا والهزل.

قائمة 25 فيلما أدخلت في السجل الوطني للأفلام في الكونغرس للسنة الماضية: 1 - «طائرة» (1980). 2 - «كل رجال الرئيس» (1976). 3 - «الصفقة» (1914). 4 - «صرخة من موسيقى الجاز» (1959). 5 - «متاهة الإلكترونية» (1967). 6 - «عودة الإمبراطورية» (1980). 7 - «طارد الأرواح الشريرة» (1973). 8 - «صفحة أولى» (1931). 9 - «حدائق رمادية» (1976). 10 - «أنا خواكين» (1969). 11 - «إنها هدية» (1934). 12 - «ليكن نور» (1946). 13 - «وحيد» (1928). 14 - «إفساح الطريق لغد» (1937). 15 - «مالكوم إكس» (1992). 16 - «مكابي والسيدة ميلر» (1971). 17 - «رياضي مطار نيوآرك» (1891). 18 - «سيدة المجال» (1969). 19 - «النمر الوردي» (1964). 20 - «لغة الإشارة» (1913). 21 - «حمى ليلة السبت» (1977). 22 - «دراسة لالنهري» (1996). 23 - «الترنتيلة: رقصة شعبية إيطالية» (1940). 24 - «شجرة في بروكلين» (1945). 25 - «رحلة على شارع ماركت» (1906).